ونسبت فرقة “الأمل” القرار في بيان لها، إلى وزير الثقافة الفلسطيني د.عاطف أبو سيف، بذريعة “ملابس الراقصين، وبحجة أنها لا تتناسب ولا تليق بافتتاح المهرجان، وأن وزير الثقافة يفضل برنامجاً فولكلورياً بملابس تناسب الذوق العام من وجهة نظره”، وكان ذلك قبل موعد العرض في افتتاح المهرجان بيوم واحد، وفق بيان الفرقة.
هذا ولم يصدر أي رد من وزارة الثقافة الفلسطينية أو اللجنة العليا للمهرجان، أو إدارته، إلا أنه تم استبدالها بفقرة فنية لفرقة “وشاح” للفنون الشعبية التي قدمت لوحات من الدبكة على وقع أغنيات تراثية من فلسطين ومحيطها الشاميّ، في وقت أشار فيه أحد المطلعين على تفاصيل ما حصل، وفضل عدم ذكر اسمه إلى أن إثارة وتضخيم هذا الأمر من قبل الفرقة وغيرها يهدف إلى “الإساءة إلى وزارة الثقافة ووزيرها”، وأن “موقف الفرقة غير مبرر لكون مديرة الفرقة أبدت تفهماً لما حدث”، وأن “لا موقف للوزارة من فرقة الأمل، بل إنه كان مقرراً استضافتها من قبل الوزارة في فعاليات أخرى تتناسب وطبيعة ما تقدمه”، وبالتالي “ثمة تجنّياً على الوزارة والوزير”.
وعلق الممثل والمخرج المسرحي الفلسطيني فادي الغول، مؤسس ومدير فرقة “سفر”، على هذا الأمر بالقول: عندما توقف مشاركة فرقة للرقص المعاصر في افتتاح مهرجان المسرح الوطني، لا أعتقد بعد ذلك يمكن اعتبار هذا المهرجان هو ما انتظرناه نحن المسرحيين كي يعلي من شأننا، ويعزز من وجودنا في المجتمع الفلسطيني، ويعطينا جزءاً بسيطاً من حقنا في التعبير بحرية، ولا ينصف جهدنا المضني الذي أسسنا له على مدار سنيّ عمرنا.
وسياسة الاستبعاد هذه لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن القائمين على المهرجان استثنوا من مواقع العروض “مسرح وسينماتك القصبة”، وهو المسرح الوحيد المؤهل في رام الله لاستضافة عروض مسرحية، وذهبوا إلى خياري “المسرح البلدي” و”قصر رام الله الثقافي”، والثاني غير مناسب إلا للعروض ذات المجاميع الكبيرة والديكورات العملاقة، وليس ثمة منها في المهرجان. ولو كان هناك من يبرر بأن بلدية رام الله المشرفة على المسرح والقصر منحت الوزارة الموقعين بالمجان، فإن “القصبة”، كما علمت “رمّان”، منحت مسرحها لإدارة المهرجان بالمجان أيضاً!
وكان تطرق إلى هذا الأمر من الناحية الفنية، الفنان الفلسطيني وليد عبد السلام، عضو لجنة التحكيم في الدورة الأولى للمهرجان، بالقول: كان خطأ كبيراً تنظيم عروض في قصر رام الله الثقافي، فهو مسرح كبير وأنسب لعروض استعراضية واحتفالات كبرى، وفي المسرح مهما كان الجمهور معقولاً فإنه سيضيع في “القصر”، وهذا يقتل المتعة، وكان من الأفضل والأنسب توجيه هذه العروض إلى مسرح وسينماتك القصبة لموقعها الجغرافي في وسط مدينة رام الله، وعلى مقربة من المسرح البلدي حيث انتظم العرض الأول في كل يوم من أيام المهرجان، وبالتالي الوصول إلى “القصبة” أسهل من الوصول إلى قصر رام الله الثقافي.
وأخذ عبد السلام على وزارة الثقافة وإدارة المهرجان عدم التوجه إلى الجامعات والكليات الجامعية في رام الله والقريبة منها، والتنسيق منها لضمان حضور الطلاب، وهناك منهم من يبات في مساكن للطلبة أو الطالبات، وهو ما يفيدهم ويفيد المهرجان. وقال: كان الأجدر الوصول إلى طالبات وطلاب الكليات والجامعات في محافظة رام الله والبيرة، وهو ما جعل الحضور جيداً، ولكن ليس عظيماً، وكان بالإمكان أن يكون أكثر من ذلك.
أما مستوى العروض المشاركة، فكان غالبيتها لا يصلح ليكون من ضمن العروض الثمانية التي تتنافس على جوائز المهرجان، بل إن عرض بعضها يسيء لتاريخ وواقع المسرح الفلسطيني أيضاً، وهو ما دفع الفنان الفلسطيني محمد بكري ورفاقه في لجنة تحكيم المهرجان للقول في بيان اللجنة خلال حفل الختام، وقبيل إعلان الجوائز: من الواضح أن لجنة المشاهدة لم تضع معايير فنية واضحة لاختيار العروض المتسابقة، فقد لاحظت لجنة التحكيم والجمهور تفاوتاً ملفتاً في مستوى الأعمال، وهنا صفّق له الجمهور طويلاً.
كما تحدث بكري في تقرير لجنة تحكيم المهرجان، التي حجبت ثلاث جوائز تم استحداثها هذه الدورة (أفضل ممثل دور ثاني، وأفضل ممثلة دور ثاني، والموسيقى والمؤثرات الصوتية)، عن “وجود سقطات في بعض العروض لجهة القيم الأخلاقية في علاقة الإنسان بالمكان، وبالطبيعة، وبالمرأة، وبالحيوان”، وهو ما صفق له الجمهور مجدداً، لافتاً إلى أن المهرجان يجب أن يكون تتويجاً لحصاد الموسم المسرحي الفلسطيني.
وأوصت لجنة التحكيم بأن تعتمد لجنة اختيار العروض أو لجنة المشاهدة المقاييس الفنية العالية، ولا تحتكم إلا للمعايير المهنية، ودعم إنتاج عروض الفرق مالياً بالإضافة إلى الجوائز والمسابقات كما في هذا المهرجان، كما أوصت اللجنة إدارة المهرجان والقائمين عليه بدعم إبداعات الشباب.
وكان الفنان وليد عبد السلام تحدث في ذات الأمر، بقوله: يؤسفني أن في هذه الدورة من المهرجان هناك مسرحيات تنتمي إلى حقبة سبعينيات القرن الماضي، ومنها ما هو تقليدي أو أكاديمي أو يفهم الحداثة على ما ليست هي عليه، وهذا أبرز تفاوتاً واضحاً جداً ما بين العروض، وهو ما كان يتطلب من إدارة المهرجان، أسوة بمهرجانات عربية أخرى، تنظيم حلقات نقاش عقب كل عرض مع الجمهور والمسرحيين والإعلاميين والنقاد على قلتهم، وهذا تقليد في غالبية مهرجانات المسرح.
بدوره شدد الفنان المخرج والممثل والكاتب المسرحي الفلسطيني على أبو ياسين، عضو لجنة المشاهدة، على أن اللجنة التي يعرف أعضاؤها بعضهم البعض، اعتمدوا على معايير واضحة تقوم على منح نسب مئوية لكل عرض تقدم للمشاركة في منافسات المهرجان، موزعة على العناصر الإبداعية كافة من نص، وإخراج، وأداء، وسينوغرافيا، والموسيقى، وغيرها، وأكثر عشرة عروض تحصلت على نسب مئوية هي من شاركت في المهرجان، نافياً بشكل قاطع أن يكون هناك أي تدخل من أية جهة كانت في اختيارات أعضاء لجنة المشاهدة، لافتاً إلى أن ما تم تقديمه من كافة الفرق الفلسطينية كان اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين عرضاً.
وتساءل أبو ياسين: هل شاهدت لجنة التحكيم كافة العروض المتقدمة لتتحدث عن أن لا معايير لدى لجنة المشاهدة؟ بالتأكيد لم تشاهد، فهي تحكم على المسرحيات التي تتنافس أمامها على خشبة المسرح. ما تقدم من عروض للمشاركة حملت هذا التباين بالأساس، وكان من المطلوب منّا اختيار عشرة أيام من بين الأعمال المتقدمة، والتي من الطبيعي أنها ليست بذات المستوى، فليست كل الأعمال بمستوى “الملح الأخضر” أو “كلب الست” أو “لندن جنين”، مؤكداً أن الأعمال المشاركة هي أفضل عشرة أعمال من بين ما تقدم للمنافسة، وربما بعضها حازت على معدل فاق الخمسة والثمانين أو التسعين وبعضها حصل على معدل في الستينات، ولكنه كان من بين الأعمال العشرة الأفضل، كاشفاً عن أن من بين ما تقدم للمشاركة أربعة عروض استعراضية تندرج في إطار الفنون الشعبية وليست عروضاُ مسرحية!
وأضاف: هذا التفاوت له جانب إيجابي أيضاً، فالأعمال التي لم تحصل على جوائز لتدني مستواها قياساً بالتي حصدت جوائز المهرجان، لا بد أن يستفيد القائمون عليها من تلك التجارب المسرحية الجيدة، فهذا الاحتكاك من شأنه أن يرفع من مستوى العروض في الدورات المقبلة، وهذا التفاوت لا يقتصر على مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، بل على كافة المشاكل في الدول العربية وفي العالم، وبالتالي هذا لا يعكس مستوى متدنٍ للمسرح الفلسطيني.
ورغم تفاوت مستوى العروض في المهرجان بشكل فاضح، يمكن الحديث عن عرضين على وجه الخصوص، لربما لا يجوز تسمية أي منهما بالعرض المسرحي، وأولهما العرض الأخير عبر تقنية الفيديو، لمنع الاحتلال فرقة “بيت المسرح” من قطاع غزة القدوم إلى رام الله لتقديمه حيّاً، وبالتالي لم يكن ختامه “مسكاً”! فالعرض الأخير لمن استطاع إكماله، كان خيبة أمل كبيرة جداً، ليس تجنياً وصف عرض “سطح الدار” لفرقة “بيت المسرح” بغزة، بالكارثيّ، وهو العرض الذي كان من المقرر عرضه في “قصر رام الله الثقافي”، لكن تم تحويل عرضه إلى “المسرح البلدي”، وهو عمل تتحدث عن مجموعة من الأسر التي أجبرتها الأوضاع خلال الحرب، على البقاء مع بعضها في بناية سكنية، لتتكشف بالتدريج جوانب وأبعاد إنسانية مختلفة، في أوضاع لم تسمح لأفرادها أن يعبّروا عنها من قبل، وهو من تأليف وإخراج خالد خماش، وتمثيل: كرم عبيد، وكاميليا أبو السمك، وجواد حرودة، وتيما صالحية، ومحمد جواد، ومحمد البنا، لكن لا يمكن الالتفات إليه لا على صعيد النص، ولا الإخراج، إن كان ثمة إخراج، ولا الأداء، ولا أي من عناصر المسرح.
وتقديم هذا العرض في المهرجان يجعلنا ندق الوقت ناقوس خطر حول إذا ما كان هذا أفضل العروض القادمة من قطاع غزة، فما حال المسرح هناك بعد سنوات من الحصار والانقسام، مع أن عديد المطلعين على الواقع الثقافي الغزّي يؤكدون أن هناك عروضاً مسرحية مهمة لفرق شبابية، ولكن يبقى التساؤل: هل تقدمت هذه الفرق للمشاركة في المهرجان أم لا؟ وهل من الضرورة بمكان أن يكون توزيع العروض المسرحية مناطقياً؟ مع أن الارتقاء بالحركة المسرحية في فلسطين، وهو هدف المهرجان، والقائمين عليه في “الهيئة العربية للمسرح” بالشارقة ووزارة الثقافة الفلسطينية يتطلب الانحياز إلى المستوى الفني للأعمال المشاركة.
وهنا قال علي أبو ياسين لـ”رمّان”: “سطح الدار” هو العمل الوحيد الذي تقدم للمهرجان من قطاع غزة، ولذلك هو من وقع عليه الاختيار، وأعتقد أن قبوله تم مراعاة للتوزيع الجغرافي، وللحفاظ على التواصل ما بين المحافظات الجنوبية والشمالية (قطاع غزة والضفة الغربية). مضيفاً: في ظل حالة الانقسام تفرض عليك أحياناً بعض الأمور لدواعٍ سياسية ووطنية.
ولفت أبو ياسين إلى أن غالبية الأعمال المسرحية في غزة تكون موجهة باتجاه مواضيع بعينها لكونها ممولة من قبل مؤسسات غير حكومية، وعليه لربما أدرك القائمون عليها أنها لا تصلح للمشاركة في مهرجان للمسرح الوطني، ولذلك لم يقدّموها لكونها ليست جماهيرية، كما أنها في غالبيتها ليست مدعومة وطنياً، بمعنى ليست مدعومة من وزارة الثقافة أو مؤسسة تتبع السلطة الوطنية الفلسطينية.
أما العرض الثاني، الذي أثار حفيظة الجمهور لضعف مستواه، فكان “سحماتا تحت أشجار الصنوبر” لـ “مسرح الجنين” من الناصرة، الذي خلى من تلك العناصر التي يمكن أن تزج به في قائمة الأعمال المسرحية بقدر ما هو عمل حكائي، فلا عناصر مساندة واضحة المعالم، كما غابت المؤثرات الصوتية تماماً، وكانت الإضاءة بدائية، فيما طغى المضمون على الأداء. وكان طافياً على السطح تلك الشعاراتية التي تقتل حتى المضمون المكرور في كثير الأحايين، والتجسيد غير التلقائي والمتكلف، كما أن اقتصار العمل على شخصين، واستحضار الشخصيات الأخرى لم يكن إلا خيالاً ليس مجنّحاً، هذا علاوة على الغياب غير المبرر لأي ديكور يذكر، أو موسيقى مرافقة، أو مؤثرات بصرية كمشاهد سينمائية، ما عزز من حالة الملل هذه، ودفع للتساؤل عن آليات الاختيار والمشاركة في المهرجان إن لم يكن المستوى الفني هو المعيار!
وكان حفلا الافتتاح والاختتام أشبه بعرس شعبي، فإن كان لا علاقة لفقرة رقص معاصر بالمسرح، إن صحّ ما تم نسبه للوزير، فلا علاقة للدبكة أو لفقرة غنائية بالمسرح أيضاً، هذا عدا عن تجاهل الاقتباس من رواد المسرح الفلسطيني ومن أفنوا حياتهم لأجله أو كبار المثقفين والمفكرين الفلسطينيين ممن لهم مقولات مهمة في الفيلم الختامي للمهرجان لصالح اقتباسات من كادر الوزارة، دون التقليل من شأنهم، فغاب عن الفيلم أي اقتباس افتتاحي أو ختامي من فرانسوا أبو سالم أو جوليانو مير خميس أو إدوارد سعيد أو محمود درويش أو حسين البرغوثي، والقائمة تطول، ما يعكس حالة من الارتجال أو الفردانية أثارت حفيظة العديد ممن خرجوا يتحدثون في هذا الأمر، في حين كان لافتاً “طابور” الفنانين من ممثلي الفرق المسرحية المشاركة، وهم ينتظرون دورهم في التكريم، وعدم صدور النشرة الثالثة للمهرجان التي كان من المقرر صدورها لتتوزع في حفل الختام لخلل فني، وعدم نشر أي خبر عن نتائج المهرجان على صفحة المهرجان نفسه، وغير ذلك من الملاحظات.
في النهاية يجب التوقف أمام كل هذه الملاحظات، التي هدفها البناء وليس الهدم، فأهمية المهرجان على الصعيدين الثقافي بإعادة الاعتبار لمهرجانات المسرح في فلسطين والوطني في تمثّل فلسطين بكامل جغرافيتها على خشبة المسرح لا يمكن التشكيك فيهما، إنما يأتي تسليط الضوء على الأخطاء أو العثرات الكبيرة منها والصغيرة، لسد الثغرات في الموسم المقبل من المهرجان، نحو الارتقاء بمستوى الأعمال في الدورة الثالثة منه، وبمستوى المهرجان الذي يحمل اسم فلسطين بالمجمل، وفي كامل التفاصيل، بما يليق بتاريخ وواقع والمستوى المأمول مستقبلاً للمسرح الفلسطيني.