مسرحية «الآخر»… هل هناك صراع ندّي بين المرأة والرجل؟

سامر مختار

كاتب وصحفي سوري

تتجاهل مسرحية "الآخر" الكثير من القضايا المتعلقة بهيمنة الرجل/الذكر على مدى قرون، ويجري تسطيح خطاب "النسوية" واختصاره بعبارة لسيمون دي بوفوار. كما أن المسرحية تُعرض في بلد عربي المرأة فيها مضطهدة (كغيره من البلدان العربية) ومسلوب حقها، وجسدها معرض دائماً للانتهاك بأي لحظة، سواء في الحياة العامة أو الخاصة. 

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

12/08/2019

تصوير: اسماء الغول

سامر مختار

كاتب وصحفي سوري

سامر مختار

مقيم في القاهرة

ثلاثة أجساد ملتصقة ببعضها البعض، ترتدي زيًا رماديًا، ملتصقاً بها، وكأنه جلد فوق الجلد، يغطي الرأس وجزءاً من الوجه، يجعل أصحابها يبدون مثل لاعبي النينجا. الجسد الواقف في الوسط، ثابت لا يتحرك، والجسدان على يمينه وعلى شماله، يحاولان الفكاك منه. عملية أشبه بعملية الولادة، وخروج الطفل من رحم أمه. 

بهذا المشهد، تفتتح مسرحية “الآخر” التي عرضت مساء السبت 20 تموز/ يوليو في المدرسة الفرنسية (الفرير) في القاهرة. “وهي من تأليف ميسرة صلاح الدين، وإخراج محمد أسامة عطا الذي يشارك أيضاً في الأداء إلى جانب علي إيهاب، وإيمي دياب.

وكان القائمون على المسرحية، قد كتبوا لمحة موجزة عن موضوع وفكرة العرض، ضمن الإعلان الذي سبق موعد العرض، على أنه يدور “حول تجسيد الصراع الأزلي والمستمر بين الذكر والأنثى، لفرض كل منهما هويته على “الآخر”، في سلسلة من المشاهد الدرامية الموحية التي يربطها خيط من الشعور المتدفق بالحزن والفرح والسعادة والتوتر والأمل والنشوة وغيرها من المشاعر المختلطة، التي جسدت شعور كل جنس تجاه الآخر، ووطدت المفاهيم “الجندرية” الحديثة، في إطار درامي تجريبي معاصر.”
 

بعد نجاح الجسدين بالفكاك والانفصال عن الجسد الثالث الذي كان يتوسطهما. نكتشف أنهم رجلان وامرأة. الجسد/الرجل الذي كان في الوسط، يبدو للوهلة الأولى عاجزاً عن الحركة، بعد لحظة انفصال جسدين لرجل وامرأة عنه. وليبدأ الرجل والمرأة في أداء رقصات وحركات تعبيرية، تصور بداية تعرف الإنسان على الحياة، وبداية اكتشاف المرأة للرجل والرجل للمرأة من ثم اكتشافهما للحب والجنس، أما الجسد الثالث، فسنكتشف لاحقاً أنه يرمز للمجتمع، والذي كان يراقب حركات الرجل والمرأة ويتعلم من كل واحد منهما حركة أو إيماءة ويحاول تقليدها. وكأنه في صراع -سيدوم طوال العرض-  في اختيار هوية أو صفة له ويتبناها. 

كل ما سبق قُدّم من خلال الأداء والرقص التعبيري. بعدها ستقف المرأة في مقدمة خشبة المسرح، وتلقي جملةً شهيرة للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار: “لا تولد المرأة امرأة، ولكنها تصبح كذلك”. يسخر الرجل من الجملة التي قالتها المرأة، ويسألها ماذا تقولين؟ وعندها تقول له إن هذه العبارة للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، يعود لسؤالها: “من سيمون؟… ده راجل؟” 

عند هذه اللحظة يبدأ الصراع بين الرجل والمرأة، وكل واحد منهما يريد أن يثبت وجهة نظره للآخر، لكن الفارق هو أن الرجل غير آبه بالمجتمع، وغير مشغول بسلطته، إلا أن المرأة في كل حركة من حركاتها وتصرفاتها، تقول للرجل: “مش ملاحظ أننا مش لوحدينا؟” ليرد الرجل: “مفيش غيري وغيرك هنا… مش شايف حد هنا غيرنا”، إلا أن المرأة تحاول في كل مرة أن تلفت انتباهه إلى وجود “الرجل الثالث/المجتمع” الموجود في صحبتهم في كل حركة يتحركونها. لكن حين يقرر الرجل الانتقام، أو الانتصار بالقوة على المرأة، يبدأ في رؤية المجتمع، كشيء يمكن تكريسه لخدمة سلطته كـ “رجل /ذكر”. لنرى كيف يخضع المجتمع/الرجل الثالث لأوامر الأول، ويطيعه. 

لكن المرأة بعد أن جرى تحطيمها، والتي نراها مستلقية على خشبة المسرح مهزومة، تحاول القيام من جديد واستعادة قوتها. عند هذه اللحظة يتحول العرض إلى صراع “ندّي” بين الرجل والمرأة على المجتمع، وإلى أي واحد منهم سيخضع في النهاية؟

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، حينما يتحول الصراع بين الرجل والمرأة إلى صراع ” ندّي” ويتم تصوير المجتمع كـ”ضحية” لهذا الصراع “الذي وصف في “اللمحة الموجزة” للعرض على أنه “صراع أزلي”؛ من أين جاءت هذه النّدية؟ وعلى أي مجتمع سواء كان من العالم الثالث، أو العالم كله، من الممكن أن يجري إسقاط هذه النظرية؟ 
 

تتجاهل مسرحية “الآخر” الكثير من القضايا المتعلقة بهيمنة الرجل/الذكر على مدى قرون، ويجري تسطيح خطاب “النسوية” واختصاره بعبارة لسيمون دي بوفوار. كما أن المسرحية تُعرض في بلد عربي المرأة فيها مضطهدة (كغيره من البلدان العربية) ومسلوب حقها، وجسدها معرض دائماً للانتهاك بأي لحظة، سواء في الحياة العامة أو الخاصة. 

يستمر الصراع -داخل العرض- بين الرجل والمرأة على “المجتمع”، من خلال فرض كل واحد منهما هويته عليه، فتارة يجلب الرجل الأول، ثياب رجل، ويقوم بإلباسها للرجل/المجتمع، وتارة أخرى تحضر المرأة فستاناً وقبعة نسائية، وتقوم بإلباسهما للرجل، ليتحول الرجل/المجتمع إلى مسخ، ليتداعى، ويؤول تدريجياً إلى الأسفل، حتى يسقط في النهاية، أو في مشاهد أخرى ينفجر “غاضباً” من هذا “الصراع”. 

جانب آخر، وأساسي، في تصوير فكرة المجتمع، لم يكن حاضراً في مسرحية “الآخر”، وهو أن المجتمعات العربية تحديداً، تتمتع بحس “إداني”. إذ أن هذه المجتمعات دائماً تنزع لإدانة المخالف لتقاليدها والمعتقدات التي تربت عليها. فالمرأة دائماً مدانة في أي حركة تحرر أو تمرد تقوم بها، بدءاً من أبسط فعل تمرد وهو خلع الحجاب، انتهاءً بإعلانها عن هويتها الجنسية بشكل صريح، في حال اكتشفت على سبيل المثال، أنها مثلية جنسياً، وليست غيرية كأغلبية أفراد المجتمع التي تعيش فيه. 

تنتهي المسرحية بهزيمة الرجل الثالث/المجتمع، الذي يجري تصويره طوال العرض على أنه ليس طرف في “الصراع الأزلي”، إنما هو ضحية. 

لكن هل أقنعت هذه “النتيجة” من حضروا وشاهدوا المسرحية، وخصوصاً “من لم تولد امرأة، لكنها أصبحت كذلك”، حسب تعبير سيمون دي بوفوار؟!

مسرحية “الآخر” هو نتاج مشروع ” الجسد والهوية ” بدعم من المعهد الفرنسي – مصر. وهو أحد مشروعات “مجموعة مغاير للفنون الأدائية” بالشراكة مع مؤسسة تنويرة للتنمية الثقافية، ومؤسسة انعكاس للفنون والتدريب والتنمية، ومركز ريزودانس.
 

الكاتب: سامر مختار

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع