«معركة مخيم جنين الكبرى 2002 – التاريخ الحي»: تدوين الملحمة

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

يتابع المؤلف في سياق حديثه عن التشكيلات العسكرية في جنين ومخيمها، قائلاً: إنه ""في مرحلة مبكرة من النضال العسكري المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، ظهرت في جنين ومخيمها النوى الأولى للكفاح المسلح في فترة شهدت تراجعاً في هذه الاستراتيجيا على مستوى الخيارات العامة لـمنظمة التحرير الفلسطينية".

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

15/05/2022

تصوير: اسماء الغول

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

أوس يعقوب

يعمل كاتباً ومراسلاً صحفياً لعدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية منذ العام 1993. صدر له عدة كتب ودراسات في الشؤون الثقافية الفلسطينية والعربية. وله مجموعة دراسات منشورة ضمن موسوعة "أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين"، الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في تونس.

صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية (بيروت – رام الله، 2022)، كتاب «معركة مخيم جنين الكبرى 2002: التاريخ الحي»، من تأليف المناضل الوطني وأحد قادة المعركة والأسير المحرر وابن المخيم وزرعين المحتلة، جمال حويل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية في جنين، وهو عضو في مجلس أمنائها. 

الكتابُ، الذي قدم له القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الأسير مروان البرغوثي، من زنزانته رقم 28 في سجن “هداريم”، جاء في 189، وهو ينقسم إلى فصول خمسة، عنوان أولها «مخيم جنين: في الأدبيات»، والثاني «مخيم جنين: في سياقه الفلسطيني»، أما الفصل الثالث فحمل عنوان «الإعداد للمعركة: الخريطة والميدان»، فيما جاء الفصل الرابع بعنوان «الصورة والأسطورة: يوميات المعركة»، والفصل الخامس والأخير «خلاصات معركة جنين: وملاحظات نقدية».

يراوح هذا الكتاب التوثيقي لمرحلة هامة من تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، وفقاً للناشر، “بين الموضوعي التحليلي والشخصي ليبحث عن معنى معركة مخيم جنين، ومعنى النصر، ومعنى الهزيمة. وعليه، يسعى إلى الوقوف لحظة تأمل عن قرب شديد من المعركة، تاريخياً ومكانياً وروحياً، للإجابة عن الأسئلة التالية: ماذا فعل المنتصرون بالنصر؟ وماذا فعل المهزومون بالهزيمة؟ وكيف استطاع الفلسطينيون المزاوجة بين فهم تجربة مخيم جنين كـ “ملحمة صمود وتصدٍّ” من ناحية كونهم قد انتصروا، وبين فهمها كـ “مجزرة” من حيث حجم الخسائر والتضحيات؟ ولِمَ بالغ المبالغون الذين لم يشاركوا في المعركة في الكتابة عنها عن بعد؟ ولِمَ زهد الزاهدون الذين خاضوا غمارها في الكتابة عنها؟”.

والكتاب يستمدُّ “أهميته القصوى من ثلاثة عناصر أساسية: أولها أنه يُعدُّ تاريخاً لصيقاً بالحدث نفسه نظراً إلى خصوصية أنّ المقاوم صار الكاتب. وثانيها أنه يبيّن مدى النقص في عملية استخلاص العبر من تجارب كهذه على المستويين الرسمي والشعبي. وثالثها أنّ تدوين تاريخ تفصيلي مشفوع بالتحليل السياسي والعسكري والثقافي لمعركة مخيم جنين من شأنه أن يعزز ثقافة المقاومة في ظل الاحتلال الصهيوني المتواصل، وفي ظل قناعة البعض باستنفاد خيار المقاومة المسلحة”.

الكتاب، الذي قامت بتدقيقه وتحريره لغوياً لميس رضى، والذي يؤرّخ التجربة النضالية الجمعية لأبناء المخيم، هو بالأساس أطروحة أكاديمية لنيل شهادة الماجستير في “برنامج الدراسات العربية المعاصرة” في جامعة بيرزيت، أشرف عليها الأستاذ عبد الرحيم الشيخ، قبل عشر سنوات.

ولعل أهم ما يميّز هذا الكتاب، هو تزامن صدوره مع الذكرى العشرين لملحمة جنين البطولية، خاصة أنّ مؤلفه كان ممن شاركوا في كتابة تاريخ المخيم المشرف بالرصاصة قبل الكلمة، وهو يقاوم، مع رفاقه في شوارع مخيم جنين وأزقته، في نيسان/ أبريل 2002، الهجمة الشرسة التي جهزت لها آلة القتل الصهيونية بوحشية وقسوة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر.

بصوت واحد: “إما نستشهد بالبدلة العسكرية وإما ننتصر”

يأخذنا الكاتب المقاوم جمال حويل في رحلة سردية مكتوبة بـ “بمنهجية النار” كما كتب القائد الأسير مروان البرغوثي في تقديمه للكتاب، ما جعل من النص سجل شرف وبطولة للدفاع عن بقاء الفدائيين في المخيم، الذين شكلوا غرفة عمليات مشتركة، بقيادة يوسف أحمد ريحان “أبو جندل”، ويوسف ريحان قبها، والذين اتخذوا -حينها- قراراً بأن يصمدوا في المخيم رافضين قرار قيادة الأمن الوطني (التابعة لسلطة أوسلو) بالانسحاب، معلنين بصوت واحد: “إما نستشهد بالبدلة العسكرية وإما ننتصر”. فكان النصر رغم كل ما أحدثته طائرات العدو الصهيوني ودباباته من دمار هائل.

نصرٌ؛ جعل من معركة مخيم جنين أحد أهم ملاحم النضال والتضحية والصمود الفلسطيني. إنه النصر الفلسطيني المشترك، وصناعه فدائيون ومجاهدون من كل التشكيلات الفلسطينية المسلحة التابعة لفصائل المقاومة الوطنية والإسلامية في جنين ومخيمها. 

فدائيون حفروا أسماءهم في سجل الخالدين، وسطروا بدمائهم الطاهرة حكايات مجد وفخر وشرف، ومنذ عشرين عاماً -عمر معركة جنين- والأجيال تتناقل سير بطولات القائد الميداني “أبو جندل”، ويوسف ريحان قبها، وزياد العامر قائد «كتائب شهداء الأقصى» في مخيم جنين الذي اقترح خطة من بيت لبيت لتسهيل عبور الفدائيين من فتحات في جدران البيوت، وكان أول الشهداء، ونضال النوباني الذي قاد في اليوم التاسع عملية الكمين القاتل الذي سقط فيه 13 جندياً إسرائيلياً واستشهد وهو ينسحب حاملاً ميداليات الجنود وهوياتهم.

«مجموعات النسر الأحمر»: الذراع العسكرية للجبهة الشعبية

يحدّثنا المؤلف في بحثه الأكاديمي هذا، عن التشكيلات السياسية والعسكرية في مخيم جنين منذ انطلاقة الانتفاضة الأولى، فيذكر أنّ هذه الانتفاضة الشعبية التي اُطلق عليها “انتفاضة الحجارة”، بدأت في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1987. وأنّ الشرارة الأولى كانت “بعد عملية دهس شاحنة إسرائيلية لسيارة من جباليا تحمل عمالاً فلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى استشهاد أربعة منهم، وخلال تشييع جثامين الشهداء اندلعت مواجهات عنيفة بين المشيعين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلية. لكن اندلاع الانتفاضة تاريخياً، وكنسيج خلفي لهذه الشرارة، جاء بعد تراكمات وأسباب كثيرة حكمتها سياقات تاريخية وسياسية”. مضيفاً: “ظهرت في جنين ومخيمها النوى الأولى للكفاح المسلح في فترة شهدت تراجعاً في هذه الاستراتيجيا على مستوى الخيارات العامة لـمنظمة التحرير الفلسطينية… وجرى اعتبار عناصر كثيرة كمسببات تاريخية كامنة وراء اندلاع الانتفاضة، مثل انسداد الأفق أمام حل سياسي بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم رغبة إسرائيل والولايات المتحدة في طرح حل سياسي، وانتشار المد الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى تكثيف عملية تهويد مدينة القدس ومحيطها والضغط على السكان وإذلالهم والتدخل في كل تفصيلات حياتهم، والتعبئة المستمرة من جانب قوى منظمة التحرير بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان ومهاجمة قوات الثورة الفلسطينية ومحاصرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سنة 1982.

مبيّناً أنه “بعد انطلاق “انتفاضة الحجارة” في سنة 1987، تم إنشاء “القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة” (قاوم) بمساندة ومبادرة من قيادة منظمة التحرير التي مارست دوراً تنظيمياً عاماً للانتفاضة مع وجود اللجان الشعبية داخل الضفة الغربية وقطاع غزة”. ليكشف لنا أنّ هذه الانتفاضة “حصدت، مع نهاية عامها الرابع، في كانون الأول/ ديسمبر 1991، قرابة 1432 شهيداً وشهيدة، منهم 150 شهيداً وشهيدة من منطقة جنين، وهي المنطقة التي احتلت المركز الثاني في عدد الشهداء حتى هذا التاريخ بين مختلف مناطق الضفة الغربية بعد نابلس. أما مخيم جنين، فقدم 16 شهيداً في تلك الفترة، وقدمت مدينة جنين 30 شهيداً، وبلغ عدد جرحى منطقة جنين خلال الأعوام الأربعة 10.279 جريحاً وجريحة”.

يتابع المؤلف في سياق حديثه عن التشكيلات العسكرية في جنين ومخيمها، قائلاً: إنه “”في مرحلة مبكرة من النضال العسكري المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، ظهرت في جنين ومخيمها النوى الأولى للكفاح المسلح في فترة شهدت تراجعاً في هذه الاستراتيجيا على مستوى الخيارات العامة لـمنظمة التحرير الفلسطينية”.

وهنا برزت «مجموعات الفهد الأسود» التابعة لـحركة (فتح)، و«مجموعات النسر الأحمر» التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و«مجموعات كتائب القسام» التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، «ومجموعات عشاق الشهادة» التابعة لحركة الجهاد الإسلامي.

ونقتطف من الكتاب هذه الفقرة التي تعرفنا بـ «مجموعات النسر الأحمر»؛ فنقرأ: هي “مجموعات عسكرية وأمنية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت مهماتها شبيهة بمهمات «مجموعات الفهد الأسود» لكن انتشارها وعدد كوادرها وأفرادها كانا أقل. وبداية ظهورها كانت في مدينة جنين ومخيمها، وبرز منها الشهيد مفيد غزاوي والشهيد يوسف أبو السباع “أبو عرب” الذي كان قائداً للمجموعة، وجرى اعتقال العديد من أفرادها. وعملت «مجموعات النسر الأحمر»، في البداية، بصورة مشتركة مع «مجموعات الفهد الأسود» التابعة لحركة (فتح)، وخصوصاً مع الشهيدين يوسف “أبو عرب” ونجيب حويل”.

أما «مجموعات الفهد الأسود» فيفرد لها الكاتب مساحة واسعة لإبراز الدور الكبير الذي لعبته في الضفة الغربية وجنين ومخيمها، وفي أثناء المعركة – التي أطلق عليها الزعيم الشهيد ياسر عرفات – آنذاك – “جنين جراد” و”عاصمة الشهداء”. يقول: “لقد جاءت بدايات «الفهد الأسود» في محافظتي نابلس وجنين عفوية وتلقائية، فكانت الانطلاقة بشبكات محدودة وخلايا منفردة متناثرة في كل أرجاء الضفة الغربية، وكانت هذه المجموعات تفتقر إلى التنظيم والإدارة والمستلزمات الكفيلة لإطلاق عمل عسكري منظم ومستمر، الأمر الذي أدى إلى إيقاع ضربات قاسية في حق الخلايا الأولى لـ «مجموعات الفهد الأسود» في محافظة جنين، حيث انتشرت المجموعات، بصورة متدرجة، في المخيم والمدينة، وفي العديد من قرى المحافظة مثل قباطية وبرقين ورمانة واليامون وسيريس وعرابة وسيلة الحارثية ومسلية وغيرها.

في الوقت الذي بدأت خلايا «الفهد الأسود» تتشكل في مدينة نابلس بقيادة الشهيد ناصر البوز، الذي استُرِدّ جثمانه حديثاً في مطلع حزيران/ يونيو 2012، بدأت نوى الخلايا تتكون بين مجموعات أصدقاء في أعمار تتراوح بين السادسة عشرة والتاسعة عشرة، فكانت أولى الخلايا التي تأسست من عدة شبان من مدينة جنين ومخيمها وقرى برقين وقباطية وسيلة الحارثية ورمانة، منهم الشهيد نجيب حويل وهو أول شهيد اغتالته القوات الخاصة الصهيونية متنكرة بلباس نساء، والشهيد أحمد كميل (الجمل) الذي أعدم بعد اعتقاله حياً، والأسير عبد الكريم عويس – المؤسس الأول للمجموعات والأسير الأول الذي حكم عليه مدى الحياة، وخرج من السجن وعاد إليه في انتفاضة الأقصى، ثم حكم مدى الحياة مرة أخرى بتهمة تأسيس «كتائب شهداء الأقصى» – والأسير المحرر وائل أبو السباع، والأسير المحرر إياد السلفيتي، والشهد محمود الزرعيني قائد «مجموعات الفهد الأسود» في مدينة جنين، والأسير المحرر أسامة السيلاوي “أبو الكامل”، والشهيد ياسر نزال، والأسير المحرر أبو العوض كميل، والشهيد باسم صبيحات، والأسير المحرر أحمد الجميل، والأسير المحرر مروان زيود، والأسير المحرر كمال الفحماوي، ومحمد عبد الرحمن أبو شملة “الياباني”. وفي بدايات تشكيل خلايا «الفهد الأسود» لم يكن أفراد المجموعات يعرفون بعضهم البعض، إذ كانت لقاءاتهم تتم بحرص وسرية، فكان الأفراد يلتقون ملثمين”.

ويضيف: “بدأ عمل «مجموعات الفهد الأسود» في مجال الأمن الفلسطيني الداخلي، حين ازداد دور العملاء المرتبطين بأجهزة الأمن الإسرائيلية، الذين وجهوا ضربات قاسية إلى الانتفاضة الأولى، فكثرت الاعتقالات والاغتيالات، وجرى إحباط عمليات المقاومة. عندها، بدأت عمليات تحقيق محدودة مع العملاء في أماكن بعيدة عن تجمع السكان من أجل الحصول على معلومات منهم، ومعرفة طبيعة المهمات الموكلة إليهم من جانب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لضرب المقاومة، وتقرر معاقبتهم كل بحسب جرمه. فكانت هذه المجموعة هي الأولى التي أطلقت عمليات «الفهد الأسود» في محافظة جنين، وتم العمل في هذه الفترة بلا مسميات وتقسيم مهمات وهيكلية تنظيمية، إذ كان العمل يتم بصورة اجتهادية، أي ارتجالية وفردية”.

إنّ الكتاب الذي نستعرضه هنا؛ «معركة مخيم جنين الكبرى 2002: التاريخ الحي»، يكمل مجموعة من الكتب التوثيقية التي أرّخت لصمود المخيم خلال الانتفاضة الثانية، وفي مقدمتها كتاب الأسير وليد دقة، أحد أبرز مفكري الحركة الأسيرة في فلسطين المحتلة، وعنوانه «يوميات المقاومة في مخيم جنين» (2004)، غير أنه يشكل وثيقة جامعة، تقدم للمرة الأولى سيرة مقاومة الاجتياح الاسرائيلي خلال عملية “السور الواقي”، في إطار قراءة تاريخية واجتماعية وعسكرية وسياسية متكاملة العناصر.

يُشار إلى أنّ مؤلف الكتاب جمال مصطفى عيسى حويل، حائز درجة دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة القاهرة، وماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بيرزيت، وبكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من الجامعة الأردنية. يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية في جنين، وهو عضو في مجلس أمنائها. انتخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2006، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، وفي المجلس الثوري لحركة (فتح). اعتُقل عدة مرات.

الكاتب: أوس يعقوب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع