بدأت السينما المصرية بتدشين فيلم «زينب» للمخرج محمد كريم، وهو أول فيلم صامت يشهده العالم العربي، والفيلم مأخوذ من الرواية التي تحمل نفس الاسم للكاتب محمد حسين هيكل عام 1930، ويبدو أنه في مطلع هذا القرن كانت الكتابة عيب أو أنه لا يجوز للباشاوات أن يبدعوا في هذا الحقل لذلك فقد وقع محمد حسين باشا روايته باسم “فلاح مصري” وبعيداً عن الباشاوات وتقاليدهم القديمة فإن هذا العمل يعتبر الإنطلاقة الأولى لفن سيظل هوساً للناس حتى يومنا هذا.
للفيلم حكاية يحكيها صلاح أبو سيف في كتابه «السيناريو والرواية» عن تلك الوقعة حيث أنه أوضح القلق الذي أصاب المخرج أمام هذا النص وارتباكه في تحويله لفيلم حتى اقترح عليه بعض الأصدقاء أن يستعين بالممثل عبد الوارث عسر لكتابة السيناريو، لا يعرف الكثير منا أن الممثل القدير عبد الوارث عسر له باع في الكتابة للسينما.
اطلع عسر على الرواية ثم عرض على المخرج أن يقوم بتعديلات منها الحذف والإضافة ووضع خطاً رئيسياً للفيلم. غير أن المخرج سقط في الحرج، كيف يواجه الباشا بأمر كذلك؟ وهنا عرض عبد الوارث أن يذهب لمقابلة الباشا ومشاورته. الغريب أن رد فعل حسين جاء في صف عبد الوارث تماماً، لقد كان حسين باشا مطلعاً على السينما الغربية وكواليسها، وكان متفهماً جداً لعملية تحويل النص من فن لفن آخر، فقال له: “إن لم تفعل ذلك فأنت لست بسيناريست”. وقد كان، ليبدأ عصر من التزاوج بين الرواية والسينما، ولتصبح الروايات مطمع رجال السينما سواء كانوا مخرجين أو ممثلين أو منتجين.
منذ هذا العهد قدمت السينما المصرية عشرات بل مئات الأعمال المأخوذة من الروايات، هو تزاوج بين فنين أثمر عن روائع الأفلام العربية، ربما لذلك تهافت كُتاب الرواية أيضاً لتحويل أعمالهم إلى الشاشة الكبيرة. ولعل نجيب محفوظ أكثر من تحولت أعماله إلى أفلام، تقريباً معظم رواياته إلا القليل، ولا يمكن أن نغفل ملحمة «الحرافيش» وهي رواية واحدة تحولت إلى تسعة أعمال ما بين الفيلم والاذاعة والمسلسل، بالإضافة لكتابة نجيب شخصياً 29 فيلماً سينمائيا مستقلاً عن أعماله الأدبية تماماً.
وظل هذا التزاوج الناجح بين الرواية والسينما مستمراً حتى مطلع الثمانينيات وظهور ما يعرف نقدياً بأفلام المقاولات، وهنا حدث الانفصال الأول بين الرواية والسيناريو لينحدر الذوق العام، وتتجه الشاشة الكبيرة نحو العنف والجنس والقصص الضعيفة، واحتلت الشاشة وقتها نجمات بفضل الإغراء والإثارة فحسب.
في ظل هذا التخبط ظهرت محاولات على استحياء لإعادة العلاقة بين الرواية والسينما، قد تكون تجربة داوود عبد السيد أبرز تلك المحاولات حيث قدم في أوائل التسعينيات فيلم «الكيت كات» المأخوذ عن رواية الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، ثم فيلم «سارق الفرح» عن قصة خيري شلبي، ثم جاء مجدي أحمد علي ليستكمل المحاولة مع فيلم «عصافير النيل» عن رواية إبراهيم أصلان، ثم أعقبه بفيلمه الأخير «مولانا» عن رواية الكاتب إبراهيم عيسى.
تحكي قصة الفيلم عن الشيخ حاتم، الموظف بوزارة الأوقاف والذي يتمتع بحس فكاهي ولسان لاذع، تسقطه الصدفة للظهور في أحدي القنوات الفضائية ويصبح في فترة وجيزة نجم الفضائيات الأول. قد يتوقع المشاهد أنه بصدد فيلم يحكي عن قصة صعود مختلفة، ولكن الأحداث المتعاقبة للفيلم تكشف لنا كواليس عوالم ربما هي بعيدة كل البُعد عنا وفي الوقت نفسه لها شديدة الأثر على واقعنا اليومي، فإشكالية الفيلم الأساسية هي عن التطرف بكل صوره، ودور الإعلام في إيجاد غطاء شرعي لأخطاء النظام، واستغلال الدين لخدمة السياسة.
الفيلم يسير في خطين متوازين: خط العائلة، وهو الخط الأضعف في الفيلم ويدور حول الشيخ حاتم (عمرو سعد) وزوجته أميمة (درة) وما تعرض له ابنهما (إياد أكرم). الخط الثاني وهو المحور الرئيسي للفيلم ويدور عن تورط الشيخ حاتم مع ابن الرئيس الذي يستعين به من أجل مشكلة تخص شقيق زوجته حسن (أحمد مجدي) الشاب المتطرف الذي يرغب في ترك دينيه والتنصر، هنا تقع المشكلة على كتف حاتم المكلف بإرشاده وعودته لصوابه. على هذا الأساس يدور الصراع حتى نكتشف في نهاية العمل أن التطرف ليس مصدره عقيدة وإنما منبعه الجهل والسطحية.
كتب مجدي أحمد علي سيناريو الفيلم باحترافية عالية تحسب له، ومن الجدير بالذكر أنه كتب العديد من السيناريوهات الناجحة ومنها فيلم «ضحك ولعب وجد وحب»، حتى أنك لن تستطيع أن تتوقع نهاية الفيلم أو كيف ستتطور الأحداث. بينما جاء الحوار للكاتب إبراهيم عيسى، وهي التجربة الأولى له لكتابة الحوار ورغم ذلك جاءت خفة دم الشيخ حاتم تلقائية تماماً، فكان حديثه طوال الفيلم وكأنه سخرية وتهكم لا تتوقف إلا حين دخلت الأمور في الجد.
بشكل عام قدم نجوم العمل أداءً جيداً. غير أن درة وكذلك عمرو سعد كانا لهما أداء مميز بينما كان أداء نشوي (ريهام عبد الغفور) هو الأضعف على الأطلاق.
من الجدير بالذكر أيضاً أن جميع أعمال المخرج مجدي أحمد علي تناهض الإرهاب المتمثل في الجماعات الإسلامية المتطرفة، تقريباً لا يخلو فيلم له من تلك الإشكالية، وهو ما صرح به في حواره الأخيرة بأن محاربة الإرهاب هو شغله الشاغل، ربما لذلك هو بصدد تحويل رواية أخرى «الدنيا أجمل من الجنة» للكاتب خالد البري إلى فيلم سينمائي، حيث الاستمرار في التعاون المثمر مع النص الروائي والتنديد بالإرهاب.
يؤمن مجدي أحمد علي أنه لا نهوض للسينما إلا إذا عادت لعهدها القديم في الاستعانة بكُتاب الرواية وكذلك القصة القصيرة حيث تحوّل كُتاب السيناريو حالياً إلى السطحية والتفاهة -كما يقول- بعكس ما يشهده الأدب من إبداع حقيقي وأصيل، موضحاً أن انفصال الروائي عن السينما أدى إلى ما نعانيه اليوم، ومع ذلك فهو ملتزم بالتفاؤل الكبير رغم كل شيء.
أما عن دور السينما في مواجهة الإرهاب، فكيف لمن لا يشاهد الفن ويكفّره أن يتلقى مثل تلك الرسائل التي يحملها الفيلم؟
هنا يوضح لنا مجدي أنه يعمل على التفريغ أو قطع الطريق على الشاب الذي سيكون لاحقاً إما مواطناً صالحاً أو إرهابياً قاتلاً.. فهل استطاع الفيلم أن يحقق هدفه؟
يؤكد على أنه حقق ذلك بقدر أكبر من المتوقع، فالفيلم تمكن من حل المعادلة الصعبة حيث استطاع أن يحقق إيرادات عالية جداً في السينما رغم تسربه من دور العرض بأسبوع واحد، كما أنه حاز على إشادة النقاد وتم الاحتفاء به عالمياً أيضاً.