حسان عباس: الموسيقى فعل مقاوم للاستبداد

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

حلمي القديم الكبير هو وضع "الخارطة الثقافية لسوريا"، لكن الواقع السياسي والعملي، وربما العمر أيضاً، لا يتركوا لي أملاً كبيراً في تحقيق حلمي، لذا أواسي نفسي بوضع بعض الدراسات عن أسئلة ثقافية مختلفة.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

05/02/2019

تصوير: اسماء الغول

أوس يعقوب

كاتب من فلسطين

أوس يعقوب

يعمل كاتباً ومراسلاً صحفياً لعدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية منذ العام 1993. صدر له عدة كتب ودراسات في الشؤون الثقافية الفلسطينية والعربية. وله مجموعة دراسات منشورة ضمن موسوعة "أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين"، الصادرة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) في تونس.

في كتابه الجديد «الموسيقى التقليدية في سوريا»، الصادر مؤخراً عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، باريس 2018، يفتح الباحث والكاتب السوري الدكتور حسان عباس أفق أسئلة الموسيقى التقليدية السورية، راصداً حال الموسيقى المسيحية من سريانية، وبيزنطية، وأرمنية، وكذلك الموسيقى الإسلامية، فالموسيقى الإثنية من عربية، وكردية، وإيزيدية، وشركسية.. في سوريا اليوم، والتي تشهد منذ نيف وسبع سنوات حرباً ضارية ألحقت أضراراً فادحة بالتراث الثقافي والتاريخي السوري الغني، بشقيه المادي واللامادي.

“رمان” التقت صاحب «سورية، رؤية من السماء»، لمعرفة تفاصيل أكثر حول موضوعة الموسيقى في بلاده، والتي تعود تجلياتها الأولى إلى حضارة ماري في الألف الثالث قبل الميلاد، ليمتد تاريخها إلى حاضر سوريا السياسي والإجتماعي الآني. فكان هذا الحوار..

 

بداية، كيف تفضّل التعريف بنفسك؟

أنا إنسان قضيت عمري بالتعلّم ولا أزال طالب علم، عدا ذلك، أعمل موزّعاً طاقتي بين ميادين ثلاثة: البحث والتعليم والعمل المدني. غايتي من البحث هي المساهمة في معرفة من نحن كبشر من هذه المنطقة، ولماذا صار حالنا إلى ما هو عليه من تأخر وفوات. غايتي من التعليم هي أن أنقل ما أتحصّل عليه من علم إلى أوسع شريحة من شباب بلدي أما غايتي من العمل المدني فهي نشر ثقافة المواطنة بما تتطلبه من ديمقراطية وعلمانية وفكر نقدي.

صدر لك حديثاً، كتاب بعنوان «الموسيقى التقليدية في سوريا»، كيف ولدت فكرة العمل لديك؟ وهل يُمكنك وصفه لقراء “رمان”؟

ولدت فكرة هذا الكتاب من خلفية اهتمامي بالتراث الثقافي في المنطقة، سوريا تحديداً، بشقيه المادي واللامادي، فأنا باحث في هذا التراث منذ أكثر من عشرين سنة. وقد قمت بوضع عدّة دراسات عن الموضوع أهمها بناء الخارطة الثقافية لمنطقة “وادي النصارى” في سوريا عام 2010.

أما فكرة هذا الكتاب تحديداً فجاءت بعد اطلاعي على برنامج “الصون العاجل للتراث الثقافي السوري” الذي ترعاه منظمة (اليونسكو)، وحواري مع مديرته المثقفة الشغوفة الدكتورة كريستينا مينيغاتزي حول ضرورة تدوين هذا التراث، بكل أوجهه، صونا له من الخراب الذي يصيب سوريا. كان تجاوبها علمياً ومنطقياً واتفقنا على العمل على وجه من أوجه هذا التراث وهو التراث الموسيقي، وعلى استشارة أهل الخبرة فيه حول ما يجب عمله. وكُلّفت بالتحضير ليوم عمل حول الموضوع في مقر المنظمة في باريس. وقد تم ذلك بالفعل في شهر أيار/ مايو 2015 بحضور كل من: نوري اسكندر، عابد عازرية، إبراهيم كيفو، خالد الجرماني، فواز باقر، غني ميرزو، لينا شامميان، مع عدد من مسؤولي قسم التراث اللامادي في (اليونسكو). وقد خرجت مجموعة من التوصيات عن اللقاء أهمها ضرورة التعريف بهذا التراث كخطوة أولى نحو توثيقه وحفظه. ثمّ قامت السيدة مينيغاتزي بتكليفي بهذا العمل البحثي وأنا بالمناسبة لست موسيقياً، لكن لا ضير في ذلك فالكتاب هو بحث في الأنتربولوجيا الثقافية، أي أنّه بحث (عن) الموسيقى وليس (في) الموسيقى.

حدثنا عن مناخات كتابته، وعن الدوافع، والخلفيات، وأين تكمن أهميته بالدرجة الأولى؟

عندما تعمل على بحث علمي تحبه يصبح الموضوع هاجسك الأكبر، فيتملك ذهنك وتشغل أسئلته المستمرة تفكيرك. وقد صادفت فترة عملي في البحث أنني كنت بلا عمل رسمي حيث كنت قد استقلت لتوّي من وظيفتي كباحث وأستاذ في “المعهد الفرنسي للشرق الأدنى” مما وفر المناخ العملي للتفرغ له. أما الدوافع لإنجازه فيمكنني تلخيصها بنقطتين: أولهما قناعتي بأنّ النظام التعليمي السوري قد فرّغ المؤسسة التعليمية من الاهتمام بالتراث الثقافي السوري بشكل عام، وبتراث بعض المكونات الثقافية السورية بشكل خاص، وقد أردت التذكير بهذا التراث وبغناه من خلال وجه من أوجهه العديدة؛ الدافع الثاني هو قناعتي بأنّ الثقافة السورية بتنوعها وتكاملها يمكن أن تكون أرضية مناسبة لبناء تماسك اجتماعي فقدته سوريا بفعل سوء إدارة التنوع أولاً، وبفعل الحرب ثانياً.

أما أهمية الكتاب فتكمن في كونه، على حد معرفتي، أول كتاب في الثقافة السورية يبتعد عن الانغلاق القومي أو الديني في تناول وجه من أوجه الثقافة في سوريا، هنا الموسيقى، لينظر إليها بشكل مواطني أي بكل اختلافاتها ودون أي تمييز تفاضلي بينها.

هل استطعت فعلاً أن تضيف جديداً في مجال تأريخ الموسيقى المعاصرة والحديثة في بلدك؟

لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال لأني لست مؤرخاً موسيقياً، واسمح لي أن أذكّر أنّ الكتاب لا يقيم اهتماماً خاصاً بالموسيقى المعاصرة والحديثة.

إن كانت قد واجهتك مصاعب أو تحديات أثناء إنجاز العمل، فما هي؟

الصعوبة القصوى كانت في عدم إمكانية العمل الميداني، ودراسة التراث الثقافي يحتاج بالدرجة الأولى إلى حوار مباشر مع الناس وخاصة حافظي هذا التراث وممارسيه. كما واجهت صعوبة في الحصول على ما يكفي من مراجع لبعض أنواع الموسيقى التقليدية في سوريا كالموسيقى الأرمنية مثلاً.

“الموسيقى التقليدية في سوريا”، أسألك عن ما ذهبت إليه وجاء في عنوان الكتاب (موسيقى تقليدية) كمفهوم/ مصطلح، إذا ما استحضرنا سلسلة الحضارات الإنسانية التي مرّت على سوريا؟

عنوان الكتاب هو “الموسيقى التقليدية في سوريا” وهذا التفصيل مهم لأنّه يعيدنا إلى مفهوم الموسيقى التقليدية كما يمكن تعريفه اعتماداً على ما ورد في اتفاقية 2003 لمنظمة (اليونسكو) بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي. فالموسيقى التقليدية حسب هذه الاتفاقية هي تراث لا مادي: 1- تعتبرها جماعات أو مجموعات (قومية، دينية، جهوية، مهنية…) جزءًا من تراثها الثقافي. 2- تنتقل عبر الأجيال. 3- موسيقى حيّة لا يزال أصحابها يبدعون فيها. 4- تنمي الإحساس بالهوية الثقافية وتحترم التنوع الثقافي.

وبالتالي انطلقتُ في البحث من الجماعات المكوّنة للنسيج السوري وثبت موسيقاها الخاصة. تتعايش في سوريا ثقافات كثيرة فهناك ثقافات قومية مختلفة، بعضها أصيل في المنطقة، وبعضها يعود في أصله إلى خارجها وهاجر إليها بفعل مجريات التاريخ واستقر فيها؛ وهناك عدد كبير من الثقافات الدينية والطائفية والمذهبية؛ وعدد من الثقافات الجهوية التي شكّلت في أكثر من منطقة مجموعة متجانسة ثقافياً، إلخ. وهذه كلها مارست موسيقاها التقليدية الخاصة بها، وتطلّعت في بحثي إلى التذكير بها وإلى تقديم ما أمكنني من معلومات عنها.   
 

تطرّقت في الكتاب إلى العديد من القضايا السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية الراهنة، عند معالجتك موضوعة الموسيقى والغناء والرقص. هل لك أن تضيء على هذه النقطة؟

هذا عائد إلى المنهج المعتمد في البحث، وكما قلت في البداية هذا البحث ليس في الموسيقى وإنما عنها، أي بوجه من الأوجه: كيف تحيا هذه الموسيقى وما هي الشروط التي تجعلها على هذا الشكل من الحياة، وهي بطبيعة الحال شروط متعددة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. وباعتقادي أنّ هذه الإضاءات هي ما يعطي للبحث أهميته لأنها تساعد في معرفة حال الموسيقى التقليدية وتشير إلى أسباب هذه الحال وتبيّن الإجراءات الواجب اتّخاذها للحفاظ على الموسيقى وتطويرها.

كيف هو السبيل لحماية التراث الثقافي والفني السوري عامة، والموسيقي على وجه الخصوص، وصونه من أعمال الدمار المستمرة والخسائر المتزايدة التي تطاله حتى يومنا هذا؟

أعتقد أنّ أول ما يجب عمله هو جمع هذا التراث وتدوينه. إننا نفقد باستمرار ألحاناً لموشحات وقصائد حفظها موسيقيون أو أشخاص عاديون ورفضوا تدوينها أو تعليمها لذريعة أو أخرى. وعندما أقول جمع التراث وتدوينه لا أقصد بذلك مطلقاً أن يوضع في متحف أو يرتّب في مكتبة لتصلّى عليه صلاة الجنازة، وإنما جمعه لإتاحة تعلمه لأكبر عدد من المهتمين به.. وهنا أريد التحذير من آلية في التعامل مع التراث، وهي تنطلق من نية حسنة ربما لكنها تقود إلى تحنيط التراث بشكل معقّم بليد، إنها آلية “الفلكلرة” folklorisation  التي تحوّل التراث إلى فولكلور منقطع عن شرطه الحياتي الإنساني الاجتماعي ليصبح “فقرة” معروضة على خشبة مسرح في حفلات موسمية، انظر مثلاً ماذا حل بـ”رقصة السماح”.

أسألك عن حال الموسيقى المسيحية من سريانية، وبيزنطية، وأرمنية في سوريا الغنية بفسيفساء اجتماعية مبدعة وخلاقة؟

الموسيقى السريانية هي الموسيقى الأقدم التي لا تزال تمارس حتى اليوم. وقد تطورت وتلوّنت وتلقحت من غيرها من الموسيقات. وفي كثير من الأحيان يتغنى السوريون، وغيرهم من سكان المنطقة، اليوم بألحان شعبية هي سريانية أصيلة لكنهم يجهلون ذلك، والسبب برأيي هو هذا الفكر السياسي الذي يسعى إلى توحيد كل الثقافات المعاشة في سورية في زي موحد عروبي بذريعة التجانس، وهي ذريعة فوقية استبدادية بامتياز.

أتوقف معك عند تصنيفك الآتي: “الموسيقى الإثنية في سوريا”، لسؤالك عنه في ظلّ سياسات التحريم والمنع من مستبد سياسي وآخر ديني؟

الاستبداد، بشكليه السياسي والديني، عدو الإبداع. وفي منطقتنا عرفنا هذين الاستبدادين لكننا عرفنا أيضاً أشكالاً وطرقاً لمقاومتهما في كل الأزمان والظروف. إنّ الحرية هي جوهر الإنسان ولهذا كان دائماً يقاوم الاستبداد، وكانت الموسيقى، إلى جانب الإبداعات الثقافية الأخرى، واحدة من وسائل ممارسة هذه الحرية.   

ماذا عن الموسيقى الإسلامية في سوريا؟

الموسيقى الإسلامية مكون من المكونات الموسيقية التقليدية في سوريا، وقد تمت معالجتها في الكتاب بما أتيح لي معرفته. لكن ليس بكل ما تستحقه هذه الموسيقى لأنّ ثمّة بحراً من العلم الموسيقي الإسلامي الذي يحتاج إلى جهود عديد من الباحثين، لجمع هذه الموسيقى وتدوينها وتوثيقها وتعليمها، بكل ما يضيفه الواقع من تفصيلات معقدِّة لهذا المصطلح العام، إذ أنّ هناك موسيقات إسلامية في سوريا ولا توجد دلالة واحدة جامعة للمصطلح. والأمر نفسه بالنسبة لأي موسيقى دينية أخرى.

برأيك هل يمكن قراءة سوريا والمنطقة العربية من خلال موسيقاها؟

لا أعتقد، الموسيقى نتاج إنساني ثقافي يعبر عن تجارب الشعوب وأحزانها وآمالها لكنه يبقى نتاجاً له أدواته الجمالية والحضارية الخاصة فهو يسمح بقراءة إبداع الشعوب في هذا المجال الخاص فقط وليس قراءتها بالمطلق.

الموسيقى رسالة إنسانية – جمالية قبل كل شيء، فهل تراها بقيت كذلك في ظلّ ما يمرّ على عالمنا العربي من كوارث ومآسي وحروب، وهل للموسيقى أن تبني ما هدمته الحروب؟

الإنسان هو من يقوم بالحروب وهو وحده من يبني ما هدمته الحروب، وفي الحالين يستعين على عمله بثقافة وموسيقى، فلا الثقافة ولا الموسيقى ولا أي نوع من أنواع الفنون حيادي. لذا السؤال الأول هو عن الإنسان فإن كان مؤمناً بالخير والجمال والسلام ستكون موسيقاه مثله، وإن كان ظلامياً دموياً هدّاماً كانت موسيقاه مثله أيضاً.

ماذا بعد كتاب «الموسيقى التقليدية في سوريا»؟

حلمي القديم الكبير هو وضع “الخارطة الثقافية لسوريا”، لكن الواقع السياسي والعملي، وربما العمر أيضاً، لا يتركوا لي أملاً كبيراً في تحقيق حلمي، لذا أواسي نفسي بوضع بعض الدراسات عن أسئلة ثقافية مختلفة.

 

يُشار إلى أنّ حسان عباس (من مواليد مصياف- سورية 1955). حائز على شهادة الدكتوراه في الآداب- النقد الأدبي من جامعة السوربون الجديدة. عمل ما بين عامي (1992 – 2016)، أستاذاً وباحثاً في “المعهد الفرنسي للشرق الأدنى” في دمشق ثمّ في بيروت. وعمل إلى جانب ذلك أيضاً مسؤولاً للنشاطات الثقافية في هذا المعهد من 1992 حتى 2006، إلى أن استقال مطلع عام 2017.

عمل، بموازاة ذلك، من 2000 حتى 2009 أستاذاً في “المعهد العالي للفنون المسرحية” في دمشق. ويعمل حالياً كباحث مشارك (مدير برنامج “الثقافة كمقاومة”) في “معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة” في الجامعة الأمريكية في بيروت. وكان أن شارك في تأسيس العديد من الجمعيات العاملة في الثقافة وحقوق الإنسان والمواطنة. أدار عدداً من النوادي السينمائية والأدبية، مؤسس ورئيس “الرابطة السورية للمواطنة”.

له عدد من الكتب منها: «دليل المواطنة»؛ مع الفنان أحمد معلا، «الخارطة الثقافية لمنطقة وادي النصارى»، «سورية، رؤية من السماء»؛ مع المصور الفوتوغرافي هشام زعويط، و«رحلة مع الهايكو”؛ “لا تغمض عينيك!». ومن ترجماته: «ماكينة الإبصار»، و«المفكرون الجدد في الإسلام». إضافة إلى عدد من الدراسات في مجالات الثقافة، والمواطنة، والمجتمع المدني.

الكاتب: أوس يعقوب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع