حنا مينه… “سنديانة الرواية العربية” يرحل عن 94 عامًا

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

في إحدى قصصه «الكتابة على الأكياس» يصور الظروف الصعبة التي ميزت طفولته، وكيف جعل منه سوء التغذية صبيًا نحيلًا غير قادر على القيام بعمل جسدي شاق، وحين أحس بضرورة مساعدة عائلته المعدمة ماديًا ذهب إلى الميناء، حيث اكتشف عدم قدرته على رفع الأكياس، فشعر بالأسى.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

22/08/2018

تصوير: اسماء الغول

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

أوس يعقوب

يعمل كاتباً ومراسلاً صحفياً لعدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية منذ العام 1993. صدر له عدة كتب ودراسات في الشؤون الثقافية الفلسطينية والعربية. وله مجموعة دراسات منشورة ضمن موسوعة "أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين"، الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في تونس.

بعد موجة من الإشاعات الكاذبة، تأكد يوم أمس الثلاثاء، نبأ رحيل صاحب «المصابيح الزرق»، و«بقايا صور»، و«الشراع والعاصفة»، و«الياطر»، و«نهاية رجل شجاع»، و«الشمس في يوم غائم»، و«المستنقع»، وغيرها الكثير من الروايات، عن 94 عامًا، قضاها الراحل في الكتابة، ليصبح واحدًا من أشهر الروائيين السوريين والعرب.

ولد مينه، عام 1924 في اللاذقية، وكان “منذورًا” للشقاء، منذ أبصرت عيناه النور، حسب وصيته التي كتبها بخط يده، بتاريخ 17 آب/ أغسطس عام 2008، ونشرتها وسائل إعلام مختلفة، وأثارت ردود أفعال واسعة، في ذلك الوقت، والتي لم يتم التقيد بها إثر وفاته، حيث أوصى فيها بعدم نشر خبر وفاته في وسائل الإعلام، إذ جاء بنص الوصية: “عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدّد على هذه الكلمة، ألا يذاع خبر موتي، في أية وسيلة إعلامية، فقد كنت بسيطًا في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطا في مماتي”.

كما شدّد صاحب «البحر والسفينة»، في وصيته على أنه كرّس أدبه في صالح “نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض“.

أدب واقعي معجون بعرق الناس ..

من عمله حمالًا في مرفأ اللاذقية، ثم موزع صحف في الشوارع، إلى العمل بمهنة الحلاقة، ثم العمل بحارًا على المراكب، حتى انتقاله إلى بيروت نهاية أربعينيات القرن المنصرم، ومنها العودة إلى دمشق، ليعمل في الصحافة، وتبدأ رواياته بالظهور، ومعظمها مرتبط بالمعاناة والنضال والمواجهة والكفاح، وهو ما جعله يعتبر نفسه كاتب “الكفاح والفرح”، خاصة وأنه من الذين قارعوا الاحتلال الفرنسي، مباشرة.

“شيخ الرواية السورية” كما أطلق عليه النقاد في بلده، لعب دورًا بارزًا في تأسيس “رابطة الكتّاب السوريين” مع مجموعة من الكتّاب اليساريين في سوريا عام 1951.

كما ساهم بشكل كبير في تأسيس اتحاد للكتّاب العرب، وفي مؤتمر الإعداد للاتحاد العربي، الذي عُقد في مصيف بلودان في سوريا عام 1956، وكانت له بصمته الواضحة في الدعوة إلى إنشاء اتحاد عربي للكُتّاب، ليعلن في العام 1969 عن تأسيس “اتحاد الكتّاب العرب” بدمشق.

في رصيد صاحب «المرفأ البعيد»، أكثر من أربعين رواية، استلهمت من عالم البحار والحارة الشعبية في مدينة اللاذقية، وتميزت بالواقعية، ومن خلالها تناول قضايا الناس منتقدًا فيها الاستغلال والجشع واضطهاد المرأة. وقد حولت بعض رواياته إلى أفلام ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية أشهرها: «الشراع والعاصفة»، «بقايا صور»، «نهاية رجل شجاع»، و«المصابيح الزرق».

وكان أن فاز بجوائز أدبية عدة، من بينها جائزة “نجيب محفوظ للكاتب العربي” في دورتها الأولى عام 2006.

وفي 2010 فاز بجائزة “محمد زفزاف للرواية العربية”، التي تمنحها “مؤسسة منتدى أصيلة” المغربية كل ثلاث سنوات. وتخصص وزارة الثقافة بدمشق جائزة سنوية تحمل اسمه.

“دار الآداب” البيروتية، نعت الفقيد بعد ساعات من انتشار الخبر، وممّا جاء في النعي، “حنا مينه شيّد عمارةً روائيّةً شاهقةً عزّ نظيرُها في الأدب العربي، مستلهِمًا أحداثَها من كفاح الشغّيلة من أجل لقمة شريفة وكريمة، ومن نضال الأحرار في وجه الانتداب الفرنسي منذ كان في الثانية عشرة من عمره. كان يندر أن تجد في الأدب العربي من وازى الراحل قدرتَه العميقةَ على وصف حياة البحارين والحلاقين والحمالين لأنه كان واحدًا منهم، قبل أن يسلك درب الصحافة ثم الكتابة الأدبية، فجاءت رواياتُه ذروةً من ذرى الأدب الواقعي المعجون بعرق الناس. ولقد عبّر عن اندماج أدبه بحياة البحارة، بشكل خاص، في الكلمات الرائعة الآتية: “لحمي سمكُ البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراعَ حياة. أما العواصف فقد نُقشتْ وشمًا على جلدي، إذا نادوا يا بحرُ أجبت أنا”.

وممّا كتب الشاعر والصحفي اللبناني عقيل العويط، في رثاء صاحب «الدقل»، “جسّد مينه في رواياته التي استلهمت من عالم البحار، فكرة الكفاح لتحقيق العدالة الاجتماعية، عبر شخوص بمختلف الوضعيات الاجتماعية، فعبّر عن ألمه الخاص، من خلال “الألم العام” الذي يتنقل في غالبية أعماله الروائية، تعبيرًا منه عن قيمة الصراع الاجتماعي في خلق نماذج إنسانية تنال نصيبها من العدالة، بعد كفاح طويل ومعقد ومتعدد الجوانب. ولذلك طالب كثيرًا بأن يكون الأدب “من لحم ودم” من خلال شخوص “يعيشون بيننا” حسب تصريحات حوارية متعددة أدلى بها في أوقات سابقة.

ويعبّر مينه عن نفسه بوضوح، مؤكدًا أنه ينتمي للمدرسة الواقعية الاشتراكية، مشيرًا إلى فارق ضروري، بين واقعية الواقع وواقعية الأدب والإبداع، فلذلك كان يدعو لعدم إقحام السياسة، في النص الإبداعي، إلا إذا كانت مستلهمة من تجربة الكاتب الذاتية ومعاناته المباشرة في الحياة“.

رثاء الكتروني لمعلم عظيم ..

صاحب «الثلج يأتي من النافذة»، الأديب الواقعي، الذي انتشرت رواياته على نطاق واسع في الوطن العربي والعالم، والذي عرف نفسه ذات يوم بقوله: “أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين”، وكان شديد الالتصاق بقضايا مجتمعه، خلف رحيله، صباح أول أيام عيد الأضحى المبارك، حزنًا في قلوب محبيه من قراء وأدباء في مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب الروائي السوري فواز حداد، على جدار صفحته في موقع (فيسبوك): “حنا مينه، إنسان رائع، كان تأثيره كبيرًا وبالغًا في الروائيين العرب، دونما استثناء. كان معلمًا. مهما قيل فيه، ومهما كانت الاتهامات، تبقى خارج عوالم الرواية، الذي كان أمينًا لها. موته خسارة، مجرد وجوده يعني الكثير من القيم. وبالوسع القول: هذا رجل عظيم قدم أفضل ما عنده. كان أريحيًا لم يبخل بشيء.. لقد فقدناه.. سورية والعرب والرواية”.

فيما كتب صديقه الروائي الفلسطيني يحيى يخلف: “رحيل سنديانة الرواية العربية حنا مينه. من أعظم الروائيين العرب.. نجيب محفوظ بلاد الشام…

عاش الأزمان الجميلة وعاش زمن الحرب واللجوء والمنافي.

أخلص للكتابة وكرس للسرد سنوات عمره .
عرفته عن قرب في دمشق في أواخر السبعينات، وتوطدت بيننا الصداقة، وبعد رحيلي من دمشق التقيته في مناسبات ثقافية عديدة في بلدان عربية.

قرأت أعماله وتعلمت من جماليات روحه وعذوبة حكاياته التي تتدفق بلا انقطاع .
له الرحمه ولروحه السلام والسكينة والطمأنينة”.

بدورها كتبت الروائية العراقية إنعام كجه جي: “حنا مينه يكتب الحياة، ولكنه يضفي عليها سحرًا جماليًا يجعل القارئ يستمتع حتى بمشاهد البؤس.

في إحدى قصصه «الكتابة على الأكياس» يصور الظروف الصعبة التي ميزت طفولته، وكيف جعل منه سوء التغذية صبيًا نحيلًا غير قادر على القيام بعمل جسدي شاق، وحين أحس بضرورة مساعدة عائلته المعدمة ماديًا ذهب إلى الميناء، حيث اكتشف عدم قدرته على رفع الأكياس، فشعر بالأسى.

وحين برزت حاجة لكتابة بيانات بسيطة على الأكياس اختاره “المعلم” لأنه يتقن الكتابة.”

من جهته كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج: “على روحك السلام والرحمة أستاذي وصديقي حنا مينه”. مضيفًا: “غادرنا بعد أن تعبت منه الحياة كما يقول، الروائي الكبير حنا مينه عن عمر ينتهز ٩٤ سنة. تاركًا وراءه ميراثًا روائيًا مهما. حوالي خمسين كتابًا، أغلبه روايات. لقد كان صوت الفقراء الذين فقدوا كل شيء إلا عزتهم وكبرياءهم في مواجهة المظالم. كان موضوعه الأثير هو البحر الذي نحت منه روايات كثيرة …

رحل حنا مينه لكن رواياته ستظل هنا تذكرنا في كل مرة بعظيم مر من هنا. من هذه الدنيا”.

الكاتب: أوس يعقوب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع