يقول عادل داوود: “أنا لا أرسم ترفاً، ولست باحثاً عن جمال، إنّما أحاول تعقل ذاتي والعالم… غير أنّ النتائج دائماً لا تعدو أن تكون نوعاً من البكاء”.
ضيفنا في صيرورة عمله، كما يرى النقاد، تتبدى الفكرة الفنية لديه وهي تتحرر من الإطارات الباردة التي قد تعيق تمظهرها الجمالي، حيث يتم تعويض غياب الشكل بمفردات تشكيلية أخرى كالحركة ودرجة اللون والعمق ضمن بنية غنائية، تكتفي بإطارها الروحي الذي تستلهمه من الانطباعات العفوية للذات ومن الموسيقى.
“رمان” التقته فكان هذا الحوار..
بداية أتوقف معك عند مشاركتك مؤخراً في معرض “كلاين غاليري” في فيينا، وفي معرض “أرت فير في ألبورغ 2018” في الدنمارك. حدثنا عنهما.
مشروع “كلاين غاليري” ألقى الضوء على مجموعة من أعمال متنوعة لفنانين سوريين مقيمين في فيننا. كانت تجربة جميلة جمعتني في معرض مع فنانين من بلدي. أمّا معرضي في “أرت فير” فكانت ثماره غنية جداً مع مجموعة من الفنانيين الأوروبيين، ومدخل جديد لي نحو فضاء آخر.
كيف استقبل فنانو وجمهور النمسا والدنمارك والغرب عموماً منجزك البصري؟
بصراحة لم أكن أتصور هذا الإقبال من قبل المجتمع الغربي على تجاربي وبحثي، بغض النظر عن كيفية تقبل فكرة الأعمال وصياغتها في إطار الحرب. حيث أنّ صخب الألوان في أعمالي ليس بالأمر الغريب عنهم، ولكن المنطق الشرقي في تناول المواضيع من خلال تمازج الألوان الباردة مع الحارة ولدّت نوعاً من العبثية التي ربما هي جزء من الواقع المأساوي الذي يعيشه الشرق حالياً. أحياناً تكون الفكرة خارج هذه المواضيع ولكن بما أني جزء من هذه المأساة فإنّ أعمالي تبقى حبيسة الواقع.
بالنسبة للوحاتك؟ الفكرة الملهِمة أولاً أم ماذا؟
أنا في حالة بحث مستمر ولست أسير أيّ فكرة. لكن توجد أفكار أساسية أبني عليها مشروعي وهذا مرتبط باللاوعي الخاص بي. أي هي عبارة عن انفعالات عفوية وليست عبثية بالمطلق، لذلك هناك سمة واحدة تربط كل الأعمال ببعضها البعض في فترة زمنية محددة. وأتوقف حالما تصل التجربة لذروتها لأنتقل إلى تجربة أخرى بمفاهيم جديدة، أي أني أخلق أفقاً جديداً.
يرى نقّاد أنّ أعمالك تبدو أقرب إلى المؤرخ منه إلى النص البصري “إنه يهرب نحو المستقبل محبوساً بسبب التسارع المدوخ للزمن”. ما هو تعليقك؟
كل عمل فني هو بالضرورة شاهد على الزمن، لذلك استحضار الماضي ما هو إلا إخضاع الحاضر لفهم المستقبل. وأعتقد أنّ الفن خلق للدهشة واختصار الزمن في الخط واللون.
يلاحظ رغبة حقيقية في تقديمك لتقنيات متنوعة، مستفيداً من الموروث التشكيلي السوري العريق. ما هي ميزات هذه التقنيات وهل أنت مع التجريب في الفن؟
لا شك أنّ البيئة التشكيلية تلعب دوراً أساسياً في تكوين الفنان إلى حد ما وتغني خياله ولونه. ولكن لكي يتحرر الفنان من سطوة الموروث لا بد أن يمتلك أدوات وتقنيات عالية من الرسم، علاوة على الفكر التشكيلي الناضج ما يؤهله للخروج منها والتأثر بروح المكان. وكلما زادت التقنيات والأدوات في العمل كلما تحرر الفنان في تجربته وبحثه فهي تكون بوصلته نحو أي جهة يرغب بالتوجه إليها. التجريب والبحث يخلق مفهوم مغاير لطرح الفكرة وتأطيرها في العمل الفني، وبرأيي الفن هو تجربة وبحث مستمر في فهم الأشياء.
هل وجد عادل داوود ضالته في التعبير عن حاجته كإنسان وفنان إلى أسلوب ينسجم مع معاناته كفرد بذاكرة شخصية وجمعية استوطن فيها الرعب منذ نحو ثماني سنوات؟
ضمن هذا المخاض المؤلم والمتسارع تزداد عزلة الفنان لمحيطه، ولكن لا يخرج منه بل يحاول ربما النجاة عبر عمله الفني وتجربته الخاصة، طبعاً لا أقصد هنا الرسم فقط بل الإبداع بشكل عام. فالمبدع يتعامل مع المحيط بحساسية عالية. وأنا كرسام أحاول تجسيد معاناتي ومعاناة الآخر في عملي.
أجساد ممزقة، هارمونيا لونية عنيفة، يغلب عليها اللون الأحمر والرمادي، ذاكرة مثقلة بمشاهد الدمار والتهجير والقتل، كيف وظفت هذا الواقع المعبأ بالقبح والعنف والألم وكل ما يجري من حولك من بؤس وتشوهات قاتلة للروح في لوحاتك؟
كما ذكرت سابقاً فإنّ أعمالي ترتبط تلقائياً بذاكرة الألم لدى المتلقي، حيث أنّ العولمة أنتجت ذاكرة جمعية مركبة وهجينة ربما. أعتقد أنّ تغيير مفهوم القبح والعنف وخلق مشهد جمالي وتوظيفه في العمل الفني هو كسر لجموده وبشاعته. فالريشة هنا تكون أقوى من الرصاصة. فكل حدث أو مأساة في أيّ بقعة على هذا الكوكب هو جزء من الألم الذي يعاني منه أيّ إنسان، لذلك يتخطى العمل كونه مشكلة نفسية أو عقدة اجتماعية.
هل غيرت أهوال الحرب في بلدك، ومن ثمّ معاناة الشتات فاللجوء في فيينا من نظرتك إلى الفن، وبالتالي ما أثر هذه النظرة على أعمالك؟
نعم بالتأكيد، ذلك لأنّ للمكان سطوة عليّ ويؤثر بشكل كبير على فهمي للتعبير عن نفسي، ولكن أحياناً أستعين بالماضي للتغلب عليه، غير أني أقف في نقطة عمياء مؤلمة تتحول فيها الذكريات إلى حسرة عندما أعود للحاضر. فلا ملاذ لي غير اللوحة.
ما هي علاقتك بالفنون الأخرى: الموسيقى، السينما، المسرح، وغيرها؟
كل الفنون عبارة عن كتلة تدور في فلك واحد وتتجاذب بشكل طردي على بعضها البعض، لذلك أيّ عمل فني (موسيقى، مسرح، رواية.. إلخ) هو بالنسبة لي مشهد يُختصر ضمن حدود اللوحة.
أخيراً، أسألك عن جديدك، ومعارضك الفنية المستقبلية؟
شاركت في “أرت فير هامبورك” في ألمانيا عبر غاليري V58. كما أشارك في “أرت فير” في مدينة لينز في النمسا عبر غاليري Artemons Contemporary . وأشارك أيضاً في معرض مشترك في غاليري V58 في الدنمارك.
يُشار إلى أنّ عادل داوود (كردي سوري، مواليد 1982)، خريج مركز الفنون التشكيلية في “الحسكة”، مسقط رأسه، ليتخرج بعدها من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. أقام معرضه الأول في قاعة “أرت هاوس” بدمشق، إلى جانب عدّة معارض جماعية في عواصم عربية وأوروبية. وتتميز أعماله الصباغية الأولى/ المنجزة في سوريا ما قبل العام 2011 بغنائية ظاهرة، تشتغل على تناسق اللون وتناغمه، متأثراً بالأسلوب الغنائي والرومنطيقي الذي يغيّب ما هو تشخيصي، مركزاً على اللون ودرجاته الضوئية في محاولة للوصول إلى جوهر الفن وروحه الخالصة.