أعلن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، الأسبوع الماضي، عن نتائج استطلاع “المؤشر العربي“، الدوري في دورته السابعة (2019/2020)، والذي نفذه في 13 بلداً عربياً، هي: السعودية والكويت وقطر والعراق، ومصر، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والسودان، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا. وهو ما يجعل منه أكبر استطلاع للرأي العام من نوعه في العالم العربي، في اتساع مشاغله. إسرائيل، والديمقراطية، والثقة في مؤسسات الحكم، والتيارات الدينية، والفساد، ووسائل الإعلام، الإنترنت، وقضايا عديدة.
“رمان” في محاولة منها لقراءة وتحليل النتائج والوقوف على دلالاتها، كان لها أن تحدّثت مع عدد من المؤرخين والأكاديميين والباحثين والناشطين الحقوقيين العرب، لنسألهم بداية، عن أهمية مثل هذه الاستطلاعات التي يجريها المركز “العربي للأبحاث ودراسة السياسات” دورياً في عدد من البلدان العربية؟ وكيف تلقوا نتائج “المؤشر العربي” الذي أجري هذا العام في 13 دولة عربية بالنظر إلى واقع هذه البلدان السياسي، خاصة حول ما نشهده من تطبيع بعض البلدان مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ وعن رؤيتهم لما تحيله النتائج التي أظهرت أنّ آراء المواطنين الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل لا تنطلق من مواقف ثقافية أو دينية.
موضحين لنا البعد الذي تعنيه النتائج التي أظهرت كذلك، أنّ الرأي العام العربي متوافق وشبه مجمع، بنسبة 89%، على أنّ سياسات إسرائيل تهدّد أمن المنطقة العربية واستقرارها، وأنّ 88% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل، رغم هرولة بعض الحكام العرب نحو تطبيع علني مع دولة الاحتلال تماشياً مع ما يسمّى “صفقة القرن” الترامبية، دون الاكتراث لإرادة الشعوب؟ خاصة أنّ 81% من الرأي العام توافقوا على أنّ السياسات الأميركية تهدّد أمن المنطقة واستقرارها.
البداية كانت مع المؤرخ والدبلوماسي اللبناني الدكتور خالد زيادة، “مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع بيروت”، الذي أجابنا قائلاً: أهمية “المؤشر” أنه يقدم لنا معطيات يمكن أن يبني عليها الباحثون دراساتهم المتعلقة بالعالم العربي وخصوصاً القضايا السياسية والاجتماعية. والأمر يتعلق باتجاهات الرأي وليس بالمعلومات طبعاً. وأردف: التقرير الذي يصدر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” يعوض النقص الفادح الذي كان ينبغي أن تقوم به هيئات رسمية إقليمية ودولية (الجامعة العربية على سبيل المثال)، وهو التقرير الوحيد المبني على استطلاعات الرأي الذي يأخذ العالم العربي ككل وحدة دراسية مقسمة إلى أربعة أقاليم.
د. زيادة أشار إلى أنّ بعض النتائج التي تضمنها التقرير من النوع الذي يمكن فهمه وتقديره كمستويات الدخل التي تميز دول الخليج عن سائر الدول العربية، ولكن الأمر الذي يصدم هو ارتفاع الرغبة لدى الشباب بالهجرة. ويمكن أن نتفهم أن تكون الأوضاع الأكثر تردياً هي أوضاع المشرق العربي، نظراً لما تشهده بلدان العراق وفلسطين والأردن ولبنان، إضافة إلى سوريا التي لا تدخل في الاستطلاعات.
أما فيما يتعلق بموضوع الاعتراف بإسرائيل كونها لا تنطلق من منطلقات دينية أو ثقافية، بيّن محدّثنا أنه يظن أنّ الأمر يتعلق بأسباب واقعية يلمسها المواطن العربي؛ ذلك أنّ التطبيع أو الاعتراف لم يؤدِ إلى سلام أو علاقات متوازنة، وهذا ما تثبته التجربة المصرية، فبعد أكثر من أربعين سنة على “اتّفاقية كامب ديفيد” لم يقتنع المواطن المصري بأنّ إسرائيل تريد السلام والعلاقات المتوازنة وأن تكون جزءاً من المنطقة. وفي العمق وبغض النظر عن ذلك فإنّ المواطن العربي لم يقتنع بمشروعية الكيان الإسرائيلي أصلاً.
أما بالنسبة إلى الموقف من الولايات المتحدة الأميركية، يلفت د. زيادة إلى أنه أصبح بالنسبة للمواطن العربي أمراً بديهياً أنّ السياسة الأميركية في المنطقة العربية تبنى على أساس مصلحة إسرائيل؛ وهذا ما بدا أكثر وضوحاً في عهد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، فضلاً عن كون الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغوطاً على بعض الدول لكي تطبع علاقاتها أو تعترف بإسرائيل.
من جهته، أكد الباحث الأكاديمي السوري سلام الكواكبي، مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع باريس” أنه: من الضروري الإشارة إلى ندرة العمل الاستقصائي في الثقافة السياسية العربية. وهذا يعطي “المؤشر العربي” ريادة إجرائية وقيمة علمية مهمة. كما أنه من المهم الإشارة إلى حجم الاستطلاع الكبير وتعرّضه لعيّنة واسعة جداً من الناس، كما عدد الدول الذي يتزايد سنة بعد سنة، كلها عوامل تعطيه تمايزاً وثراءً معلوماتياً وعلمياً. وكذلك، ومن ضمن مواكبة المركز العربي لمسارات عملية التحوّل السياسي القائمة في بعض البلدان العربية منذ 2011 والتي تترجم سعياً عاماً نحو الديمقراطية والتخلص من الاستبداد بتلاوينه.
ويرى الكواكبي، أنّ هذا الاستطلاع يُعتبر أداة مهمة كانت مهمّشة فيما سبق لتقصيّها رأي الشعوب المُغيّبة والمقهورة. كما يمكن أن أشير إلى الدور الهام للاستطلاع في مساعدة الباحثين عن المعلومات الدقيقة والمساعدة للعمل بموضوعية وبمهنية للمهتمين بالشأن العام من علميين ومن إعلاميين.
وعن أثر تلقيه نتائج “المؤشر العربي” بالنظر وقائع اليوم عربياً، قال لـ”رمان”: كانت هناك بعض النتائج المتوقعة منطقياً، وخصوصاً فيما يتعلق برفض الاحتلال الإسرائيلي ورفض الهرولة باتّجاه العلاقات مع إسرائيل في ظل استمرار الوضع القهري القائم على ما هو عليه. كما أنّ الاستطلاع عكس بوضوح فهم الناس وتمسكهم بالمسألة الديمقراطية. وأخيراً، نجح الاستطلاع في توضيح الموقف الشعبي من سياسات بعض القوى الخارجية في المنطقة العربية. وبالمقابل، أعترف بأنني فوجئت بالاطلاع على ثقة بعض المستجيبين العالية بأجهزة الجيش والشرطة التي ارتبطت ممارساتها في ذهني بتجسيد القمع السلطوي. وأعتقد أنّ هذا التوجه ليس ناجماً عن إعجاب حقيقي بدورها وإنما نجم عن المفاضلة مع باقي مؤسسات الدولة الأخرى التي أصابتها عيوب بنيوية طوال عقود، مما جعل الثقة بالجيش وبالشرطة، على الرغم من حمولتهما القمعية في غالب الدول، تتقدم على بقية مؤسسات الدولة نسبياً. أضيف إلى ذلك ربما الدور الاستثنائي الذي لعبه الجيش التونسي في حماية الثورة في بدايتها والابتعاد عن التدخل لصالح المستبد والذي جعل من كل عربي حالماً بإعادة إنتاج هذا الدور الإيجابي في محيطه المباشر.
وبسؤاله إلى ماذا يحيل ما أظهرته النتائج من أنّ آراء المواطنين الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل لا تنطلق من مواقف ثقافية أو دينية. أجاب: أرادت إسرائيل كما مؤيدوها في بعض الأوساط السياسية الدولية، وأضيف إليهم أيضاً بعض المستخدمين السياسيين للمسألة الدينية، إيهام العالم بأنّ العرب ممن يعادون دولة الاحتلال ويرفضون التطبيع معها والهرولة نحوها في حين ما زالت أراضٍ عربية محتلة، كما يتعرض شعب عربي لممارساتها العنصرية ولسياساتها الاستعمارية ولعملياتها التخريبية والقمعية، أنّ هؤلاء العرب هم معادون للسامية من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ سيطرة الفكر الديني المتطرف على “غالبيتهم” تدفعهم باتّجاه رفض دولة إسرائيل بناء على رفضهم ومعاداتهم المفترضة لليهودية. وبالتالي تم حصر المسألة بالثقافة وبالدين، وقد أظهرت نتائج “المؤشر” انحراف هذا عن الحقيقة وأظهرت وعياً سياسياً وطنياً لا غبار عليه لدى جُلّ المستطلعة آراؤهم.
وحول قراءته لما أظهرته النتائج من توافق الرأي العام العربي بإجماع كبير، على أنّ سياسات إسرائيل تهدّد أمن المنطقة العربية واستقرارها، وأنّ 88% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بدولة الاحتلال، كما يجمعون على رفض ما يسمّى “صفقة القرن”. بيّن مُحدّثنا: أنّ هذه النتائج يمكن أن تعتبر الإجابة الأدق على مسببات الثورات المضادة القائمة حالياً في بعض الدول العربية. فقد تنبّهت الحكومات المستبدة إلى خطر الديمقراطية وخطورة عودة مصير القرارات الهامة إلى إرادة الشعوب أو من يمثلها حقيقة وليس من يتولاها ظلماً واعتسافاً. وكذلك، عرفت إسرائيل بأنّ الديمقراطية في الدول العربية هي شر مطلق لأنها ستجعل من قادة الحكومات موظفين يسعون لخدمة شعوبهم وليسوا، كما هم عليه اليوم، مالكين للبلاد وللعباد يسيرونها كما شاءوا. فالديمقراطية بدت وكأنها ليست فقط خطر على الاستبداد بل وأيضاً على الاحتلال والتوسع والاستيطان وكل الجرائم التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين. لذلك، سعى الطرفان، ويسعيان، إلى تعزيز تعاونهما في سبيل الحد من نجاح هذا التوجه الإنساني الحتمي. إنّ حكماً منتخباً بشفافية ونتيجة مسار ديمقراطي ستلبي حتماً متطلبات الناخبين إن كان على صعيد الشأن الداخلي، أو على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية. وبالتالي، فبما أنّ غالب الشعوب العربية هي ضد السلام (الترامبي-الليكودي) ومع السلام العادل، فالحكومات تخشاها، ويؤدي هذا إلى هرولتها باتّجاه إسرائيل القادرة نسبياً على حفظ أمن قادتها وتأمين استمراريتهم.
بدوره، قال الكاتب والباحث الأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب: إنّ مثل هذه الدراسات تقدم مؤشرات وأدلة رقمية وعلمية وإحصائية في غاية الأهمية، لأنها تنقل النقاش من مجرد انطباعات وآراء ورغبات، إلى نقاش متأسس على معلومات وأدلة علمية. وهذا بالتالي يُفترض أن يعقلن السجال ويُضعف الطروحات “البوقية” المسطحة لأشباه المتعلمين وأشباه الإعلاميين والمثقفين الذين يتوقف كل علمهم وثقافتهم على ما يبصقه في أفواههم سادتهم وحكامهم، لإعادة إنتاجه وإلقائه في وجوه الآخرين. هناك أكثر من جانب مهم في نتائج “المؤشر العربي”، بخاصة تجاه التطبيع، أولها أنّ هذه النتائج ليست جديدة بل هي متواترة وعلى مدار عدة سنوات رصدها “المؤشر”، وعبر وسائل بحث وتقصي ومنهجية مسح علمية، ومعنى ذلك أننا أمام حالة موقفية عربية شعبية واضحة تجاه اسرائيل.
يوضح د. الحروب، أنّ معنى ذلك أيضاً أنّ الحكام الذين يهرولون نحو التطبيع لا يعبرون عن رأي شعوبهم مهما حاولوا إثبات العكس، ومهما اشتغلت حولهم الدعاية “الغوبلزية” التافهة من جيوش الذباب الإلكتروني وسواها، التي تريد أن تثبت أنّ شعوباً عربية أصيلة وأبية أصبحت بين عشية وضحاها مصطفة إلى جانب كيان عنصري واستعماري واحتلال مجرم. الأمر الثاني المهم هو أنّ الرأي العام الذي لا يعترف بإسرائيل في أوساط الشعوب العربية يستند إلى القيم الإنسانية بشكل أساسي، وليس موقفاً ثقافوياً أو دينياً، وهذا يعكس وعي متقدم بشكل كبير عن وعي قادة الهرولة التطبيعيين. وهذا الرأي المُستند على القيم يرى إسرائيل دولة استعمارية وعنصرية وتدوس كل القيم الإنسانية، بغض النظر عن الضحية (الفلسطينيين)، وهذا هو الموقف الأخلاقي الحقيقي الذي يتحلى به أيّ صاحب ضمير.
يشدّد مُحدّثنا على أنّ أيّ إنسان يقترب من المسألة الفلسطينية إلى الحد الكافي لمعرفة الأوليات من دون تزييف الإعلام وفبركة التاريخي فإنه بالبداهة الأخلاقية والقيمية سوف يرفض إسرائيل، سواء أكان هذا الإنسان عربياً أم افريقياً أم أسيوياً أم غربياً.
النقطة الأخيرة، التي يطرحها الأكاديمي الفلسطيني، والتي يرى أنه من الواجب الانتباه إليها هنا، تتمثل في عدم الركون إلى هذه النسب العالية في رفض إسرائيل والتطبيع، وتأييد الفلسطينيين، خاصة في السنوات القادمة. فمن المتوقع أن نشهد سعار حقيقي لتغيير الرأي العام العربي في الفترة القادمة، ومع الأسف جزء كبير منه سوف تقوم به دول خليجية تضع مقدراتها وثرواتها لتسويق المشروع الصهيوني عبر تخليق سردية جديدة، اسميها “الدين الإبراهيمي الجديد”، يتم من خلالها تقديم تفسيرات ثقافية وتاريخية ودينية مُخلّقة ومُفبركة كي تهشم صلابة الموقف العام. ويحذر د. الحروب في ختام حديثه مع “رمان”، قائلاً: إنه علينا عدم الاستهانة بمقدرات هذه الدول الخليجية عندما تقع في متناول اليد الصهيونية وتلعب بها كيف تشاء. الموقف الذي ينقله “المؤشر العربي” يحتاج إلى اشتغال عليه حتى يصمد ويحتاج إلى مواصلة إنتاج للأفكار والطروحات والدفوعات في وجه فيضان الزيف التطبيعي الذي تقوده دول كبرى وإقليمية خدمة لإسرائيل.
المحامي الفلسطيني أيمن فهمي أبو هاشم، منسق “التجمع السوري الفلسطيني – مصير” الحقوقي، ومقره تركيا، أكد في مستهل حديثه معنا، أنّ هناك ضرورات متعدّدة لمثل هذه الاستطلاعات الكميّة الموسعة، وما يمكن الاستفادة منها نوعياً، على صعيد القضايا العامة ذات الصلة الوثيقة بحياة الناس ومشكلاتهم ومتطلباتهم وتطلعاتهم، وأهميتها في عالم اليوم أنها تقدم أمام كافة الخائضين في قضايا الشأن العام، مؤشرات ومعطيات عن الواقع الذي نعيشه، تسهم في تزويد الجماعات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة، والنخب والنشطاء والفاعلين على جبهات التغيير والنهوض بمجتمعاتهم من جهة أخرى، بداتا غنية من المعلومات والنتائج المُستندة إلى لغة الأرقام والحقائق. من هنا تأتي أهمية ما يقوم به “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” منذ سنوات، في تقديم مؤشرات موثوقة، عن آراء ومواقف الشعوب من قضايا تمس أوضاعها بصورة أساسية، وما طرأ عليها من تحوّلات تحتاج إلى قراءات متجددة، وإلى سياسات وبرامج تأخذ تلك المؤشرات والنتائج بعين الاهتمام، سواء من دوائر صنّاع القرار أو الاتجاهات المُعارضة لها.
أبو هاشم، رأى أنه قبل صدور نتائج الاستطلاع حول مسألة التطبيع التي عادت مجدداً إلى واجهة الوقائع العربية، لم تتوفر معلومات أو معطيات حديثة عن أثر التطبيع على الشعوب العربية في حقبة التحوّلات الكبرى التي نعيشها، وكان من اللافت بعد صدور “المؤشر العربي”، أنه أكد بنتائجه على استمرار الفجوة الكبيرة بين مواقف الأنظمة ومواقف الشعوب من التطبيع. والأهم أنّ الغالبية الشعبية الرافضة للتطبيع، انطلقت من وحي تجاربها التاريخية مع الخطر الصهيوني على المنطقة، وإدراكها اليقظ لاستمراره رغم محاولات الأنظمة المُطبّعة إخفاء جوهر المشكلة، وهي في طبيعة وبنية هذا الكيان الاستعماري والعنصري والاستيطاني. ويبدو أنّ المشكلات والتحديات التي تواجه المنطقة في زمننا الراهن، لم تؤدِ إلى تغييرات جوهرية في وعي الشعوب من الخطر الصهيوني ومن مسارات التطبيع المفتوحة، ومن نتائج “المؤشر” حول هذه المسألة المترابطة، يتضح وجود قطيعة فكرية وسياسية ونفسية بين أغلبية المجتمعات العربية، والأنظمة والنخب التي تنخرط في تلك المسارات.
الناشط الحقوقي الفلسطيني السوري شدّد في سياق حديثه معنا، على أنّ منطلقات الفئات المستجيبة حول الموقف من إسرائيل والاعتراف بها، متعدّدة ومتداخلة، وهي تتلاقى على المحصلات الكارثية الوطنية والقومية التي تسبب بها الوجود الصهيوني بحق الفلسطينيين والعرب، ولذلك يصعب هنا إهمال كافة الجوانب بما فيها الديني والثقافي، فما قامت به إسرائيل منذ نكبة العام 1948 وحتى الآن، من أعمال سلب وتهجير وتدمير واستيطان وإجرام، كان رسالة صادمة ومؤذية لأنها أضرت بحقوق الفلسطينيين، ومنها بالطبع الحقوق الثقافية، وكذلك بعلاقة العرب بفلسطين، ومكانة المقدسات الإسلامية والمسيحية في عيون المسلمين والمسيحيين، وهذا برأيي لا يتناقض مع نتائج “المؤشر” إذا كان المقصود بالموقف من إسرائيل ذات أبعاد دينية بحتة، فما حصل في فلسطين لم يكن حرباً دينية، ولكن الجرائم الصهيونية على الهوية الثقافية وعلى المقدسات الدينية، هما بعدان مؤثران في منطلقات المواقف الشعبية من خطورة إسرائيل على كافة مقومات الحياة المادية والمعنوية والروحية للفلسطينيين.
يضيف أبو هاشم، أنّه بالنظر إلى نتائج الاستطلاع التي بيّنت أنّ نسبة 89% من الرأي العام العربي مُجمعة على أنّ سياسات إسرائيل تهدّد أمن المنطقة العربية واستقرارها، وأنّ 88% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل، فإن ذلك يعني بكل وضوح أنّ الصفقات السياسية ومن ضمنها ما يسمّى “صفقة القرن” وما يسبقها من اتفاقيات التطبيع بين دول عربية ودولة الاحتلال، ليس لديها ضمانات قوية في حسم الحلول المطروحة تجاه قضية فلسطين، فالبون الشاسع بين الأنظمة التي تسعى إلى تمرير تلك الحلول المجحفة وغير العادلة، وبين الشعوب الرافضة لها، ولمن يريد فرضها وتمريرها، إنما يعبّر عن الأرضية الهشّة التي تسير عليها تلك الصفقات، لا سيما أنّ تحوّلات المنطقة العربية، لاتزال حبلى بمتغيرات قد تفاجئ من يراهنون على استسلام الشعوب لمنطق القوة والإكراه.
ختاماً، يقول مُحدّثنا، ما يدفعني كأحد المستفيدين من نتائج “المؤشر العربي” بهذا الخصوص، لمزيد من الثقة بالذات الجمعية الفلسطينية والعربية، وصواب رؤيتها ومواقفها من قضية لاتزال راسخة في وعي ووجدان الناس كقضية فسطين، رغم كل محالات شطبها وتصفيتها، ما يفرض بدوره رؤية نوعية جديدة في إدارة الصراع، واستنهاض دور الشعوب، وتثمير مواقفها في سياق كفاحي فاعل ومؤثر.