استطاع الفنان الفلسطيني بشار الحروب (مواليد قرية خاراس – الخليل عام ١٩٧٨)، أن يحتل مكان الصدارة بين مجايليه لا من الفنانين التشكيليين الفلسطينين وحسب، وإنما العرب أيضًا، وذلك من خلال ما قدمه من أعمال فنية تميزت بمفردات بصرية عالمية، وتقنيات متنوعة وألوان متوهجة. عن منجزه البصري وعلاقته بالوطن والهوية، ودور الفن في المعركة، وما في جعبته من مشاريعه المستقبلية، أجرينا معه حواراً بدأناه بالحديث عن مشروعه “الجندي الكوني” الذي عرض جزءاً منه مؤخراً في مدينة ليون الفرنسية، والذي كان قد شارك به مع فنانين آخرين من فلسطين في آرت دبي السنة الماضية. وله حالياً معارض في “غاليري ورد” في دبي وآخر في بتسبرغ في بنسلفانيا وآخر في مدريد.
يقول الحروب أن: مشروع “الجندي الكوني” هو آخر مشروع قمت بإنتاجه وكان عرضه الأول في آرت دبي ٢٠١٦ والآن يُعرض جزء منه في ليون بفرنسا. وقد انطلق هذا المشروع من علاقتي وأنا طفل مع الجنود البلاستيكية التي كنت ألهو بها، ليتطور المفهوم (مفهوم الجندي) لدي يومًا إثر يوم.
لقد شكلت لعبة الجندي في طفولتي مساحة مهمة من التعامل مع هذه العناصر، عبر تشكيلها بنماذج مختلفة، وتنظيمها بشكل يتوافق مع حريتي بعيدًا عن تأثري المباشر بما يحدث في المنطقة كباقي الأطفال، سواء في صناعة الانتصار لفريق من الجنود على الآخر، وكذلك محاولاتي لتقليدهم، وممارسة هذا السلوك في بعض الأوقات في المدرسة أو الشارع. فقد كنت أتعامل معها بشكل أشبه بالمشهد السينمائي، بصريًا، محاولًا تجاوز الفكرة النظرية التي أحملها في رأسي من دروس التاريخ وأحاديث العائلة حول الاحتلال وما يقوم به من أفعال تجاه شعبي الفلسطيني، فأضم “جيشي الخاص” لننتصر على عدونا.
يتابع الحروب حديثه قائلاً: كانت لعبة سهلة، يمكنني التلاعب بها كيفما شئت، إلى أن اصطدمت للمرة الأولى بالجندي الحقيقي، وجهًا لوجه، الجندي الإسرائيلي الذي كسر كثيرًا من أفكاري الطفولية وقدرتي على التعامل مع الجندي بشيءٍ من الإيجابية، فكانت هذه الصدمة سببًا مهمًا في تفكيري ومراقبتي ومقارنتي للجندي الحقيقي، الجندي العدو، والجندي الصديق الذي أتعامل معه في ألعابي.
يردف قائلًا: منذ تلك الفترة بدأ مفهوم الجندي يتحول لدي شيئًا فشيئًا، من الجندي الصديق إلى الجندي العدو داخل اللعبة نفسها، إلى أن كانت الصدمة الأخرى بعد اتفاق أوسلو بأن اشاهد الجندي الفلسطيني الحقيقي أيضًا ولأول مرة في العام ١٩٩٤، فتنكسر الفكرة مرة أخرى، إن هذا الجندي هو الصديق، وحامي الوطن والحدود، وهذا أيضًا من دروس التربية الوطنية. لكن في النتيجة كل ذلك لم يكن إلا نظريًا وأقرب ما يكون للقصص، لم أشاهدها على أرض الواقع كما في الأفلام الأميركية وما تعلمناه في دروس التاريخ.
وفي سؤاله إن كأن يحاكي في هذا المشروع حروب المنطقة ومآسيها، وتحولات الجندي في بلدان ما عرف بـ”الربيع العربي” (خاصة سوريا والعراق وليبيا واليمن) حيث تحول الجيش من جيش وطني حام للشعوب، إلى جيش يحمي الأنظمة، فيجينا: بالتأكيد هو يحاكي ما يجري في المنطقة العربية حاليًا. كذلك فإن ما جرى ويجري في فلسطين منذ بدايات القرن الماضي وحتى اليوم كان دافعًا رئيسيًا لإنتاج هذا المشروع. لأني -كما قلت سابقًا- قد انطلقت بهذا المشروع من علاقتي كطفل مع هذه الدمية البلاستكية كأداة للعب. وفي المشروع نقد لمفهوم الجندي كرمز تقليدي، كذلك يفتح النقاش واسعًا أمام فكرة الجيش الوطني.
الفن في المعركة حاملًا للقيم الإنسانية..
ونتوقف مع الحروب عند معرضه الأخير “شاشة صامتة” في رام الله، حيث قدم مجموعة من اللوحات مبرزًا من خلالها رؤيته لواقع الإنسان في المنطقة العربية، الإنسان المسكون بالخوف والرعب والبؤس بين استبداد الطغاة ووحشية الحروب، واضعًا مأساوية الواقع المعيش في مكانها إلى جانب سخرية التاريخ. يحدثنا أكثر عن تفاصيل هذا المعرض، فيقول: معرضي هذا هو نتاج عمل عام كامل. وكان السؤال الذي يلاحقني كفنان منذ فترة طويلة وحتى الآن، هو ماذا يمكن أن أقدم أمام ما يحدث في المنطقة من حالة انهيار كلي لكل القيم الإنسانية، خصوصًا وأنا أرى أن الزمن يعيد نفسه. فما تمر به المنطقة اليوم من حالة انهيار وتفكك وانعدام الأمل، يشبه ما حدث في أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى والثانية، فما كان مني كفنان إلا أن أتعاطى مع هذه الكارثة كأي فنان عاش خلال فترات الحروب في منتصف القرن الماضي، مستندًا إلى تاريخ الفن. غير أن كل ما قدمته حمل بعضًا من السخرية.
ونواصل حديثنا مع الحروب عن شخصيات معرضه “شاشة صامتة” التي بدت وكأنها ناجية من محرقة أو حرب عالمية جرت للتوّ، فلا وجود للهويات الشخصية بالمعنى البسيط، أو الجنساني، حتى الأطفال ظهروا بلا طفولة، وإنما هياكل عظمية وحّدتها الهشاشة في انتظار المجهول. وعن تقديمه هذه الشخصيات بكل هذه القسوة في لوحاته العشرين ذات الأحجام الكبيرة والمتوسّطة، يقول: نعم هي أجساد على حافة الموت أي لا زال هناك أمل. أجساد تحمل بؤس وألم هذا العالم المزيف، وهي مسكونة بالخوف والرعب من الحاضر والمستقبل، تنتظر القاتل. أجساد لا حول ولا قوة لها. حيث أن هذه الأجساد هي في الحقيقة موجودة ونراها يوميًا على شاشات الميديا، أجساد تواجه حقيقتنا الداخلية التي نحاول أن نتكتم عنها.
ونسأل ضيفنا، الذي قال في حوار سابق معه: “إن المشروع الفني هو مشروع فكري بحت”، عن ماهيّة مشروعه الفني/الفكري الذي يرسم ملامحه في هذه “اللحظة الملتهبة من تاريخنا المعاصر” فيجيب: المشروع الفني هو مبادئ وأفكار ورؤية تجاه الوجود تطرح من خلال الفن للنقاش ولا يعني ذلك تبني مشاريع فكرية أخرى بقدر ما تؤمن به وتتقاطع به مع أفكار أخرى.
وهذا يعني أن النتاج الفني ليس مربوط برغبة الجمهور وما يحبه أو تجاه تظاهرة عابرة أو حدث آني وما يتطلبه السوق وإنما إيمانك بهذا المشروع والبناء عليه من خلال ما تطرح من منتج فني.
ونستعيد مع الحروب بعضًا من ذكرياته عن تجربة بناء ذاته الفنية، مستفسرين عن المنعطف الذي جعل منه فنانًا تشكيليًا، فيقول: لم يكن دخولي لعالم الفن اختيارًا بل كان تطورًا طبيعًا لاهتمامي منذ طفولتي رغم أني نشأت في بيئة محافظة وتقليدية، فكان الفن في مرحلة الطفولة مسألة مهرب ليصبح الأمر فيما بعد مسألة تحقيقاً للذات، ذات طفل حالم ذو عالم متخيل. الطبيعية فقط كانت مصدرًا لإلهامه في قرية نائية.
يضيف الحروب: الحكايات والخرافة أيضًا كانت مصدرًا مهمًا لخلق عالمي المتخيل الذي قادني للفن لأصبح ما أنا عليه الآن بعد دراستي الأكاديمية، والتي كان لها دورًا مهمًا في صقلي وانفتاحي على عوالم الفنون. وبالتالي، فهمي لسؤال الفن.
عن الوطن والهوية وفكرة الحرية والتحرر..
نسأل بشار الحروب، الذي اختار مدينة رام الله للعيش، كيف يتعاطى فنيًا مع واقع الاحتلال، وما هي الرسالة الفنية التي يوجهها لعدوه، فيجيب: قبل التعاطي فنيًا مع واقع الاحتلال، هناك واقع يثير القلق بإستمرار ويثير تساؤلات حول موضوعات مهمة مثل الوطن والهوية وفكرة الحرية والتحرر.. كمفاهيم نظرية نحاول فهمها في الواقع، فحالة التشظي التي نعيشها كفلسطينين سواء من حيث الجغرافيا والتي تتلاشى بشكل متسارع، أو من حيث تشظي الفلسطينيين وتشتتهم، فكرة أن تولد وتنشأ تحت الاحتلال، فاختبارك لمفاهيم الوطن والحرية منقوص، فهي كحلم دائم تحاول الوصول إليه.
شخصيًا، قمت بإنتاج مجموعة من المشاريع التي تتعامل مع الواقع اليومي والتحولات التي تجري على الأرض، ومشاريع تتعلق بمسألة البحث عن الهوية والذاكرة انطلاقًا من الذات وأثر الاحتلال عليها، والذي خلق صورة معقدة لكل هذه المفاهيم. فإستمراية الإنسان بالحياة والمبدع كذلك بإنتاج مشاريعه هو بحد ذاته تحد وكسر لمحاولات الاحتلال المستمرة للإلغاء وخلق ملامح جديدة.
وفي رده حول ما يراه بعض النقاد من أنه يطرح من خلال منجزه البصري ومواضيعه الفنية أسئلة متوتّرة وغاضبة في عقول جمهوره، دون أن تحمل هذه الأسئلة أي طمأنينة أو إجابات معلّبة. يعلق قائلًا: أعتقد أن عامل الصدمة وحالة التوتر التي يخلقها الفن مهمة لأنه ليس هدف الفن طرح الجماليات بالمفهوم التقليدي وتحقيق حالة من الإسترخاء والهدوء. دور الفن برأيي هو إثارة أسئلة حول قضايا نحاول بالوضع الطبيعي أن لا نرها وأن نتعمد عدم رؤيتها، فالفن هو مرآة للاوعي. وإذا نظرنا إلى الحياة من حولنا فسنرى أنه لا يوجد فيها ما هو مطمئن، هناك حالة من التوتر وكثير من هذه القضايا نحن شركاء في خلقها لذلك كيف لنا أن نخدع أنفسنا؟
وحول ادعائه أن أعماله الفنية ليست سياسية، فيما يراه النقاد وجمهوره فنانًا غارقًا في السياسة والقضايا الوطنية، بل وساعيًا لإخراجها من سياق محلي صغير إلى سياق إنساني أوسع، وهاجس سياسي أوسع أيضًا. يجيبنا محللًا: ليس هناك من شيء في هذا العالم منفصل عن السياسة ورأس المال. من الطبيعي أن تكون أعمالي لها علاقة بالسياسة فالفنان ابن البيئة التي يتواجد فيها ولكن ليس بالفهوم المباشر فهي نتاج لأثر سياسي.
إن منجزي البصري تعامل مباشرة مع المناظرات والجدل حول المكان وكيفية أنسنته، ومدى تأثيره على إبداعنا. وفيه بحث عن الهوية التي قد تكون ولدت من هذه الأماكن كأمر أساسي. إننا جميعًا نسعى لأن نشعر بالإنتماء الإجتماعي والثقافي للمجتمع، ونتوق بشكل مستمر للشعور بالإرتباط والتجذر في مكان محدد، وذلك الإحساس هو إلهام بملكية المكان. لذا أرى أن أعمالي تأثرت وبعمق بما أسميه “العواطف الاجتماعية والسياسية”. يتابع قائلًا: إن الأسئلة على غرار سؤال من نحن؟ ترتبط وبشكل لصيق بسؤال آخر ألا وهو أين نحن؟ ولا سبيل للخلاص من هذا السؤال المرتبط بتحديد مكاننا من النفس ومن الآخرين. كما تتناول أعمالي البحث داخل الذات، باستخدامات الجسد كدلالة. وتُظهر هذه الأعمال غالبًا هوية ذاتية مهددة من خلال عملية التدقيق والتجريب. كذلك أتطرق إلى الضعف الذاتي وتجربة القلق الوجودي المرتبطة بقوة بقضايا مثل الدين، الوطن، النزاع وبناء الهوية.
إن أعمالي هي تأمل في المعاني ليس بالمعنى الفردي بل في سياق المنفى والتشظي. وأنا أحاول من خلال الشكل البصري في عملي والموضوعات التي أنطلق منها والتي أنطلق بها من تجربتي الذاتية ومواضيعي المعاشة لأخذها إلى سياق إنساني أكبر، وذلك لوصول العمل إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور خصوصًا أن الكثير من القضايا التي أطرحها تتقاطع مع آخرين في العالم.
وعن مدى تأثره إنسانيًا وفنيًا بمشاهد الموت، والدمار، والحصار، والتعذيب حتى الموت، والتجويع، والتهجير القسري.. التي شهدتها وتشهدها منطقتنا العربية في السنوات الأخيرة، سنوات التراجيديا الوجودية التي نعيشها منذ إقدام التونسي محمد البوعزيزي على الانتحار حرقًا. يقول: الفنان ابن بيئته ومن الطبيعي أن تتأثر أعماله بكل هذه الفجائع لكن السؤال هو كيف يمكن أن يقدمها؟ هل سيقوم بنقل الصورة كما هي؟ هذا من وجهة نظري هو دور الإعلام لأن دور الفنان هو التأمل بهذه الأحداث وتقديمها بطريقة فنية عالية المستوى لإثارة هذه القضية والبحث عن ما هو مسكوت عنه وإثارة تساؤلات حول هذه القضايا وأخذها إلى أبعاد أخرى لها علاقة بالوجود الإنساني كقيمة.
نقول لمُحاورنا: يحضر في لوحاتك أحيانًا الأمل والحلم والتغيير، وهذا يدعونا لسؤالك: كيف تكون حالتك وأنت تشتغل مثلًا على جمع كل هذه الهياكل المتشظّية للبشر، وتثبيتهم على لوحات صامتة، بكل نظراتهم الصاخبة بالوجع، لتجعل منهم عرضًا فنيًا؟ فيجيبنا: مشروع “شاشة صامتة” من أصعب المشاريع على المستوى النفسي، تخيل أن تحيا مع هذه الشخوص أو الهياكل لمدة عام كامل! كنت أشعر أني أعيش حالة من التطهير الداخلي. بل شعرت وأنا أعايش كل هذا الألم أني في رحلة أشبه برحلة الموت، ولكني عند الانتهاء من المشروع شعرت بأنني نجوت. وكان السؤال: هل سننجو حقًا من هذا التيه الذي نعيشه في المنطقة؟
وعن رأيه بمدى بانحياز الفنان للواقع، يشير إلى أنه من الطبيعي أن ينحاز الفنان إلى الواقع كموضوع فهو نقطة الانطلاق، ودور الفنان برأيي أن يأخذ هذا الواقع لعوالم أخرى قريبة للواقع أو فنتازية. كما أن دور الفنان هو التركيز على بعض القضايا المتعلقة بهذا الواقع سواء من حيث المقاربات التاريخية وآثار الحاضر وإستشراف المستقبل. ذلك أن الواقع هو “حالة غليان مستمر عاكسة لما نعيشه اليوم”، لذلك فهو باستمرار دافع للفنان للتمرد إذا شئنا أن نسميه تمرداً.
وعن كيفية تعاطيه كفنان مع صور الضحايا -خاصة الأطفال منهم- من الذين يرتقون جراء العدوان الصهيوني على أبناء شعبه أو الذين يرتقون يوميًا جراء المقتلة السورية الكبرى، يقول: الطفل محمد الدرة وفارس عودة أو حمزة الخطيب وعمران الحلبي وإيلان الكردي والآلاف من الأطفال هم جرعة مكثفة من الألم لاتنتهي أبدًا فليس من الضروري أن تتعاطى بشكل مباشر مع الحدث بقدر ما يسكنك ويكون دافعًا لإنتاج أعمال تحمل هذا الألم والبؤس الإنساني. والسؤال دائمًا إلى أين؟
عن السينما والجوائز والمشاريع المستقبلية..
أنجز بشار الحروب عددًا من الأفلام القصيرة. وبحسب النقاد، فإن بعض أعماله الفنية تصلح لأن تتحول إلى أفلام سينمائية طويلة. وعليه سألناه إن كان يفكر في نقل هذه الأعمال للشاشة الكبيرة، وما هي علاقته بالسينما، فأجابنا: السينما مصدر مهم لي فهي مصدر إلهام تخلق عالمًا موازيًا لهذا الواقع، وأنا أتحدث عن السينما الجادة فكثير من أعمالي سواء كانت بالفيديو أو أعمال بصرية أخرى متأثرة بعوالم سينمائية لمخرجين كبار أمثال البريطاني ألفريد هتشكوك، والأمريكي ديفيد لينش، والإيراني عباس كيارستمي، والياباني أكيرا كوروساوا. لكن ذلك لا يعني أنني أُخطط في المستقبل لأي عمل سينمائي حيث أرى أن صناعة السينما مسألة معقدة وليس من الهيّن الدخول إليها لكني أترك ذلك للزمن.
وبسؤاله عما يعنيه حصول عمله الفوتوغرافي التركيبي المعاصر، الموسوم بـ”خارج الإطار”، على الجائزة الأولى (غراند برايز) في الدورة الخامسة عشرة لبينالي الفن الآسيوي في بنغلادش، في 2012، وتسجيل اسم فلسطين للمرة الأولى على قائمة جوائز البينالي الدولي، يقول الحروب: أعتقد أن هذا الإنجاز مهم بالتاكيد لفلسطين. وما أنجزته هو استكمال لمسيرة إنجازات قام بها آخرون من قبل ومن بعد، كما أن ذلك التقدير لتجربتي يمنحني دافعًا للاستمرار والعطاء أكثر وهو تأكيد على الإيمان بمشروعي هذا، الذي يتناول قضايا الإغتراب الداخلي/الذاتي في مجتمع مهدد بالأصولية والتعصب. ذلك أن الأوضاع والظروف الدينية والاجتماعية والسياسية المعقدة، والناجمة عن العقليات القبلية الأصولية، تقود إلى غياب التنوع وهيمنة الفكر الواحد والنظام الواحد والنهج الواحد، مما يخلق الفجوة ما بين الفرد ومجتمعه. وبالتالي، فإن الفرد يواجه حالة من العزلة والإغتراب والتي تؤدي إلى خلق مجتمع مفتت.
وفي ختام حديثنا مع الفنان الفلسطيني الشاب بشار الحروب، نسأله عن مشروعه الذي يشتغل عليه حاليًا، والذي يحمل عنوان “عودة الشامان”. فيجيبنا: مشروع “عودة الشامان” هو المشروع الذي بدأت العمل عليه مؤخرًا في تونس فيما يعرف بمنطقة “الحوض المنجمي” في الجنوب التونسي. وكما هو معروف عن مناجم الفوسفات فإن ما تخلفه من تلوث يؤدي إلى تدمير البيئة في تلك المنطقة، التي كانت مأهولة بتجمعات من القبائل الامازيغية. وهذا ما حصل فعلًا فمع ظهور المناجم إبان فترة الاستعمار الفرنسي، بدأت تندثر مظاهر حياة الأمازيغ التقليدية إثر استقطابهم للعمل في المناجم وعدم إدراكهم للآثار البيئية والصحية وكذلك الثقافية.
إن مشروعي هو بحث في تاريخ هذه القبائل من خلال رحلة “عودة الشامان” حيث تأخذ طابعاً روحياً صوفياً، والبحث عن ما تبقى من هذه القبائل الأمازيغية. وهو محاكاة واستحضار لتاريخ السكان الأصليين في كثير من مناطق العالم اللذين تم القضاء عليهم بعد استعمار أوطانهم، وبالتالي استعبادهم أو تطهيرهم.
من أعمال الحروب: