عامر شوملي: أشتغل على أيقونات الثورة الفلسطينية المعاصرة

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

يقال إن "الفيلم الثاني هو أصعب فيلم"… لذا سأتجاوزه وأبدأ العمل على الفيلم الثالث مباشرة… قد أجرب المرة القادمة البحث في منطقة الهجرة غير الشرعية واللجوء إلى البلدان الأوروبية هرباً من الهروب التي تشهدها المنطقة العربية اليوم. إن ما أراه من مشاهد للاجئين تستدعي النكبة، وأعتقد أنها قد تكشف مقاربات مثيرة للأسئلة.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
خمس ممثلات إيطاليات أيقونيّات (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

30/01/2018

تصوير: اسماء الغول

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

أوس يعقوب

يعمل كاتباً ومراسلاً صحفياً لعدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية منذ العام 1993. صدر له عدة كتب ودراسات في الشؤون الثقافية الفلسطينية والعربية. وله مجموعة دراسات منشورة ضمن موسوعة "أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين"، الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في تونس.

أثناء الانتفاضة الأولى (1987- 1993) دعت القيادة الوطنية الموحدة المجتمع المحلي لإيجاد بدائل عن منتجات العدو الإسرائيلي، فأنشأت مجموعة من الناشطين الفلسطينيين مزرعة لإنتاج الحليب بثمانية عشر رأساً من الأبقار.  وما إن نجح “حليب الانتفاضة” حتى أمر جيش الاحتلال بإغلاق المزرعة معلناً أن “الأبقار خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي”!.. هذه القصة الواقعية التي حدثت قبل 25 عاماً، وتحمّل خلالها أبناء قرية بيت ساحور مشقة ونتائج مغامرة العصيان المدني، وامتنعوا عن دفع الضرائب، وأحرقوا البطاقات الشخصية التي يصدرها الاحتلال، وزرعوا كل شبر بالخضار، وربوا 18 بقرة. لم يكن الفنان الفلسطيني الشاب عامر شوملي حاضراً أثناءها ولا شاهداً عليها، ولكنه عندما سمع بها قرر أن يخلدها بشريط سينمائي يحاكي تلك الواقعة بسخرية، فكان أن أنجز فيلمه «المطلوبون الـ18»، محققاً حلمه في تجييش كل مدخراته الفنية لإنتاج هذا الفيلم، الذي يجمع بين التمثيل والرسم ومقابلات حيّة لشخصيات كان لها أثر إبّان تلك الأحداث. فيلم «المطلوبون الـ18»، الذي شارك في إخراجه الكندي بول كاون، والذي حصد حتى الآن 19 جائزة عالمية، واختير ليمثّل فلسطين في جائزة الأوسكار عن أفضل فيلم وثائقي. كان موضوع حوارنا مع المخرج السينمائي والفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير عامر شوملي..

يأتي ترشيح فيلم “واجب” من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية، في الدورة القادمة لجوائز الأكاديمية الدورة التسعين للأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، في 4 آذار/ مارس 2018، بعد أن مثّل فيلمك «المطلوبون الـ18» فلسطين عام 2016. ماذا عنى لك ذلك؟

حقيقة لم أكن أعتقد أن فيلم «المطلوبون الـ18» سيفوز أو حتى سيصل للقائمة الطويلة أساساً، لكنني كنت سعيداً بفرصة كهذه كحركة مشاغبة أكثر من أن تكون محاولة حقيقية للفوز. كان من الجميل أن يضطر مراسل في هوليود أن يذكر جملة مثل “الجيش الاسرائيلي يطارد ١٨ بقرة“.

برأيك لماذا يُعدّ مجرد وصول فيلم فلسطيني أو عربي لقوائم الأفلام المشاركة في جوائز مثل أوسكار انتصاراً، في حين تصل سينما جيراننا الأتراك والإيرانيين.. إلى هذه المحفل، دون ضجيج يذكر؟

لا أدري… ربما لأننا نشعر بخسارة محدقة في معركتنا الكبرى والأهم، معركة التحرير ونبحث عن أي انتصار مهما كان حجمه… إن كان فلسطيني في برنامج تلفزيوني غناءً أو طبخاً. أو كان مخرجاً في مهرجان سينمائي… أي نصر صغير يخدرنا ويصرفنا عن الخسارة الكبرى… تخيل مثلاً فلسطين في كأس العالم!

شاركت مؤخراً، في إحياء الذكرى الثلاثين للانتفاضة في فلسطين، في تظاهرة ثقافية نظمتها “دار النمر في بيروت. كيف استقبل الجمهور هناك فيلمك؟


لم تكن المرة الأولى التي يعرض الفيلم فيها في لبنان ولكنها المرة الأولى لي مع الجمهور هناك… وقد أحسست أن عرض الفيلم هناك أثار مجموعة من الاسئلة تختلف عن الاسئلة التي تثار في فلسطين أو في أماكن أخرى… أسئلة خاصة بسياق الفلسطيني في لبنان… أسئلة حول طريقة التحرير والمقاومة الأنجع… أي “المقاومة السلمية والعصيان المدني أم العمل العسكري؟”… لكننا متفقون على الهدف بالتأكيد. 

كيف تقرأ مثل هذه التظاهرات في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني؟

أرى أن التواصل بين الداخل والشتات الفلسطيني هو الأهم في هذه التظاهرات… ولا أعرف إن كانت تقام بكم يكفي لترميم النسيج الفلسطيني… ففي ظل رفع شعار “حق العودة” في الداخل هل نعرف حقيقة أن هذا أكثر من مجرد شعار للشتات؟ 

على الصعيدِ الإبداعي، هل تَعتبر وجودَك في الضفة الغربية ميزة؟ أم أنه حرَمَك مِن ميزات معينة؟

هو ميزة طبعاً، خاصة أنني عشت تجربة اللجوء في مخيم اليرموك لـ ١٦ عاماً… إن صلب اهتمامي هو أيقونات الثورة الفلسطينية.. لحظة خلقها ولحظة اختفاءها ولحظة إعادة استخدامها… وهنا يصير وجودي في فلسطين المحتلة محملاً بتاريخ بصري من طفولتي في الشتات مهماً… الانتباه هنا والمقارنة تصبح ردة فعل لا إرادي وعفوي بشكل يومي. 

بالعودة إلى الفيلم حدثنا عن فكرته؟ وتفاصيل اشتغالك عليه؟


في طفولتي في المخيم كونت تصوري عن فلسطين المحتلة من خلال الكتب المصورة التي كانت تصدرها دار الفتى العربي والملصقات التي كان يصدرها الإعلام الموحد الفلسطيني. صورة طوباوية عن مكان مثالي… حين عودتي كانت الصور والحقيقة متناقضة… كان مكاناً عادياً بلا أبطال… إلى أن التقيت أحد شخصيات الفيلم، الذي أخبرني أن كل ما تخيلته كان حقيقة لكنني أضعت فرصتي لمعايشته كون أن الانتفاضة انتهت. كانت صناعة هذا الفيلم هي رحلة مصالحة… فرصة لمعايشة الانتفاضة من خلال مقابلة الناس وسماع قصصهم وإعادة تمثيلها. مشاركة خيال طفولتي عن الانتفاضة وحقائق من عاشها مع الأجيال القادمة.

جعلت من البقرات شخصيات رئيسية في الفيلم، انطلاقاً –كما تقول– من شعور يلازمك بأن “لدى الغرب قدرة على التعاطف المطلق مع البقر بعكس قدرته على التعاطف مع الفلسطيني”. سؤالي: ألهذه الدرجة ترى العالم أصم وأبكم وأعمى تجاه عذابات شعب يعيش تحت احتلال عسكري؟


للأسف نعم… أذكر في أحد العروض في الولايات المتحدة استنكر بعض الحضور مقولة “إن الغرب يتعاطف مع البقر أكثر من الانسان الفلسطيني”… فسألت يومها عن اسم الأسد الذي انتشرت صورته حينها قتيلاً في افريقيا على يد أحد الصيادين… فعرف معظم الحضور الجواب… ثم سألت عن اسم شهيد فلسطيني استشهد في ذات الفترة… فكان أن أحداً من الحاضرين لم يسمع به!.. 

هل عرض الفيلم في أراضي الـ٤٨؟ وكيف استقبله الإسرائيليون؟ وبالتالي ماذا عن المؤسسة الرسمية في تل أبيب، خاصة أن العمل احتوى على مقابلة مع الحاكم العسكري ونائبه؟


عرض الفيلم في الداخل المحتل عام ٤٨ ولكنني لم أستطع حضور أي من العروض لأسباب تتعلق بمنع أمني مفروض على معظم الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة… لكن أغلب العروض كانت في أماكن عربية… الإسرائيليون حاولوا احتواء «المطلوبون الـ18» في منظومتهم الرسمية، حيث ترشح الفيلم لأهم جائزتين في مهرجان “دوكافيف”، ومهرجان القدس السينمائي، وحين رفضت مشاركة الفيلم والترشيح بدأت المؤسسة الرسمية بمحاصرة العمل وعروضه والتضيق عليه. ردة الفعل التي قرأتها لاحقاً كانت في جريدة “هآريتس” العبرية، على لسان ميري ريجيف وزيرة ثقافة الاحتلال، والتي كانت تهدد بمنع عرض الفيلم في قاعة السرايا في يافا وتحولت القضية حينها إلى قضية رأي عام في الدولة العبرية.

هل يمكن القول بأن هناك مشروعاً بصرياً معيناً يشتغل عليه عامر شوملي، وما هي تطلعات هذا المشروع وغاياته وطموحاته؟

مازلت في أول الطريق… ولكنني أشعر بأني منشغل بتفكيك أيقونات الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفحصها وإعادة تقديمها لإثارة النقاش.. منتبهاً للتشابه بين المتناقضات والمتناقض بين المتشابهات… بغض النظر عن المنتج النهائي شريطاً سينمائيا كان أم عملاً فنياً أو كاريكاتير… المهم إثارة الأسئلة.

بدأت العمل في الكاريكاتير السياسي، ولك اهتمام خاص في أرشفة الملصق الفلسطيني ومحاكاته، لا بل والاشتباك مع التاريخ الفلسطيني المعاصر، وبالتحديد تاريخ الثورة الفلسطينية بقصصها وحكاياتها ومنتَجها البصري،. إلى أي مدى خدمك هذا في مشروعك السينمائي؟

أطن أني أجبت إلى حد ما عن جزء من سؤالك هذا فيما ذكرت أعلاه… لكن أضيف أنه في حالة التدقيق في الفيلم هناك إشارات ومرجعيات لملصقات تاريخية مهمة اعتمدت ذات التكوين لقراءات أعمق، مثلاً (عرفات وهو يطل على شرفة عند الحديث عن العودة إلى فلسطين ومنظمة التحرير مقتبساً ملصقاً صهيونياً  يصور “هرتسل” في مؤتمر بازل حين قال: “إن كنتم تريدونها حقيقة فستكون كذلك ..”. أو مشهد الفلسطيني وهو يلاعب الحاكم العسكري الشطرنج مضيفاً قطعة جديدة (البقرة) على الرقعة مقتبساً ملصق لمارك رودن (جهاد منصور).

ما هي إمكانية أن تكون السينما الشابة المستقلّة، كخيار فرديّ طبعاً، أكثر حرية بوجود وسائل التواصل الحديثة، والكاميرات في الموبايل؟


أعتقد أن ماكينة السينما العالمية من إنتاج ومهرجانات وشبكة توزيع متشابكة ومترابطة ومنتفعة… قد يكون صنع فيلم بإمكانات متواضعة ممكناً لكن لا أتوقع أن أراه في دوائر التوزيع التقليدية وعليه لا أستطيع التكهن بإمكانية استمرارية النهج وفاعليته… 

أخيراً، ما هو موضوع فيلمك القادم ومتى سيرى النور؟

يقال إن “الفيلم الثاني هو أصعب فيلم”… لذا سأتجاوزه وأبدأ العمل على الفيلم الثالث مباشرة… قد أجرب المرة القادمة البحث في منطقة الهجرة غير الشرعية واللجوء إلى البلدان الأوروبية هرباً من الهروب التي تشهدها المنطقة العربية اليوم. إن ما أراه من مشاهد للاجئين تستدعي النكبة، وأعتقد أنها قد تكشف مقاربات مثيرة للأسئلة.

يُشار إلى أن عامر شوملي ولد في الكويت عام 1981، ويقيم منذ العام 1997 في رام الله، بعد إقامته لسنوات في العاصمة السورية دمشق. تخرج من جامعة بيرزيت عام 2003 بتخصص الهندسة المعمارية، وحصل لاحقاً على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة تخصص رسوم متحركة من بريطانيا. له العديد من الأعمال الفنية، ويستخدم الرسوم المتحركة والكاريكاتير بالإضافة إلى الملصقات للتفاعل مع المحيط السياسي والاجتماعي الفلسطيني اليومي. له كتاب “كومكس”، ومنشورات وقصص أطفال. وقد أسس لبرنامج دبلوم الرسوم المتحركة في جامعة بيرزيت، وهو أحد مؤسسي “زان ستوديو” في رام الله. 

وكان شوملي قد شارك في العام 2016 في “أرت دبي 2016” بثلاثة مشاريع فنية تنضوي تحت عنوان «بين زمنين» Between Two TIMEs، وهو الاسم الجامع لها. كما شارك في العام الماضي، مع 14 فناناً فلسطينياً من أجيال مختلفة في معرض «قريب لا أراه وبعيد أمامي» مرتكزين في أعمالهم الفنية على السيرة الذاتية للفنانين التشكيليين إسماعيل شموط وتمام الأكحل «اليد ترى والقلب يرسم».

ومن الجوائز التي حصدها فيلمه «المطلوبون الـ18»، جائزة أفضل فيلم وثائقي من العالم العربي بمهرجان أبو ظبي السينمائي للعام 2014، وفي نفس العام نال جائزة “التانيت الذهبي” لأفضل فيلم وثائقي بمهرجان أيام قرطاج السينمائية، وجائزة قناة الجزيرة الوثائقية عن الفيلم الطويل، في الدورة الحادية عشرة من مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية للعام 2015. كما نال الفيلم في الولايات المتحدة جائزة “مايكل مور”، الذي دعمه لإقامة سلسلة عروض في نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية.
 

 

الكاتب: أوس يعقوب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

Vector
Vector

اختيارات المحرر

Vector
Vector

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع