الخطاب الإسلامي ثانية: ظهور حماس وتأثيره على الكتابة عن اليهود

من "أيادي فاطمة" . للفلسطينية ليلى الشوا

عادل الاسطة

ناقد من فلسطين

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

23/01/2017

تصوير: اسماء الغول

عادل الاسطة

ناقد من فلسطين

عادل الاسطة

يحاضر في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، ويكتب زاوية أسبوعية في جريدة الأيام الفلسطينية. مهتم بالشاعرين محمود درويش ومظفر النواب وأصدر عنهما كتبا عديدة. يهتم بالقصة القصيرة الفلسطينية وبالرواية العربية أيضا.

قبل الكتابة عن تأثير الإنتفاضة الأولى وظهور حركة حماس وتوقيع اتفاق أوسلو، على صورة اليهود في الخطاب الأدبي الفلسطيني، لا بد من الإشارة إلى خطاب آخر برز في المراحل السابقة، و ظل يحضر باستمرار، وهو الخطاب الأخلاقي المحافظ؛ خطاب الكاتب العربي المنحدر من قيمه وماضيه وطبيعة مجتمعه، في النظر إلى المجتمعات الغربية المنفتحة. 

لقد التقى على أرض فلسطين  ثقافتان مختلفتان تنتميان إلى عالمين مختلفين؛ الثقافة العربية المحافظة للمجتمع العربي، والثقافة الغربية التي حملها المستوطنون الأوروبيون القادمون إلى فلسطين. والصحيح أن أثر الاختلاط بين هذين العالمين وخوف أحدهما، وهو المجتمع العربي، من الآخر الغربي، بدأ منذ فترة مبكرة جداً، بدأ تحديداً في أشعار الشاعر إسكندر الخوري البيتجالي ابن مدينة بيت جالا. 

لقد نظم البيتجالي قصيدة حذر فيها فتيات مدينة القدس -لم يميز بين فتاة مسيحية أو مسلمة أو حتى يهودية فلسطينية- من الأخلاق التي عليها الفتيات اليهوديات القادمات من أوروبة، حيث كن على قدر من التحرر والانفتاح، ورأى الشاعر أن أخلاقهن قد تؤثر على أخلاق بنات القدس. كما بدا هذا واضحاً في المقدمة التي كتبها الشاعر برهان الدين العبوشي لمسرحيته “وطن الشهيد” (١٩٤٦).

لقد انحاز العبوشي إلى الريف الفلسطيني وأخلاقه المحافظة، ورأى في أخلاق اليهود الغربيين تهديداً للأخلاق العربية الأصيلة، وكتب من منظور أخلاقي شرقي ريفي محافظ يشكل شخصية الإنسان الفلسطيني، ولم يذكر العبوشي شيئاً عن سكان المدينة الفلسطينية التي كان بعض سكانها منفتحين إلى حد ما.

الاختلاط بين العرب الفلسطينيين واليهود الغربيين القادمين من أوروبة برز في إحدى قصص القاص نجاتي صدقي. ونجاتي من سكان المدينة الفلسطينية، وكنت أشرت إلى قصته “كاتب العرائض” التي يأتي فيها على علاقات منفتحة بين فلسطيني وامرأة يهودية متزوجة قادمة من أوروبة. على أن صدقي كتب قصة صور فيها العلاقات بين سكان مدينة يافا وسكان مدينة تل أبيب. يذهب فلسطينيان؛ مدني وريفي إلى تل أبيب لاصطياد نساء يهوديات، وفي مقهى ما يتعرفان إلى امرأة يهودية مهاجرة، وكانت هذه ترغب في التعرف على سكان مدينة يافا، فهي وهم جيران ويجب أن يتعارفا. المرأة المهاجرة هذه أرادت إقامة علاقات إنسانية ليس أكثر، خلافاً للفلسطينيين اللذين طمعا فيها جسدياً، وحين يذهبان إلى بيتها ليلاً، على أمل نيلها، تطردهما.

صدقي هنا يختلف عن العبوشي والبيتجالي، ولا عجب، فقد كان درس في موسكو وسافر إلى إسبانيا وأقام في باريس وكتب عن نماذج بشرية التقاها دون الانطلاق من رؤية مسبقة آمن بها وجعلها معياراً ثابتاً يقيس عليه.

في قصص خليل السواحري وتوفيق فياض، بعد هزيمة حزيران 1967، يأتي هذان على التأثير السلبي للمجتمع اليهودي المنفتح على المجتمع العربي، بخاصة في القدس. يصور السواحري وفياض واقع مدينة القدس وسياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تهدف إلى إفساد الشباب الفلسطيني وإغراقه في الرذيلة حتى لا يقاوم الاحتلال. ويرى الكاتبان أن “وراء الأكمة ما وراءها”. 

هناك أخلاق ورجولة يجب أن يتمتع بها الفلسطيني، وهو ما يكون عليه أبو بلطة الحاضر في قصص خليل السواحري وأبو جابر بطل قصة فياض “أبو جابر الخليلي”. كلا الرجلين رجل. إنهما يتسمان بالشجاعة والحفاظ على الأخلاق العربية التي ترفض الميوعة، بل وعلى الأخلاق الإسلامية التي ترفض الانحراف من زنى ولواط وحشيش واختلاط، وهذا كله ما يميز الفتيان والفتيات اليهوديات المتجولين في مدينة القدس المحتلة. وإذا كان أبو بلطة أخذ يتقبل الوضع لأن أوضاعه الاقتصادية تحسنت فإن أبو جابر لا يستسيغ الأمر، وهكذا يلجأ الى المقاومة التي لم يلجأ إليها أبو بلطة إلا بعد تضرر مصالحه وفرض الضرائب عليه..

مع بداية الإنتفاضة الأولى عام 1987، سيواصل كتاب يساريون الكتابة بالطريقة نفسها وستظل صورة اليهود في الخطاب الأدبي متأثرة بالفكر اليساري. هكذا سيكتب غريب عسقلاني قصة عن جندي إسرائيلي يرفض الخدمة العسكرية في غزة، فله هناك أصدقاء فلسطينيون “وردة بيضاء من أجل ديفيد”.

ولكن ما يلاحظ هنا أن بعض الكتاب اتكأوا في كتابتهم على العهد القديم ليقدموا صورة الأنا الفلسطيني والآخر اليهودي. يُعد يعقوب الأطرش أفضل مثال لهؤلاء. لقد اتكأ على قصة داوود، الطفل اليهودي، وانتصاره على جوليات الفلسطيني ليكتبها معكوسة، فجوليات، الطفل الفلسطيني، في زماننا هو من يهزم بحجره داوود اليهودي المتغطرس والمدجج بالأسلحة.

مع أوسلو عام 1993، ستُكتب نصوص عديدة تحضر فيها الشخصيات اليهودية. ولم تقتصر هذه النصوص على الأدباء المقيمين، إذ ظهرت في نصوص الأدباء العائدين مثل يحيى يخلف وخليل السواحري ومريد البرغوثي  وآخرين. ولم تكن الصورة إيجابية، فعلى الرغم من توقيع اتفاقية سلام إلا أن الصورة بدت سلبية ومخيبة.

انتهت العلاقة في رواية يخلف بما يشبه اليأس من إمكانية إحياء اللقاء، وأبرز السواحري صورة سلبية في المطلق وكتب عن محتل سافل ومستوطن متذاك لا يهمه إلا أخذ القدس باعتبارها مدينته، وفعل الشيء نفسه توفيق فياض في روايته “وادي الحوارث ” في 1994. وأبرز الصورة السلبية للفتاة اليهودية التي تسخّر جسدها من أجل خدمة المشروع الصهيوني، وكتب أحمد رفيق عوض عن السمسار وسعي الدولة الإسرائيلية على الاستيلاء على القدس القديمة و…

هنا نأتي على التطور اللافت الذي برز مع ظهور حركة حماس. برز العديد من الكتاب الذين انضووا تحت لواء هذه الحركة وكتبوا متأثرين بالخطاب الإسلامي، وحين صوروا في نصوصهم شخصيات يهودية، صوروها اتكاءً على ما ورد عن اليهود في الأدبيات الإسلامية وأولها القرآن الكريم. واقتصروا على صورة اليهود فيه بعد اختلاف الرسول الكريم معهم، وهي صورة تخالف ما ورد في القرآن الكريم عن بني إسرائيل. ستظهر لليهود في أدبيات أدباء حركة حماس صورة واحدة تقريباً: المكر والخداع واحتقار الآخرين و… إن اليهود هم يهود ويظلون يهوداً.

تتجسد هذه الصورة في كتابات الكاتب وليد الهودلي الذي أنفق سنوات طويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي. لقد كتب الهودلي نصوصاً كثيرة عبر فيها عن تجربته، وحين أتى على المحقق الإسرائيلي الذي حقق معه لم ير فرقاً بين محقق ومحقق. المحقق الذي يلجأ إلى القوة لأخذ الاعتراف من السجين لا يختلف عن المحقق الآخر الثاني الذي يلجأ إلى اللين والحوار. كلا المحققين متفقان ويريدان أخذ الاعتراف، ولا يهم أي منهما أمر الأسير. إنما هما يتبادلان أدواراً ليس أكثر.

مما سبق نخلص إلى أن الأدب الفلسطيني لم يُبرز لليهود صورة واحدة كان لها حضور ثابت، وأن هذه الصورة تغيرت وتبدلت وتأثرت بالخطاب السياسي والفكري وأيضا بالخطاب الديني، إن البحث عن صورة اليهود فيه تتطلب ببساطة قراءة الواقع السياسي الذي كان طاغياً أو ظاهراً أو حاضراً زمن كتابة النص، بل وتتطلب النظر في المنظور السياسي أو الفكري أو الديني أو الأخلاقي لصاحب النص.

من الورقة التي كتبها الاسطة لمؤتمر جامعة بير زيت في 29 /10/2016

الكاتب: عادل الاسطة

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع