في أحد الأبنية القديمة في مدينة برلين أُقيم “سوق الكتاب” الذي عرض كتباً متنوعة وحديثة للبيع من دور نشر عربية من بينها المدى، الأهلية، الساقي، المتوسط، وغيرها. وكان وجود سوق للكتاب من هذه الدور فرصة للقراء العرب لاقتناء كتب بنسخة جيدة في مدينة مثل برلين التي ضمت سابقاً معارض للكتاب و لكن أغلبها كان بطابع واتجاه واحد وفي أغلب الأحيان بنسخ رديئة.
تضمن السوق الذي امتد من ٧ إلى ٢٣ من هذا الشهر، روايات وشعر ومسرح ودراسات وكتب وألعاب تعليمية للأطفال باللغة العربية وكذلك كتب ثنائية اللغة “عربية/ألمانية” ومجموعة مختارة من الكتب المترجمة للألمانية والإنكليزية.
وقد ضمّ السوق برنامجاً من الأمسيات، كان أولها أمسية قراءات للأطفال كما تلاها بذات اليوم أمسية قراءات شعرية بالمحكية للشاعر الفلسطيني السوري رامي العاشق، أما ثالث مناسبات السوق فكان حفل توقيع رواية “سيناريو” للكاتب والروائي الفلسطيني سليم البيك وهي روايته الجديدة بعد رواية “تذكرتان إلى صفورية” ، كما كان لقاء الشاعر البحريني قاسم حداد رابع المناسبات التي ضمها السوق وقد تخلله قراءات من قصائده و نقاش عن الشعر.
“برلين خلقت لي مساحة لم توفرها لي عكا ولا أي مكان آخر في العالم، ومن هنا أتت الحاجة للكتاب العربي من هذه المساحة بالتحديد”
تقول الكاتبة والصحافية رشا حلوة من فريق التنظيم لـ “سوق الكتاب”: “كانت الفكرة عفوية جداً وتلقائية، قمنا بتنفيذ المشروع أنا وفادي عبد النور صديقي وزميلي، وهو مصمم غرافيك و مدير مهرجان الفيلم العربي في برلين، فادي مقيم في برلين منذ سنوات وأنا مقيمة منذ عامين. لحاجة إنسانية بالنسبة لي كفلسطينية من الداخل 48 وكابنة عكا فقد كنت طيلة الوقت بحاجة لأن أكون بتواصل مع محيطي العربي الطبيعي الذي انقطعنا عنه بظرف النكبة والاستعمار، كنت أريد أن أعيش في مدينة يمكنني العبور منها إلى محيطي العربي وإلى الناس. برلين قد أتاحت لي هذه الفرصة رغم أن الذي أتاح ذلك فعلاً هي كوارثنا، سواء كانت كوارثنا الاجتماعية أو السياسية وما نمر به اليوم في بلادنا، “فبرلين خلقت لي مساحة لم توفرها عكا ولا أي مكان آخر في العالم ومن هنا أتت الحاجة للكتاب العربي من هذه المساحة بالتحديد”.
من الملفت بأن السوق قد لاقى اهتماماً كبيراً من قبل العرب والمهتمين بالثقافة العربية المقيمين في برلين وحتى في ألمانيا وفي مدن أوروبية مختلفة، حيث تواصل الكثير من الأشخاص بغرض التوصية على كتاب ما أو حتى إمكانية توفيره، كما لو كنّا في حالة حصار، حيث أن حاجتنا الماسة للكتاب العربي في المنفى قد بان وضوحها خلال أيام السوق..
وهنا تضيف حلوة: “برلين مدينة فيها حضور عربي وهو في تزايد، وهنالك اهتمام بالكتاب العربي، ليس فقط نحن كقراء عرب من يبحث عن الكتاب العربي فهنالك القارئ الألماني الذي فتح شبابيك على الثقافة العربية من خلال الظرف السياسي تحديداً، مما جعل الأمر مهماً أكثر وأنا كشخص يعيش هنا الآن، أقوم بطلب الكتب من أصدقائي القادمين من بيروت أو القاهرة مثلاً وأنا قادمة من مكان “عكا/حيفا” فيه حصار على الكتاب من قبل إسرائيل، ولكن مؤخراً بات هنالك مشاريع كمقهى ومتجر فتوش الذي يقوم بجلب كتب عربية من دور نشر عربية عديدة، فنحن إذا كنا بحاجة للكتاب سنحتاج لسهولة الحصول على الكتاب فلماذا لا يكون هنالك مشروع متواضع في بدايته لتوفير الكتب العربية من العناوين التي تهمنا وتهم جيلنا اليوم، عناوين جديدة لكتّاب وكاتبات عرب”.
حصد “سوق الكتاب” الكثير من الزوار الذين عبروا عن دعمهم لمثل هذه المشاريع ولمشروع السوق على وجه الخصوص حيث قالت السيدة منى قرطاوي وهي إحدى زوار السوق: “كنت أفكر أن أقوم بمشروع مشابه لمشروع “سوق الكتاب” لأجل الأطفال على وجه الخصوص، إن أغلب الأطفال الذين يكبرون هنا ليس لديهم اهتمام للقراءة بالعربية وأعتقد بأن سبب ذلك هو أن الشخص إذا أراد القراءة بالعربية سيرتبط الموضوع بطريقة ما بالدين أو سيتوفر بشكل كبير من خلاله، ولذلك أرى بأن وجود سوق للكتاب يملك عناوين مختلفة واتجاهات متعددة، هو بالتأكيد موضوع ذو أهمية كبيرة بالنسبة لي فنحن نقوم بطلب الكتب من مدن أخرى وأشعر بنقص كبير حيال ذلك.”
أما الزائرة ليلى فترى بأن سوق الكتاب فرصة لاقتناء الكتب بدلاً من جلبها من مدن أخرى أو شرائها عبر الإنترنت مثلاً، ذلك ليس دائماً خياراً جيداً، وتضيف: لطالما عدت من بيروت وحقيبتي ممتلئة بالكتب، حيث كان أغلب أصدقائي يطلبون مني شراء بعضاً من الكتب.
تضيف حلوة: “في بعض الأحيان الفكرة مخيفة أكثر من التطبيق فكل شيء كان سريعاً وعفوياً وبنفس الوقت كان لدينا الشغف لتحقيق هذا المشروع سواء نحن أو دور النشر، ولكن لحظة تحقيق هذا المشروع بمعناه الفيزيائي بحضور الكتب إلى هذه المساحة وتفاعل الناس مع مشروعنا المتواضع، توفّرت أبعاد أخرى، أتخيل أن البعد الأساسي الذي أراه مهماً لي شخصياً هو أنني موجودة في مكان يجذب قارئاً من العراق أو من ليبيا وقارئة من اليمن ليبحثوا عن الكتب. كما أن هنالك حاجة عند الأهالي لتوفير كتب لأولادهم الذين يدرسون الألمانية في المدرسة والعربية في المنزل، والمهم هو كيف سأوفر اللغتين بنفس القيمة سواء القيمة اللغوية الصحيحة أو المضمون الصحيح.”
عن سؤالها بأن الناس بحاجة لقراءة حتى الكلاسيكيات التي تركت في بيوتهم أو الكتب التي سرقت من بيوتهم أو حتى من الممكن بـأن بيوتهم قد تدمرت، فهل من الممكن أن نستعيد هذه الكتب من جديد ونخلق بها بيتاً آخر؟ أجابت بأن “الكتاب بمعانيه وأهميته وتوفره باللغة الأم، هو بيت آخر، فنحن لانزال نحب الكتاب حتى ولو قمنا بشراء الكتاب ولم نقرأه، أي فقط وضعناه في المنزل، فهذا يدل على أننا بحاجة لكتب تحيط بنا فهنا نحاول أن نخلق عالماً موازياً بالرغم من كل شيء فهو يشعرنا كم نحب ثقافتنا وكم نحن فخورون بها، ونريد أن نقدمها من موضع قوة، وسط الكثير من الخراب الذي نعيشه اليوم في عالمنا.
نجاح مشروع “سوق الكتاب” يدل على حاجة القارئ العربي المهتم بالثقافة العربية لاقتناء الكتاب وحاجتنا لطريقة سهلة لاقتنائه، كأن يكون هناك متجر دائم للكتاب في المدينة وهنا أفاد فادي عبد النور بأنه من الوارد أن يتم افتتاح متجر للكتب بشكل دائم وبسعر مناسب لا يختلف عن الأسعار في بيروت مثلاً ولكن علينا دراسة الأمر أكثر، وبأن “سوق الكتاب” كان تجربة لذلك، كما أفادت حلوة بأنه الحلم، أن يكون هنالك متجر ثابت في برلين وبأنها ستحاول التمسك بالفكرة قدر الإمكان، لأنها ضرورية لنا كقراء عرب في المدينة، وتؤكد “إذا استطعنا الحفاظ على اللغة وعلى الكتاب والكتابة، فسنحمي تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا أيضاً.”