ضمن مهرجان «قلنديا الدولي»

عن الحالة الزّفت… في معرض “فاصلة”

فايد بدارنة

كاتب من فلسطين

نتيجة الهيمنة الذكورية، هي ليست فقط إقصاء النساء من الحيز الاجتماعي والسياسي وإنما اأيضاً إقصاء النساء من الحيز الوطني في مواجهة الاحتلال. ترفض اللوحات التلاعب بها وإعطاءها مسميات لكنها لا يمكن أن تتحكم بالباب الذي قد يفتح للتفسير والتفكيك.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

30/10/2018

تصوير: اسماء الغول

فايد بدارنة

كاتب من فلسطين

فايد بدارنة

التضامن هو عنوان الدورة الرابعة من فعاليات “قلنديا الدولي” حيث أطلقت الدورة الحالية لهذا الحدث الثقافي دعوة للخوض في أشكال وإشكاليات التضامن Solidarity في ظل واقع جديد، واقع يحتل فيه الحيز الاجتماعي والحياتي الحيز الرئيسي في المشهد الفلسطيني. فلسطين التي رزحت ومما زالت ترزح تحت سيطرة القوى الاستعمارية خاضت تجارب متعددة مختلفة ومركبة من أشكال التضامن العربي والدولي وكان على هذه التجارب التضامنية أن تتعامل مع تغيرات وقائع وإيديولوجيات أحدثت تحولات بأشكال التضامن: من المد الاشتراكي والمد القومي العربي وصولاً للمد الإسلامي. مع تصاعد الإسلام السياسي في حاضرنا ومع تحول “العولمة” لتكون الوجه المركزي للعالم الرأسمالي وتسلل الحل “السياسي التفاوضي” للمشهد الفلسطيني، لا بد أن تتأثر أشكال ومستويات التضامن العربية والعالمية مع قضية فلسطين الإنسانية العالمية، التحولات والتغييرات تبدل الهم “الثوري التحرري” بالهم ” المعيشي”. هل يمكن للفن أن يستمر بالتعبير عن الحالة الكولنيالية وآلتها القمعية؟ هل يمكن للفن أن يراوغ ويكيف نفسه مع الوقائع الجديدة دون أن يفقد بوصلته الأساسية ألا وهي زوال الاستعمار؟

في صالة جاليري الحوش الفلسطيني في القدس أقيم معرض “فاصلة” لمجموعة من الفنانين، تقدم الأعمال قراءات متعددة ومختلفة للواقع الفلسطيني أو للغلاف المحيط ذات الصلة بفلسطين، تتطرق الأعمال أيضاً لتفاصيل إنسانية للفرد الفلسطيني، لهمومه ولحالات الرعب، الخوف والقمع والتحدي التي تُفرض على الإنسان العادي. سنقدّم في هذه المقالة قراءة لبعض الأعمال المشاركة في المعرض.

زفت – هاني زعرب – غزة – 2016
 

الفنان الغزاوي هاني زعرب قدم نموذجاً متميزاً “سوداوياً” من حيث الأدوات والمواد والموضوع. تربط أعمال زعرب ربطاً وثيقاً بين التعبير الفني للعمل، الظهور النهائي على الحائط وبين موضوع العمل. الزفت هو المركب الأساسي للشكل والمضمون.

“الزفتة” هي المادة الأساسية في تفصيل العمل وتقنياته، مع الزفتة كتعبير أساسي والإكليريك كمادة مساعدة قدم زعرب لوحاته. الزفت مصطلحنا اليومي، الزفت حالتنا السياسية الاجتماعية والاقتصادية. “زفت” هو جوابنا الطبيعي لـ “كيف الحال؟“، زفت هي حالة الإنسان الفلسطيني في حالة الانحدار وفي حالة الغموض وفي حالة السقوط. و”زفت” تعبير الغضب وتعبير خيبة الأمل، والزفت هو بحثك عن الأساسيات، الأساسيات الخدماتيه بوجود شارع إسفلتي أو عدمه. “الزفت” كلمة عربية معناها العبري “زيفت”، تشابه لغوي مقابل هوة في موازين القوى. الاحتلال المساهم والراعي الأول لحالتك “الزفت” يدخل “مقاولين ثانويين” للمشهد الفلسطيني لتصير الحالة أكثر تركيباً وأكثر سوداوية وأكثر “زفتاً”.

العمل يبدو متجهما بالسواد، السواد “المزفت” يخلق أوجه لوحات ما بين التوحش والخوف، ما بين التقوقع بالسوداوية وبين فسحة الامل بالوان فاتحة. “زفتة” زعرب مادة ناجحة فنيا وموفقة تعبيريا، وبرايي تعبر عن هم وهاجس الفنان بالبحث عن الجديد الفني.
 

Zeft 6, tar and pigments on canvas, 2016

       

Zeft 18, tar and pigments on canvas, 2016

 

Zeft 14, tar on canvas, 2016

 

Zeft 16, tar and pigments on canvas, 2016

 

Zeft 9, tar and pigments on canvas, 2016

ورق جدران – تيسير البطنيجي – غزة – 2015

يعالج الفني تيسير البطنيجي المشهد غير الاعتيادي من رعب، تفجير، قتل وذبح، وكيفية تحوله لمشهد اعتيادي، عابر. يقوم تيسير بتجميع صور إنترنت “غير اعتيادية” ويحولها لورق حائط، يذهب البطنيجي إلى تحويل الاستثنائي إلى اعتيادي، فبدل أن يجعل من الاستثناء لوحة استثنائية على الحائط، يتنازل عن “البرواز” ويحول الحائط إلى لوحة بيئة اعتيادية. ورق الحائط هو وضع اعتيادي للعامة، تتابع رسماته بشكل روتيني، معتاد على وجوهه رغم غرابته. لذلك يقوم الفنان الغزي بتحويل مشهد الذبح إلى لوحة كبيرة عبر ورق الحائط، آملاً من الناس التفرس بالمشهد ليتحول الناس لحالة صحو، ذهول من الكم المرعب من القتل. يراهن الفنان على قراءة مجددة من قبل المشاهد ليكتشف عمق المأساة.

تعكس الأعمال مجريات وأحداث تاريخية ألقت بظلالها على الحالة الفلسطينية وحالة التضامن معه. تشير أعمال “ورق الحائط” إلى وقائع الموت والذعر كوقائع الذبح الداعشي باللون البرتقالي والأسود، يوميات الذبح التي اعتدنا عليها تدريجياً ولربما نسيانها. تحاكي أعمال تيسير البطنيجي بشكل مباشر ثيمة قلنديا الدولي الذي يعالج أشكال التضامن مع فلسطين في ظل أحداث ومتغيرات دولية. ولا شك أن الإرهاب الديني الداعشي أثّر سلباً على مستويات التضامن مع فلسطين لوجود خلط في ذهنية الرأي العام الغربي ما بين “الإرهاب” و”المقاومة”. موضوع الاعتيادي والاستثنائي في أعمال البطنيجي تحفز المشاهد لاستحضار الحالة الفلسطينية، وهكذا يصبح “الحاجز” اعتيادياً، تلاشي في الاكتراث للوجود اليومي للحاجز في ظل هم حياتي ومعيشي، وهكذا هو الحال مع الجدار. فهل نحدق بورق الحائط الاعتيادي لنكتشف عمق الجريمة؟
 

 

 

 

29 نوفمبر – توم بوجارت – بلجيكا – 2018

يقدم البلجيكي توم بوجارات عملاً تركيبياً من خلال مجال الفيديو آرت. حيث يقدم تعابير مرئية من على شاشة في غرفة معتمة جزئياً يرافقها مقطع صوتي متكرر من خلال مكبر صوت لربما يرمز لصوت الإنسان في المظاهرات أو لنداءات قوى الأمن لتفريق المظاهرات. مركبات الفيديو آرت التي يقدمها بوجارت تشكل عملاً احتجاجياً على حجم “التعاطف” العالمي مع الشعب الفلسطيني. يذهب لدراسة أحداث “29 نوفمبر، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني”، ليجد أن القائمة مزدحمة بمناسبات، تواريخ ، أحداث وظواهر ومواضيع أخرى تكرس لها الأمم المتحدة برامج وندوات وأيام وحملات وأيام تضامنية.

ويستحضر بوجارت مواضيع تستحق الاهتمام الأممي والإنساني، لا ينتقص من أهميتها، وإنما يتابع التحولات والتغييرات التي طرأت على يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. هي صرخته ضد أن يتحول هذا اليوم ليوم اعتيادي، وأن تتحول قضية شعب يرزح تحت الاستعمار لقضية هامشية.
 

 

شاباس – روان أبو غوش – القدس – 2018

تقدم الفنانة روان أبو غوش مجسماً من الحديد والقماش، كتب عليه بالعبرية ”مصلحة السجون“. يعكس العمل الحالة الصدامية بين سجان يمتلك كل وسائل القمع وبين أسرى فلسطينين عزل من أي شيء سوى أجسادهم. يتحول جسد الأسير الأعزل لسلاح يواجه به آلة القمع في سجون الاحتلال. تقدم أبو غوش جسد الأسير ككيان يمتلك وعي وإدراك وهوية يستعين الأسير به لرفض محاولات سجانه تحويله لآلة جوفاء. يفرض عليه السجان حرباً ليصادر منه إنسانيته فيحول الأسير الفلسطسني جسده الأعزل لسلاح حديدي للدفاع عن إنسانيته أمام آلة الحديد الاستعمارية التي تحتجزه. هذه الحالة الصدامية تستحضرها أبو غوش عن طريق هذا العمل الفني ليقول السجين: حديد يحاول كسر إنسانيتي، فيصبح جسمي حديدياً لأحمي إنسانيتي.
 

 

بدون عنوان – نور أبو عرفة – القدس – 2010-2011

تقدم أعمال نور أبو عرفة بواسطة ألوان وأقمشة على خشب. تقول نور إن اللوحات “ترفض التلاعب بها وتصنيفها أو إعطاءها مسميات، الخطوط المجردة تخفي أي صفات معينة مما يجعلها تفتح سبلاً للرؤيا المجازية المختلفة.” وبالفعل فإن أعمالها المقدمة لا تبقي العمل في مساحة واحدة للتأويل والاستيعاب. قراءتي الخاصة تميل لتحليل واستيعاب العمل كتعابير جندرية لحالة “الصمت” النسائية، للخنق الذكوري الممارس ضد النساء، فألوان القماش مستوحاة من الملابس الخاصة للنساء ومن الأقمشة المستعملة في تضميد ومعالجة الكسور في الجسد، والدوائر في الأعمال قد ترمز لـ “الدورة الشهرية”، وهذه المواد والإيحاءات مقدمة بالأعمال ما بين الشد المحكم الخانق وما بين محاولات الرفض والتمزق.

نتيجة الهيمنة الذكورية، هي ليست فقط إقصاء النساء من الحيز الاجتماعي والسياسي وإنما اأيضاً إقصاء النساء من الحيز الوطني في مواجهة الاحتلال. ترفض اللوحات التلاعب بها وإعطاءها مسميات لكنها لا يمكن أن تتحكم بالباب الذي قد يفتح للتفسير والتفكيك.
 

 

 

غير متصل – نور عابد – رام الله – 2018

يقدم عملاً مختلفاً عن باقي الأعمال في المعرض، أكثر تعقيداً ومحاكاة للمباني الاجتماعية. من خلال الفيديو يقدم حالة الركود في الحاضر الاجتماعي الفلسطيني، حاضر ملتصق بالماضي. يستعين العمل بالمفكر البريطاني مارك فيشر الذي تحدث عن “الحنين إلى المستقبل” معتمداً على ”الهونتولوجيا Hauntology” للفيلسوف الفرنسي جاك دريدا.  فيشر قدم نقداً فلسفياً للرأسمالية ودورها في إعاقة التقدم نحو المستقبل، lost futures، وإحداث قلق وإرباك للثقافة.

يتم تقديم الحالة الفلسطينية كحالة تعيش الماضي دون توق للتجديد عن طريق مراسيم العرس الروتينية، مقابل أنماط أخرى “أجنبية” لكنها بلا ملامح ومعالم بارزة، إلا أنها تُظهر بالفيديو محاولة كسر النمطية عن طريق المحاولات المتجددة لخلق انطلاقات جديدة. ويمكن لمن يشاهد فيديو آرت “غير متصل” أن يذهب نحو توجيه نقد للمؤسسة السياسية الفلسطينية “الرأسمالية” التي تساهم في حالة الإرباك التي يعيشها الشارع الفلسطيني وتعيق أشكال التقدم الفلسطيني نحو المستقبل ورؤية الارتباط هذه المؤسسة بالكيان الكولنيالي كحالة أعمق لهذا الركود. ويبقى العمل مفتوحاً للتفسيرات والقراءات.
 

 

 

الكاتب: فايد بدارنة

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع