رغم من الوضع الاستثنائي الذي تمر به فلسطين ودول العالم، جراء تفشي وباء فيروس كورونا، إلا أن مؤسسة “فيلم لاب: فلسطين” أصرت على عقد النسخة السابعة لمهرجان “أيام فلسطين السينمائية” الدولي، في الفترة ما بين 20 و26 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في كل من العاصمة الفلسطينية القدس ورام الله وبيت لحم وحيفا وغزة، بمشاركة ما يزيد عن 30 فيلماً من الصين وفرنسا وأمريكا والسودان وتشيلي وأفغانستان ولبنان والأردن والعراق وتركيا وصربيا وبريطانيا وإيطاليا وإيران وسوريا وغانا والسويد وفلسطين.
ورغم أن النسخة ستكون استثنائية تقتصر على برنامج مصغر يشمل عدداً محدوداً من عروض الأفلام العالمية والعربية والمحلية، لمراعاة الإجراءات الوقائية لضمان سلامة الجمهور، إلا أن هذه النسخة ستحتوي حدثاً كبيراً يتناسب والإجراءات الصحية العالمية، حيث سيجري الإعلان عن موعد إطلاق منصة سينمائية إلكترونية للأطفال في الضفة الغربية وغزة، بحيث يمكنهم مشاهدتها من بيوتهم ومع عائلاتهم.
ما هي منصة “وقتنا”؟
تقول كرستينا زهران منسقة برنامج الجيل القادم في فيلم لاب، ومبرمجة منصة “وقتنا”: أن المنصة جاءت استكمالاَ لأهداف برنامج الجيل القادم الذي كانت عروضه جزءاً من مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” في الأعوام السابقة، وحرصاً على سلامة الجيل القادم في ظل الجائحة جاءت فكرة إنشاء منصة أفلام للأطفال، التي سيجري الإعلان عن موعد انطلاقها خلال فعاليات “أيام فلسطين السينمائية”. وتأتي هذه المبادرة استجابةً للأهداف التي أعلنتها الأمم المتحدة في يوم الطفل العالمي في العام ٢٠١٩، آملين في أن تساهم القناة في دعم حقوق الطفل في فلسطين وازدهاره.
وتضيف زهران: ستكون المنصة مقسمة لأربعة أقسام، قسم للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والتي ستحتوي في البداية على عشرين فيلماً، وقسم للأفلام الروائية القصيرة وعددها ستين فيلماً من ضمنها مجموعة أفلام شارلي شابلن القصيرة وعددها ١٢ فيلماً. قسم “خلف الكواليس” ويعرض مواد مصورة لكواليس تصوير الأفلام التي ستعرض على المنصة، ومن خلالها يتمكن الطفل من مشاهدة كيف يجري تصوير الأفلام، أما القسم الرابع فهو أفلام من صنع الأطفال، وهو قسم يختص بعرض أفلام من إنتاج مؤسسة “فيلم لاب”، منها ما تم إنتاجها من خلال مخيم المواهب عام ٢٠١٩ وتم عرضها لأول مرة خلال مهرجان أيام فلسطين السينمائية ٢٠١٩ ضمن عروض برنامج الجيل القادم، ومجموعة أفلام “مذكرات الكورونا” والتي قام الأطفال من خلالها بسرد يومياتهم ومشاعرهم وأفكارهم أثناء الحجر الصحي. كما سيجري كذلك في القسم الرابع عرض للأفلام المميزة الناتجة عن ورشات العمل التي يعقدها “فيلم لاب” بشكل مستمر ضمن برنامج “الجيل القادم”.
أفلام بلغات مختلفة من عدة دول
ستحتوي المنصة بحسب كرستينا، على أفلام من عدة دول حول العالم من بينها: الدنمارك، كينيا، ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، الولايات المتحدة الأمريكية، إثيوبيا، البرازيل، الصين، النرويج، هولندا، السويد، الأردن، قطر، سوريا وفلسطين. وبلغات متعددة منها الفرنسية، الألمانية، الدانمركية، السواحيلية، الأمهرية، الصينية، الإنجليزية، البرتغالية، السويدية، النرويجية، الهولندية، الأشولية (لغة محكية في أوغندا وجنوب السودان) واللغة العربية، بالإضافة إلى أن بعض الأفلام ستقدم بلغة الإشارة، كما أن بعض الأفلام يجري العمل حالياً على دبلجتها للغة العربية.
كيف تم اختيار هذه الأفلام؟
انتقاء الأفلام التي تتناسب مع الطفل الفلسطيني وثقافته ليست بالمسألة السهلة، ولذلك تجيب كرستينا على سؤال حول الآلية التي تم فيها اختيار الأفلام تقول: تم اختيار الأفلام بناء على عدد من المعايير أهمها أن تكون هذه الأفلام مناسبة لثقافة الطفل الفلسطيني، متنوعة المواضيع والتي تهم الطفل وتقدم له معرفة جديدة، كما يُراعي بألا تحتوي عنفاً أو ما قد يترك أثراً سلبياً عليه. كما تمت مراعاة ألا تكون الأفلام طويلة كثيراً حتى لا يشعر الطفل بالملل، كون الأطفال عادةً لا يميلون لمشاهدة الأفلام الطويلة جداً.
تضيف: حاولنا الانتقاء بدقة أفلاماً تحترم عقل الطفل، وأن تحقق متعة وتضيف له معلومة، حيث كنّا نتساءل حول كل فيلم عن ماهية الفيلم وما هو موضوعه وقصته، وهل قصة الفيلم تبدو مألوفة أو غير مألوفة للأطفال الفلسطينيين؟ وهل يمكن أن يرى الأطفال في قصة الفيلم انعكاساً لواقعهم وحياتهم، بالتالي اخترنا نوعية الأفلام التي يمكنها أن تساعدهم في فهم العالم بشكل أفضل، وتطلق العنان لمخيلتهم وإبداعهم، وتحتوي على مشهدية ترصد لحظات إنسانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون كذلك متناسبة مع الفئة العمرية التي تستهدفها المنصة.
كما ننظر إلى طبيعة الحوار أو الجدل الذي يمكن للأفلام أن يثيره لديهم بعد مشاهدتها، بكونها تطرح مشاكل الأطفال وتقترح لها حلولاً، وتصور لهم الحياة بشكلها الواقعي، وتقدم لهم فرصة للإطلاع على ثقافاتٍ أخرى ولغاتٍ جديدة، وتحاكي قصصهم.
وتشير كرستينيا إلى أن معايير انتقاء الأفلام ليست هينة، تقول: ولأننا نعمل على تنمية الثقافة السينمائية للأطفال على هذه الأفلام أن تكون بالدرجة الأولى ممتازة سينمائياً من حيث الحوار واللغة السينمائية وغيرها من عناصر الجودة للفيلم السينمائي، لا تقلل من شأن الأطفال ونظرتهم لمحيطهم، وتراعي بشكل أساسي أن تكون مناسبة للجنسين من حيث عرضها لأبطال الحكاية، واحتوائها على قيم إنسانية، مثل: الحرية، الصداقة، المساواة .. الخ والأهم مشاركة الأطفال بها.
وعن كيفية وصول هذه الأفلام للأطفال الفلسطينيين، تقول كرستينا، منذ عامين وقّعنا في “فيلم لاب” اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بهدف إدخال عروض الأفلام للمدارس، ومن خلال المدارس وصلنا للأطفال الفلسطينيين في الضفة وغزة، وكذلك من خلال المؤسسات الفلسطينية الشريكة معنا في برنامج الجيل القادم.
أما عن الهدف من المنصة، تقول إنّه: المساهمة في تنمية ثقافة الأطفال الفلسطينيين السينمائية، عبر تقديم نوعية من الأفلام المنتقاة غير التجارية التي يمكنهم مشاهدتها في بيوتهم مجاناً، وتعريفهم بماهية السينما وكيف تصنع الأفلام، والتأسيس لسينما طفل فلسطينية، وهذا ما تفتقده السينما الفلسطينية اليوم. وتمكينهم من رواية تفاصيل حياتهم وأحداثها اليومية، وسرد ومشاركة قصصهم مع العالم من خلال السينما، حيث ستكون هذه القناة هي أول قناة أفلام مجانية مخصصة للأطفال في فلسطين بدون إعلانات تجارية.
وهذه المنصة تستهدف الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة من فئة ٦ – ١٥ عاماً، وعائلاتهم. حيث ستحتوي المنصة أيضاً على أفلام عائلية يمكن لأفراد العائلة مشاهدتها سوياً.
فتح النقاش بين الأطفال وصناع الأفلام
وأخيراً توضح منسقة برنامج الجيل القادم في فيلم لاب، ومبرمجة منصة “وقتنا”: في المرحلة القادمة نسعى لتطوير هذه المنصة لتكون تفاعلية تعليمية، بحيث يكون بإمكان الأطفال الاطلاع على مراحل إنتاج الأفلام، وذلك من خلال قسم يختص بعرض فيديوهات تعليمية عن كيفية سرد الحكاية، تحويل الحكاية أو القصة لسيناريو، وفي مرحلة لاحقة تحويل هذا السيناريو لفيلم. كما سيكون هناك فعاليات أون لاين تحتوي نقاشات عن الأفلام بعد مشاهدتها. أي فتح النقاش بين الأطفال حول الأفلام التي شاهدوها. كما سيجري استضافة بعض صنّاع الأفلام المعروضة وفتح النقاش حولها بينهم وبين الأطفال.
كما يجدر بالذكر أن أفلام المنصة سيجري تحديثها وإضافة أفلام جديدة لها بشكل فصل، بمعنى أن أفلاماً أخرى ستضاف للمنصة كل ثلاثة شهور، من كل أنواع الأفلام، الروائية الطويلة والقصيرة، والوثائقية الطويلة والقصيرة وكذلك أفلام التحريك.
حنّا عطاالله: من أن أجل التأسيس لثقافة سينمائية لأطفالنا
من ناحيته يقول المدير الفني لمهرجان “أيام فلسطين السينمائية”، ومؤسس “فيلم لاب: فلسطين” إن “فيلم لاب” عكفت منذ تأسيسها على نشر الثقافة السينمائية في فلسطين، وتحت هذا العنوان يأتي مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” وعروض برنامج الجيل القادم على مدار العام بهدف تحضير الجمهور وتنمية ثقافته السينمائية، وبناء جمهور للفيلم السينمائي الفلسطيني، بمعنى إن كنّا نسعى لتأسيس صناعة سينما فنحن بحاجة لجمهور بالأساس، وأفلامنا الفلسطينية لم تصل لمرحلة صناعة جمهورها المحلي بعد، بمعنى جمهور يشتري تذاكر لحضور الأفلام، وغيابه ناتج عن غياب الثقافة السينمائية، في بلد عاش سنوات بلا صالات سينما، لذلك نحاول أن نزرع ونؤسس لثقافة سينمائية لدى الجيل الجديد ليكون جمهوراً لأفلامنا مستقبلاً، جمهوراً للفيلم غير التجاري.
يضيف عطالله: أطفالنا يستقبلون صوراً من قنوات أطفال تلفزيونية متخصصة، لها رسالتها الخاصة سواء أيديولوجية أو فكرية أو غيرها، وهدفنا أن نقدم بديلاً لهؤلاء الأطفال بمحتوى يركز أكثر على القيم الإنسانية وعلى الحياة والمعرفة، ورسائل يحتاجها الطفل بالمستقبل بحياته اليومية. فحتى نصنع تغييراً بالمجتمع يجب علينا العمل على ذائقة الطفل ونقدم له مادة سينمائية ترتقي بذائقته.
نحاول التأسيس لجمهور قادر على المساهمة من خلال ثقافة مشاهدة السينما في تنمية وصناعة السينما الفلسطينية، بمعنى أن الأموال التي تُصرف في صناعة الفيلم يجب أن تعود مرة أخرى من جديد لصناعة أفلام أخرى وتشغّل الممثلين وطواقم الإنتاج وهكذا يصبح لدينا صناعة قادرة على إعادة تدوير المال المستخدم بصناعة الأفلام لتصنع أفلاماً أخرى جديدة.