كتبها ديفيد باركينسون لموقع BFI، وهذه ترجمتنا لها…
قدم فرانسوا تروفو الذي كان من أبرز المخرجين الأساسيين للموجة الفرنسية الجديدة بعضاً من أفضل كلاسيكيات الحركة من فيلم Jules et Jim إلى Day for Night.
قيل إن جيرار ديبارديو قاوم الظهور بدور البطولة في The Last Metro عام 1979 لأنه رأى أن المخرج فرانسوا تروفو قد أصبح برجوازياً. ربما لم يعد تروفو ذلك الناقد الناري الذي ندد أفلام “cinéma du papa” على صفحات مجلة Cahiers du Cinéma في الخمسينات أو حتى ذلك الكاتب المبدع الذي كان في طليعة الموجة الفرنسية الجديدة. لكنه ظل المخرج البارز، الذي كان حبه للسينما واحترام ماضيه السابق واضحاً في كل لقطة ومشهد في أعماله. ربما تكون الأفلام اللاحقة أقل طموحاً من الناحية الأسلوبية، وربما احتوت حتى على آثار “تقليد الجودة” السيء. ولكن تروفو لم يتغير حقاً على الإطلاق، حيث كان دائماً آخر الواقعيين الشعريين.
Les Quatre Cents Coups
1959
أصبح الفيلم ذي الميزانية المنخفضة والذي نفذ على أساس أن يكون عبارة عن مختارات فيلمية موجزة خلال فترة الاحتلال، والفيلم الذي أذكى الموجة الفرنسية الجديدة، فيلماً متجذراً وأساسياً للغاية في تجارب وخبرات تروفو الخاصة. تعكس العلاقة التي يعيشها المخرج البالغ من العمر 27 عاماً مع نجم الفيلم المراهق جان بيير ليو علاقته في الحقيقة مع أستاذه ومعلمه أندريه بازان، مع استمرار تطور شخصية أنطوان دونيل. تعد هذه الدراسة في اغتراب الأحداث دراسة خطية تقليدية، على النقيض من سمعة تروفو كناقد لاذع في مجلة Cahiers du Cinéma، حيث يتضمن هذا الفيلم الكثير من مميزات الواقعية الجديدة، وأفلام نوار (الجريمة والدراما الهوليوودية) والمثقفين المكرّسين مثل جان فيجو وجان رينوار وروبرتو روسيليني. لكن كاميرا هنري ديكاي العميقة والمحمولة باليد واللقطات الثابتة في لحظات الذروة الدرامية جعلت من الفيلم فيلماً رائعاً للغاية، ولا تزال قوته المجردة وتأثيره حاضراً حتى اليوم.
Shoot the Piano Player
1960
كان فيلم تروفو الثاني المأخوذ عن رواية ديفيد غوديز القاسية Down There مع السخرية السوداء للإخوة ماركس وريموند كوينو، المغامرة الثانية لتروفو عبارة عن جرعة كبيرة من المتعة التي تتضمن المجازات والموسيقى والتقنيات التي جاءت أقرب ما تكون لترجمة نظرياته النقدية في العمل السينمائي. هناك أكثر من لمحة وسمة من سمات تروفو في عازف البيانو قليل الكلام تشارلز أزنافور، الذي يتورط مع العصابات بعد أن يبدأ العزف في حانة متواضعة في قاع المجتمع الباريسي. تتصارع كل من الكوميديا والمأساة لتنتصر في النهاية، حيث يحشو تروفو الأحداث غير المتوقعة بالضحكات المليئة بالتأملات الذاتية والتي تبدو من الآراء الأكثر جرأة نظراً للبساطة الواقعية والتقشف في تصوير راؤول كوتار. إنه فيلم لا يقاوم بالفعل ولا يمكن أن يتكرر أبداً.
Jules et Jim
1962
أكد هذا الاقتباس الخالد لرواية هنري بيير روش، الذي رافقته الموسيقى الخلابة لجورج ديليرو، وعلى نحو مثير للدهشة إلى ذلك التوافق بين الموجة الفرنسية الجديدة و”تقليد الجودة” الذي كان تروفو قد عارضه في مقالته في مجلة Cahiers عام 1954، “اتجاه معين في السينما الفرنسية”. الفيلم الخلاب الذي يندرج تحت قسم أفلام الزمن الجميل Belle Époque فيلم يخطف الأنفاس، حيث الصديقين العزيزين هنري سيري وأوسكار ويرنر أصبحا محاطين بتلك الروح النقية، جان مورو. بطّأ تروفو الإيقاع في مرحلة ما بعد الحرب لنقل المزاج المتغير، حيث يتجه هؤلاء الثلاثة إلى المأساة بعناد وصلابة. اتهمه بعضهم بخيانة مثله النقدية، ولكن هذه الميلودرامية السامية تدل على النضج الإخراجي لدى تروفو.
La Peau douce
1964
أتاح التأخير في تصوير مشروعه الوحيد باللغة الإنجليزية عام Fahrenheit 451 ،1966 الفرصة لإتمام هذه الملحمة المتعلقة بالعلاقات، والتي تكشف عن تأثير ألفريد هيتشكوك عليه، والذي أجرى تروفو معه مقابلة نشرت في كتاب. كان السرد قائماً على قصص الصحف، ولكن تفاصيل السيرة الذاتية مع ذلك صبغت الأحداث التي تدور حول اكتشاف الزوجة الأولى نيللي بينيديتي علاقة زوجها الأكاديمي جان دوسايي مع المضيفة الجوية فرانسواز دورلياك. كانت الأناقة الرائعة في عمل تروفو في تحويل ميلودراما أشبه بأعمال المخرج دوغلاس سيرك إلى عمل أشبه بأعمال هيتشكوك أمر محير وفذ للغاية. إلا أن النقاد المعاصرين وصفوا الفيلم بأنه ساخر وقذر، ولم يتم الاعتراف بهذا الفيلم إلا مؤخرا نسبياً بوصفه تشريحاً متميزاً لعادات الطبقة المتوسطة.
Stolen Kisses
1968
لم يقصد تروفو أبداً أن تصبح شخصية أنطوان دونيل في فيلم Les Quatre Cent Coups شخصية متكررة أبداً. ولكنه عاد أربع مرات إلى أناه الآخر الذي يبدو وكأنه بمثابة صمام الأمان بعد عدة مشاريع تطلبت ذلك على نحو خاص. خرج تروفو من فيلم الإثارة والانتقام عام The Bride Wore Black 1968، وشعر بوضوح بالحاجة إلى إعادة النظر في أسلوبه السينمائي المتحرر المبكر سابقاً، ووضع جان بيير ليو في سلسلة من المغامرات الهزلية التي تبدأ بتسريحه الشائن من الجيش وينخرط في عدة أعمال كئيبة لسوء حظه كموظف في فندق، ومخبر خاص ومصلح لأجهزة التلفاز. يزيد من تعقيد الأمور تلك العلاقة الرومانسية مع كلود جيد ودلفين سيريج يزيد من تعقيد الأمور، ولكن شغف تروفو في الفيلم يبقى نقياً وساحراً.
Day for Night
1973
وضع تروفو نفسه في شخصية مخرج نصف أصم في هذه الشخصية الخاصة للغاية، في محاولة للتوفيق بين النظرية الثقافية وشغفه بالعلاقة العضوية لصناعة الأفلام بالناس، وأضاف لهذه الشخصية الكثير من الحكايات والنكات والعبارات لنقل متعة وألم صناعة السينما. لا أحد يدعي أن الفيلم داخل الفيلم Meet Pamela هو عمل فني، ولكن تروفو يستخدم لقطات الاستوديو للاحتفاء والسخرية من الفوضى وانعدام الأمن والخداع والأنانية والشهوة التي تختبئ وراء الكواليس. حصل على ترشيحات للإخراج والسيناريو وكذلك لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ولكنه ربما شعر بارتياح أكبر للأصالة التي قدمها في تصوير عالمه على الشاشة.
Small Change
1976
عاد ترفو الذي عانى طفولة صارمة إلى موضوع بداية النضوج في أفلام مختلفة مثل Les Mistons 1957 وThe Wild Child 1969. ولكن هذا التجميع الاستعراضي الذي صور في بلدة تييرس الريفية يعد من أشد النظرات ثاقبة العميقة في نفسية الأطفال الذين يواجهون مجموعة من القضايا اليومية. وينصب التركيز الرئيسي على جوري ديموسو وفليب غولدمان اللذين يتعين على كل منهما التعامل مع والد معوق وأم متعسفة قاسية. يحفر تروفو مجدداً في ذكرياته الخاصة، ويغزل بأناقة ورشاقة لحظات من الشوق والاكتشاف والخطر والتمرد والانتقام لتعزيز اقتناعه بأن الأطفال يعشون في “حالة نعمة“.
The Green Room
1978
شغلت قصة هنري جيمس القصيرة “مذبح الموتى The Altar of the Dead ” تروفو طيلة فترة السبعينيات، حيث تعاون مع كاتب السيناريو جان غروت في دمج أفكار من تولستوي وتشيخوف وبروست لنقل الكآبة التبجيلية التي شعر بها تجاه العدد المتزايد من الأصدقاء والملهمين الذين ماتوا. دفعه فقدان روبرتو روسيليني وهنري لانغلوا أخيراً إلى العمل، وشارك البطولة مع ناتالي باي والمصور السينمائي نستور ألمندروس، قدم نفسه في شخصية كناجٍ من الحرب الكبرى يدمره الشعور بالذنب ويكتب مرثية لها، والذي يبني ضريحاً لزوجته الراحلة، ومنح الفيلم لمسة من المصداقية، إن لم نقل ذلك الشعور بالنقص الموجود في “رسالة مكتوبة بخط اليد“.
The Last Metro
1979
لطالما انتُقد تروفو بسبب فشله في معالجة المواضيع السياسية، واتهمه بعضهم بالتملص من القضايا التي لا تزال ترخي على فرنسا ذلك التصور الكئيب ولكن الرومانسي للاحتلال النازي. غير أنه أصر على أن مذكراته عن الحرب في باريس تعكس فهمه الطفولي الذي كان ينظر إليه إلى تلك الأحداث. يظهر ذلك التوتر بين البراءة والخبرة بوضوح في جميع أجزاء القصة التي تركز على جهود كاثرين دونوف لإنجاز فيلم سينمائي بينما تخبّئ الزوج اليهودي هاينز بيننت تحت صالة مونمارتر التي يملكانها. لدى عميل المقاومة الفرنسية جيرارد ديبارديو والمخرج مثلي الجنس جان بويريت أيضاً الكثير من الأسرار التي يخفيانها، ولكن خفة الدم الساخرة تزين هذه الدراما المكثفة بنفس الأناقة والجمال التي تمنحها إياها إضاءة نستور ألمندروس.
Vivement dimanche!
1983
كان الأدب التجاري بالنسبة لتروفو مصدر إلهام متكرر طوال حياته المهنية، وقام بإعادة صناعة فيلم The Long Saturday Night لتشارلز ويليامز في فيلم تبين أنه فيلمه الأخير. فهم الفيلم على أنه عربون محبة لشريكته الجديدة فاني أردانت، التي برعت في تقديم دور سكرتيرة بروفنسالية (من خارج باريس) التي تتحول إلى محققة خاصة لتبرئة رئيسها وكيل العقارات جان لوي تراتينيو من تهمة قتل زوجته وحبيبها. ولكن هذا الفيلم كان أيضاً تحية للأفلام الكوميدية القديمة لهوارد هوكس وأفلام الخدع البصرية لألفريد هيتشكوك، وكانت النكهة التي أضافها تروفو لربط الأحداث من خلال تلميحات وإيهامات سينمائية بارعة ساحرة للغاية كما كانت الصور أحادية اللون المثيرة للعواطف والذكريات. يا لها من نهاية سينمائية ومسيرة فنية ووداع رائع.