توقيف رسام الكاريكاتير الأردني عماد حجاج والافراج عنه بعد يومين عقب مثوله أمام “محكمة أمن الدولة” في العاصمة الأردنية عمّان بسبب رسم كاريكاتيري، انتقد فيه اتفاق التطبيع الإماراتي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خلف صدمة كبيرة بين رواد التواصل الاجتماعي، وبين النخب الفنية والثقافية والفكرية السياسية في الأردن والوطن العربي، وكذلك بين زملاء وزميلات له من رسامي الكاريكاتير العرب، الذين تواصلت “رمان” مع عدد منهم/ن للوقوف على آرائهم حول ما تعرض له حجاج، الذي صنف سابقاً من بين أفضل عشرة رسامين في العالم، من إساءة وتعسف في بلده، فكان أن سألناهم من موقعهم كرسامي كاريكاتير، كيف يقرأون واقعاً يُحاكَم فيه الخيال والإبداع؟ وهل يُمكن أن تكون حريّة فنان الكاريكاتير مطلقة وسط ثقافة عامة تُغذيها المحرّمات؟ وما هي الرسالة التي يوجهونها لزميلهم الفنان عماد حجاج الذي مرَّ بهذه المحنة؟ قبل أن يتم الإفراج عنه إثر حملة إلكترونية نشطة، ومقالات وتقارير أمطرت الحكومة الأردنية بسبب قرار توقيف فنان عبر بالرسم عن رأيه، وكان ممن شارك في هذه الحملة إضافة إلى لجان وطنية ومحلية صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان.
سعد حاجو (سوريا/السويد): أشد على يد حجاج
بعد الاطمئنان على الصديق عماد، والقول له: هلا عمي!
أقول: نحن – معشر رسامي الكاريكاتور – سنواصل انتقادنا ووضع أصبعنا وقلمنا وريشتنا الرقمية على الجرح وعلى مكامن الخلل في مجتمعاتنا. وكل محاولة لكبح الخيال هي كآلة شحذ السكاكين تزيد الخيال انعتاقاً وتجعل جوانحه تحلق في سماء الحرية لترفع سقف حرية التعبير. الحرية ضوابطها الأخذ بيد المظلوم والضعيف والدفاع عنه وعدم التهكم عليه. ومواجهة الظالم والقوي وانتقاده كلما بدا منه اعوجاج.
أي بمعنى كاريكاتوري: حاجو بقى
حاجو يشد على يد حجاج.
محمد سباعنة (فلسطين/بريطانيا): حجاج راقص بارع في حقول الألغام
وظيفة المنتج في المجال الثقافي هو رفع كل هذه الأسقف التي تحد من حرية التعبير. ما مررنا ونمر وسوف نمر به هو معركتنا التي اخترنا أن نخوضها، ودم ناجي العلي ماثلاً أمامنا قسماً نقسمه بأن نكمل المشوار الطويل.
رسامو الكاريكاتير راقصون في حقول الالغام كي يستمتع الجمهور بضحكات أو غصات تنقلها جماليات الصور التي يرسمها رسام الكاريكاتير، والتي من الممكن أيضاً أن يُلقي عليه هذا الجمهور -إذا ما تعثر أحدنا- بالحجارة كي يسقط الراقص ويتحول لأشلاء، فالجمهور جزء من منظومة القمع للأسف.
اللغة البصرية التي يستخدمها رسام الكاريكاتير تضطره أحياناً لأن يستخدم الصور النمطية، التي من الممكن أن تعرضه لاتّهامات خطيرة مثل معاداة السامية، فالنظر إلى قمع رسامي الكاريكاتير من خلال زاوية الأطر القمعية هو انتقاص للصورة الشاملة.
يتعرض الكثير من رسامي الكاريكاتير في العالم للقمع والرقابة باستخدام أدوات عدة من ضمنها معاداة السامية، والاتّهام بالتحريض ونشر خطاب الكراهية حينما ينتقد الرسامين “إسرائيل” مثلاً، ورسام الكاريكاتير البرتغالي أنطونيو أنتونيس مثال على ذلك، بعدما تعرض له إثر نشر أحد أعماله في صحيفة “نيويورك تايمز”.
أما عماد -وأنا أعلم ما مر به- فلا شيء أقوله لفنان مثل عماد حجاج؛ لأنه يعلم تماماً أنه راقص في حقول الألغام، وهو راقص بارع ومبدع.
عبد الله درقاوي (المغرب): الكاريكاتير “ترمومتر” الحرية
فن الكاريكاتير يعتبر من أهم أشكال حرية التعبير، حيث له القدرة على تشكيل الرأي العام في عدة قضايا سياسية واجتماعية ودوره نقدي وتوعوي وتحريضي وقد ظهر هذا جلياً في زمن ثورات الربيع العربي حيث كان حضوره بارزاً من خلال اليافطات التي كان يحملها الثوار، وهي عبارة عن لوحات كاريكاتيرية مساندة للثورة كانت تتداول بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبما أنّ الكاريكاتير “ترمومتر” الحرية فإنّ عدداً من رسامي الكاريكاتير دفعوا ثمن جرأتهم في السنوات الأخيرة من خلال الاعتداءات والمضايقات والمحاكمات التي تعرض لها عدد منهم في البلدان العربية، كان من أبرزها استشهاد الفنان أكرم رسلان تحت التعذيب في السجون السورية، والاعتداء الذي تعرض له الفنان علي فرزات من خلال كسر أصابع يده التي يرسم بها، وفي فلسطين سجن الفنان محمد سباعنة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتضييق مساحة حرية التعبير على رسامي الكاريكاتير بمصر، ومؤخراً اعتقال الفنان عماد حجاج في الأردن بسبب رسم ينتقد فيه التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل” المحتلة لفلسطين!
عماد حجاج الذي يرسم منذ أكثر من عقدين من الزمن، وصارت رسوماته تلقى صدىً واسعاً في الصحافة العربية والعالمية، تُعدُّ إحالته إلى محكمة أمن الدولة ومساءلته بموجب “قانون منع الإرهاب”، أمراً مرفوضاً وانتهاكاً لحقوقه الدستورية وعصف بالمعاهدات الدولية، التي تصون حرية التعبير التي صادقت عليها المملكة الأردنية… الحرية عندنا في العالم العربي تختلف من صحيفة إلى أخرى ومن رسام إلى آخر، فهي مسألة نسبية، والقاسم المشترك بينهم هو مقص الرقيب. ورسام الكاريكاتير إن لم يجد مساحة الحرية التي تتوافق مع مخيلته وأفكاره فهو أيضاً معتقل فكرياً. وتبقى مواقع التواصل الاجتماعي لرسام الكاريكاتير متنفساً ونافذة لنشر الأعمال الممنوعة من النشر في الصحافة الورقية أو الإلكترونية…
في الجزائر، وفي ظل الحراك الشعبي السلمي، يعاني رسامو الكاريكاتير أيضاً هناك من أزمة حرية التعبير، حيث تنكرت غالبية الصحف الورقية لهذا الفن مما جعل معظمهم (الرسامون) يعانون جراء البطالة، فيما فرضت صحف أخرى على من صمدوا عدم التطرق إلى مواضيع تمس بمصالحها وعلاقتها بالسلطة، لتضمن استمرارها في السوق!
في نهاية 2019، وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية، أصدرت محكمة وهران بغرب الجزائر حكماً بسجن الرسام عبد الحميد أمين المعروف باسم “نيم”، لمدة ثلاثة أشهر حبس نافذة. أشدد على أنه من حق الفنان أن يعبر بحرية ونقد لاذع للمجتمع ولرجال الدين والسياسة، ولا يجوز لنا أن نحجر على الرسامين والمبدعين وعلى عقولهم ونمنع إبداعهم بحجة “المقدس”.
الكاريكاتير فنٌ نبيل وراق، وهو لا يهدف إلى السخرية لذاتها، بل هو أداة للوعي ونشر ثقافة التسامح والسلام، يرسل رسائل مختزلة عبر النقد اللاذع الذي يختصر الكثير من الكلام والنقاش والبحث، فهو فنٌ أساسه الموهبة النادرة التي يتمتع بها فنان الكاريكاتير العربي، وحرية الرأي التي للأسف تضيق مساحتها يوماً بعد يوم. وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها عماد حجاج، مهدداً بالسجن، فقبل ثلاثة أعوام، أثارت رسمة لحجاج استياء أحد المواطنين فقرر تقديم شكوى ضده أمام السلطات متذرعاً بـ “قانون الجرائم الالكترونية”، الذي يتيح ملاحقة الصحافيين والكتاب والنشطاء وأصحاب الرأي على أيّ مادة ينشرونها عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال الانترنت! حينها أصدر عماد بياناً صحافياً أكد فيه احترامه لكل المعتقدات الدينية، وأضاف إنه استوحى الرسمة من أحد رسومات الراحل ناجي العلي، وقال إنّ الرسم “جاء دفاعاً عن المسيحيين وتبرئة لهم من الجريمة التي تُرتكب باسمهم، وهي بيع الأراضي للكيان الصهيوني”.
أخيراً، أهنئ الفنان والزميل عماد حجاج لمعانقته الحرية من جديد، وعودته إلى مرسمه لإمتاعنا كل صباح برسماته التي تعكس واقعنا العربي، الذي صار مثل رسمة كاريكاتيرية تثير الضحك المر، ومن المضحكات المبكيات أن نشهد اليوم مطالب بتحرير رسام كاريكاتير عربي انتقد التطبيع مع “إسرائيل” مصادفة مع ذكرى اغتيال رسام الكاريكاتير الشهيد ناجي العلي الذي عُرف بمحاربته للصهيونية وانتقاده للأنظمة العربية وكل المتخاذلين.
سارة قائد (البحرين/بريطانيا): المستهدف هو الفنان والقضية معاً
كان مؤسفاً ومهيناً لنا جميعاً كرسامين وفنانين ومبدعين ونخب خبر اعتقال الفنان عماد حجاج. حتى وإن كان التوقيف أو الاعتقال لمدة قصيرة، في دول أكثر تحضراً يُقدر الفنانين والعاملين في المجال البصري، ويكافؤون أيّا كانت توجهاتهم، الفكرة أنك تمتلك قدرة وإمكانيات هائلة للتعبير، وهذا الجمع بين الفكر والموهبة (والخبرة في حالة الأستاذ عماد) بحد ذاته يستحق شيئاً من “التقدير”، ليس شيئاً وإنما الكثير منه. في كل مرة يعتقل زميل/ زميلة نعود جميعاً للوراء أكثر. (مضحك الحديث عن الوراء، لأنه الوراء معناه أيضاً الإنسان عندما كان يسكن الكهوف، والذي كان يرسم على الحائط كلغة ضرورية للتواصل، لكي يفهم هو، ويفهم من حوله. قد لا نكون عدنا للوراء.. وإنما سرنا في اتجاه أكثر تخلفاً..).
لست من المؤمنين بالحرية المطلقة، الكاريكاتير والحريات تحديداً موضوع شائك والحديث فيه مع كل موقف يكون مختلفاً. في هذا الموقف تحديداً، يستهدف الفنان عماد حجاج في نضاله البصري من أجل القضية الفلسطينية، وهو أمر معيب جداً، ويبدو أنّ المستهدف هو الفنان والقضية معاً. الأجواء العامة تحمل وباء اسمه “التطبيع” ويبدو أنّ الدول العربية تريد إرغامنا على مناعة القطيع، ومقاومة هذه الإستراتيجية ضروري جداً للبقاء أحياء وأصحاء ومعافون في إنسانيتنا.
عماد حجاج، شكراً لك، والحمد لله عالسلامة.. ناجي العلي، أكرم رسلان، نحن آسفون جدا!
تامر يوسف (رئيس منظمات رسامي الكاريكاتير الدولي بمصر): الرسام يبقى ذو مبدأ وصاحب رؤية
أستطيع القول بحكم إنني أحد مؤسسي “شبكة الدفاع عن حقوق رسامي الكاريكاتير الدولية”، ولفترة طويلة كنت داعم لقضية الشهيد أكرم رسلان، وكذلك قضية محمد سباعنة، ومواطنه الرسام فادي أبو حسان وغيرهم من رسامي الكاريكاتير السوريين والفلسطينيين والعرب، أقول إنّ عماد زميل وفنان موهوب ومتميز ورسام كبير وله أفكار رائعة تنم على أنّ لديه قراءة سياسية واعية للوضع الحالي، وما تعرض له هو بمثابة كتابة تاريخ له ليس كفنان وإنما كمناضل وهذا شرف كبير. وأذكر أنّ نفس هذا الموقف تعرض له الفنان المصري عصام حنفي ما بين عامي 1999 و2000 وحكم عليه بالسجن لمدة سنة للأسف الشديد، لأنه أصر على موقفه ورفض الاعتذار عن ما رسمه سنتذاك.
صحيح أنّ المملكة الأردنية لديها أوضاع سياسية مختلفة، وهذا ما يدفع الحكومة على الحفاظ على العلاقات والروابط الودية بين الدول الشقيقة بحرص شديد، لكن اعتقال عماد خطأ كبير، فهو مؤثر جداً ورسام له رؤية وأفكار عميقة جداً، وهو رسم هذه الرسمة للتاريخ ولتبقى في سجله وتاريخه الشخصي النضالي، لأنّ الأنظمة تختلف وسياسات الدول تختلف، غير أنّ الرسام يبقى ذو مبدأ وصاحب رؤية والشخصية الفاعلة المؤثرة في المجتمع.