هناك كانت كل من ديمة بكار (19 عاماً) وأليس خشان (18 عاماً) متطوعتان لتعليم عزف الوتريّات للطلاب الأصغر منهما سناً بعد أن أمضتا 5 سنوات تقريباً في تعلّم الموسيقى في بيت أطفال الصمود إلى جانب لينا خشان، شقيقة أليس (15 عاماً) التي اختارت الفلوت آلة لها وبدأت تتمرّن على العزف وحدها إلى حين صار هناك أستاذاً لآلات النفخ في المؤسسة. بعد انتهاء صفوف الدروس المعهودة، نشأت لقاءات عدّة جمعت المعلّمة الموسيقية الشابة بالفتيات الثلاث حيث كنّ يعزفن مقطوعات من الموسيقى الكلاسيكية غير المتضمنة ضمن برنامج التعليم في المؤسسة.
ليلة الأحد السادس من آب الجاري كان روّاد مسرح “مترو المدينة” في بيروت على موعد مع الحفل الأول في بيروت للرباعي “أليسارْ”؛ وهو الإسم الذي اختارته العازفات الشابات ليكون اسماً لفرقتهن. وأليسار عدى عن أنه الاسم الفعلي لأليس؛ عازفة التشيللو في الفرقة، هو اسم ملكة قرطاج الشهيرة ابنة ملك صور الفينيقي والتي يرتبط اسمها ارتباطاً وثيقاً بمدينة صور، المدينة اللبنانية الجنوبية التي تحتضن مخيم برج الشمالي حيث تقطن ديمة والشقيقتان وهي ذاتها المدينة التي استقبلت الحفل الحي الأول للرباعي حين شاركن ضمن أمسية موسيقية سماعية بعنوان “همسات ..نغمات” بتنظيم من جمعية “صور تراث وإنماء” ومعهد “حليم الرومي للفنون” بالتعاون مع منتدى صور الثقافي. أما ليل أمس فقد كانت مدينة بيروت على موعدها الأول مع هذه الرباعي النسائي الشاب، “في حفل صور كنّا نشعر بتوتّر كبير كونها كانت المرة الأولى لنا أمام جمهور حي” تقول لينا صغرى العازفات في رباعي “أليسار”، “أما في حفل أمس في بيروت فقد كنا أقل توتّراً وأكثر فرحاً لأنها المرة الأولى التي نعزف فيها أمام جمهور في مدينة بيروت”.
منذ أشهر قليلة أطلقت عازفات “أليسار” صفحتهن على فيسبوك حيث رفعن مجموعة من الصور بالإضافة إلى فيديو على شاطئ بحر صور تقدّمن معزوفة “أوقات الوحدة” للنرويجي أولي بول. عبر هذا الفيديو حصلت كل من ديمة وأليس على دعوة للمشاركة في إقامة “سوا” الموسيقية في جزّين، جنوب لبنان، والتي كانت بتنظيم جمعية “فاوند ساوند نيشن” الأميركية.
تعليقاً على تلك الورشة تقول إينغر مازحة، وهي أيضاً عضو في فرقة “الصعاليك” الموسيقية، أنها قد تكون المرة الأخيرة التي يقدّم فيها رباعي “أليسار” حفلاً ذا طابع كلاسيكي، إذ أن ورشة “سوا” جاءت بنتاج فني متمحور حول موسيقى الروك والموسيقى الإلكترونية.
في جزّين التقت العازفتان الشابتان بمجموعة من موسيقيين شباب من لبنان و سوريا تترواح أعمارهم ما بين الثامنة عشر والخمسة والعشرين عاماً وعاشوا سوياً لمدة أسبوعين في مكان واحد بتوجيه وإشراف من موسيقيين لبنانيين محترفين هم زيد حمدان ويمنى سابا وسامر إتيان شامي، واختتمت الورشة بحفلين موسيقيين في جزين وبيروت.
“تجربة سوا كانت تجربة مهمة جداً لي ولأليس إذ تعلّمنا منها الكثير، ما جعلنا نزداد ثقة بالنفس كعازفتين. كما أننا سررنا جداً بأننا تعرّفنا على أشخاص من الوسط الموسيقي في لبنان، فضلاً عن أننا صنعنا صداقات جديدة لن ننساها أبداً.” وتكمل ديمة عن أهمية تلك الورشة بالنسبة لهما على صعيد الهوية إذ كانت هي وأليس الفلسطينيتين الوحيدتين ضمن مجموعة الإقامة الموسيقية ما سمح بتقريب صورة وواقع المخيمات الفلسطينية للمشاركين الآخرين.
إلى جانب الموسيقى، تتابع ديمة حالياً دراستها الجامعية في مجال المختبر الطبي وتطمح للتخصص الموسيقي في الجامعة الأنطونية في لبنان، وهي تؤمن بأن الموسيقى مهمة جداً لها ولزميلاتها في الرباعي “أليسار” إذ من خلالها يصبح ممكناً كسر الصور النمطية الخاطئة عن مخيمات لبنان التي غالباً ما يصوّرها الإعلام كبؤر فساد وعنف. تقول الموسيقية الشابة “نحن كفلسطينيين لدينا الكثير من الفنانين والمثقفين والمفكرين والعلماء ونتحدى كل الظروف الصعبة لنوصل صوتنا للعالم”. من خلال تجربتها وتجربة زميلتها أليس كمعلّمتي موسيقى متطوعتين في “بيت أطفال الصمود”، تؤكد أن للموسيقى أثراً إيجابياً كبيراً على حياة الأولاد في مخيمات اللجوء فهي تساعد على “نشر الوعي وإدخال أفكار جديدة للأولاد، مالئة أوقات فراغهم بما يفيد. كما تساعدهم على أن يتعلّموا عن عالم آخر كبير موجود خارج جدار المخيم.”
في حفلهن الصغير في بيروت ليل أمس، قدّم رباعي “أليسار” مقطوعات موسيقية كلاسيكية للايطالي آركانجيلو كوريللي، الألماني جوهان برامز، النرويجي أولي بول وبعض المقطوعات الشعبية الأوروبية من أوكرانيا ورومانيا وغيرها، ولم تكتف الموسيقيات الشابات بمقطوعات أوروبية، فتضمّن برنامج الحفل وفق توزيعات موسيقية خاصة بالرباعي، تحية لمدينة القدس عبر موسيقى أغنية “زهرة المدائن” للأخوين الرحباني بالإضافة إلى موسيقى أغنية “أفلاطون” لزياد الرحباني وهما أغنيتان محبّبتان لدى الرباعي الشاب.
“نأمل أن نتمكّن قريباً من تقديم موسيقانا الخاصة” تقول أليس حول التجربة الموسيقية التي ما زالت في بداياتها، “ونأمل أن ننشر هذه الموسيقى ليعرف الناس أن في لبنان فرقة فلسطينية موسيقية تدعى “أليسار” تقدّم معزوفاتها الخاصة. نحن نتشوّق لهذا الأمر.”