النوفيلا: الرواية المغضوب عليها من الجوائز العربية

ألبير كامو

عمرو عاشور

روائي وصحفي مصري

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

23/06/2017

تصوير: اسماء الغول

عمرو عاشور

روائي وصحفي مصري

عمرو عاشور

منذ إطلاق الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2007 والكُتاب العرب يتصارعون للحصول عليها، وكذلك دور النشر التي تتنافس على الجائزة، وقد أثري هذا التنافس والتصارع المكتبة العربية بالعديد من الروايات الهامة، والتي شملت بلداناً عربية مختلفة، كما أن قيمة الجائزة والامتيازات التي يحصل عليها الكاتب هي حلم وطموح لكل روائي عربي. ثم جاءت جائزة كتارا عام 2014 ليتضاعف أمل الكُتاب ولتصبح المنافسة أشرس، ولكن ما يؤخذ على الجوائز العربية اهتمامها بالروايات الضخمة  -أو روايات الكعب- دون النظر إلى الروايات الصغيرة، فالمتأمل لقوائم الفائزين منذ فوز «واحة الغروب» لبهاء طاهر في دورة البوكر الأولى وحتي فوز رواية «موت صغير» لمحمد علوان في الدورة الأخيرة سيجد بوضوح اهتمام الجائزة المُنصب على هذا الحجم تحديدًا، هل لأن الرواية القصيرة ليست جديرة بالمنافسة؟ هنا سنعرض أهم الروايات القصيرة العالمية والعربية على سبيل المثال لعلنا نجد إجابة وافية.

بيدرو بارامو

في عام 1955 خرجت للعالم رواية «بيدرو بارامو»، ورغم أن كاتبها المسكيكي خوان رولفو لم يقدم قبلها غير مجموعة قصصية واحدة بعنوان «السهب الملتهب» إلا أن هذه الرواية الصغيرة كانت بمثابة حدث روائي عظيم استطاع أن يلفت انتباه كُتاب الجيل وقتها والأجيال المتعاقبة! وربما ترجع عظمة هذه الرواية إلى التجربة التي مر بها الروائي نفسه، فرولفو الذي ولد ببلدة سايولا بولاية المكسيك عام 1918، وهي البلدة التي هجرها معظم سكانها بسبب الفقر والحروب الأهلية، والتي قُتل فيها جميع أسرة خوان، لعل ذلك ما دفعه لأن يكتب روايته الوحيدة عن شاب يبحث في قرية تدعي كومالا عن والده المفقود بيدروا بارامو ليكتشف أنها قرية موتى. وعن تلك الرواية قال بورخيس: “إن بدرو بارامو واحدة من أفضل الروايات في الأدب الإسباني، بل والأدب العالمي كله”.

أما ماركيز فقد كانت له وقعة مع هذه الرواية حيث يحكي أنه كان في المكسيك لحضور مؤتمر أدبي ما، في تلك الفترة لم يكن قد نشر غير رواية «غرباء الموز» و«ليس لدي الكولونيل من يكاتبه» ومجموعة «الأم الكبيرة»، وكان حينها عاجراً عن الكتابة تماماً. في تلك الأثناء زاره صديقه الكاتب الكولومبي ألبارو موتيس حاملاً مجموعة كتب، وإذ به يسحب أصغرهم حجماً ويقدمها لصديقه ماركيز قائلاً: “خذ هذه اللعنة واقرأها كي تتعلم” لم تكن هذه اللعنة غير رواية «بيدرو بارامو»، يقول ماركيز: أخذتها ولم أنم ليلتها إلا بعدما قرأتها مرتين. وظللت طوال الست أشهر الباقية من العام بعدها غير قادر على قراءة أي عمل أدبي آخر”…

مزرعة الحيوان

جورج أورويل يُعد من أهم كتاب بريطانيا، بل لعله من أهم وأشهر كُتاب الرواية عبر التاريخ، وربما ترجع سبب شهرته، أو بدايتها على الأقل مع رواية «مزرعة الحيوان» التي صدرت في عام 1945، والرواية حكاية خرافية عن حيوانات المزرعة التي تعلن ثورتها على المزارع السكير مستر جونز، وتستولي على المزرعة والقصر وتترك للخنازير إدارة كل شيء فإذ بالخنازير يتحولون في نهاية الحكاية إلى صورة أخري من صور الاستبداد والاستغلال! والرواية التي لا تتجاوز الـ 120 صفحة تنتمي إلى الروايات السياسية؛ لا يمكن أن ننظر في عمل روائي بمعزل عن صانعه، وصانع العمل أورويل هو رجل سياسي ومناهض للشيوعية السوفييتية، ورغم أنه توفي صغيراً عام 1950 إلا أن أعماله، بالأخص «مزرعة الحيوان» و«1984»، لا تزال تتصدر قائمة الأكثر مبيعاً حتي يومنا هذا.

الغريب

هي الرواية الأولي للكاتب الفرنسي ألبير كامو الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957، وهي الرواية التي لفتت الأنظار إلى هذا الفيلسوف رغم أنها لا تتجاوز الـ 100 صفحة، ومع ذلك فقد استطاع هذا الكاتب أن يقدم من خلال شخصية ميرسو -بطل الرواية- نموذجاً للإنسان الفاقد لأهمية الحياة، بالإضافة إلى أسلوب كامو المتفرد في اختيار المفردات وتصرفها والتعبير عن فلسفته بما يسمي بالفلسفة النقضية، فكامو نفسه عاش من أجل الدفاع عن الضمير الإنساني وهو ما أشارت إليه لجنة نوبل بأن “أعماله تلقي الضوء على المشاكل التي تواجه الضمير الإنساني”… والرواية تدور حول ميرسو، الشخص العدمي تماماً الذي يستقبل خبر وفاة أمه بشكل حياد دون مشاعر، فيذهب إلى مارينجو لتشييع جنازة الأم… وهناك، وبعد مراسم الدفن يخرج في نزهة فيقتل أحدهم، لمبرر غاية في الغرابة، “لأن الشمس كانت تضايقني”، ثم يقبض عليه ليواجه تهمة الإعدام التي يتقبلها أيضاً بحيادية ودون مشاعر! وألبير رغم كونه كاتب مقل، فقد أنتج ثلاث أعمال روائية فقط إضافة إلى «الغريب»، وهي «الطاعون» و«السقوط» و«المنفي والمملكة». بالإضافة لعدة أعمال مسرحية وفلسفية وقصصية إلا أنه يُعتبر واحد من أهم كُتاب الرواية.

المسخ (التحول)

تخيل أنك استيقظت من النوم ذات صباح فوجد نفسك أصبحت حشرة، حشرة رهيبة. هذا ما حدث مع جريجور سامسا بطل رواية المسخ، الرواية التي كتبها فرانز كافكا الألماني في عام 1915، وهي رواية صغيرة -نوفيلا- لا تتجاوز الـ 50 صفحة، ومع ذلك تُعد من أهم مئة رواية عالمية، وتحكي عن سامسا مندوب المبيعات الذي يكفل أسرته الأم/الأب/الأخت من خلال مهنته المتعبة، يصحو ذات صباح فيجد نفسه قد تحول إلى حشرة، وهنا تتضح لنا معاناته وخوفه من فقدان الوظيفة، ويبدو لنا تلك الإشكالية مع الصفحات الأولى من الرواية، وتكتشف الأسرة ما أصاب ابنها فتضطر إلى تأجير إحدى الغُرف للحصول على المال، ولكن المستأجرون يرتابون من الغرفة المغلقة، وهنا يتحول جريجور إلى مصدر إزعاج للأسرة، فتقرر الأسرة أن تتخلص منه، وتلجأ إلى الأخت كمصدر جديد لكسب المال.

يُقال أن كافكا كان يعمل لمدة سنتين على مخطوط آخر، وذات مساء دخل غرفته وشرع في كتابة الافتتاحية لرواية المسخ حتى انتهى منها بعد أسبوعين فقط لا غير، والرواية هي حالة مترسبة في ماضي الكاتب، وقد كان كافكا في طفولته يعاني من تسلط الأب هرمان، ذلك الشخص الصارم الذي كان يعمل جزاراً، حتي أن كافكا كتب في مذكراته عام 1921 “احتفظت في النهاية بصورتي طفلاً هزمه أبوه” وفي موضع آخر من نفس مذكراته كتب عن مشهد مؤلم ظل يقاسي منه طوال عمره.. حين كان يستيقظ ليلاً لطلب جرعة ماء، وهو طلب بسيط لطفل، فإذ بوالده يحمله ويرمي به خارج البيت! وقتها أيقن كافكا أنه لا يمثل لأبيه سوي العدم. 

تلك المعاناة لم تكن خاصة بالأب فحسب بل الأم أيضاً كانت مهيمنة عليه بشكل كبير، حتى الخادمة كانت تمارس عليه نوع من التسلط.

 الشيخ والبحر

في عام 1952 نشرت مجلة لايف الأميريكة رواية الشيخ والبحر مسلسلة فباعت أكثر من 5 مليون نسخة في يومين، بعدها بعامين فقط حصل الكاتب الأميريكي أرنست همنجواي على جائزة نوبل في الآداب. وذلك، بحسب رأي اللجنة “لإتقانه فن السرد، الذي برهن عليه مؤخراً في رواية الشيخ والبحر، وللتأثير الذي مارسه في الأسلوب المعاصر”.

تلك الرواية القصيرة والتي لا يمكن أن تتجاوز الـ 10 ألاف كلمة أحدثت تغييراً عظيماً في حياة كاتبها، وتاريخ الأدب المعاصر كله، وقد قُدمت في ترجمات عديدة كما أن هيوليود تناولتها في ثلاثة أفلام سينمائية. والرواية تدور حول سينتاغو البحار العجوز الذي لازمه النحس لأكثر من 80 يوم دون أن يصطاد سمكة واحدة، وفي ليلة قرر أن يبحر للصيد وحده في أبعد مكان ليصطاد سمكة كبيرة، وبالفعل يتمكن من اصطياد سمكة ضخمة غير أن أسماك القرش تتكاتل على سمكته فتلتهم لحمها تاركة له الهيكل والذيل، ويعود الشيخ إلى الشاطئ متحسراً على صيده الذي ضاع. غير أن السائحين والصيادين حين شاهدوا هيكل السمكة الضخم راحوا يتساءلون عن الصياد الماهر صاحب هذه السمكة.

إنها قصة عن قوة الإنسان وتحديه للطبيعة، فإذا خسر الإنسان غنيمته أمام عنف الطبيعة ووحشيتها فإنه حتماً سيفوز بالمجد والشهرة، وهذا ما حدث مع همنجواي فعلاً، الذي حصد الشهرة والمجد من خلال تحديه لظروفه الصعبة وإصراره على النجاح. وقد كان شغوفاً بالصيد محباً للصيادين، ومنهم استوحى قصته.

رجال في الشمس

والرواية القصيرة لا تقتصر على الأدب العالمي فحسب، وإنما الأدب العربي زاخر بمثل تلك الأعمال الراقية، ونذكر على سبيل المثال رواية «رجال في الشمس» وهي الرواية الأولي للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ورغم صغر حجم الرواية إلا إنها اتكأت على تعدد الرواي، وهم أبطال القصة، مجموعة من الرجال طحنتهم الظروف السياسية والاقتصادية القاسية فاضطروا إلى الهرب للكويت من أجل الحصول على حياة أفضل. لكل شخصية من شخوص الرواية حكاية يسردها: أبو قيس، مروان، أسعد، أبو خيزران.. تنتهي القصة بموت الجميع -ما عدا المهرب، قائد السيارة- في الخزان من الحر قبل الوصول لنهاية الرحلة، وهي رواية تعكس الكثير سواء على مستوى الحكي أو الموضوع وقد تحولت إلى فيلم سينمائي سوري عام 1973.

الطوق والأسورة

وهي بمثابة لؤلؤة الكاتب المصري يحيى الطاهر عبد الله، وقد نقل فيها الكاتب تفاصيل من حياته بصعيد مصر، حيث المجتمع الغارق في الجهل والمعادي للمرأة، والرواية -ككل أعمال يحيى الطاهر- صغيرة الحجم، ولكن كل مقطع فيها يحتاج إلى دراسات مطولة، وقد تحولت إلى فيلم سينمائي كتب السيناريو والحوار له الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وكانت البطولة لشيريهان وعزت العلايلي وفردوس عبد الحميد أما الإخراج فكان لخيري بشارة.

وأخيراً…

هل تُعتبر الروايات السابقة في نظر لجان الجوائز العربية غير جديرة بالتقدير؟ إذا تقدمت مثل هذه الأعمال للبوكر أو كتارا هل كانت ستستبعدها لأنها ليست رواية “كعب” كما يفضل القائمون على الجائزة؟ 

الرواية القصيرة، أو النوفيلا، جنس أدبي أعترف له العالم قديماً وحديثاً، كُتابه حصدوا نوبل وذاع صيتهم ولهم شعبية في كل مكان، وهذا هو حال الفن الأصيل الذي يقدر ويعرف قيمة الكلمة، الكلمة التي لا يمكن أبداً أن تُزن بـ “الكيلو”.. فهل جاء الوقت لتعيد الجوائز نظرها حول الروايات المقدمة؟ ثم… هل يدرك القائمون على الجوائز العربية أن الرواية القصيرة (النوفيلا) باتت في خطر بسبب توجهات الجوائز، فالناشر يحرص على نشر الروايات التي يمكن أن ينافس بها في الجوائز العربية لذا فهو أيضاً يهتم بالروايات الضخمة، والكاتب حريص على نشر رواياته لذا فلا مانع أن يجعل من الرواية التي تُكتب في مئة صفحة أن يمط فيها لألف صفحة، مما يهدد فن النوفيلا بالانقراض. 

الكاتب: عمرو عاشور

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع