الأمة/العالم: عالم أمم

سلامة كيلة

كاتب ومفكر من فلسطين

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

23/01/2017

تصوير: اسماء الغول

سلامة كيلة

كاتب ومفكر من فلسطين

سلامة كيلة

ولد في مدينة بيرزيت في فلسطين سنة 1955. كتب ويكتب في العديد من الصحف والمجلات وأصدر العديد من الكتب التي تتناول بشكل أساسي الماركسيّة. عمل في المقاومة الفلسطينية ثم في اليسار العربي ، ولازال ينشط من أجل العمل الماركسي العربي. مطلوب للسلطات الإسرائيلية بتهمة العمل المقاوم. اعتقلته السلطات السورية بعهد حافظ الأسد من سنة 1992 إلى 2000، واعتقلته السلطات السورية بعهد بشار الأسد لمشاركته في الثورة صيف 2012 وتعرض للتعذيب في المخابرات الجوية، ثم تم ترحيله من سوريا إلى الأردن.

الشعار الذي لخّص “البيان الشيوعي” هو: يا عمال العالم اتحدوا، هذا الشعار أظهر من الالتباسات أكثر مما أوضح، بالضبط نتيجة اجتزائه وعدم ربطه بمضمون البيان ذاته، البيان الذي يقول “أن الطبقة العاملة تناضل ضد برجوازيتها أولاً” ويكمل أنها حينها تكون قومية، لكن ليس بالمعنى البرجوازي.

ماركس وإنجلز هنا يقرران أن الصراع الطبقي هو صراع في إطار “الحدود القومية”، حيث يجب أن تناضل الطبقة العاملة ضد برجوازيتها أولاً. فالتكوينات الاقتصادية لازالت تقوم في حدود الدولة/الأمة، رغم كل التداخل الذي جرى، وكل الترابط الاقتصادي الذي قام، بالضبط لأنه لم يزعزع الدولة القومية، التي تبقى تحت سيطرة الطبقة البرجوازية، هذه البرجوازية الممتدة والمتشابكة عالمياً. وبهذا فهي تؤسس التناقض في حدود “الوطن”، لأنها تقيم التكوين الاقتصادي، وتصدر القوانين، وتخضع البروليتاريا، في الإطار القومي. أيضاً رغم التداخل المالي، والتشابك الرأسمالي.

لكن، قاد التركيز على شعار: يا عمال العالم اتحدوا، إلى استنتاجين خاطئين، من قبل العديد من التيارات الماركسية، حيث جرى الاستنتاج أن هذا يعني “وحدة العالم”، وهو الاستنتاج الذي أفضى إلى الاستنتاجين المشار إليهما. الاستنتاج الأول: إن “وحدة العالم” تفرض أن يكون الهدف الجوهري هو الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، بالضبط لأن الرأسمالية هي التي تسيطر. والاستنتاج الثاني: أن هذا يفرض بناء “حزب عالمي”، حزب واحد على صعيد العالم،”حزب أممي”.

ولا شك في أن الاستنتاجين يتناقضان مع فكرة “البيان الشيوعي”. فماركس وإنجلز حينما أسهما في تشكيل الأممية الأولى (وقبلها عصبة الشيوعيين)، حصرا الأمر في الأمم الرأسمالية فقط، وليس في كل العالم، انطلاقاً من تقارب وضع الأمم الرأسمالية، واختلافها عن الأمم الأخرى. ثم أنهما ميزا بين دولة ودولة في هذه الأمم من منظور ما هو مطروح، حيث كانت ألمانيا لم تصبح رأسمالية بعد، فلم تتطور الصناعة بشكل كامل، ولم تتوحد في دولة/أمة، لهذا لم يعتقدا أن الاشتراكية ممكنة فيها في ذلك الوقت.

العالم عالم أمم

كل ذلك كان يُلقى جانباً، فيسود الميل إلى تجاوز الأمم لمصلحة “العالم”، “العالم كوحدة”. إن عمومية العالم هي التي تحدِّد الانتقال إلى الاشتراكية كرؤية وهدف من عالم بات رأسمالياً. وبهذا يجري القفز عن الأمم، وعن الظروف الموضوعية في كل أمة، وأصلاً عن ربط الصراع الطبقي في الأمة، لأن التكوين الاقتصادي المحلي لا زال يفرض وجود الدولة القومية.

إن المسألة الجوهرية التي تحكم العالم هي أنه عالم أمم، أن الأمة هي “حجر الزاوية” في تكوينه، والدولة القومية هي أساس وجود النظام العالمي. لقد أنهت الرأسمالية الصاعدة شكلين من التكوين العالمي، الأول هو التجزئة القومية، بتفكك الأمم إلى إقطاعيات، حيث قامت، في كل أمة، بتحقيق التوحيد القومي وبناء الدولة/الأمة، والثاني هو النظام الإمبراطوري الذي حكم العالم القديم، حيث تُبنى الإمبراطورية على مناطق واسعة من أمم وشعوب عدة، حيث كان العصر الزراعي يفترض هذا الشكل للدولة، أي الدولة الإمبراطورية. وهنا كان البديل هو الدولة القومية. ورغم ميل الرأسمالية للتوسع والاستعمار فقد ظلت تميّز بين الأمة الرأسمالية والمستعمرات، فلم تخضع المستعمرات للدولة القومية كجزء منها، كما كان في الدولة الإمبراطورية، بل ظلت مستعمرة تخضع لسلطة الرأسمالية عبر جيش دولتها. وبالتالي كان لها قوانينها الخاصة، وسلطتها التي يفرضها المستعمِر، وتُعامل كمستعمَرة. وكذلك، بعد “تصفية الاستعمار”، لم يفضِ التشابك الاقتصادي، وتشكيل احتكارات عالمية وشركات متعددة الجنسية (أو القومية)، والتمركز العالمي للرأسمال، إلى نهاية دور الدولة القومية. لقد ظلت مرتكز التكوين العالمي، والسياسات العالمية.

حيث لا زالت كل رأسمالية تتكئ على دولتها لتعزيز دورها العالمي، وتحمي مصالحها، وتُدخلها في التنافس بين الرأسماليات لتعزيز حظوظها. كل ذلك رغم تشابك المصالح، ورغم سهولة الانتقال من دولة (جنسية) إلى أخرى. وكذلك رغم حرية التوظيف في الأمم الأخرى. حتى الاتحاد الأوروبي الذي يجمع عدداً من الأمم الأوروبية لا زال ينحكم للدولة القومية، ومشكلته تكمن في ذلك بعد أن جرى توحيد العملة، وتشبيك الاقتصاد.

هذا الأمر هو الذي جعل ماركس وإنجلز يسميان تنظيمهما العالمي “الأممية”، التي تعني ليس تجاوز الأمم كما يجري فهمها في منظور كوزموبوليتي، بل الانطلاق منها (أي عِبْرها). فهي التنظيم العالمي الذي يقوم على اتحاد عمال الأمم. وبالتالي ظلت الأمة راسخة هنا كأساس لكل تنظيم عالمي. فالطبقة العاملة تناضل ضد برجوازيتها، وبالتالي تنطلق من الظرف الواقعي الذي يحكم المجتمع في إطار الدولة القومية، مع أخذها بعين الاعتبار كلية الوضع العالمي. وكلية الوضع العالمي هي التي توحد مجموع الطبقات العاملة في إطار إستراتيجية عامة. هنا، ليس المركز العالمي هو الأساس بل هو الموحِّد لمجمل نضالات الطبقات العاملة. وهنا يبدأ التنظيم “من أسفل”، أي من الأمم، حيث تقوم الطبقة العاملة بالاستيلاء على السلطة في “دولتها القومية”.

انقسام العالم: مركز – أطراف

رغم أن الأممية الأولى تشكلت كحزب عالمي فقد فشلت في أن تكون تنظيماً يضم الطبقات العاملة في “الأمم المتمدنة” كما كان طموح ماركس وإنجلز. ورغم أن الأممية الثانية كانت التعبير عن اتحاد أحزاب تمثّل الطبقات العاملة، التي تلتقي لكي تنسق سياساتها، وتنظم نشاطها المشترك، فقد انهارت أمام تناحر الأمم الرأسمالية، وتفككت على أساس ذلك، حينما بات شعارها خلال الحرب العالمية الأولى هو: “الدفاع عن الوطن”. وجرت محاولة لأن تكون الأممية الثالثة “حزباً عالمياً”، دون أن تستطيع ذلك في الواقع، لكنها تحوّلت بعد السيطرة الستالينية إلى مركز بيروقراطي يحكم أحزاب العالم الشيوعية، ويُخضعها لتكتيك الدولة السوفيتية.

كل ذلك كان يوضّح تأثير الدولة/الأمة. لكن لا بد من فهم واقع العالم. فإضافة إلى أنه يتشكّل من الدولة القومية كمرتكز لم يكن ممكناً تجاوزه بعد (ربما هذه مهمة مطروحة على الاشتراكية بالتحديد)، لا يمكن أن نتحدث عن عالم متسق، منسجم، بل نحن إزاء عالم موحد في ظل النمط الرأسمالي لكنه منقسم إلى مراكز وأطراف. حيث أن دولاً قليلة هي التي باتت رأسمالية بالمعنى الصناعي الحداثي، وهي التي تمركز الصناعة في بلدانها، وكذلك التطور العلمي التقني، وبالتالي تستحوذ على الثروة. ولقد أصبح باقي العالم طرفياً، بمعنى أنه ظل دون صناعة، أو بصناعة محدودة، ومخلَّفة، حيث تخضع لنهب المراكز الرأسمالية نتيجة الفرض عليها لأن تكون سوقاً لسلعها ونشاط الرأسمال، وخاضعة لنهب المواد الأولية.

بالتالي إذا كانت الرأسمالية قد وحدت العالم فقد قسمته إلى عالمين. بالضبط نتيجة حاجتها للأسواق لتصدير السلع الصناعية التي كانت تحتاج إلى سوق واسعة، وتصدير الرأسمال المتراكم، والمواد الأولية، وكذلك لأنها لا تريد نشوء دول صناعية جديدة تزيد من عبء التنافس العالمي. وهذا الانقسام يفرض ظروفاً مختلفة بينهما، ويطرح مهمات مختلفة، وكذلك يفرض أساليب عمل مختلفة. لهذا، إذا كان انتصار الرأسمالية وعالميتها يجعل تجاوزها باتجاه الاشتراكية أمراً منطقياً، فإن دراسة الظروف العيانية في المراكز وفي الأطراف سوف يوصل إلى نتيجة أخرى، ويوضح أن الاشتراكية هي منظور “مجرَّد”، هي أفق، وليست هدفاً مباشراً. إن الانطلاق من فكرة لينين بأن: التحليل الملموس للواقع الملموس، أمر حاسم هنا لتحديد الهدف المباشر، والآليات التنظيمية الضرورية.

في هذا العالم، الذي يتسم بأنه رأسمالي، لا زال الماضي يجثم على الحاضر في ثلاثة أرباعه، ويعيق تطوره. وبالتالي عالمية الرأسمالية لا تعني أننا نناضل من أجل الاشتراكية الآن، بل يجب أن نعتبرها الأفق الذي لا بد أن نصل إليه. وفي هذا العالم، الذي يتسم برسوخ الدولة القومية، وبتحدُّد الصراع الطبقي فيها، وبأن على الطبقة العاملة أن تستلم السلطة في الدولة القومية هذه، ليس من الممكن أن ينحكم الحزب لمركز عالمي، ليس من الممكن إلا أن يظلّ يدور في العموميات، ويقوم أصلاً على تجاهل المسألة القومية، التي تفترض أن تكون الطبقة العاملة “قومية” بالمنظور الماركسي وليس البرجوازي. إن كل التجارب التي تجاوزت الدولة القومية أظهرت النتيجة ذاتها، من “الأممية الثالثة بعد لينين” إلى تجارب الأحزاب التروتسكية، والماوية التي مالت رلى هذا الشكل من “الحزب العالمي”، والتي هي خضوع “الأطراف” لـ “المركز”، وتحوّل الأطراف لأن تكرر تكتيكاً مصاغاً في المركز انطلاقاً من فهم هو “قومي” بالضرورة لأنه مصاغ من مجموعة تخضع لقومية معينة، ففي كل “حزب عالمي” مجموعة “قومية” مهيمنة، نتيجة اللا تساوي في القدرة، وعادة ما يبدأ التأسيس من مجموعة تنشأ في أمة معينة، ورغم “أمميتها” إلا أنها تظل خاضة لظروفها الموضوعية، وبالتالي فهي تنطلق من بناء تكتيكات الحزب العامة من ظروفها هي بالذات، من ظروفها الملموسة، حيث ليس من ظرف ملموس في “العام/العالم”، فهذا هو المجرَّد لظروف متعددة. والظروف المتعددة تفترض أن تنتج من داخلها المنظورات التي تحكم الصراع فيها، وتفرض التكتيكات الخاصة وفقها. هنا نعود لـ “الدولة/الأمة”، للوضع القومي الذي يحكم صراع الطبقات. فلا صراع طبقي خارج الدولة القومية، لأنها التكوين الذي يضم الاقتصاد والطبقات، والدولة هنا هي سلطة الطبقة المسيطرة (الرأسمالية)، التي تخوض الطبقة العاملة الصراع من أجل الاستيلاء عليها لتحقيق مطالبها ومجمل مطالب الأمة، لأن مطالبها، بالضبط، تتوافق مع مطالب الأمة. وحينها تتقدم لإلغاء دولتها لمصلحة عالم موحد على ضوء التطور الاقتصادي المجتمعي الذي تنجزه، والذي يؤسس لتشابك حقيقي، وبناء مشترك.

العالم موحد نتيجة هيمنة الرأسمال لكنه منقسم إلى عوالم، سواء من حيث كون الدولة القومية هي مرتكز وجوده في ظل الرأسمالية، أو من حيث التكوين الاقتصادي وحصر الصناعة والتمركز التقني في أمم بعينها كان لها أسبقية التطور الرأسمالي. ووفق ذلك يبدو “الحزب العالمي” (أو الأممي) وهماً، يُبقي أعضاءه معلقين في “الهواء”، على السطح، دون مقدرة على الاندغام بالطبقة العاملة، بالضبط لأنهم “يفوشون” على عالمية مجرَّدة.

الكاتب: سلامة كيلة

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع