تستضيف مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، الدورة الثالثة عشرة لمهرجان رام الله للرقص المعاصر والذي تنظمه سرية رام الله الأولى، في الفترة ما بين 19 وحتى 29 من الشهر الجاري وذلك في عدة مواقع في رام الله، القدس، بيرزيت، عنبتا، مخيم بلاطة، بيت لحم. ويحمل المهرجان في هذا العام ثيمة “مساحات غير تقليدية”، في محاولة للخروج من نطاق تقديم العروض في المسارح المغلقة، وإفساح المجال أمام الفرق لتقديم أعمالها في مساحات مختلفة منها الساحات العامة، والمتاحف، والمنازل القديمة. رمان التقت مدير المهرجان، خالد عليان، لمعرفة المزيد من التفاصيل حول المهرجان وما يميز هذه الدورة، وللحديث أيضاً عن تجربته الشخصية في التسيير والإدارة، هو الحالم بأن يكون المهرجان أحد أهم المهرجانات على مستوى العالم.. فكان هذا الحوار:
من أين وُلِدَت فكرة المهرجان، وكيف انطلق؟
بدأت فكرة مهرجان رام الله للرقص المعاصر في عام 2005، بعد أن قامت فرقة سرية رام الله الأولى للرقص بإنتاج عرض “ع الحاجز”، الذي يعتبر أول تجربة فلسطينية في مجال الرقص المعاصر، وقد لاقى العرض حينها نجاحاً لافتاً. وبدأت السرية في التفكير في كيفية تطوير الرقص المعاصر في فلسطين، وما إذا كان يكفي لهذا الغرض إنتاج عرض كل عام أو عامين، وهل هذا الإنتاج الضئيل يكفي لتطوير الرقص المعاصر، وتعريف الجمهور المحلي بهذا النوع من الرقص.
من هنا انطلقت فكره المهرجان، وكانت البداية في العام 2006 وقد كانت صعبة من حيث كيفية استقطاب الفرق لمهرجان يقام في دولة مُحتلة، وتعاني ظروفاً سياسية صعبة، وليس لها تاريخ في الرقص المعاصر ولا في مهرجانات متخصصة في هذا النوع من الفنون.
ما هي أهم أهداف المهرجان؟ وما هي أهم التحديات التي واجهتكم حتى الآن؟ هل يمكنكم طرح أمثلة لتحديات تعاملتم معها؟
المهرجان تنظمه سرية رام الله الأولى بشكل سنوي، وهو يهدف إلى تعزيز لغة الحوار والتبادل الثقافي بين الشعب الفلسطيني وشعوب العالم، وتعريف الجمهور الفلسطيني بأشكال متنوعة من الرقص المعاصر، وتطوير قدرات العاملين في مجال الرقص في فلسطين.
بالتأكيد فإن المهرجان يواجه العديد من التحديات وأهمها التحديات السياسية والاجتماعية والمالية، فعلى صعيد التحديات السياسية فإننا في فلسطين ننظم مهرجانات ثقافية ونحن نعيش تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي هو من يتحكم بدخول الفنانين إلى فلسطين كونه مسيطراً على كافة المعابر فمثلاً تحاول سلطات الاحتلال إعاقة عبور الفنانين إلى فلسطين وتقوم بتأخير الفنانين الأجانب على الحدود لعدة ساعات بهدف إحباطهم وجعلهم غير راغبين بالعودة مرة ثانية إلى بلادنا. أيضاً نواجه صعوبة في تنظيم عروض المهرجان خاصة للفرق المحلية في مدينة القدس كونها تحتاج إلى تصاريح خاصة لدخول القدس، ونظراً لصعوبة الحركة بين المدن الفلسطينية بسبب الحواجز وجدار الفصل العنصري فإننا نضطر إلى تنظيم عروض المهرجان في عدة مدن مما يؤدي إلى ارتفاع المصاريف، هذا عدا عن استحالة الوصول إلى غزة أو استضافة فرق وفنانين منها أو إحضار جمهور من غزة.
أما على الصعيد الاجتماعي فنواجه تحدياً أساسياً يتمثل في النظرة التقليدية للرقص عند بعض أفراد المجتمع الفلسطيني كون الرقص يستخدم الجسد كأداة تعبير، وللأسف واجهنا تحريضاً من قبل بعض الأحزاب السياسية التقليدية والتي قامت بنشر بيانات ضد المهرجان داعية إلى مقاطعته.
أما على الصعيد الاقتصادي فإننا نواجه تحدياً يتمثل في صعوبة الحصول على التمويل المناسب للمهرجان حيث أننا نبذل 90% من طاقتنا في الحصول على التمويل و10% في عملية تنظيم المهرجان، مما يضعنا في حالة توتر دائمة.
ما هي الرسالة الفنية والسياسية التي تتضمنها فعاليات المهرجان حول القضية الفلسطينية؟
تتمثل الرسالة الفنية في نشر الرقص المعاصر في فلسطين، وتطوير قدرات الراقصين المحليين وتبادل الخبرات فيما بينهم، وكذلك تعزيز التبادل الثقافي بيننا وبين دول العالم ممن تشارك بفعاليات المهرجان. أما الرسالة السياسية فتتمثل في التأكيد على أن للفن دور هام في عملية المقاومة وتعريف الضيوف على واقع الشعب الفلسطيني.
من أين تحصلون على الدعم؟ وكيف تمولون المهرجان؟
نحصل على الدعم من عدة مؤسسات منها المحلية مثل وزارة الثقافة الفلسطينية، وبلدية رام الله، ومؤسسة عبد المحسن القطان، ومؤسسة منى وباسم حشمة، وشركة الوطنية موبايل، وشركة المشروبات الوطنية. إضافة إلى دعم دولي من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر أهم ممول للمهرجان منذ تأسيسه، ويقوم في العام الحالي بدعم المهرجان كجزء من مشروع ”فلسطين وأوروبا: قيم إنسانية مشتركة من خلال الأنشطة الثقافية“، حيث نستضيف في المهرجان العديد من فرق الرقص العالمية، الذين يأتون إلى فلسطين ليعرفوننا على ثقافتهم، ويتعرفوا على ثقافتنا، ومن خلال هذه التجربة الإنسانية والفنية، يجتمع الفلسطينيون وأصدقاؤهم من دول العالم حاملين قيماً إنسانية مشتركة.
أيضاً تقوم وزارة الثقافة الإيطالية، والقنصلية الفرنسية العامة، والمجلس الثقافي البريطاني بدعم المهرجان بالإضافة إلى الشراكة مع العديد من المؤسسات الثقافية والإعلامية، أذكر منها: متحف محمود درويش، معهد إدوارد سعيد الوطني الفلسطيني للموسيقى، مسرح نسيب شاهين – جامعة بيرزيت، المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، تلفزيون فلسطين، قناة 24 اف ام، شركة زووم، شركة انترتك، ومجلة رمان.
هل تعتقد أن مثل هذه المهرجانات يفيد القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال؟
بالتأكيد. هذه المهرجانات تفيد قضيتنا فمن خلالها نُعرّف شعوب العالم على الواقع الحقيقي للشعب الفلسطيني، فالعديد من الفرق التي شاركت في المهرجان عادت لبلدانها وهي متضامنة مع قضيتنا بعد ما شاهدته بأم عينها في فلسطين، فقد قال فاروق شادوري (مدير الانتاج في فرقة أكرم خان البريطانية): “زيارتي إلى فلسطين وإلى مهرجان رام الله للرقص المعاصر تركا انطباعاً طويل الأمد من المستحيل نسيانه. لقد وقعت في حب الطاقة الجميلة التي يملكها الأشخاص الفلسطينيون الذين قابلتهم. لديهم كمية وافرة من التواضع والكرم والطيبة والحماسة. هذا لا ينبع فقط من كون رام الله مدينة تحت الاحتلال بل ينبع من وجود روح ريادية تبحث عن نقش شيء من لا شيء، وذلك شيء يمكن تحقيقه فقط بوجود التصميم والإصرار إلى جانب الإبداع بالإضافة إلى الطموح والرغبة في اتخاذ المخاطر، وفوق ذلك كله والذي يجعل المهمة أكثر تشويقاً هو وجود رؤيا جماعية. إنه فعلاً لشيء ملهم ومعدٍ، يمكن التأثر به. وإني أملك الأمل الكبير للمهرجان وأؤمن بأنه سيصبح بؤرة ثقافية مهمة ذات تأثير كبير في المنطقة هذا إذا لم يكن كذلك في الوقت الحاضر”.
أما الراقص الكندي بول ايبي، فقد قال: “مهرجان فريد من نوعه يقام في وقت وظروف صعبة، الروح الإنسانية والقدرة على خلق وترويج الفن هي الملهم في ظل الحياة الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لقد أثرت التجربة الفلسطينية في حياتي وستعيش معي لسنوات عديدة“.
كيف تجدون الإقبال على فعاليات المهرجان؟ هل أنتم راضون عنه؟
بكل فخر أستطيع القول إن الإقبال رائع. لقد أصبح المهرجان يوضع على أجندة الجمهور السنوي، ويعتبر واحداً من أهم المهرجانات على المستوى الإقليمي وليس على المستوى المحلي، والأهم هو ازدياد عدد الإنتاجات المحلية التي تقدم في كل عام، وكذلك ازدياد عدد الراقصين المحليين ونستطيع القول حالياً إنه يوجد مجتمع للرقص المعاصر في فلسطين، فهناك ما يزيد عن 300 راقص وراقصة يعملون في مجال الرقص المعاصر.
ما هي آليّة اختيار المشاركين في فعاليّات المهرجان، هل من معايير لذلك؟
بصعوبة كبيرة استضاف المهرجان في دورته الأولى 6 فرق، الآن وبعد 12 عاماً حقق المهرجان تميزاً على المستوى الإقليمي، حيث استضاف 147 فرقة و 24 فناناً ومديراً لمهرجانات عالمية من 34 دولة هي: ايرلندا، بينين، ألمانيا، إسبانيا، بلجيكا، فرنسا، جنوب أفريقيا، البرازيل، الدانمرك، الولايات المتحدة الأمريكية، البرتغال، كندا، النرويج، صربيا، إيطاليا، سويسرا، اليونان، هنغاريا، كوريا الجنوبية، هولندا، فنلندا، الجزائر، تونس، اليابان، المغرب، إنكلترا، إستونيا، بولندا، السويد، أستراليا، مالطا، نيوزلندا، تركيا، تشيلي، اسكتلندا، الهند.
كذلك استضاف المهرجان مجموعة من أبرز الفرق العالمية مثل: أكرم خان وكاندوكو وراسل مالفانت – بريطانيا، ويليام فروسايت وهيلينا فالدمان وساشا فالتس – ألمانيا، ماتيلد مونيير وماجي ماران وكافيج وجان كلود جالوتا – فرنسا، جو سترومرجن – النرويج، ستي دانس – أمريكا، ولا باليت سي دي لا بي وكومباني ثور – النرويج. ويعتمد المهرجان في اختياره للفرق على المستوى الفني للعمل، وعلى سمعة الفرقة، بالإضافة إلى مضمون العرض.
يستضيف المهرجان فرق رقص من دول عربية وغربية. سؤالي: كيفَ تنظرون إلى ما يُطرَحُ حول مسألة التطبيع؟ بالتالي ألا تخافون اتهامكم من قبل البعض بالتطبيع؟
هذا الموضوع من أهم المواضيع المثيرة للجدل في فلسطين، نحن في سرية رام الله الأولى نؤمن بأن استضافة فرق رقص من دول عربية وأجنبية يساهم في فك الحصار عن شعبنا ويساهم في تعريفهم بعدالة قضيتنا. وتكون استضافتنا لهذه الفرق ضمن المعايير التي حددتها المؤسسات الثقافية وحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية في فلسطين، وبالتالي لا نخاف أن نتهم بالتطبيع.
قبل أيام من انطلاق الفعاليات، هل تشعر بالرضى عما أنجز حتى الآن؟
لا أستطيع أن أكون راضياً، فالرضى يعني النهاية. ولكني أستطيع القول إنني سعيد بما حققناه من إنجاز حتى الآن فقد تم ترسيخ الرقص المعاصر في فلسطين كأحد أنواع الفنون الأدائية. وسعيد أيضاً بزيادة أعداد الجمهور المهتم بمشاهدة العروض، وارتفاع عدد الإنتاجات المحلية التي تقدم خلال المهرجان وعلى مدار العام، وسعيد كذلك بأن مدرسة السرية للرقص تقوم بتعليم الرقص المعاصر للأطفال، وسعيد باهتمام الشباب بتعلم الرقص المعاصر واحتراف بعضهم في الخارج. ولكننا نحتاج للمزيد من العمل لكي ينتشر الرقص المعاصر في كل فلسطين.
كيف هو واقع فن الرقص في الضفة الغربية اليوم في ظل واقع اجتماعي محافظ؟ وكيف تتصور وتتمثل مستقبله؟
بالرغم من الظروف السياسية التي نعيشها وبالرغم من الواقع الاجتماعي المحافظ إلا أن الرقص في فلسطين يبشر بالخير، ولا زال من أهم أنواع الفنون التي تحظى بإقبال جماهيري واسع، وأعتقد أن الواقع المحافظ خلق نقيضه. مستقبل الرقص يبشر بالخير. وأعتقد أننا سنرى خلال السنوات القادمة أعمالاً ستحظى باهتمام دولي وانتشار أوسع للرقص الفلسطيني.
لكل مبدع رسالة وقضية يؤمن بها ويناضل من أجلها، ما هي القضية التي تؤمن بها وتحاول إيصالها من خلال منجزك؟
القضية التي أؤمن بها هي الحرية، حرية التعبير دون قيود، وأؤمن بصنع السعادة للناس ومساعدتهم في سرقة ساعة فرح في ظل واقع حزين.
ما هي أحلامكم، أين ترون مهرجانكم بعد سنوات من الآن؟
لا يوجد حدود للأحلام، ولا نستطيع السيطرة عليها خاصة وأننا نحلم ونحن في عز النوم، ولا سيطرة للعقل والواقع على أحلامنا، ولا يوجد حلول وسط وتكتيك في الأحلام. أحلم بأن يكون المهرجان أحد أهم المهرجانات على مستوى العالم، وأن يتم حجز جميع مقاعد العروض قبل أشهر، وأن تكون مشاركة الفنانين الفلسطينيين أكبر، وأن يكون المهرجان محطة انطلاق لفرق الرقص المحلية والأجنبية.
أخيراً، ما الحلم الفني الخاص الذي يراودك حالياً ومستقبلاً ؟
إنتاج عمل راقص يجمع راقصين فلسطينيين من رام الله والخليل ونابلس والقدس وحيفا والناصرة وعكا وغزة والشتات.
يُذكر أن خالد عليان حاصل على شهادة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، يعمل حالياً المدير التنفيذي لسرية رام الله الأولى والمدير الفني لفرقة سرية رام الله الأولى للرقص، ومدير مهرجان رام الله للرقص المعاصر.
عمل مديراً لمركز الفن الشعبي، ومنسقاً للمشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع في مؤسسة عبد المحسن القطان، والمدير التنفيذي لمسرح وسينماتك القصبة، ومدير مهرجان القصبة السينمائي، ومهرجان السينما الأوروبية، ومهرجاني صورة الفلسطيني في السينما الإسرائيلية وصورة الإسرائيلي في السينما الفلسطينية.
ويُشار إلى أن المهرجان متخصص في مجال الرقص المعاصر، وتنظمه سرية رام الله الأولى بشكل سنوي، تم عقد دورته الأولى في العام 2006. وفي العام التالي، تم تأسيس شبكة مساحات للرقص المعاصر التي تضم في عضويتها، إضافة إلى سرية رام الله الأولى، كلاً من مسرح مقامات للرقص المعاصر (لبنان)، وتجمع تنوين للرقص المسرحي (سوريا)، والمركز الوطني للثقافة والفنون الأدائية (الأردن)، ومنذ العام 2007 يتم تنظيم مهرجانات الرقص المعاصر بشكل مشترك. وقد حاز مهرجان رام الله للرقص المعاصر على جائزة القطان التقديرية للعمل الثقافي المميز للعام 2008، وجائزة مؤسسة التعاون للإنجاز للعام 2014.