شكّلَ المسرح الوطني الفلسطيني “الحكواتي” منذ تأسيسه عام 1983 على أيدي أعضاء فرقة الحكواتي السبعة الذين أسسوا المسرح، حالة مهمة في المشهد الثقافي والفني المقدسي خصوصاً والفلسطيني عموماً، وتحول مع الوقت إلى معلم من المعالم الثقافية الأبرز في المدينة، وأداة مقاومة ضد تهويد المكان وثقافته وتاريخه وتهجير سكانه الأصليين، حيث لعب المسرح دوراً فاعلاً في رسم هذا المشهد في مدينة تعاني من الاحتلال ومشاريع التهويد منذ عقود، لكن هذا الصرح الثقافي الذي يقع في حي الشيخ جراح وسط مدينة القدس، نهاية شارع صلاح الدين، يعاني اليوم من أزمة مالية خانقة تكاد تهدد وجوده وتاريخه الممتد لما يقارب الأربعة عقود على تأسيسه.
لذلك؛ وإيماناً بدورها في المساهمة ودعم المشهد الثقافي والفني الفلسطيني، قررت مؤسسة “فيلم لاب فلسطين”، المُنظِمة لمهرجان “أيام فلسطين السينمائية”، تخصيص ريع تذاكر عروض المهرجان في دورته الحالية الثامنة في القدس، لدعم مسرح الحكواتي، في ظلّ تقصير رسمي فلسطيني في إنقاذ المسرح من أزمته التي يعاني منها منذ سنوات، لكنها تفاقمت أكثر بعد جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، حيث فقد المسرح الجزء الأكبر من موارده القادمة من شباك تذاكر العروض التي كانت تساهم بما يقارب 40 ـ 50٪ من هذه النفقات التشغيلية للمسرح، نتيجة حظر التجمعات وإقامة الفعاليات من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة لتحولات سياسات تمويل المشاريع الفنية من الدول العربية والأوروبية.
حيث عبّر مدير مهرجان أيام فلسطين السينمائية، حنّا عطالله عن سعادته لعودة العروض والفعاليات للقدس، بعد توقفها بسبب الدورة الاستثنائية التي فرضتها الجائحة العام الماضي، والقيود التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة الفلسطينية المحتلة بحظر التجمعات وإقامة الفعاليات، مشيراً لأن هذه الدورة حملت فعاليات ولقاءات وعروض أكثر من الدورات السابقة، كما وأن ريع بيع التذاكر في القدس قد تم رصدها لدعم المسرح الوطني الفلسطيني “الحكواتي”، للمساهمة في إخراج المسرح من الأزمة المالية التي يمر بها، كصرح ثقافي فلسطين في القدس يجب أن نتكاتف جميعاً لنحافظ عليه، ولوضع القدس المحتلة الاستثنائي والتعقيدات التي تفرض على كل ما هو فلسطيني بالمدينة، بالتالي فإن واجبنا كأفراد ومؤسسات يحتم علينا التدّخل بكل ما نستطيع أن نحافظ على ما تبقى من صروحنا الثقافية التي تعبر عن هويتنا في المدينة.
ويضيف حنّا، أننا في “فيلم لاب فلسطين” و”أيام فلسطين السينمائية” قررنا ابتداءً من العام 2018 فرض تذاكر مدفوعة على عروض المهرجان بعد أن بقيت لسنوات ماضية مجانية، كان الهدف منها أن يساهم حضور المهرجان بإنتاج فيلم فلسطيني عبر رصد ريع هذه التذاكر في كل المدن الفلسطينية التي يقام فيها المهرجان في جائزة “طائر الشمس للإنتاج” التي تصل إلى 10 ألف دولار، والاستثناء الوحيد هذا العام بأن يتم تخصيص جزء من ريع هذه التذاكر لدعم مسرح الحكواتي.
في سبتمبر الماضي 2021، بدأ مدير المسرح الفنان عمر خليل، جولة في فرنسا ضمن حملة لدعم المسرح من خلال المشاركة في مهرجانات داعمة، وعمل توأمة مع بلديات ومسارح فرنسية بهدف تقوية الحكواتي، في محاولة لتشكيل لوبي ضاغط من المثقفين والفنانين الفرنسيين حول قضية الشروط التمويلية الخاصة بالاتحاد الأوروبي التي أصبحت أكثر صعوبة وتعقيداً حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
لا يستمد مسرح الحكواتي أهميته فقط من كونه مسرحاً فلسطينيا في قلب مدينة القدس، وفي حي الشيخ جراح تحديداً المهدد سكانه بالتهجير من بيوتهم في مشروع تعمل عليه إسرائيل منذ سنوات، وصلت ذروتها هذا العام وأدت لتفجر انتفاضة فلسطينية هذا العام، أيضاً لكون المسرح يحتضن ما يقارب من 80٪ من النشاطات الثقافية في القدس، ما يجعل منه الحاضنة الثقافية الأولى في المدينة المحتلة.
هذه الحاضنة الثقافية واقعة في مأزق يتمثل بحسب تصريحات سابقة لمدير المسرح لوسائل الإعلام، قال فيها: “أن المسرح لا يمكنه تلقي مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية ومؤسساتها لأن سلطات الاحتلال ستتخذها ذريعة لإغلاق المسرح، كما أن المسرح يرفض أن يتلقى مساعدات مالية من سلطات الاحتلال، وهو ما يجعله يعتمد بشكل كامل على الجمهور والمشاريع التي تقدم تمويلاً محدداً سواء من مؤسسات محلية مثل مؤسستَي “القطان” أو “التعاون” أو عربية مثل “البنك الإسلامي للتنمية”.