كتبها ديفيد باركينسون بتاريخ 31/7/2017. ترجمة عن مجلة «سايت & ساوند» السينمائية البريطانية
ولدت جان مورو في 23 يناير 1928 لنادل فرنسي وراقصة تيلر جيرل من أولدهام، وحظيت مورو بمسيرة مهنية لامعة استمرت لمدة 70 عاماً. ساعدت مورو بوصفها رمزاً من رموز الموجة الفرنسية الجديدة في إعادة تشكيل الميزات الأساسية للنجوم مع مزيج لطيف من الفكر المستقل والإثارة الأنثوية الحسية التي دفعت باتي سميث لوصفها بـ “سياج من الأسلاك الشائكة فوق النار”. عملت مع العديد من مخرجي السينما الرواد، حتى أطلق عليها أورسون ويلز لقب “أعظم ممثلة في العالم”.
“مصعد كهربائي نحو المشنقة Lift to the Scaffold”
(1958)
المخرج: لويس مال
ظهرت الشرارة الأولى للنقلة السينمائية المدوية بوضوح عندما كانت جان مورو هائمة على وجهها في شارع الشانزليزيه في فيلم الإثارة الكلاسيكي هذا. في الوقت الذي يقطع فيه لويس مال الوشائج مع التقاليد السينمائية من خلال التصوير في إضاءة طبيعية بواسطة كاميرا متحركة (موضوعة على عربة متحركة)، تتساءل فلورنسا، الشخصية التي تؤديها مورو، إذا ما كان حبيبها المظلي السابق (موريس رونيت) قد تمكن من تنفيذ الخطة التي اتفقا عليها بقتل زوجها الثري – أم أنه قد تخلى عنها ببساطة. تسرب كل ذلك الاعتداد بالنفس والشغف الذي تتمتع به تلك المرأة العصرية المتواضعة والشرسة شراسة حادة للغاية، من الوصف الدقيق للشخصية في رواية نويل كالف. تنم عنها في مكانهما السابق نظرة مسكونة بالقلق المحموم، تلتقطها كاميرا هنري ديكاي أحادية اللون في غمرة وهج واجهات المحلات الأنيقة، مترافقة مع موسيقى الجاز الكئيبة المفزعة المرتجلة لمايلز دافيس.
“العشاق Les Amants “
(1958)
المخرج: لويس مال
أعلن القاضي بوتر ستيوارت في رده على الادعاء بأن تصوير لويس مال للمتعة الجنسية الأنثوية يشكل مواد إباحية قائلاً: “يمكنني تمييز ذلك عندما أراه”. ومنذ اللحظة التي فازت فيها مورو بجائزة خاصة في مهرجان فينيسيا السينمائي، صدمت تلك العلاقة الحارة مع الحبيب الشاب جان مارك بوري أولئك الذين لم يكونوا فرحين للغاية بقبولها المتحرر بحق المرأة في التمتع بالحب. وكان اعتبار مورو كرمز للإغراء الجنسي الفتاك يتمثل بوصفه سخرية من العادات البرجوازية المتعلقة بالعفة والاحتشام والتي تعود إلى ستة عقود مضت. إلا أن مورو بقيت مأسورة في هذا القالب حتى آخر أيامها فيما يشبه تداعيات مدام بوفاري بين بوري عالم الآثار المتيم، والزوج الحائر ألين كوني، والعلاقة الجنسية العارضة مع خوسيه لويس دي فيلالونغا.
“الليل La notte”
(1961)
المخرج: مايكل أنجلو أنتونيوني
بعد فوزها مباشرة بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عن فيلم (1960) “Moderato Cantabile” لبيتر بروك، منحتنا مورو أداء آخر لا ينسى في رائعة مايكل أنجيلو أنطونيوني الحائزة على جائز الدب الذهبي والذي قدم أطروحة نسوية كاملة عن الضجر من الحياة الزوجية. ذرعت مورو الشوارع في ضواحي ميلان، حيث استمتعت مع زوجها الروائي مارسيلو ماستروياني بألذ ثمار النعيم مؤخراً، يقتلها الملل من نمط الحياة الباذخ الذي تعيشه معه. تتبادل لاحقاً المغازلة بفتور مع ضيف المنزل جيورجيو نيغرو، قبل أن تستسلم في الفجر إلى مداعبات ماستروياني في مستودع ملعب للجولف. جسدت مورو المثقفة والبراقة والمعقدة المرأة “الدنيوية” على الرغم من كونها تدرك بألم شديد ذلك الفراغ المتزايد لوجودها.
“جول وجيم Jules et Jim”
(1962)
المخرج: فرانسوا تروفو
يمثل هذا الفيلم، على الرغم مما وصفه به المخرج نفسه بأنه “فيلم مدمر للجمال الكلي”، فئة رئيسية في تقنيات الموجة الفرنسية الجديدة، وقد اعتمد الفيلم، الذي اقتبسه فرانسوا تروفو عن رواية هنري بيار روش 1953 للسينما، بشكل كبير على الأنوثة المضيئة الخلابة لمورو، حيث تبدأ شخصيتها في الفيلم (كاثرين) بالانخراط في علاقة غرامية مع صديقيها البوهيميين المقربين جيم وجول (أوسكار فيرنر وهنري سيير). ترفض مورو الحرة الفضولية والعفوية والمتمردة والمتقلبة أن يتم تصنيفها، حيث تنزلق في علاقة يشوبها الحب والقسوة في محاولتها عيش لحظة أبدية على أهبة أن تنتزع منها إلى الأبد. وكما كتب تروفو فإن: “صفاتها ومميزاتها كممثلة وكامرأة جعلت كاثرين تتجسد أمام أعيننا بالفعل، جعلتها حقيقية جديرة بالتصديق، مجنونة وغيورة وعاطفية، ولكنها قبل كل هذا وذاك فاتنة حقاً”.
“خليج الملائكة La Baie des Anges”
(1963)
المخرج: جاك ديمي
تعد شخصية مورو من نواح كثيرة في معالجة جاك ديمي لمشكلة إدمان القمار سليلة كاترين في فيلم “جول وجيم”. مع جذور داكنة تظهر من خلال شعرها الأشقر البلاتيني والظلال المتناقضة للملابس المطابقة لأمزجتها المتأرجحة، تبدو جاكي دومسيتر سطحية ورخيصة لأنها تخلت عن زوجها وأولادها لإشباع شهوتها وتوقها للإثارة والنجاح. ولكنها سريعة البديهة، ومتهورة، ومفترسة وعنيدة أيضاً. تتقرب من المقامر المبتدئ في كازينو ريفييرا كلود مان لتعيش معه لحظات جيدة ولحظات سيئة مع مزيج من اليأس والترقب والشغف، الأمر الذي يجعل قرارها في مرحلة الذروة الدرامية قراراً شجاعاً ومؤثراً للغاية.
“يوميات خادمة Diary of a Chambermaid”
(1964)
المخرج: لويس بونويل
كتب لويس بونويل عن مورو في كتاب سيرته الذاتية “أنفاسي الأخيرة” (1983)، “عندما تمشي، ترتجف قدمها قليلاً فوق الكعب العالي، مما يمنحك شعوراً بالتوتر وعدم الاستقرار إلى حد ما”. وهكذا لا تفوت الخادمة والشخصية الرئيسية أي خطوة أو جانب من جوانب الشخصية دون أن تعبّر عنها في هذا الفيلم السينمائي المؤلم المقتبس عن رواية أوكتاف ميربو التي صدرت عام 1900، حتى عندما تسير في الاتجاه الخاطئ تماماً. تشهد سليستين بالنيابة عن بونويل العناد والنفاق والتعصب والوحشية لها لرؤسائها وزملائها في تلك العزبة الصيفية في النورماندي في الثلاثينيات. لا تتحول تلك الخادمة إلى شخص يطلق الأحكام الخاطئة وحسب، بل تتحول أيضاً إلى فاشية متعجرفة، وتلعب مورو شخصيتها بكل ذلك الازدراء والعجرفة حتى تغدو أشبه بالنموذج الفرنسي لبيت ديفيس.
“فيفا ماريا! -Viva Maria!”
(1965)
المخرج: لويس مال
تلعب مورو مستفيدة من براعتها وموهبتها المدهشة دائماً دور جان راسل بالنسبة لمارلين مونرو مع بريجيت باردو في الفيلم الموسيقي الكوميدي المتمرد الذي أغضب مضمونه السياسي رئيس مكتب التحقيق الفيدرالي إدغار هوفر. سعى لويس مال إلى السخرية من أفلام الأصدقاء، متخذاً فيلم (1954) “Vera Cruz” لروبرت ألدريتش نموذجاً، حيث صور لقطات ساخرة من الكنيسة الكاثوليكية، والعقلية البرجوازية العسكرية الإمبريالية. أثبتت مورو، بتحريض من مال الذي سعى للخلط بين أسلوب كل من هوارد هوكس وفنسنت مينيلي، موهبتها الكبيرة كمغنية أثناء وصلات الفودفيل التي أدتها لتتحول صدفة إلى مشاهد تعرّ حسية في تعاون وثيق مع فتنة باردو الكاثوليكية. لم يلتقط الجمهور المعاصر الرسالة، ولكن هذا الفيلم كان يمثل الرجعية بجرأة شديدة والمرح الخليع الصاخب.
“الآنسة Mademoiselle”
(1966)
المخرج: توني ريتشاردسون
شرع توني ريتشاردسون في إخراج السيناريو الذي كتبه جان جينيه كهدية زفاف لأنوك آيمي والذي اعتبر عند إصداره على أنه مجرد خلطة فرويدية، والذي تحول إلى فضيحة في مهرجان كان قبل أن يخفق إخفاقاً ذريعاً في شباك التذاكر. لكن قصة المدرّسة الريفية التي تخفي لياقتها الخارجية الإحباط الجنسي الذي يغلي في داخلها، والذي يتجلى في أعمال وحشية مدمرة، مهدت الطريق للعديد من الأدوار التي مثلتها إيزابيل أوبير. كرهت مورو الشخصية وانزعجت من تصوير أحد المشاهد الذي تطلب منها الوثب في حقل طيني موحل مع الحطاب الإيطالي إتوري ماني. ولكنها أدركت قوة السيناريو، وأدت دورها بكثافة هائلة لا تزال مثيرة للغاية حتى يومنا هذا.
“وارتدت العروس السواد The Bride Wore Black”
(1968)
المخرج: فرانسوا تروفو
بعد رفضها دعوة مايك نيكولز للعب دور السيدة روبنسون في فيلم (1967) “Graduate”، عادت مور للعمل مع فرانسوا تروفو مجدداً في الفيلم الذي أهداه لألفريد هيتشكوك، والمقتبس عن رواية كتبها كورنيل وولريتش ووقع عليها بالاسم المستعار ويليام آيريش. كأرملة على أبواب سنتها الخامسة كانت مسؤولة عن موت عريسها، تجنبت مور الأداء التراجيدي وسمعت نصيحة تروفو في أن تلعب الشخصية “كعامل ماهر أمامه عمل لتنفيذه، بكل إخلاص وإصرار”. أثارت مورو التي ارتدت ملابس سوداء وبيضاء صممها حبيبها السابق بيير كاردان، إعجاب هيتشكوك وتمنى لو أنها وضعت وسادة للضحية ميشال بوكيه الذي دست له السم “هكذا سيموت مرتاحاً أكثر”.
“العجوز التي مشت على ماء البحر The Old Lady Who Walked in the Sea”
(1991)
المخرج: لوران هاينمان
بدأت مورو بعد إخراجها لفيلمي (1976) “Lumière” و (1979) “L’Adolescente” لعب أدوار خلبت عقول المشاهدين في أفلام مثيرة للجدل مثل (1974) “Les Valseuses” وفيلم (1982) “Querelle”. وعقب ترشيحاتها للكثير من الجوائز عن أدوارها في أفلام (1986) “Le Paltoquet” و (1987) “Le Miraculé”، فازت أخيراً بجائزة سيزار عن أدائها المهيب الشرير في فيلم لوران هاينمان المرح والمؤثر على نحو خلاب. تتبادل مورو المتعجرفة التي تنضح بالشهوة الشتائم مع شريكها القديم في الجريمة ميشال سييرولت، ويأكلها الندم بعد فوات العمر عندما تحاول إغواء اللص المبتدئ الشاب لوك ثويلير، بينما يسلبون الأثرياء المغفلين في غواديلوب وعلى شاطئ الريفييرا. تتطور الحبكة تطوراً لا متوقعاً، ولكنها تسلط الضوء على نحو باهر على الأناقة العفوية الرائعة، وازدراء الغرور والحدس الفني الفطري الذي جعل من مورو ممثلة فريدة من نوعها حقاً.
الكاتب: عماد الأحمد