سيحتوي على أكبر مخزون لألفاظ اللغة العربية في تاريخها كله

“معجم الدوحة”: نحو قراءة تاريخية شاملة للغة العربية

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

و"المراد بالمعجم التاريخي للغة العربية، المعجم الذي يُثْبِتُ ألفاظ اللغة العربية، لفظاً لفظاً، راصداً تاريخَ ظهوره بدلالته الأولى، وتاريخَ تحوّلاته البنيوية والدلالية، ومستعمليه في تطوراته، مع توثيق كل ذلك بالنصوص التي تشهد على صحة المعلومات الواردة عن كل لفظ".

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

16/03/2022

تصوير: اسماء الغول

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

أوس يعقوب

يعمل كاتباً ومراسلاً صحفياً لعدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية منذ العام 1993. صدر له عدة كتب ودراسات في الشؤون الثقافية الفلسطينية والعربية. وله مجموعة دراسات منشورة ضمن موسوعة "أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين"، الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في تونس.

يؤكد مختصون لغويون أنّ إنجاز معجم جامع ومُواكِب لتاريخ تطور لغة الضاد ظل مجرد أمل يتطلّع إليه العرب منذ عقود طويلة، دون أن يجد من يتكفّل بتحقيقه، ونقله من مستوى الطموح إلى مستوى المشروع القابِل للتحقيق فعلاً، إلى أن أُطلق رسمياً أوّل معجمٍ تاريخي للغة العربية في العاصمة القطرية الدوحة، في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2018، بافتتاح موقعٍ إلكتروني خاصٍ به، بمئة ألف مدخلٍ معجمي يشمل ألفاظ اللغة العربية حتى عام 200 هـ، ومدونة لغوية جمعت نصوص العربية ومصادرها مرتبة ترتيباً تاريخياً، علاوة على عدد من أدوات البحث والخدمات اللغوية والنصية والإحصائية، وهو ومتاح الاستخدام في موقعه الإلكتروني لأي مهتم.

معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، الذي أشرف على إعداده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي أعلن عنه في 25 أيار/ مايو 2013، “حرص كل الحرص كما وضح ذلك المشرفون على إعداده على الاستفادة من المأثور المعجمي، ومن مختلف المعاجم التي اعتنت باللغة العربية في الأزمنة الحديثة. وقد عقدوا العزم في سنة 2013 على إنجاز معجم يُضاهي أهم المعاجم التاريخية للغات الأخرى، ويستفيد في الوقت نفسه، من مكاسب الثورة التكنولوجية وما تتيحه اليوم من آليات في العمل، تسعف متى تم التوسل بأدواتها بتركيب معجم تاريخي، قادر على مواكبة حركية اللغة العربية في أصولها البعيدة، قصد الوقوف على مختلف صوّر وأشكال التحوّل الذي عرفته، وساهم في تطوّرها عبر مراحل التاريخ”. بحسب اللغويين العرب. 

يقول المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا، في مقالة له عن هذا المنجز العربي الرائد، في (كانون الأول/ ديسمبر 2020): “كنّا نُدرك أنّ المسلك وعرٌ والدربَ غير مطروق. لكنّه كان تحدياً قرّرنا في المركز العربي للأبحاث عدم التملص من مواجهته حين اقتُرح الأمر على جدول أعماله، ولا سيّما أنّ عدداً كبيراً من خيرة علماء اللغة العربية أصبحوا يعتقدون أنّه قد آن الأوان للقيام بذلك، فغادروا الندوات التي لا تتوقف عن الانعقاد لمناقشة أسباب تعذّر الأمر حتى الآن؛ لأنه لا يوجد سبب مقنع لاستحالة ما هو ممكن. والفكرة على كل لسان (بين المتخصصين على الأقل)، والمشروع واقعي شرط أن يتصدى للمهمة من هم قادرون على إدارة مشروعات كبرى من هذا النوع، وأن يتوافر الدعم، فهذه مشروعات دول. واللغات الحيّة الكبرى كافة، ومنها ما هو أقلُّ انتشاراً من اللغة العربية، باتت تمتلك معجماً تاريخياً، وأحياناً أكثر من معجم؛ يؤرّخ معاني الألفاظ وتغيّرها عبر الزمن، ويَتتبّع تاريخ تطور اللغة مع التطور التاريخي، ومن ثمّ يُسهم في فهم تاريخ اللغة وتاريخ المجتمع على نحوٍ لا تُسقَط فيه المعاني من الحاضر على الماضي، وإنما يُفهم اللفظ بدلالته عند استخدامه، ما يُزيل كثيراً من اللبس وسوء الفهم الذي يعتور مقاربة المعاصرين لنصوص التراث وغير التراث”.

إنجاز المعجم الذي سيحتوي على أكبر مخزون لألفاظ اللغة العربية في تاريخها كله، سيشكل حين إتمامه نهضة لغوية وثقافية، وفقاً لما ذكره الدكتور عز الدين البوشيخي، المدير التنفيذي للمشروع، الذي أوضح أنّ “المعجم يوفر مستخلصة من نصوص العربية المستعملة، واردة في شواهدها النصية، معروفة التاريخ والقائل والمعنى، معروفة التطور الذي لحقها والحقبة التي عاشتها، موثقة من مصادرها، وسيكون بذلك المعجم الحافظ للغة العربية، كما يوفر مدونة جامعة لنصوص العربية، مرتبة ترتيباً تاريخياً، قابلة للبحث بإمكانات متنوعة، مشيراً إلى أن كل ذلك يمكن استثماره بأشكال مختلفة في مجالي التعليم والبحث العلمي وبأوسع نطاق”.

المرحلة الأولى من المعجم، تغطي 700 سنة من تاريخ اللغة العربية، أي منذ النقوش الأولى حتى العام 200 للهجرة، وتمتد المرحلة الثانية من العام 201 للهجرة وحتى عام 500 للهجرة، وقد استغرق إنجاز المرحلة الأولى ثلاث سنوات كاملة، وجرى رصد 100 ألف مدخل معجمي. ومن المتوقّع أن تستغرق المرحلة الثانية نحو خمس سنوات فتغطي الفترة ما بين القرن الثاني الهجري والقرن الرابع الهجري، وربما امتد العمل في هذا المعجم، بحسب القائمين عليه، نحو خمس عشرة عاماً أو أكثر حتى الانتهاء من آخر مدخل فيه.

ووفقاً لرئيس المجلس العلمي للمعجم، الدكتور رمزي بعلبكي، فإنّ “أهمية المعجم تكمن في المواءمة بين المعرفة التراثية والمعرفة الإنسانية الحديثة، خصوصاً في مجال العلوم اللغوية وعلم صناعة المعاجم”. والتقسيم المرحلي لبناء هذا المعجم هو “تقسيم إجرائي محض، أملته ضخامة نصوص العربية الممتدة على مدى عشرين قرناً تقريباً والهدف منه هو رصد تاريخ الكلمة العربية منذ ظهورها في الاستعمال الموثق نصياً حتى عصرنا الراهن، وتتبع تطورها في مبانيها ومعانيها”. والمعجم الذي وصفه الدكتور عز الدين البوشيخي، بأنه “مشروع أمّة”، ستكون كل مادة من مواده المنشورة ممتدة في تاريخها إلى غاية 500 للهجرة حيث يستطيع القارئ أن يعرف مثلاً كيفية تطور كلمات مادة «نهض» على مدى عشرة قرون بكل اشتقاقاتها ومعانيها ومصطلحاتها ومفاهيمها وألفاظها الأعجمية ونظائرها السامية. و”المراد بالمعجم التاريخي للغة العربية، المعجم الذي يُثْبِتُ ألفاظ اللغة العربية، لفظاً لفظاً، راصداً تاريخَ ظهوره بدلالته الأولى، وتاريخَ تحوّلاته البنيوية والدلالية، ومستعمليه في تطوراته، مع توثيق كل ذلك بالنصوص التي تشهد على صحة المعلومات الواردة عن كل لفظ”.

وحول وجود مراحل أخرى يسعى معجم الدوحة التاريخي لإنجازها، فإنه، استناداً  لتصريحات المدير التنفيذي للمشروع (15/12/2020) “بالتوازي مع العمل الجاري في المرحلة الثانية، يعكف الخبراء على إعداد «ببليوغرافيا» المرحلة المفتوحة الممتدة إلى عصرنا الراهن، مع مدونتها اللغوية، ما يتيح رصد تطور كلمات اللغة العربية عبر خط الزمن، وتبين ما لحقها من التغير، وحين إتمام ذلك، سيكون متاحاً معرفة تطور كلمات العربية على مدى عشرين قرناً، ومعرفة ما ورد منها في النقوش، وما اقترضته من اللغات الأجنبية التي تفاعلت معها، ومعرفة نظائرها في اللغات السامية، فضلاً عن جمع أهم مصادر العربية ونصوصها في مدونة لغوية كبيرة تقدم خدمات متنوعة للعلماء والباحثين والطلاب”.

هي ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها إنشاء مشروع ضخم لمعجم تاريخي للغة العربية، فالبداية كانت مع الألماني، أوغست فيشر، عام 1907، وهو العمل الذي تابعه المصريون ثم توقّف، ثم المبادرة في تونس عام 1990 وأخيراً في عام 2006 أنشئت مؤسسة مستقلة لتأليف المعجم التاريخي للغة العربية في القاهرة، غير أنّ كل تلك المشاريع لم يكتب لها النجاح، فكان ضرورة تفرضها الغيرة على لغتنا العربية العريقة. وكما ورد في شريط وثائقي حمل عنوان المشروع “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، الذي أعده وبثه “التلفزيون العربي” في 14 شباط/ فبراير الماضي (يمكن مشاهدته أدناه)، فإنّ “المعجم التاريخي لألفاظ اللغة الألمانية بدأ العمل فيه في سنة 1838، وأنجز الباحثون ستة حروف في 16 عاماً ثم توقف إلى أن أعاد بسمارك العمل فيه في سنة 1868، واكتمل في سنة 1961، أي أنه احتاج إلى 120 سنة كي يغطي 400 سنة من تاريخ اللغة الألمانية. وبدأ العمل في المعجم التاريخي لألفاظ اللغة الإنكليزية في سنة 1857، وتتبع 1250 عاماً من عمر اللغة الإنكليزية، واستغرق العمل فيه نحو ثمانين عاماً، وأُنجز في سنة 1928. وبدأ العمل في معجم اللغة الفرنسية في سنة 1778، وفي سنة 1858، أي بعد ثمانين عاماً، نُشر الحرف الأول منه في أربعة مجلدات، ولم يقيض أن ترى خاتمته النور إلا في سنة 1992. وعلى هذا المنوال معجم ألفاظ اللغة الهولندية الذي بدأ العمل فيه في سنة 1849 ولم يكتمل إلّا عام 1998″؛ ليكون بذلك معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي يعد انطلاقة حقيقية نحو المستقبل لإحياء الأمّة وبناء ذاكرتها اللغوية. 

الكاتب: أوس يعقوب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع