بإمكاننا اعتبار هذه الرواية بمثابة سيرة ذاتية متخيلة لناجي العلي، لكنها في الوقت نفسه تستمد كل تفاصيلها من محطات من حياته. الزمن الرئيسي الذي تدور فيه أحداث الرواية هو الأيام الأخيرة التي قضاها ناجي العلي في المستشفى في لندن، غائبًا عن الوعي. لتبدأ الرواية بصوت العلي، يتحدث مع نفسه، محاولًا معرفة من هو؟ وأين هو؟ وصعوبة إحساسه بالزمن، ليأتيه صوت حنظلة، ليذكّره من هو، محاولًا مساعدته في استرجاع ذاكرته بالتدريج. ليبدو السرد أشبه بمونولوج داخلي، بضمير المتكلم (صوت ناجي)، متقاطعًا مع صوت حنظلة، الذي سيأخذ في الرواية دور الوعي/الذاكرة، إضافة إلى وعيه بالزمان والمكان الراهن، وهذا عكس ما يحصل لناجي، الذي من الممكن أن يعود ذهنه للوعي بشكل متقطع، ومن ثم يعود للغرق في محيط هلامي من الأبيض من ثم الرمادي، منتهيًا بالأسود، والعكس عندما يعود لحالة الوعي، في شعوره أنه عاد للمحيط الهلامي “الحليبي”، كما يصفه الكاتب في الرواية.
نتيجة لتداخل الصوتين، في عملية السرد، ومن ناحية أخرى اعتماد صوت ناجي على الآخر (حنظلة) لكي يبقى في حالة اليقظة، سيكون هناك حوار طوال خط الرواية بينهما. ليلجأ الكاتب إلى دمج الصوتين في شكل وأسلوب الكتابة، فمثلًا، لا نرى هناك فصلاً بين كلام ناجي وحنظلة أثناء حوارهما مع بعضهما عن طريق الانتقال إلى سطر جديد، مسبقًا بشرطة صغيرة مثلًا، وإنما الفصل بين الصوتين يأتي من خلال تغيير الضمير، فقد يحدث أن تجتمع ثلاثة ضمائر، بثلاث جمل متتالية، ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب، ومثال على ذلك هو هذه المقطع: “تقول له. ماذا تريد أيها الصديق المناكف. شرف لي إذ تسميني صديقًا. تراني أردت تحذيره. لا تنس أن تباهينا بما نخاله شرفًا تسبب لنا. قاطعني مضمرًا تساؤلًا رافضًا”. ربما في البداية سيواجه القارئ عقبة في القراءة، لعدم التنبؤ بصيغة الجملة التالية، بمعنى آخر؛ أسلوب الرواية سيفرض على القارئ القراءة ببطء. وقد يكون هذا الأسلوب قد فرض نفسه على الكاتب، لأنه في حال أتّبع أسلوب تعدد الأصوات مثلًا، أو أسلوب الراوي العليم، ربما سيضعف من حضور ناجي العلي، الذي تتمحور فكرة الرواية حول صوته بشكل أساسي في فترة غيابه عن الوعي. ليبدو هذا الشكل السردي، هو الأكثر منطقية، كي يعيش القارئ حالة الشخص الغائب عن الوعي، ويشحذ كل قوته كي يتمسك بحالة اليقظة الجزئية التي لا تلبث أن تأتيه حتى تذهب فجأة.
الشخصية الثالثة التي تلعب دوراً رئيسياً أيضًا في الرواية، هي شخصية حنين، صديقة ناجي العلي الكويتية، والتي ربطتها مع ناجي علاقة قوية، أقرب إلى الحب. ولتكون حنين هي المدخل لاستعراض محطات من حياة ناجي في الكويت، والتي ستلحق به إلى لندن بعد أن تم طرده من الكويت، وبعد حادثة الاغتيال. سيذكر الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل أثناء مناقشته الرواية في القاهرة، أن فكرة الرواية بدأت عام 1988، عندما جلس مع صديقة مشتركة لناجي، وعرف منها ما حدث معه في لندن، وعلى الأغلب أن جزءاً مهم من تفاصيل الأحداث، جاء من معايشة تلك الصديقة لها، والتي تلعب دور حنين في الرواية.
مواقف ناجي ستكون حاضرة في الرواية، إما من خلال الحديث عن بعض اللوحات، أو نابعة من مواقفه المعلنة، أو من طبيعة رؤيته للحياة ولتفاصيلها، كأن يقول مثلًا: “قتل الوقت مثل قتل طفل. أثمن ما لدى الإنسان وقته”. وفي عبارة أخرى: “يتوجب علينا أن نقول كل شيء بالوضوح المطلوب أو لا نقول شيئًا” وعن ضجره من حالة الغياب عن الوعي يقول “شتان ما بين نمط اغتيال ينهي حياتك في اللحظة، وآخر يبقيك وسط موت معلّق لا نهاية معروفة له”.
كما أن هناك شخصيات أدبية وفنية ستكون حاضرة بالرواية، من أصدقاء تربطه بهم علاقة وثيقة، أبرزها الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي، الذي سيكون حاضرًا، مع مقتطفات من كتاباته، والصداقة التي نشأت بينهما. وعلى وجه التحديد إعجاب إميل حبيبي برسومات ناجي، كأن يقول له في بداية تعرفه عليه: “أتخيّلك وأنت تواجه ورقك الأبيض، تنظر في البعيد لدقائق معدودة فإن خذلتك مخيّلتك دسست يدك في جيبك طلعت بفكرة غريبة لا تخطر ببال أحد”.