يُعَدّ خالد حوراني من أهم التشكيليين الفلسطينيين بين مجايله، وهو من المشتغلين البارزين في المشهد الفني في فلسطين المحتلة، كرسام وقيّم وناقد فني ومؤسّس ومدير سابق لأكاديميّة الفنون الدولية – فلسطين، وهو يعيش ويعمل في رام الله. وكان أن فاز في عام 2013 بجائزة “الإبداع للفن والتغيير الاجتماعي” من موسسة «كرييتيف تايم» في نيويورك.
“رمان” تواصلت معه خلال فترة إقامته الفنية المؤقتة في بلدة “كسيس” في الجنوب الفرنسي، فكان هذا الحوار..
بداية، ما الذي تذكره عن بدايات مسيرتك الفنية؟
أول ما أذكر هو الفشل، الفشل الذي لا أزال أشعر به ربما إلى غاية الآن، ربما كان الإخفاق أحياناً دافعاً عندي مثلما هو عند كل إنسان للتركيز على شيء محدد، أنا فاشل في أشياء كثيرة، الرياضة على سبيل المثال، والموسيقى، والحب ربما. كما أني أشعر بالتقصير في ممارسة الفن.
الخطوة الأولى كانت في البيت ثم في المدرسة، حيث لقيت التشجيع من أهلي بداية ومن الجيران، ومن أستاذتي لاحقاً، كان أن درست في مدارس وكلة الغوث “الأونروا” حتى مرحلة الإعدادية، لم أكن متفوقاً في كل الدروس كان تقديري جيداً في الغالب، غير أني تميزت في الرسم والخط، الأمر الذي جعل أساتذتي يأخذونني بعين الاعتبار كهاوي وفنان مع الوقت، رسمت الكلمات الممنوعة من الصرف وخططت إن وأخواتها كلوح توضيحي، وكذا أحرف الجر، رسمت لأستاذ العلوم الأذن والحنجرة وجسم الإنسان، حتى أستاذ الرياضة شجعني على استثمار موهبتي وكان الرسم سبب لدخولي في فريق المدرسة لكرة الطائرة واليد والقدم غير أنني كنت في الاحتياط. أشكر الآن عائلتي وكل من شجعني في بداياتي بعالم الفن.
هذه الأجواء وضعتني على السكة وجعلتني أكتشف مع الوقت حلاوتها وشجعتني على الرسم، رسمت وخططت آرمات منذ الصغر وقد عملت على تطوير هذه القدرات بشتى الطرق، لقد أجبت عن “سؤال البدايات” في حياتي أكثر من مرة، وهو على الدوام يحيلني إلى الماضي فلا بأس من الاعتراف الآن، وموضوع الفشل هذا كان في الماضي، والآن أنا أرسم وأكتب وأعمل مشاريع فنية بدوافع أخرى، بدافع القلق ربما أكثر من أي شيء آخر ورغبة في مشاركة الآخرين تعليق ما على رحلة الحياة، وكان قدر الفنان أن يعيش ليروي.
ما هو التيار الفني الذي يعتبر الفنان خالد حوراني أنه ينتمي إليه فنياً ووجدانياً؟ ولماذا؟
أميل قطعاً إلى أعمال فنية كثيرة ومتنوعة وهي تتوزع بين الأدب والسينما والفنون البصرية وخلافه، غير أن سؤال التيارات الفنية لا يقلقني، صحيح أن الموت أو المدرسة الواحدة مع الجماعة رحمة. ولكني أعتقد أن في الفنان الواحد اليوم أكثر من تيار وتوجه ومن الصعب وضع معايير أحياناً.
بالنسبة لي ما يهم هو الفكرة والمقولة وهي تأتي بالمقام الأول، ثم كيف وبأي وسيلة؟ فهذا سؤال يأتي لاحقاً. ما يهم أن يكون الأسلوب خادماً للفكرة بالدرجة الأولى. طبعً أنا لا أقلل هنا من قيمة التيارات الفنية وتنظيراتها وما حققته في تاريخ الفن ومدارسه، غير أنني أفضل الانتماء للحياة؛ الحياة التي تعتبر أصدق من كل النظريات والتيارات.
تعجبني الأعمال الفنية التي تسأل والتي قد تجرح وعينا أحياناً، ولا تعجبني النصائح والفن الموجه بالأيدولوجيا أو الانتماء الفكري إلى مجموعة ما.
أنت أيضاً ناقد فني، وقيّم، نظمت العديد من المعارض المتميزة في بلدك، كان آخرها المعرض الاستعادي الأول للفنان الفلسطيني سمير سلامة، الذي غادرنا مؤخراً والذي يُعد أحد مؤسسي الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر، وذلك في مقر غاليري “ون” بمدينة رام الله، في حزيران/ يونيو الماضي، ماذا عنى لك على الصعيد الشخصي، وأي دلالات حملها على الصعيد الوطني، خاصة أن معظم لوحات سلامة كانت تعرض في فلسطين للمرة الأولى؟
دعنا نترحم أولاً على روح الفنان الكبير سمير سلامة، والذي من مفارقات الدنيا الكثيرة أنه توفي في يوم نهاية معرضه في الخامس عشر من آب/ أغسطس الماضي، والذي تلاه يوم ميلاده. وهذه مصادفة عجيبة، وكأنه كان على موعد ليودعنا بهذه الطريقة الفنية والإنسانية وهذا التوقيت.
أبدأ بسمير ليس لأنه المعرض الأخير الذي نظمته في أربع مدن فلسطينية كمعرض استعادي لواحد من أهم فنانينا الرواد، وإنما أيضاً لأنه المعرض الأخير له في حياته.
كان سمير مريضاً جداً أثناء التحضير لهذا المعرض، وقد كان كريماً جداً وشجاعاً إلى أبعد حد، فقد حضر جميع أيام افتتاح معارضه في المدن الأربعة وهو مجهد وكأنه أراد بذلك أن يودع الناس. وقد كنا محظوظين جداً بعرض أعماله التي امتدت على مدار عشرات السنين في معرض واحد وعلى دفعة واحدة. رحيله أمر محزن فعلاً ولكننا شعرنا بالسعادة لأننا تمكنا من تحقيق هذا المعرض الهام جداً لتاريخ الفن في فلسطين ولسمير سلامة وفنه، والذي أعتقد أننا تأخرنا كثيراً في إقامته بفلسطين، وأرى أنه كان على مؤسسات العمل الثقافي الفلسطيني ربما أن تقيم معرضاً استعادياً لسمير قبل ذلك بكثير. لقد كنا وكأننا نسابق الوقت وقد حضر سمير بالفعل إلى المعرض ولكن بسيارة إسعاف، تستطيع أن تتخيل، وبمرافقة جهاز تنفس!
أقول ذلك وأنا أحمد الله أننا تمكنا من إقامة هذا المعرض، وأننا تمكنا في اللحظات الأخيرة من عمل شيء مهم، وتقديم سمير في حياته من خلال معرض يليق بفنه وتجربته الفنية الطويلة. وكنا قد أصدرنا بالمناسبة كتاباً عن أعماله احتوى مقالات نقدية ومقابلات رافقت المعرض. أحياناً كثيرة أشعر أن على الفنان في بلادنا أن يكون مؤسّسة وليس منتجاً للفن فقط.
بالنسبة لي هي ممارسه فنية في النهاية، بحثت، علمت، كتبت، رسمت، أنتجت معارض لغيري، وأنا أقوم بذلك برضى تام وهذا يغني تجربتي الفنية، فلا أستطيع أن أكون رساماً 24 ساعة في اليوم وعلى مدار الأيام، هناك وقت أسرقه لممارسة الكتابة والنقد وغير ذلك. الفن موضوع جدي ومتعب وهو مسؤولية، وعلى الفنان أن يقدر هذا أحسن تقدير، وهو موضوع معرفي بامتياز أيضاً ومرتبط بالكتابة والفلسفة والتاريخ والأدب.
أمارس النقد الفني كفنان وليس كناقد فقط، لدي إنتاجي والذي هو عرضة للنقد أيضاً، وفيه رأي وطريقة تفكير، غير أنني أجازف بهذه العملية ومستعد لأدفع الثمن. أكتب عندما يعجبني شيئاً ما أو العكس، وعندما أرى أنه من الضروري الإضاءة هنا أو هناك على شيء يستحق النقد. كما وأصمت في أحيان كثيرة وأعتقد أن الفنان نافذ بطبيعته والممارسة الفنية هي ممارسة نقدية بطريقة أو بأخرى.
احك لنا قصتك مع مشروع “بيكاسو في فلسطين” منذ بدايتها في عام 2011 وحتى أول معرض استعادي لك في الوطن العربي، في “دارة الفنون- مؤسّسة خالد شومان” بعمان، ضمن برنامجها “فلسطين الحضارة عبر التاريخ” في 2017؟
بين عام 2009 و 2011 وأثناء عملي في الأكاديمية الدولية للفنون- فلسطين، تمكنت من إنجاز هذا المشروع الفني الضخم، وهو يتلخص في إحضار لوحة للفنان العالمي بابلو بيكاسو (1881 – 1973) من متحف “الفان آب ميوسيوم” في هولندا ونقلها إلى فلسطين لأول مرة في التاريخ لعرضها في متحف صغير أنشئ خصيصاً في مدينه رام الله بمساحة (4 ب 4) متر.
أحضرنا اللوحة “اليتيمة” من المتحف الهولندي لتعرض في بلادنا التي هي في حالة مواجهة مفتوحة وحرب دائمة مع الاحتلال الصهيوني. ولك أن تتخيل كيف مرت هذه اللوحة عبر الحدود وحواجز الاحتلال، خاصة حاجز قلنديا الشهير.
الحدث هنا إلى جانب عرضنا للوحة «وجه السيدة» (بوست دي فام) والتي تعود لعام 1943 أمام الجمهور الفلسطيني، هو أيضاً عن الطريق والطريقة التي تمت بها هذه العملية، وعن الفن والسياسة والحدود والاقتصاد، فتأمين اللوحة ونقلها وسلامتها كان عملاً في غاية التعقيد.
ولقد تعلمنا الكثير من هذا المشروع/ الحدث، الذي تابعته الصحافة العالمية والصحافة الفنية في حينها، نظراً لأهمية فلسطين ورمزية هذا المشروع وأهمية بيكاسو المعروفة للجميع، وكيف استطعنا من خلال استضافة لوحة عالمية وعرضها ولو بشكل رمزي أن نفضح ممارسات الاحتلال تجاهنا كشعب يعيش في بلده فلسطين تحت الاحتلال.
هذا المشروع الذي مضى عليه الآن سنوات، أراه لا زال حياً ويتم الحديث عنه حتى يومنا هذا في غير مكان بالعالم، فعلى سبيل المثال عرض مؤخراً في متحف “موري” باليابان فيلم قصير يوثق لهذه التجربة إلى جانب معرض صور. وذلك ضمن معرض عن “الفن في زمن الكارثة”.
شاركت في آذار/ مارس الماضي، في معرض “المرأة والثورة” في متحف جامعة بيرزيت، إلى جانب 24 فناناً فلسطينياً من أجيال مختلفة، حدثنا عن مشاركتك، ولماذا اخترت الشهيدة دلال المغربي؟ وبالتالي ما هي القيمة التي أضافتها هذه المشاركة في نفسك؟
بين هذا المشروع ومعرضي الاستعادي في دارة الفنون، عمان، الكثير من المشاريع التي عرضت عنها، مشاريع سابقة وأخرى جديدة أنتجتها خصيصاً في الدارة.
من هذه المشاريع: مشروع “الشخص الأزرق” وهو عن اللاجئين، واللجوء الذي ينتج لجوءاً وهكذا، مستعيراً من شعار “لوغو” (المفوضية العامه للاجئين) الشخص الأزرق الذي يرمز للاجئ، كيف يعيش ويتكاثر وتدار أزماته بدل حلها.. حاله يذكرنا بوكالة (الأونروا) الخاصة باللاجئين الفلسطينيين واستمرار مأساتهم إلى يومنا هذا بل وانحدارها. في هذا المشروع نوع من السخرية المرة والسؤال.
هناك مشروع آخر بعنوان “لا ملجأ”، وهو رسم واقعي ضخم لحادث إطلاق النار على السفير الروسي في أنقرة عام ٢٠١٦، أثناء افتتاح معرض فني، لأبيّن كيف لا يصبح مكان العرض آمناً، وكيف يتحول المشهد برمته إلى حادثة تشبه التمثيل أو الأداء الفني وتلغي الحدود بين ما يصدق ولا يصدق في الحياة والفن.
رسمت جثة السفير بدون دماء طبعاً وهي ممدة على الأرض وكأنه نائم ، بحجم ١١متر في ارتفاع ٦م وقبالتها مقولة الصحفي التركي الذي تمكن من التقاط الصور لصالح وكالة “الاسوشيتد برس”، وهو يقول: لوهلة اعتقدت أن الأمر مجرد مشهد مسرحي.
بعد ذلك أنجزت العديد من الأعمال الفنية، كما شاركت في عدّة معارض من بينها معرض عن “المرأة والثورة”، قدمت فيه صورة الشهيدة دلال المغربي (1958 – 1978) على طريقة الأيقونة في “البوب آرت”، مسلتهماً قصة حقيقة حدثت في قرية عقربا عندما امتنع الممول الأجنبي عن دعم مشروع في مركز نسوي يحمل اسم دلال المغربي، بناء على احتجاج من حكومة الاحتلال! هذه المفارقة وكيف استعاض المركز الذي رفض إزالة الاسم عن التمويل الخارجي بإطلاق حملة أهليه لاستمرار عمل المركز، دلال كانت هي موضوعي والذي بالتكرار أكدت على أيقونيتها.
هناك مشروع آخر أحب الحديث عنه، كنت قد نفذته العام الماضي لصالح المتحف الفلسطيني في معرضه الافتتاحي وكان بعنوان “تحيا القدس”، وهو عبارة عن جدارية من السيراميك بحجم ٣ متر في ١٢٠سم.
هذه الجدارية غير موجودة الآن في المتحف لأني وضعتها على واجهة بيت في قرية أبو شخيدم المقابلة للمتحف، والجميل بالأمر أنه يمكن لأي مرء مشاهدتها من المتحف باستخدام الناظور. وقد كتبت على هذه الجدارية مقطع من قصيدة للشاعر العراقي مظفر النواب، “بوصلة لا تشير إلى القدس..”.
ماذا تخبرنا عن كتابك الفني الذي تعمل على تحقيقه بإلهام من حكاية لوحة “جمل المحامل” للتشكيلي الرائد سليمان منصور؟
حكاية اللوحة هي حكاية كتاب/ مشروع رواية، رواية في إطار عرض فني، لم أنجزه بعد رغم أني أعمل عليه منذ زمن، مع أني قدمته وقمت بقراءة جزء من محتواه في أكثر من مكان. لكن لم يتح لي إصداره ورقياً حتى الآن.
هذه الرواية مفتوحة على كل الاحتمالات وإلى أبعد حد؛ مفتوحة على الزمن وعلى الأحداث والأمكنة والوسائط المختلفة؛ مفتوحة على الكتابة من جديد وعلى القراءة والخربشة والرسم والصور وعرض الخرائط؛ مفتوحة إلى الأبد ربما على الزيادة والإضافة والتنقيح.
أما حكاية العمل فهي قصة طويلة تتمحور حول مصير لوحة “جمل المحامل” للفنان سليمان منصور، التي اقتناها الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي في سبعينيات القرن الماضي. وهي ليست بالضرورة عن ذلك فقط بل هناك قصص أخرى، وإن كانت لوحة “جمل المحامل” هي المحرك لقصص تفصح وتؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ الممارسة الفنية التشكيلية في فلسطين وظروفها والفاعلين والمحركين لها.
هي حكاية لوحة بالظاهر، لكنها حياة كاملة التفاصيل لأشخاص ووقائع لاتزال مفاعيلها قائمة حتى اليوم.
الكتاب إذن هو سلسلة من الأعمال ولن يكون كتاباً مطبوعاً فقط، لأني أعتبر اللقاءات والمحاضرات والتقديمات الفنية، والأداء جزء من هذه الرواية/ الحكاية التي أعتقد جازماً أنها جديرة بأن تروى، وهي إلى ذلك ليست عن قصة الفن فقط، أو رحلة اللوحة في غياهب المجهول، إنها حكاية عن السياسة والظروف التي يعيشها الفنان والإنسان في فلسطين والمنطقة العربية.
في إقامتي الفنية حالياً في الجنوب الفرنسي، أنظر الآن في الصيغة النهائية التي سأقدم فيها هذا المشروع، وأعمل على تنقيح المادة وصياغتها. لقد اكتشفت وأنا أعمل على هذا المشروع كنوزاً ثمينة في المقابلات التي أجريتها وفي البحث عن الوثائق، كما اكتشفت قصصاً دالة وهي لا تقل أهمية عن الفن نفسه واللوحات التي أُنتجت ولا تزال، صحيح أن الأعمال الفنية مرتبطة بسياق اجتماعي وسياسي لا فكاك منه، والأمر هنا ليس قراءة الفن في سياق تلك الظروف فقط وإنما لجعل ظروفه نفسها مادة فنية، مثلما اكتشفت أيضاً أنّ الحكاية التي تحيط بلوحة فنية ما قد تفوق أهميتها.
هل المكان له خصوصية تجعلك تختار مواضيع بعينها؟
المكان والزمان عاملان حاسمان فيما يصنعه الفنان أي فنان، والخصوصية تأتي في كيف يحضر المكان في العمل الفني ليس كجغرافيا فقط وإنما كشخصية وبطل أحياناً؛ المكان وما يؤثثه. وأحاول دائماً أن أُلبس العمل الفني ثوب المكان والزمان الذي أعيشه وليس العكس.
ما الذي يمنحك طاقة إضافية على التجدد والتأمل والرسم والإبداع وإغناء التجربة وتوسيع رقعتها؟
الذي يمنحني الطاقة على التجديد والاستمرار والرسم والإبداع، هو القلق والرغبة في قول شيء لم أستطع قوله لغاية الآن. وربما المتعة هي في أن تحاول وليس بالضرورة في أن تصل. ما يهمني أن يتسم العمل بروح المقاومة والرغبة في التغيير إلى الأفضل، وأن يكون قابلاً للإدراك والتعلم والبناء عليه إن أمكن.
ماذا عن النحت في تجربتك ومنجزك البصري؟ ومن ثم أين تجد نفسك أكثر في الرسم أم في النحت؟
لا أنحت دوماً؛ فأنا منشغل بالرسم والتصوير والكتابة، لكن عندما يقتضي مشروع فني ما النحت أحاول وإن لم أستطع أستعين بعارفين أكثر مني وأتعلم.
حدثنا عن طقوسك الخاصة بالرسم، ثم ما هي الأشياء الأكثر حميمية وإلهاماً لك في الواقع؟
لا طقوس خاصة لدي؛ أرسم أحياناً في الليل وأحياناً في العطل، وكذلك في أوقات منع التجول التي يفرضها جيش الاحتلال على السكان في مدينتي. وفي أحيان أخرى أرسم وأنا مشغول جداً لأهرب من أعباء الحياة والتفكير، بحيث تراني أرسم أشياء مرتبطة بفكرة ما أو مشروع معين أو قصة، وأحياناً أرسم قطة البيت أو قوارير الزريعة وغيرها من الأشياء العادية التي حولنا.
أسألك عن وضع التشكيل الفلسطيني اليوم في ظل الجغرافيا الممزقة بين أراضي فلسطين المحتلة (الـ 48، القدس، الضفة الغربية، غزة)، وفي الشتات والمنافي البعيدة؟
وضع التشكيل الفلسطيني بخير على العموم، ويمكن القول إنّ هناك حراكاً في المشهد الفني وحيوية، وجيل جديد من الصبايا والشباب يقدمون نتاجهم هنا وهناك، وهذا دليل على رغبتنا في أن نواصل مواسم العطاء والإبداع بالرغم من الظروف الصعبة التي نعيشها في كل أماكن تواجدنا.
إنّ تعدد أماكن وجودنا كفنانين تشكيليين أغنى تجاربنا التي طبعت بظروف هذه الجغرافيا أو تلك، غير أننا لا يجب أن نطمئن تماماً فالشعور بالرضا قد يدعو للكسل، ذلك أنّ قلق الفنان ضروري ومحفز مثلما هو الحوار والنقاش الجدي. في فلسطين على صعوبة الحياة وتراجع الأداء السياسي يمكن القول إنّ مدونة الثقافة جيدة وهي تعكس قلق جيل بكامله وأسألته عن الحرية والوجود.. إلخ.
قد يبدو من كلامي أني متفائل أكثر من اللازم، ولكن هذا بالعموم، وبالتفاصيل كل جغرافيا تعيش همومها والتي قد تخنق الفن والحياة ولا تعطي مساحة كافية قد تلون الفن باختلاف التجارب.
قدر الفلسطينيين، المجابهة والمقاومة على أكثر من جبهة في آن معاً، وفي الثقافة والفن يمكن فعل الكثير، الفن قد لا يُصلح الحياة تماماً ولكنه يوجد المعنى، علينا أن لا نحمل الفن أكثر مما يحتمل، ولكن علينا أن لا نعفيه من مسؤولياته أيضاً.
سؤال أخير، ما هو مشروعك الفني القادم؟
أنا الآن في إقامة فنية في جنوب فرنسا في بلدة هادئة على البحر اسمها “كسيس” لأرسم وأعمل على مشاريعي الفنية القادمة، ولأكتب؛ أكتب كنوع من الاحتماء والدفاع عن الحياه وكعلاج لفقدان التوازن وكرغبة أيضاً في الاكتشاف والتعلم.
أما مشروعي الحالي، الذي أعكف عليه منذ زمن، هو نص يحيرني في طريقة إخراجه إلى النور كمشروع فني يمكن أن يقدم في صالة عرض أو متحف وليس فقط على رف كتب.
يُشار إلى أنّ أعمال خالد حوراني عرضت في فلسطين والخارج، حيث شارك في العديد من الورش، واللقاءات الفنية في: الأردن، مصر، الإمارات، الـمغرب، تونس، إسطنبول، سويسرا، إنكلترا، فرنسا، هولندا، النرويج، كرواتيا، النمسا، السويد، وغيرها من دول العالم. قدم ولا زال العديد من الأعمال والمشاريع الفنية التي سخرها لخدمة وتطوير المجتمع الفلسطيني.
عمل حوراني لعدة سنوات مديراً عاماً في وزارة الثقافة الفلسطينية. وتولى ما بين عامي 1998 و 2009 مسؤولية التصميم الغرافيكي لمجلة “الكرمل” الثقافية التي كان يديرها ويترأس تحريرها الشاعر الراحل محمود درويش.