في هذا الحوار يحدّثنا أبو غيدا عن كتابه الجديد «أزمنة مثيرة»، قبل صدوره بأيام، مؤكداً أنّ المعيار الوحيد في اختياره لما يُترجمه من كتب، هو ما قد يتيحه لنا هذا المعيار من إمكانية أفضل لفهم تاريخنا والمقدمات التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة. فيما يلي نصّ الحوار ..
بداية، حدثنا عن عملك الجديد الموسوم «أزمنة مثيرة»، الذي نقلته من اللغة الإنجليزيّة إلى العربيّة، من حيث المحتوى. وما هي الدوافع التي ساهمت في تحديد هذا الاختيار؟
تعرّفت على كتاب «أزمنة مثيرة» للقنصل البريطاني “جيمس فن”، المعيّن في مدينة القدس المحتلة خلال الأعوام 1845 وحتى 1863، من خلال عملي على ترجمة كتاب الآنسة “ماري اليزا روجرز” المعنون «الحياة في بيوت فلسطين»، والصادر عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت في العام 2013، حيث تردد اسم القنصل “فن”، والذي كان رئيساً لـ”توماس روجرز”، شقيق “ماري اليزا”، حيث كان يعمل نائباً قنصلياً للسيد “فن” في مدينة حيفا المحتلة. لقد دفعني فضولي لمعرفة المزيد عن هذا الرجل الذي بدا واضحاً من حديث الآنسة “روجرز” عنه بأنه كان شخصية مهمة وفاعلة ومرموقة على مسرح الأحداث في فلسطين خلال أربعينات وخمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر، فعمدت إلى شراء كتابه المعنون (STIRRINGTIMES)، الذي نشر في لندن لأول مرة في العام 1878.
وعندما انتهيت من قراءتي للكتاب، صدمت بقلة ما يعرفه جيلنا، وربما الجيل الذي سبقنا، عمّا كانت عليه الأحوال في فلسطين خلال القرن التاسع عشر، كما كانت الصدمة ناتجة بشكل رئيسي من معرفة أن الاستعداد والعمل على إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين، جرى قبل ما يزيد عن سبعين عاماً من صدور وعد بلفور (1917)، كما سيتفاجأ قارئ الكتاب بكمية المغالطات التاريخيّة التي تضمنها بشأن فلسطين وتاريخها وأهلها، ولكن ومثلما قال الراحل عبد الرحمن منيف في رائعته «الآن هنا… أو شرق المتوسط مرة أخرى»، حين وصف كتابات القناصل عن بلادنا قائلاً: “لا اعتراض على ما يكتبه قنصل من القناصل، لأنه هكذا رأى، أو هذا ما يفيد بلده، خاصّة وأن ما كتبه هؤلاء يكاد يكون وحده المنشور، بعدما أصاب الخَرَس أهل موران أو جعلهم لا يتكلمون إلّا همساً أو بالإشارات. ولذلك فإذا غاب أهل البلاد لا بد أن يتولى مهمة الكلام أحد آخر نيابة عنهم، ومن حق هذا الآخر أن يرى الأشياء، أن يفسرها، كما يشاء، ويجب ألّا نغضب إذا وجدنا شيئاً غير دقيق أو لا نحبه، لأننا لم نقل ما هو الشيء الصحيح، ولم نقل ماذا نحب”!
ولكن، وبالعودة إلى سؤالك حول محتوى الكتاب والدوافع التي ساهمت في هذا الاختيار، أعتقد أنّ ما يغري في ترجمة النص الذي كتبه السيد “فن” قبل ما يزيد عن 160 عاماً، هو الارتباط الوثيق بين الأفكار والسرديّات التي ساقها “فن” في كتابه عن فلسطين، وبين ما كتبه المفكر الراحل إدوارد سعيد في كتابه الذائع الصيت «الاستشراق: المعرفة، السلطة، الانشاء»، حين تقرأ كتاب “فن”، ترى الكثير من التحليلات والطروحات التي ساقها البروفيسور (سعيد) حول الاستشراق وخطورة الدور الذي لعبه المستشرقون ومساهمتهم فيما آلت إليه أحوال بلادنا العربيّة، لا سيما في فلسطين أمام ناظريك، وما تمخض عنه ذلك من إبرام اتفاقية سايكس بيكو (1916)، أو إصدار وعد بلفور على سبيل المثال، وغير ذلك من الأحداث المفصلية التي شهدتها بواكير القرن المنصرم، هذا الدور الذي شكل تمازجاً غريباً بين الديني والسياسي والاستشراقي في العقلية الأوروبية السائدة في دوائر صنع القرار، وأود هنا أن ألوذ بالمصطلح الذي اجترحه إدوارد سعيد في كتابه هذا والذي أسماه “شرقنة الشرق”، هذه “الشرقنة” التي يرى (سعيد) فيها فعلاً مستمراً ومقصوداً، مارسته القوى الغربية وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، عبر الجهاز المعقد الذي أنشأته لرعاية وتحقيق مصالحها من خلال أنشطة الجمعيات والإرساليات التبشيرية والجمعيات التجارية ومؤسسات الاستكشاف الجغرافية وغرس المدارس والبعثات والمكاتب القنصلية، لا لشيء سوى لضمان مصالحها في هذا الشرق، حيث كان قناصل هذه القوى الأوروبية وخصوصاً بريطانيا، يخلطون وبشكل يدعو للرثاء أحياناً وللصدمة الباعثة على الفزع في أحيانٍ أُخرى، بين نصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وبالوعود المزعومة التي وردت في التوراة لبني إسرائيل حول أحقيتهم بأرض اللبن والعسل، وبكل ما يمكن أن تعنيه هذه الوعود من قيمة روحية أو دينية لأي يهودي أو مسيحي أوروبي أو أمريكي ورع من جهة، وبين الانتهازية السياسية الفجة والوقحة، والتي كانت تخدم أجنداتٍ سياسيةً واضحةَ المعالم لحماية مصالح فرنسا وبريطانيا في منطقتنا، عشية ظهور العلامات الأولى على انهيار تركيا، رجل أوروبا المريض.
ماذا عنى لك هذا الكتاب على الصعيد الشخصي؟ وماذا عنى لك أيضاً من ناحية ترجمته؟
سردية المؤلف لأحوال فلسطين وحاضرها ومستقبلها، في الفترة الزمنية التي دون فيها كتابه، مستفزة جداً، وأعتقد بأن قُرّاء الكتاب لدى صدوره باللغة العربيّة قريباً جداً سيختبرون هذه المشاعر السلبية أيضاً.
من المأمول أن تتيح ترجمة أعمال كهذه للقارئ العربيّ والفلسطينيّ تحديداً، قراءة كاشفة لما كانت عليه أحوال فلسطين قبل قرابة المائة وستين عاماً، كيف كان النسيج السياسي والعشائري في فلسطين، وكيف كان التدخل البريطاني في الشؤون المحلية الفلسطينيّة سافراً وفجاً لدرجة أنّ القنصل “جيمس فن” شكل جَاهَةً لأخذ عطوة صلح عشائري بين أهالي قرية بيت نتيف وقرية عجور بعد القتال الضاري الذي نشب بينهم.
كما يبرز الكتاب مدى الانحطاط الذي بلغته الإدارة الحكومية التركية لفلسطين، ومستويات الفساد والرشوة وغير ذلك من ضروب الإدارة غير الرشيدة على الإطلاق، كما يسلط الضوء على الحروب الأهلية التي شهدتها فلسطين آنذاك، بين زعماء الحرب المحليين، وخصوصاً ما يعرف بزعماء قرى الكراسي، التي انقسمت بين صفي قيس ويمن، والتي بالكاد يعرف الفلسطينيّون عنها شيئاً، نظراً لندرة المصادر التي تغطي تلك الفترة.
إنّ المحتوى الثري للكتاب (بصرف النظر عن الآراء العنصرية الواردة فيه)، يدعوك للاقتناع بضرورة ترجمته للعربية لإتاحة الفرصة للقارئ العربيّ والفلسطينيّ تحديداً لأن يعرف أكثر عن فلسطين في تلك الحقبة.
يقول د. جوني منصور (أستاذ محاضر في قسم دراسات التاريخ في الكلية الأكاديميّة في بيت بيرل. متخصص بتاريخ الشرق الأوسط الحديث، وله اهتمام بتاريخ فلسطين الحديث والمعاصر): “تجربة جمال أبو غيدا في قطاع الترجمة ليست الأولى، فهو صاحب مشروع كبير يهدف إلى تعريف القارئ العربيّ على أدب الرحلة والاستكشاف وما تخبئه من وراء ذلك”. هل لك أن تضيء لنا على تفاصيل هذا المشروع وما الغايات المنشودة منه؟
الدكتور جوني صديق عزيز، وقد قام مشكوراً بإعداد مقدمة أشبه بالدراسة الأكاديميّة المحكمة لكتاب «أزمنة مثيرة»، ومن المؤكد بأنها ستثري الكتاب وتساعد القارئ على الالمام بعقلية السيد “فن”، وظروف الفترة التي كتب فيها الكتاب. بيد أنّني أعتقد بأنه وبدافع الصداقة والمحبة منحني مالا أستحق من الأوصاف حين تحدث عن “المشروع الكبير” إذ إنّ ما أقوم به ليس مشروعاً بالمعنى الحرفي والتقني للكلمة، فالإنسان بمفرده ليس مؤسسة أو كياناً قادراً على الاضطلاع بمشروع بهذا الحجم. كل ما أقوم به هو جهود متواضعة تهدف إلى اطلاع القارئ العربيّ عموماً والفلسطينيّ خصوصاً على الكتب التي وضعها الرحالة والمستشرقون حول فلسطين في الفترة الممتدة بين نهاية الحروب الصليبية وصولاً إلى وعد بلفور المشؤوم، وقد يستغرب القارئ العربيّ كمية الحبر التي سالت في مطابع أوروبا لطباعة مئات الكتب التي تتحدث عن فلسطين وغيرها من الحواضر العربيّة خلال تلك الفترة الطويلة نسبياً.
إنّ أفضل السبل لفهم الحاضر والتصدي لإشكالياته وتحدياته تكمن في فهم تاريخنا القريب والالمام بمفاصله بشكل أوفى. وبالتالي فإنّ توفير ترجمة أمينة وصادقة لمثل هذه المراجع سيعزز من فهمنا لقضيتنا وواقعنا، وَيُمَكّنُنا من معرفة الطريقة التي كان الآخر ينظر بها إلينا، وربما لم يزل!
إلى أيّ حد يمكن للمترجم أن ينتزع النصّ من منظومته اللغوية، وينقله بأمانة إلى منظومة لغوية أخرى؟ وما هي العقبات التي تعترض طريقك بوصفك مترجماً للغة العربيّة؟
تكمن أهمّية الترجمة في القدرة على دفع القارئ للإحساس بأن النصّ الذي يقرأه هو نصّ غير مترجم، لا بل كتب بلغته الأم ذاتها. في هذه الجزئية تحديداً يكمن التحدي الأكبر، أي مقدرة المترجم على نقل النص من لغة إلى أخرى بسلاسة تدعو القارئ للاقتناع بأنّ ما يقرأه هو نصّ غير مترجم، في ذات الوقت الذي يحافظ فيه على أقصى درجات الأمانة والحرفية في ترجمته، بمعنى مقدرة المترجم على التفريق بين حرفية الكلمة المطلوب ترجمتها، والمعنى أو المغزى الكامن فيها، هذه “الملكة” إذا توافرت لدى المترجم تعطيه مقدرة أقرب بالمقدرة التي يمتلكها أولئك الذين يمتلكون ما يسمى بالحاسة السادسة، في فهم المقاصد والمغازي الكامنة في النصّ الأصلي.
لا أواجه عقبات جديّة عند الترجمة للغة العربيّة، فاللغة العربيّة لغة جميلة ومطواعة إذا أحببتها، وعلى الرغم من الشلل الذي تعانيه مجامع اللغة العربيّة وعجزها عن تطوير لغتنا العربيّة، إلّا أنّها لغة قابلة للأخذ من لغات العالم كافة، طالما كان المترجم قادراً على إبداع نصّ لا يتماشى مع حرفية اللغة العربيّة وحسب، بل وما تتيحه من احتمالات، سواء في استخدام المفردات أو في صياغة هذه المفردات، وعلينا ألّا ننسى أنّ اللغة التي تمكّنت من احتواء علوم الفلك والرياضيات والمنطق والفلسفة وغيرها من العلوم التي برعت فيها شعوب الهند والإمبراطوريّة الرومانيّة القديمة قبل أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، لقادرة بالتأكيد، إذا ما تيسر لها مترجمون أكفياء من الناطقين بها، على أن تتفوق على ذاتها في استيعاب علوم ومعارف هذه الأزمنة.
صدرت لك العام الماضي رواية «خابية الحنين». سؤالي: من أين جئت إلى عالم الرواية؟
بصراحة لا أعلم من أين جئت إلى عالم الرواية، لكن ما أعلمه جيداً أنّني ربما جئت متأخراً قليلاً وأنا على أبواب الخمسين من عمري. أميل إلى الاعتقاد بأنّ «خابية الحنين» هي تجربة روائيّة أولى عوضاً عن كونها رواية مكتملة الأركان، وربما كان الدافع وراء الشروع في كتابتها، هو طرح الأسئلة التي كانت تدور في رأسي، ولم تزل، منذ بواكير الشباب، أسئلة على شاكلة متى سنتعلم من أخطائنا؟ ما حدث في عمّان من أحداث مؤسفة في عام 1970، تكرر في الحرب الأهليّة في لبنان في سبعينات القرن الماضي، وتمخض عنه ما تمخض من نتائج كارثيّة لدى خروج الثورة الفلسطينيّة من بيروت عام 1982، وعاد وتكرر وإن بشكل أقل حدة وفداحة في أحداث 1986 في جامعة اليرموك، أين هي المشكلة؟ ومتى سنتعلم الدرس؟ هذا هو السؤال الذي يشغلني دائماً.
ما هي قصديّة عنوان روايتك «خابية الحنين» يا ترى؟
لم يكن ثمّة قصديّة مباشرة في عنوان «خابية الحنين»، وقد توصلت لعنوان الرواية خلال كتابتي لفصولها الأخيرة تقريباً، وقد استلهمت العنوان من قصيدة الشاعر الفلسطينيّ الفذّ محمود درويش «الحنين»، والتي أعتقد بأنّها من أروع ما كتب إن لم تكن أروع ما كتب على الإطلاق، بعبقريّته في توصيف نكبتنا بتلك اللغة المبدعة والموسيقى الشعريّة الفاتنة، بينما استعرت “خابية” أبو نواس التي ذكرها في البيت الشعريّ التالي:
أو صـوْتُ تصْـفيـقِ الجليسِ تطرّباً
وبَـكاءُ خابيـةٍ، وضِـحْكُ قَنـاني
والرواية فعليّاً تضج بالحنين، حنين مُمِضّ يقض مضاجع أبطالها وشخوصها لدرجة بات فيها هذا الحنين متحكماً بمصائرهم.
كيف استطعت العمل على هذه الهيكليّة السرديّة، يضاف إليها جمع التاريخ وتوثيقه؟ وكم كانت ذاتك حاضرة أثناء عمليّة كتابة الرواية؟
إنّها سرديّة جيلنا، أي أبناء الستينات، وجيل آبائنا وأجدادنا ممن ولدوا إبّان النكبة أو كانوا شهوداً عليها، وتقوم هيكليّتها السرديّة على تقنية التقطيع والتكسير الزمنيّ للأحداث التي تسير وفق خطين متوازيين (خط عمّان 1970 وخط اربد 1986)، بحيث يداوم الراوي العليم فيها على القفز بين زمانيْ ومكانيْ الرواية، كما جاء في وصف الناقد الدكتور ظافر مقدادي للتقنيات المستخدمة في الرواية. عملي على هذه الهيكليّة السرديّة كان متسقاً مع كوني ابن مرحلة الثمانينات، وابن مرحلة السبعينات أيضاً، ناهيك عن التراث الشفهيّ الهائل الذي اختزنته من القصص التي لطالما سمعتها من جدي وجدتي خلال طفولتي، عن مرويّاتهم عن فلسطين قبل النكبة وما واجهوه خلال خروجهم للشتات وحياتهم فيه، لذلك فقد توفر لي كنز حكائيّ هائل قبل الشروع بالرواية، أما عن ذاتي وحضورها في الرواية فأنا أُومـِنُ مجدداً بإحدى نظريات الروائيّ العربيّ الراحل عبد الرحمن منيف بالموضوع، حيث يرى بأنّ: “الكاتب إن أراد أن يُضَمّنَ نصوصه الروائيّة سيرته الذاتيّة، وأعتمدها كأساس وحيد لكتاباته تقريباً، فسوف ينتهي به الحال بكتابة رواية واحدة أو روايات تدور حول ذات الموضوع، أما إذا أراد الاستمرار ككاتب روائيّ يرى الحياة بتنوّعها واختلافاتها، فعليه محاولة الحذر من مقدار وجوده في الرواية، ولا شك بأنّ الروائيّ يتواجد في النصوص التي يكتبها كافة، ألّا أنّ وجوده يجب أن يكون مبعثراً في هذه الشخصيًة أو تلك، وأن يكون مُتَخفياً أيضاً إذا ما جاز لنا التعبير”. وقد اعتمدت هذه المقاربة عند كتابتي «خابية الحنين»، وآمل أن أكون قد وفقت بذلك.
إلى أي مدى أثّرت ترجماتكَ في كتابتك الروائيّة؛ أو لنقل: هل استفدت من الترجمة؟
يمكنك النظر إلى الترجمة كتمرين لغويّ يُظهر لا مجرد اضطلاعك باللغة التي تقوم بترجمتها، بل ومدى مهارتك في قولبة هذه اللغة المترجمة وصبها في قالب أدبيّ يراعي الأشكال التعبيريّة باللغة العربيّة، وربما يضيف ذلك عمقاً فنيّاً ولغويّاً وربما سرديّاً، للمحاولات الروائيّة، وأعتقد بأن هذا ما ميز أعمال الأديب والفنّان الفلسطينيّ الراحل جبرا إبراهيم جبرا، فماذا تتوقع من روائيّ أبدع في ترجمة نصوص شكسبير إلى العربيّة؟ لكن في الوقت ذاته، ليس من الضرورة أن يكون المرء مترجماً لكي يتصدى للكتابة الروائيّة ويبدع فيها.
كونك ترجمت بعض الأعمال من اللغة الإنجليزيّة إلى العربيّة. كيف ترى حركة الترجمة في الساحة الفلسطينيّة؟ وهل تسد الفراغ الموجود في مكتباتنا؟
أعتقد بأنّ الترجمة تحديداً تعاني ما تعانيه الثقافة العربيّة عموماً والفلسطينيّة خصوصاً، ولأسوق لك مثلاً على خمول أو ضعف حركة الترجمة في الساحة الفلسطينيّة: عند انتهائي من ترجمة كتاب «الحياة في بيوت فلسطين»، وكنت قد ترجمته متطوعاً وبالمجان، طرقت أبواب بعض المؤسّسات الثقافيّة الفلسطينيّة المرموقة، لا لتعويضي عن الجهد والوقت اللذين بذلتهما في الترجمة، بل بحثاً عن دعمهم المادّيّ لطباعة ونشر وتوزيع الكتاب الذي أجمع المختصون والنقّاد على أهمّيّته بعد نشره، ففوجئت بصعوبة الحصول على التمويل إن كان ذلك بسبب الشلليّة والمحسوبيّة السائدة في أوساطنا الثقافيّة والتي أجهل دهاليزها تماماً، أو بذريعة عدم ارتباط محتويات الكتاب بأنشطة مؤسّسة ثقافيّة ما، علماً أنّها تزعم أنّها مؤسسة ثقافيّة تهتم بالشأن الفلسطينيّ، فآليت على نفسي أن أُمول طباعة أعمالي بنفسي، للخروج من تلك الدائرة الباعثة على الإحباط، ولا تنسى أنّ لعن الظلام كما في الحكمة المشهورة لن يكفي لتبديده، بينما تتكفل شمعة صغيرة بإنارة أحلك الليالي ظلمة، وهذا ما كان.