«العشق المر» هي الرواية الأولى، حسب ما أعرف، للدكتور قومي التوجه بسام أبو غزالة وقد صدرت مؤخرا 2018 عن دار”الآن ناشرون وموزعون” وقد أدرج تحت العنوان الذي كتب بخط أبيض وسط صفحة الغلاف، أعلى قليلا، اللوحة المشهورة للفنان التشكيلي إسماعيل شموط ”عروسان على الحدود“، اللوحة التي أعلقها على جدار صالون بيتي منذ 1984 تقريباً. ثمة فدائي فلسطيني يقبض على بندقيته وثمة فلسطينية صامتة تغمض عينيها.
وملخص الرواية التي تقع في 154 صفحة هو الآتي: جابر فلسطيني من قرية قرب يافا يحب طفلة هي زينب قبل العام 1948. إنه يحبها -كما يقول العنوان- حد العشق. في نكبة 1948 يهجر الصهاينة الفلسطينيين. تهاجر زينب مع أهلها إلى الأردن ويهجر جابر عبر بحر يافا إلى لبنان. تستقر زينب في مخيم عين بيت الماء فيم يستقر جابر في مخيم عين الحلوة ولا يلتقيان إلا بعد 42 عاما وبالصدفة، بمحض الصدفة. تتزوج زينب وتنجب ثلاثة أبناء ويموت زوجها وتزور ابنتها عبير في الكويت. ويبقى جابر أعزب حتى العام 1990.
تتعرف زينب في نابلس على أفكار حزب البعث وتؤمن بطروحات البعثيين ولا تعارض من الزواج من حامد الذي يميل إلى الحزب الشيوعي وتظل على ولائها لأفكارها. ويدرس جابر في الجامعة الأميركية في بيروت ويتعرف إلى حركة القوميين العرب ومن ثم يقترب بعد 1967 من الجبهة الشعبية ويعكس رؤاها وأفكارها وينطلق من منطلقها في نظرته للصراع العربي الإسرائيلي وفي موقفه من الغرب ومن الأنظمة العربية ومن دفاعه عن الأمة العربية ويعجب إعجاباً كبيراً بشخصية الزعيم جمال عبدالناصر.
يعاني جابر في أثناء دراسته في بيروت ويشارك في المظاهرات ويطلب إلى المكتب الثاني، ثم يسافر إلى الخليج، العين فأبو ظبي، بعد تخرجه من الجامعة الأميركية في بيروت، ويستقر أخيراً في الكويت.
يظل د.جابر على حبه لزينب فلا يتزوج ويظل يحلم بلقائها ويتحقق له اللقاء.
يرى د.جابر عبير شابة في العشرينيات من عمرها فيعتقد أنه يرى زينب ويقترب منها ويسألها عن أهلها ويعرف أنها ابنة زينب وتعلمه أن أمها الآن في الكويت في زيارتها ويتبادلان أرقام الهواتف ليحددا موعداً للقاء ويكون زوج عبير جراحاً في المشفى الذي يعمل فيه د.جابر. بعد 42 عاماً يلتقيان: د.جابر وزينب ويقرران الزواج ولكن يحدث ما لم يكن بالحسبان: احتلال القوات العراقية الكويت.
تجبر الظروف الفلسطينيين على الرحيل. تعود زينب مع ابنتها وزوجها وطفلها إلى الأردن ويعود معهما د.جابر ولكنه يملك وثيقة سفر لبنانية فتعيده الدولة الأردنية إلى الكويت وهناك يعتقل ويعذب ويموت.
فكرة الرواية يلخصها مقطع شعر للشاعر محمود درويش ورد في قصيدة «طوبى لشيء لم يصل» من ديوان «محاولة رقم 7»، عام 1974 ونصه:
”هذا هو العرس الذي لا ينتهي/ في ليلة لا تنتهي/ هذا هو العرس الفلسطيني/ لا يصل الحبيب إلى الحبيب/ إلا شهيدا أو شريد“، والقصيدة كتبت في شهداء عملية فردان القادة الثلاثة ناصر وعدوان والنجار.
ولا يستطيع المرء أن يطابق مطابقة كلية بين المؤلف د.أبو غزالة والشخصية الرئيسية د.جابر، فثمة اختلاف في المنشأ وفي المصير، ولكن يمكن القول إن المؤلف يعبر عن أفكاره من خلال بطله، وبغض النظر عن مدى التشابه والاختلاف يمكن القول إن الرواية تقول طروحات حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية في الصراع العربي الإسرائيلي. تعزو الرواية ما ألم بالشعب الفلسطيني وبالشعوب العربية منذ اتفاقية سايكس بيكو إلى الغرب الاستعماري وترى أن دولة إسرائيل هي صنيعة هذا الغرب.
وحين يتتبع القارئ ما قاله الشخوص عن اليهود يتذكر ما ورد في روايتي ناصر الدين النشاشيبي «حفنة رمال» و«حبات البرتقال»، 1962 و1964، وكان مؤلفهما حين كتبهما يقيم في القاهرة وكان خطابه خطاباً قومياً بامتياز وحين كتب عن اليهود كتب من منظور القوميين الذين رأوا في يهود البلدان العربية عرباً وأن المشكلة هي في اليهود القادمين من أوروبا الذين تبنوا الفكر الصهيوني.
وحين يتحدث البطل عن حرب أيلول 1970 وعن الحرب الأهلية في لبنان وعن انشقاق الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية وعن تحرير فلسطين وعن الأنظمة العربية يتبنى طروحات الجبهة الشعبية. وتغدو الرواية إلى حد بعيد رواية يتغلب فيها الطرح السياسي، ليس فيما سبق وحسب، وإنما أيضاً في الكتابة عن الأحزاب في الأردن حين يأتي على علاقة البعثيين بالشيوعيين وعلاقتهما معاً مع النظام الأردني.
إن الرواية في جانبها هذا ذات قيمة اجتماعية وسياسية فهي تعرف القارئ بما مر به الفلسطينيون في لبنان وفي الأردن وفي بعض دول الخليج.
ولكن ماذا عن قيمتها الفنية؟
إنها الرواية الأولى للكاتب وغالباً ما تعاني الرواية الأولى من ضعف البدايات. والسؤال هو: لماذا أقدم بسام أبو غزالة على كتابة الرواية؟ ولماذا كتبها في هذا الوقت؟ أي بعد عقود طويلة.
حفظت شيئاً وغابت عني أشياء.