صدر مؤخراً، للمترجم والأديب الهندي سيد أبو بكر قدسي، ذو الأصول العربية (جده من فلسطين وجدته من اليمن)، كتاب «60 قصة عربية حديثة». قصص اختارها ضيفنا لعدد من أبرز الكُتّاب والكاتبات من أربعة عشر بلداً عربياً، من بينهم الكاتب الشهيد غسان كنفاني والقاصة الراحلة سميرة عزام.
“رمان” التقت صاحب «40 قصة نسائية عربية»، فكان هذا الحوار عن إنتاجه الإبداعي الخاص، وعن نقله لروائع من الأدب العربي للغة (المالايلام) لغة ولاية كيرالا الهندية. كما دار الحوار حول الأدب والثقافة الماليبارية، وعن جذور وحاضر العلاقات الثقافية بين المجتمعين العربي والهندي، خاصة في حقل الأدب.
بداية، ماذا تخبرنا عن نفسك؟ وعن إنتاجك الابداعي الخاص؟
حين توجهت إلى مدينة أبو ظبي بعد التخرج من إحدى الكليات في كيرالا عام 1976 باحثاً عن فرصة عمل كان عمري 26 سنة. وقضيت في الإمارات 37 سنة، وقد امتد عملي في أبو ظبي نحو 33 سنة في هيئة أبو ظبي للاستثمارات، إحدى المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تملكها الإمارة. بدأتُ حياتي الإبداعية بكتابة القصص القصيرة، وفي مرحلة من مراحلها الأخيرة تغير توجهي إلى مجال ترجمة الأعمال الأدبية من اللغات الأجنبية. بعد نشر مجموعتي القصصية المعنونة بـ«هذا لحمي» أصبح مجال اشتغالي الرئيسي هو الترجمة.
حدّثنا عن جذورك العربية؛ علمنا أنّ جدك من فلسطين وجدتك من اليمن؟
نعم. كان جدي السيد محمد القدسي أحد المهاجرين من فلسطين، وصل إلى حيدر آباد في الهند البريطانية لاجئاً إثر توتر الأوضاع في فلسطين. كان تاجراً. وكانت حيدر آباد آنذاك يحكمها ملوك (آل نظام). وكانت في تلك الحقبة قبلة الشعراء والفنانين والأدباء، خاصة من المهاجرين من تركيا وأفغانستان وإيران ومن منطقة الشرق الأوسط، حيث يستضيفهم حكام حيدر آباد المسلمون ويشجعونهم بكرم وجود.
جدي الفلسطيني، الذي اختار حيدر آباد ملجأ له اختار امرأة أفغانية زوجة له. ثم انتقل مع زوجته إلى مدينة كالكوت في المليبار جنوبي الهند. وولد لهما ثلاثة أبناء وبنت، سيد أحمد قدسي وسيد عبد الله قدسي وسيد حسن قدسي ومريم. وتم عقد زواج مريم على يوسف المطوع البحراني. وفي المرحلة المتأخرة امتدت جذور هذه الأسرة إلى البحرين والكويت، كما يوجد لنا أقارب في الإمارات وإيران. وتزوج أبي عبد الله قدسي بعد وفاة زوجته الأولى أمي، كانت إمرة يمانية الأصل من قرية بانتالايني المعروفة الآن باسم كويلا ندي. هذه هي خلفية أسرتي باختصار.
كيف بدأت علاقتك بالأدب العربي (الشعر، القصة، والرواية) ونقله إلى الماليبارية (المالايلام) لغة ولاية كيرالا الهندية؟
اللغة المالايالامية هي إحدى اللغات الغنية في جنوب الهند. إنّ 99 % من سكان كيرالا موفقون بالقراءة والكتابة. أول كتاب باللغة العربية قرأته كان رواية طه حسين «دعاء الكروان» الذي نقله إلى لغتنا المحلية الأستاذ محمد كوتاشيري. وكان ذلك قبل 25 سنة تقريباً. وبعد ذلك تحينت لي الفرصة لقراءة حكايات شعبية. والحكواتية التي تأثرت بها كثيراً كانت هي والدة أمي طيبة. كانت ريفية وأمية. وفترة حياتي الطويلة في أبو ظبي فتحتْ لي الباب إلى عالم القصص العربية، وهيأت لي فرصة سانحة للتعارف على مزيد من الكتابات العربية والكُتّاب العرب. وفي تلك الفترة كانت القصص هي مجال اهتمام يراعي. وبعد ساعات العمل الروتيني كان هناك وافر من الوقت. فنمتْ في خاطري فكرة استخدام هذا الفراغ بترجمة الأعمال العربية.
ما هو أول كتاب عربي نقلته إلى لغة الماليبارية، أرجو أن تحدّثنا عنه وعن الدوافع التي دعتك لترجمته؟
أول كتاب عربي نقلته إلى لغتنا المحلية كان مجموعة حكايات شعبية، وسبقها ترجمة رواية من اللغة الفارسية. ويجدر القول إنّ أول عمل إبداعي نقلته إلى لغتنا المحلية كان رواية جزائرية كتبها محمد مولسهول باسمه المستعار “ياسمينة خضراء”. كان هذا الكاتب ضابطاً في الجيش الجزائري. وحكاية الرواية تدور حول مأساة قرية جزائرية تحوّلت إلى جهنم العنف والجنون بعد أن تمتعت بسلام وأمن. كتبها الروائي الجزائري باللغة الفرنسية. وهنا أرجو أن أوضح بأنني أعتبر اللغة وسيلة تحمل ثقافة، لذا أرى أنه لا بأس في أن يُوصف عمل يتناول الحياة في بلد عربي عملاً عربياً ولو كان بلغة أجنبية، خاصة أن كان الكاتب من سلالة عربية.
أما أعمالي المترجمة فمصدرها اللغة الإنجليزية التي تم نقل الإبداعات العربية الأصلية إليها. فهي في الحقيقة ترجمة عن ترجمة. وقد تم نشر كثير من أعمالي المترجمة في مجلات صادرة في اللغة المالايالامية.
ماهي أبرز الأعمال الأدبية العربية (الروايات والقصص) التي نقلتها إلى اللغة الماليبارية؟
إن الأعمال التي أختارها للترجمة تمثّل مرآة نظرتي إلى الحياة. وهذه الأعمال أعتبرها من أهم الكتابات في الأوطان التي صدرت فيها تلك الإبداعات.
نقلتُ روايتين للكاتبة المصرية نوال السعداوي، هما: «الفردوس»، و«موت الرجل الوحيد على الأرض». كلتاهما تحملان رسالة نسوية قوية. وبينما أنقل الروايات إلى لغتنا المحلية كنت أنقل إليها القصص العربية أيضاً. حيث نقلتُ مجموعة قصص كَتَبتها كاتبات من مختلف البلدان العربية.
لي أمنية شديدة لنقل روايات لعمالقة الكتاب أمثال: طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والطيب صالح. ولكن لسوء الحظ تحول دونها عوائق قوانين حقوق النشر والتزامات مالية. وآمل أن أنقل مزيداً من الإبداعات العربية إلى لغتنا المالايالامية إن سمحت لي الظروف فعل ذلك.
نتحدّث عند آخر إصدار لك «60 قصة عربية حديثة»، من هم الكتّاب العرب الذين اخترت قصصهم، وهل كانت لديك معايير محددة لاختيارهم؟
إنّ ترجمة القصص العربية التي قمت بها كانت في أزمنة مختلفة، وقد تم نشرها من حين لآخر في عدد من المجلات الصادرة في ولاية كيرالا.
جمعت منها 60 قصة عام 2018 لتصدر في كتاب تم الاحتفاء به مؤخراً في معرض الشارقة الدولي للكتاب. هذه المجموعة من القصص اخترتها من كل من مصر والعراق وفلسطين والمغرب والأردن وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والسودان وسلطنة عمان والكويت والبحرين والإمارات. تجدون فيها من مصر طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وسلوى بكر ورضوى عاشور ويوسف إدريس ويحيى حقي ولطيفة زيات ونوال السعداوي وجمال الغيطاني وسحر توفيق ومحمد المخزنجي وبهاء طاهر وخيري الشلبي، ومن سوريا زكريا تامر وألفت الأدلبي وغادة السمان، ومن الأردن سامية العطعوط، ومن فلسطين غسان كنفاني وسميرة عزام وليانة بدر، ومن المغرب محمد زفزاف ومحمد شكري، ومن ليبيا إبراهيم الكوني ونجوى بن شتوان، ومن العراق عالية ممدوح ومحمود البياتي ومحمود سعيد وسليمة صالح وحسن بلاسم، ومن السودان الطيب صالح وليلى أبو العلا، ومن الإمارات شهاب الغانم وحارب الظاهري وناصر الظاهري، ومن الكويت ليلى العثمان وطالب الرفاعي ومنى الشافعي، ومن المملكة السعودية نجاة خياط ومحمد حسن علوان، ومن البحرين مهدي عبد الله، ومن اليمن محمد عبد الولي ووجدي الأهدل، ومن سلطنة عمان يحيى سلام المنذري.
لقد اخترت إبداعات هؤلاء الكُتّاب لما يحظون به من مكانة مرموقة على الصعيد العالمي، أو من هم أبرز الأدباء والأديبات في بلدانهم على الأقل.
هل أنت على تواصل مع الكُتّاب العرب الذين نقلت أعمالهم للغة الماليبارية؟
حياتي في الإمارات التي امتدت ثلاثة عقود أتاحت لي فرصة ذهبية للتعارف على كثير من الكُتّاب العرب، وكذلك الاتصال بمؤسسات ثقافية هناك. وجدير بالذكر أن حكام الإمارات يهتمون بتشجيع الفعاليات الثقافية والأدبية. وخلال تواجدي في أبو ظبي كنت أمر كثيراً على ملتقيات الشعراء وعروض السينما ومعارض الفن التشكيلي التي تُعقد تحت رعاية المؤسسات الثقافية والأدبية في أبو ظبي.
كانت معارض الكتاب الدولية في الإمارات نوافذاً إلى عالم الأدب العربي. إضافة إلى الأمسيات مع الكُتّاب العرب والزيارات المتبادلة والمشاركات في منتديات الأدب التي عقدت في كيرالا والخليج، كل هذا كان من العناصر التي ساهمت في توطيد العلاقة الأدبية والثقافية بيني وبين هؤلاء الكُتّاب.
كيف استقبل القارئ الملايالمي ما نقلته من أدب عربي؟
قديماً كان التمثيل العربي الوحيد في لغتنا المحلية هو أشعار خليل جبران خليل فقط. لكن الحال تغير الآن. إنني مقتنع جداً فيما أتيحت لي الفرصة لنقل الإبداعات العربية إلى لغتنا أن يستقبلها القراء عندنا كما يستقبلون الإبداعات اللاتينية الأمريكية.
ما هو الكتاب العربي، الأكثر تأثيراً في حياتك، ومن هو كاتبك المفضل من الكُتّاب العرب المعاصرين، ولماذا أصبح كذلك؟
أفضل الإبداعات العربية هي التي تنعكس فيها نبضات حياة العرب المحلية، وتفوح منها نكهة ثقافتهم الأصيلة. حين أقرؤها أحس كأنني أمر بينهم وهم لا يرونني. هناك كُتّاب كثيرون أحبهم لا أستطيع حصرهم في كاتب واحد. كانت رواية «عمارة يعقوبيان» من الأعمال التي أثارت اهتمامي كثيراً. أما «الخبز الحافي» لمحمد شكري فأستطيع أن اعتبرها سيرة ذاتية عظيمة. القصص القصيرة جداً للسوريين زكريا تامر وأسامة الحويج العمر والعماني يحيى سلام المنذري أحب أن أقرأها في ملتقيات الأدباء.
ما هي أهم محتويات مكتبتك العربية؟
توجد في مكتبتي الشخصية كتب كثيرة أهداها إلي أصحابها من الكُتّاب العرب بكل مودة. أكثرها النسخ الإنجليزية. تشمل قائمة هؤلاء الكتاب غسان كنفاني ومحمود درويش وحنان الشيخ وليلى أبو العلا وغادة السمان وعلي كنعان وإيميلي نصر الله وحارب الظاهري وسحر توفيق وشهاب غانم ومحمد إبراهيم عيد. وتوجد أيضاً في مكتبتي كتب لكل من نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعلاء الأسواني وبهاء طاهر ونوال السعداوي وسلوى بكر وياسمينة خضراء وحسن بلاسم ومحمد زفزاف ومحمد عبد الولي ووجدي الأهدل وغيرهم. وتوجد فيها أيضاً مجموعة كبيرة من القصص العربية. إنني أرى اللغة العربية ليست كلغة فقط بل أراها منبع ثقافة وإبداعات أدبية.
حدّثنا عن الأدب والثقافة الماليبارية وهل تفكر بنقل شيء من هذا النتاج الأدبي والثقافي إلى اللغة العربية؟
بالتأكيد. اللغة المالايالامية لها مكانة خاصة بين اللغات الهندية. إنّ أول من حاز جائزة “جنانا بيدها” إحدى الجوائز الكبرى على مستوى القطر الهندي كان شانكارا كوروبو الشاعر الراحل من كيرالا. هناك مبدعون كثيرون في لغتنا حازوا جوائز من أكاديمية الآداب على المستوى الهندي والمحلي. وبفضل جهودي المتواضعة والتعاون البناء من بعض الكُتّاب والناشرين العرب فقد تم نقل ونشر بعض الإبداعات المالايالامية إلى اللغة العربية. أرجو أن أقوم بمزيد من العمل في هذا المجال لإيصال الإبداعات المالايالامية، خاصة الروايات منها إلى الناشرين العرب. وأنا مستعد تماماً للتعاون معهم بهذا الصدد.
ماذا تخبرنا عن جذور وحاضر العلاقات الثقافية بين المجتمعين العربي والهندي، خاصة في مجال الأدب؟
العلاقات الثقافية الوثيقة بين الهند وبلاد العرب تعود جذورها إلى آلاف السنين. التجار العرب الذين وصلوا إلى الهند في الزمن الماضي تزوجوا بنات من الهنود. وتوجد في ولايتنا كيرالا أُسر كثيرة ذات جذور عربية مثل بافقيه والجفري (الجعفري) والبرامي (الإبراهيمي) والعيديد وباحسن وباعطي وباسكران وصقر وشعبعلي والمدرهان والمطوع وغيرها. وكان هناك مؤلفون في كيرالا قبل الاستقلال اشتهر صيتهم في بلاد العرب، لأنهم ألفوا كتباً باللغة العربية وعُرفوا بها في بلاد العرب. على كل حال بعد استقلال الهند يبدو أنّ التبادل الفكري والثقافي من خلال حركة الترجمة على قدم وساق. وكان لكُتّاب أمثال الأستاذ محمد كوتاشيري وعبد الكبير والدكتور شامناد دوراً بارزاً في تلك الحركة.
سؤال أخير، هل في الأفق مشروع كتاب عربي ستنقله إلى اللغة الماليبارية؟
إنني مشغول الآن في ترجمة رواية «زينب» لمحمد حسين الهيكل. وهي حكاية تدور حول حياة الفلاحين والإقطاعيين في قرية من قرى مصر، حكاية حب مأسوية. ويمكننا من خلال هذه الرواية المقارنة بين الحياة الاجتماعية في الهند ومصر قبل 120 سنة. وآمل أن أنقل إلى لغتنا مزيداً من القصص والروايات لعمالقة الكُتّاب الكبار مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. ومن بواعث السرور أنه يوجد في كيرالا حالياً كُتّاب ومترجمون مهرة في نقل الإبداعات من مصادرها الأصلية. وفي حالة توافر التعاون من الجهات الثقافية والأدبية العربية أنا مستعد للدخول في هذا المضمار بتنظيم فريق عمل لتتويج هذا المشروع بالاكتمال.