على مدار عقود من الصراع في فلسطين، لم تكتف إسرائيل بسرقة الموارد ونهبها والاستيلاء على الأراضي والتوسع الاستيطاني فيها، بل قامت بكل جرأة بعملية مأسسة لهذه الممارسات الاستعمارية الكولونيالية هادفةً إلى ترسيخ حالة الاحتلال والاستعمار الدائمة وإنهاء قضية الفلسطينيين للأبد. كثيرة هي الأبحاث والدراسات التي أطرت الصراع في فلسطين على أنه صراع ضد نظام الأبارتهايد، وعلى أن الاحتلال الإسرائيلي هو نظام استعماري عنصري كولونيالي لكن ماذا يعني ذلك؟ في هذه المراجعة الموجزة لبعض المقتطفات من كتاب “العدالة للبعض: القانون والقضية الفلسطينية”، للأكاديمية الفلسطينية نورا عريقات، توضح كيف نجحت إسرائيل في فرض أنظمة قانونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة واستغلتها أفظع استغلال مما أدى في نهاية المطاف إلى فرض واقع حَوَّلَ فلسطين إلى بانتوستانات، وإسرائيل إلى دولة أبارتهايد، كما تبين أيضا كيف يشكل النضال ضد الأبارتهايد تهديدا لقلب المشروع الاستعماري الصهيوني.
الهيمنة الاستعمارية على فلسطين: خطوات باتجاه ترسيخ نظام الفصل العنصري
بداية لا بد من الإشارة إلى الممارسات الاستعمارية التي أدت إلى ترسيخ نظام الفصل العنصري والتي نتجت من خلال الأنظمة القانونية التي أفرزها الاستعمار على فلسطين منذ عهد الانتداب البريطاني الذي فتح بوابة الهجرة لليهود إلى فلسطين، ثم الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض أنظمة قانونية خاصة مهدت إلى إنشاء نظام فصل عنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي ضوء تمكين إسرائيل من تأكيد سيادتها بالقوة على المكان، تشير نورا عريقات، إلى أنه وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، نتج عن الاستثناء السيادي بوضع فلسطين كموقع للاستيطان اليهودي ترتيبًا قانونيًا متخصصًا برر المحو القانوني للمجتمع السياسي الفلسطيني. هذا النظام، إلى جانب ثلاثة عقود من الرعاية الإمبريالية البريطانية، مكّن إسرائيل من تأكيد سيادتها الاستيطانية اليهودية الصهيونية بالقوة على أكثر من 78 في المئة من فلسطين الانتدابية في عام 1948.
تتابع المؤلفة بالقول بأنه تم التعبير عن هذا الاستثناء لأول مرة في إعلان بلفور عام 1917 ثم في وقت لاحق في الانتداب على فلسطين عام 1922، حيث ظل امتياز سيادة المستوطنين اليهود الصهيونيين على الشعب الفلسطيني مهيمناً في المداولات الدولية حتى عام 1939 وحتى قيام إسرائيل في عام 1948. من خلال السرد التفصيلي للأحداث، والتقسيمات التي أجراها الانتداب، تقطع عريقات الشك باليقين بأن الانتداب البريطاني استخدم القانون ومنطقه لوضع فلسطين تحت “نظام خاص” للسماح بإنشاء وطن لليهود على فلسطين، وحرمان الفلسطينيين من الحق في تقرير مصيرهم (ص37).
تلفت المؤلفة الانتباه إلى مسألة خطيرة مفادها بأن المكتب الاستعماري قد اعترف بالتشابه في الوضع بين الفلسطينيين والعرب في الدول المجاورة الناشئة التي تميزت بالاستقلال، وبأن التزام بريطانيا بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين هو ما أدى إلى وضع فلسطين ضمن نظام خاص (ص37)، وهذا يعني أن محاولات وضع فلسطين تحت نظام خاص تعد دليلا دامغا على كيفية استخدام القوى الاستعمارية القانون لخدمة مصلحة الاستعمار وسياساته حتى لو أدى ذلك إلى محو هوية المستعمِر ومسحها عن الخارطة. وهذا ما حصل في حالة فلسطين، حيث استُخدم القانون كأداة لاستعمار المنطقة وفتح الهجرة للمستوطنين للاستيلاء على فلسطين.
تستكمل عريقات في كتابها مسيرة الاستعمار الصهيوني لفرض حالة الاحتلال الدائمة على فلسطين، حيث استخدمت إسرائيل حالة الطوارئ الدائمة كنظام لحكم استثنائي عنصري لتبرير ممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين من السكان الأصليين من الذين لم يهربوا أو يطُردوا خلال الحرب وظلوا إما في منازلهم أو نزحوا داخليًا داخل الدولة الجديدة، بعد حرب عام 1948، والذين يقدرون بنحو 160.000 فلسطيني. على الرغم من صغر عددهم، إلا أنهم شكلوا تحديًا وجوديًا وديمغرافيًا لسيادة المستوطنين اليهود والصهاينة، وبالتالي يجب على إسرائيل إزالتهم أو نزع ملكيتهم أو احتوائهم. أدرجت إسرائيل هيكل الاستثناء في نظام الحكم اليومي، ووضعت الفلسطينيين خارج القانون من خلال تجريم وجودهم كتهديد، ماديًا (من حيث التركيبة السكانية) وميتافيزيقيا (على سبيل المثال، المطالبة بالاستمرارية الزمانية والمكانية اليهودية) وبالتالي تبرير معاملتهم العنصرية والمتميزة في القانون بحجة الطوارئ (ص54).
بعد فترة وجيزة من إقامة هدنة عام 1949 مع الدول العربية، كلف بن غوريون بمراجعة الحكم العسكري لتحديد متى يجب أن تنتهي. وخلصت المراجعة إلى أن الحكم العسكري هو الآلية المثلى للدولة لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين وإزالة التجمعات السكانية المتبقية بالقوة، ومصادرة أراضيهم، واستبدالهم بالمستوطنين اليهود. بالإضافة إلى ذلك، أرادت الحكومة الإسرائيلية أن تكون مستعدة لاغتنام الفرصة لإخراج السكان الفلسطينيين المتبقين قسراً في حالة تجدد الحرب مع الدول العربية المجاورة. إن تنظيم السكان في إطار قانوني استثنائي “لا يخضع لقواعد الإجراءات العادية” من شأنه أن يسهل مثل هذا النقل الجماعي للسكان. وبهذا، قامت إسرائيل بإضفاء الطابع المؤسسي على نظام الطوارئ لتعزيز طموحاتها الاستيطانية الاستعمارية بشكل أكبر (55). وكجزء من عملية التحول القانوني التي مارستها إسرائيل للاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الغائبين بموجب سلطات الطوارئ، يمكن إعلان بعض الأراضي الفلسطينية “مناطق مغلقة” وفقًا لتقدير القادة العسكريين وبالتالي الاستيلاء عليها والاستيطان فيها (ص56)، وهنا مرة أخرى توضح عريقات بما لا يدع مجالا للشك كيف تستخدم القوى الاستعمارية الأطر القانونية للحفاظ على قشرة القانون وتبرير ممارستها العنصرية الكولونيالية.
خططت إسرائيل منذ البداية للاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية التي احتلتها خلال حرب عام 1967، ولكن كانت هناك مشكلة واحدة: كانت تريد الأرض وليس سكانها الفلسطينيين. لأنها إذا ضمت الأراضي الفلسطينية، فستضطر إلى استيعاب السكان الفلسطينيين، وبالتالي تعطيل الأغلبية الديموغرافية التي حققتها نتيجة حرب عام 1948 وتحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية (62). لذا فضلت إسرائيل تفريغ الأراضي من مواطنيها الفلسطينيين واستبدالهم برعايا يهود. ومع ذلك، بحلول عام 1967، تم نزع الشرعية عن الاستعمار والغزو، وتبلور مبدأ تقرير المصير إلى قانون إيجابي يضمن الاستقلال وحكم الذات؛ كانت طموحات إسرائيل الاستعمارية-الاستيطانية الآن عفا عليها الزمن ومثيرة للجدل، وبالتالي قامت إسرائيل ببناء آلية قانونية وسياسية للتغلب على هذه العقبات (ص62). ولفعل ذلك، زعمت أن عدم وجود سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة جعل الأراضي فريدة من نوعها، أو استثنائية من حيث القانون، في حين أن قانون الاحتلال يتطلب الحفاظ على الوضع الذي كان قبل الحرب إلى حين إحلال سلام يؤدي لاستعادة سلطة السيادة المستبدلة، أصرت إسرائيل على أنه لا توجد سيادة لاستعادة الضفة الغربية وقطاع غزة وأنها ستعتبر الأحكام الإنسانية لقانون الاحتلال مسألة تخضع لسلطتها التقديرية (ص63).
استمرارية استعمارية
ترى المؤلفة بأن هذا الإطار القانوني الذي سعت إسرائيل لتشكيله ونشره يمثل استمرارية استعمارية. لقد مكن نظام الأحكام العرفية في إسرائيل، من وقت إنشائها في عام 1948 حتى عام 1966، من نزع وطرد واحتواء المواطنين الفلسطينيين ضمن خطوط الهدنة لعام 1949. في ذلك الحين استخدمت إسرائيل السلطة السيادية داخل حدودها غير المعلنة لإعلان حالة الطوارئ، في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستخدمت الآن قشرة قانون الاحتلال لإنشاء نظام استثنائي قائم على الأمن. ومع ذلك، فإن حقيقة أن إسرائيل تسعى الآن إلى مصادرة الأراضي بشكل متزايد خارج حدودها المفترضة، شكل عقبات كبيرة من حيث القانون والسياسة. وعلى وجه الخصوص، كان على إسرائيل أن تتغلب على الإرادة السياسية للمجتمع الدولي، الذي تحرك بسرعة لحل الصراع في الأمم المتحدة. وكانت النتيجة قرار مجلس الأمن 242، الذي يفرض انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية مقابل سلام دائم. وبدلاً من كبح طموحات إسرائيل الإقليمية، أثبت القرار أنه مفيد في تحقيقها. قدم النص النهائي للقرار 242 لإسرائيل ثغرة قانونية نشرتها منذ ذلك الحين بشكل استراتيجي لإضفاء الشرعية على عمليات الاستعمار (ص64).
وفي الحقيقة، إن خطط إسرائيل لم تكن فعالة لولا الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل في هذا السياق. منذ حرب حزيران / يونيو 1967، استخدمت الولايات المتحدة براعتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لحماية إسرائيل بشكل منهجي من المساءلة القانونية الدولية، ومساعدتها على تطبيع حججها القانونية في إطار سياسي قابل للاستمرار (ص 46). شكل هذا التدخل السياسي الأمريكي آلية قانونية وسياسية مكنت إسرائيل من سرقة الأراضي الفلسطينية دون عواقب وخيمة. لم يفشل القانون الدولي في تنظيم احتلال الأراضي الفلسطينية فحسب، بل وفر الإطار القانوني لاستعمارها المتزايد. إن قابلية القانون للتطويع بالتحديد هي التي جعلت مثل هذه النتيجة الضارة ممكنة، وسياسات القوة التي شكلت الشرق الأوسط هي التي أعطت قانون الاحتلال والقرار 242 المعنى الذي كانت تفترضه في ظل النموذج التفسيري لإسرائيل، كما لم تكن هذه النتيجة ممكنة لولا الفرصة القانونية التي ولّدتها حرب 1967 (ص64).
تهديد قلب المشروع الصهيوني
تشير عريقات في كتابها إلى قضية مهمة جدا مفادها أن نجاح إسرائيل في نشر العمل القانوني كان له عواقب غير مقصودة: إنها تشرف على نظام الفصل العنصري. وبدون تقسيم يفصل إسرائيل عن المناطق، يتوجب على إسرائيل الآن أن تتعامل مع حقيقة أن ولايتها القضائية تحتوي على عدد كبير من السكان الفلسطينيين الأصليين. وفقًا لمكتب الإحصاء الإسرائيلي، اعتبارًا من أكتوبر 2012، كان هناك حوالي 5.9 مليون يهودي إسرائيلي، بما في ذلك سكان المستوطنين، و6.1 مليون فلسطيني يعيشون في جميع أنحاء إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. تشير التوقعات السكانية إلى أنه بحلول عام 2035، سيشكل اليهود الإسرائيليون 46 في المئة فقط من إجمالي السكان. إن الترتيب الحالي الذي تحكم فيه إسرائيل الفلسطينيين المحتلين ولكنها تستبعدهم من الجنسية يجسد نظامًا يدير أنظمة قانونية متميزة تستند إلى تعريفاتها العنصرية: بعبارة أخرى، نظام الفصل العنصري (ص213).
عرف أسلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخاطر هذا التشعب القانوني. خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء، علق إيهود أولمرت بأن الفشل في إنشاء دولة فلسطينية سيجبر إسرائيل على “مواجهة صراع على غرار جنوب إفريقيا من أجل حقوق تصويت متساوية، وبمجرد حدوث ذلك، تنتهي دولة إسرائيل”. بعد مغادرته منصب رئيس الوزراء، عرض إيهود باراك هذا التحذير: “إذا، وطالما بين الأردن والبحر، هناك كيان سياسي واحد فقط، يدعى إسرائيل، سينتهي به الأمر إما أنه غير يهودي أو غير ديمقراطي …. إذا صوت الفلسطينيون في الانتخابات، فهي دولة ثنائية القومية، وإذا لم يصوتوا، فهي دولة فصل عنصري (ص214). وهذا معناه تهديد لإسرائيل ولقلب المشروع الصهيوني ولكن بشرط توافر استراتيجية قانونية وطنية يتم استثمارها في إطار حركة سياسية.
أوسلو ونظام الفصل العنصري
ترى عريقات في أوسلو منعطفا تاريخيا مكّن إسرائيل من مواصلة توسعها الاستعماري-الاستيطاني، هذه المرة تحت قشرة صنع السلام. وفي ندوة تحت عنوان “إسرائيل والأبارتهايد – قراءة مقارنة” للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية أشارت إلى أن “أوسلو رسخت ثلاثة أشياء قربتها بشدة إلى المقاربة بين تجربة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتجربة الواقع الفلسطيني، فهي أولا “مهدت للتجزئة الجغرافية من خلال تقسيم المناطق إلى أ، ب، ج، وأيضا من خلال الصلاحيات التي منحتها أوسلو لإسرائيل في ممارسة سياسة الاغلاقات والحواجز والادعاء بمطالب في الضفة الغربية. ثانيا مأسسة سياسة التصاريح وهو نفسه كان متبعا في جنوب افريقيا. ثالثا منحت أوسلو حكما محليا للفلسطينيين بدون سيادة”، مما حَوَّلَ الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى بانتوستانات”(1). لم تحقق أوسلو الحلم بإقامة الدولة الفلسطينية، بل على العكس عززت فشل حل الدولتين، كما أنها أيضا لم تعترف للفلسطينيين بحقهم في تقرير المصير او في الدولة، بل كل ما تضمنته اعتراف بمنظمة التحرير، وحكم ذاتي جزئي على جزء من الأراضي الفلسطيني، وفي المقابل منحت أوسلو امتيازات للإسرائيليين عدا عن الاعتراف بهم كدولة (ص136-155).
النضال ضد نظام الفصل العنصري
تتفاوت الآراء في قضية النضال ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني، فهل ينبغي أن تقتصر المطالبة هنا بالدولة والاعتراف باننا شعب تحت الاحتلال فقط، أم ينبغي لنا المضي قدما واعتبار نضالنا هو نضال تحرير الهدف منه العدالة والمساواة والحرية بشكل يضمن كافة الحقوق للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. وفي إطار الدروس المستفادة والدعوة إلى إيجاد رؤية استراتيجية قانونية في إطار حركة سياسية، تسلط عريقات الضوء على الاستراتيجية القانونية لناميبيا خلال كفاحها من أجل التحرر والاستقلال والتي تقدم بعض الدروس حول الفوائد المحتملة للقانون الدولي والنضال ضد الاستعمار (ص224). تدعو عريقات إلى التمسك بأفق الحرية والتحرر من الاستعمار إلى ما وراء الدولة، ذلك أن الالتزام بإقامة الدولة والتخلي عن المقاومة يحجب حقيقة الازالة الاستعمارية الاستيطانية ويمكن نظام الفصل العنصري عن غير قصد (ص234).
في كتابه “صفقة ترامب – نتنياهو”: الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال: ما العمل؟، يرى الدكتور عزمي بشارة بأن “فلسطين حاليًّا هي وحدة واحدة وفضاء واحد خاضع لدرجات مختلفة من سلب الأرض ومصادرة الكيان الوطني، وتلوينات وأساليب سيطرة مختلفة للسلطة الإسرائيلية الحاكمة نفسها. يخضع الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة والمواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، وأولئك الواقعون في منزلة بين المنزلتين في القدس لهذا النظام. لكن ظروفهم مختلفة، وكذلك مطالبهم العينية. ووسائل نضالهم مختلفة بالضرورة، وكذلك جبهات المواجهة التي يخوضونها. ويمكن تشخيص قضية اللاجئين ضمن نموذج الأبارتهايد نفسه. فالفصل العنصري اتخذ في عام 1948 شكل الطرد والتهجير لتحويل الأقلية اليهودية إلى أكثرية في دولة يهودية، ويتخذ الفصل حاليًّا شكل الاحتلال والتمييز العنصري. ولم يعد ثمة مجال لتصور حل لقضية فلسطين يشمل فقط جزءًا من الشعب الفلسطيني، ولن يكون تنفيذه ممكنًا. وقد أسهم فشل مسار المفاوضات الهادفة إلى التوصل إلى مثل هذا الحل في إظهار عبثية هذا الطرح وغرابته”(2). هذا يتطلب وفقا لبشارة استراتيجية تحرير ضد واقع الاحتلال والشتات ونظام الفصل العنصري والاستعمار، مع الأخذ في عين الاعتبار خصوصية كل مجتمع وطبيعة جبهة المواجهة التي يخوضها(3).
الخاتمة
غياب رؤية سياسية استراتيجية واضحة لدى القيادة الفلسطينية بعد أوسلو ساهم في استغلال الاحتلال الإسرائيلي لهذه الفرصة التاريخية من حالة الشرذمة والعجز السياسي لدى الفلسطينيين. نتج عن ذلك، مزيد من التجاهل للفلسطينيين ولاحتياجاتهم، والتوسع الاستيطاني في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحصار غزة وعزلها من خلال الانسحاب عام 2005 والحروب المتكررة. لذا من الضروري العمل على توافر استراتيجية سياسية في الوقت الحالي تمهد لوحدة وطنية سياسية وجغرافية وحشد التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية وإعادتها على صدارة المشهد العالمي. أيضا، هناك حاجة ملحة لإعادة صوغ مشروع فلسطيني متكامل لمواجهة نظام الفصل العنصري ودولة الأبارتهايد، فضلا عن ضرورة وجود مظلة واحدة تجمع الكل الفلسطيني بمختلف فصائله وتياراته في الداخل والخارج(4)، لأن من شأن ذلك أن يضمن التفكير في إيجاد نهج عملي وواضح ومدروس للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحله على الرغم من تعقيد هذا الصراع الممتد والمستعصي.
المراجع
-
مركز مدار، إسرائيل-أبرتهايد جديد، ندوة صادرة عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية تحت عنوان ، “إسرائيل والأبارتهايد – قراءة مقارنة”، قضايا إسرائيلية – متاح على: ندوة خاصة- إسرائيل – ابارتهايد جديد.pdf.
-
عزمي بشارة، “صفقة ترامب – نتنياهو”: الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال: ما العمل؟، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2020، ص 110.
-
المرجع نفسه، ص 111.
-
أبو رشيد، أسامة، معنى حل الدولتين في ظل تقويض إمكان إقامة دولية فلسطينية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2016.