«عبر منظار اللغة».. تشومسكي ليس الخيار الوحيد

تشومسكي

محمود حسني

كاتب ومترجم من مصر

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

22/12/2016

تصوير: اسماء الغول

محمود حسني

كاتب ومترجم من مصر

محمود حسني

مهتم بالأدب المقارن والدراسات الثقافية.

يشتبك غاي دويتشر في كتابه «عبر منظار اللغة.. لم يبدو العالم مختلفًا بلغات أخرى»، (ترجمة حنان عبد المحسن مظفر، صادر عن سلسلة عالم المعرفة) مع النمط السائد في دراسة اللغويين لمفهوم اللغة وجذورها، حول كونها فطرية بالأساس. فيرى أن هناك الكثير من الصحة حول ما يقال عن أن لغة شعب ما تعكس ثقافته وروحه ونمط تفكيره، فنجد استرخاء شعوب المناخات الاستوائية يدفعهم إلى الاستغناء عن العديد من الحروف  الساكنة. كما يمكن مقارنة الأصوات البرتغالية الرقيقة بنظيراتها الإسبانية الحادة لفهم الاختلاف الجذري بين هاتين الثقافتين المتجاورتين. 

فيما تعجز بعض اللغات عن التعبير عن أفكار معقدة لفقدانها قواعد نحو منطقية بما يكفي. بعكس الألمانية مثلاً التي تعد وسيلة مثالية لتشكيل أعمق وأدق الأفكار الفلسفية لكونها لغة منظمة بشكل ملحوظ تنظيمًا قد يكون بسبب أن الشعب الألماني شعبًا منظما فكريًا. كما تبدو الأجراف البحرية عند النرويج جلية في نغمات لغتهم المائلة المنحدرة، ويمكنك سماع اللام الروسية الكئيبة في ألحان تشايكوفسكي الحزينة. والفرنسية ليست لغة رومانسية وحسب بل هي لغة عاطفية بامتياز. والانجليزية لغة قابلة للتكيف بل قد تكون لعوبة.

لكن هل فعلًا يمكن لأية لغة أن تعبر عن ثقافة مجتمع بأي شكل جدي، بخلاف التفاصيل اليومية البسيطة، هل تقود اللغات المختلفة ناطقيها نحو أفكار وتصورات مختلفة؟ 

أغلب اللغويين يرفضون هذا الطرح، فالشائع هو أن اللغة أساسًا فطرية، أو بمعنى آخر أنها مطبوعة في جيناتنا، وهي متشابهة عند جميع أصناف الجنس البشري. ولنعوم تشومسكي مقولته الشهيرة: “لو أن هناك علماء على كوكب المريخ فلا بد أن يستنتجوا أن جميع الأرضيين يتحدثون بلهجات مختلفة للغة واحدة. فجميع اللغات تتشارك أساسًا في قواعد لغوية عالمية ومفاهيم معينة ودرجة من التعقيد المنهجي، وهذا ما تتفق عليه النظريات.”

يرى أغلب اللغويين حاليًا ويأتي في مقدمتهم تشومسكي  أن الجوانب التي تستحق الدراسة فيما يخص اللغة هي تلك التي تفصح عن كيفية قيام اللغة بالتعبير عن طبائع الإنسان، كما أن هناك اتفاق واضح على أن أي تأثير للغة الأم على طريقة تفكيرنا هو تافه ولا يستحق الاهتمام، وأننا في الأساس جميعًا نفكر بطريقة واحدة.

ومن ناحية علاقة اللغة بالثقافة، فالسؤال حول ردة فعلك الأولى عندما تسمع كلمة “ثقافة” ليس كافًيا. لا يكفي أن يأتي في بالك شكسبير أو موسيقا وترية أو طريقة الإمساك بفنجان الشاي. لكن يرى دويتشر أن طريقة فهمك لتعريف الثقافة كمصطلح يعتمد على الثقافة التي جئت منها. 

ففي معجم شامبرز للغة الإنجليزية نجد الثقافة تعريفًا هي حالة التهذيب والصقل نتاج التهذيب، والذي يأخذنا لنوع من الحضارة. أما في معجم ستورغ للألمانية فالثقافة هي مجموع الإنجازات الفكرية والفنية لمجتمع ما. وفي معجم أتيلف الفرنسي الثقافة هي مجموعة الوسائل المستخدمة لزيادة معرفة الإنسان ولتطوير وتحسين قدراته العقلية ولا سيما التحكيم والتذوق.

غير أن الأنثروبولوجيين يستخدمون كلمة ثقافة بشكل مختلف تمامًا عن كل ما سبق، وبمعنى أكثر شمولية. فالثقافة هي المفهوم المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والتقاليد وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. فالثقافة عندهم تعني جميع الصفات البشرية التي لا تنتج عن الغريزة.

اللغة كمرآة

وبالرجوع للرأي السائد بين اللغويين في الوقت الحالي حول غريزية معظم قواعد اللغة في جميع لغات العالم، تؤكد هذه المدرسة الفكرية التي يطلق عليها اسم “المدرسة التوليدية” أن قواعد اللغة عالمية مزروعة في حمضنا النووي. “يولد الإنسان بدماغ مزود بمعدات خاصة وببنيات نحو محنكة تغني الطفل عن تعلم تلك البنيات عندما يبدأ في اكتساب لغته الأم. فتعكس قواعد النحو طبيعة إنسانية عالمية حسب التوليديين، أما تلك الاختلافات بين بنيات قواعد النحو المختلفة فليست أكثر من اختلافات سطحية لا أهمية لها”.

أما الأقلية المعارضة والتي يأتي منها دويتشر، فإنها بالكاد تجد دليلًا على أن العقل مبرمج بأي قواعد معينة، وأنه لا يستوجب الاعتماد على الجينات لتفسير قواعد اللغة، إذ يمكن تفسير ذلك بشكل أبسط وأعقل على أنه نتاج التطور الثقافي واستجابة لمقتضيات الحوار، فتأتي إشارة دويتشر لكتابه السابق unfolding the language لعرض كيفية تطور نظام قواعد نحو محنك من بدايات متواضعة، مدفوعًا بقوى التغيير التي تحرضها سمات شاسعة للطبيعة الإنسانية كالكسل (توفير جهد النطق).

كما أنه من جانب ما، فإن درجة تعقيد اللغة دائما ما تكون من المواضيع الأقل عرضة للجدال، فقد استمر اللغويون التوليديون في تقديم الفكر نفسه وهو أن جميع اللغات تتساوى في  درجة تعقيدها غير أن دويتشر يرى أن هذا ليس سوى شعاراً فارغاً وأن الدلائل تشير إلى أن تعقيد بعض نواحي قواعد النحو إنما هو تعبير عن ثقافة الشعب، غالبا، بأساليب غير متوقعة.

اللغة كعدسة

في هذا الجزء من الكتاب يشتبك دويتشر مع مدى الأثر الذي تتركه اللغة الأم على فكرنا. ويتساءل حول كيف يمكن للغة أن يكون لها دور أو أن تكون أداة تستخدمها الثقافة لفرض تقاليدها على عقولنا. يتساءل أيضًا عن إن كان للغات المختلفة أن تقود ناطقيها إلى إدراكات مختلفة فيما يخص الطريقة التي نرى بها العالم وكأن اللغة أقرب لعدسة ننظر من خلالها.

يرى دويتشر أن من الصعب تقديم إثبات بالإيجاب أو السلب حول أثر اللغة على الفكر. لكنه في الوقت نفسه يستخدم نماذج علمية حديثة لأبحاث وجدت أن سمات اللغة الأم لها تأثير على التفكير. وهو ما يعني أنه ربما يكون هناك خيار آخر حول فهم اللغة، خيار مغاير لما يقدمه نعوم تشومسكي.

الكاتب: محمود حسني

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع