«الفلسطينيون في العالم: دراسة ديموغرافية»… الشعب في شتاته

وديع العرابيد

باحث من فلسطين

في الفصل الحادي عشر، يوضح المؤلفان كيف واجه أبناء الجيل الأول من الجالية الفلسطينية صعوبات ومعوّقات كبيرة أمام عملية اندماجهم داخل المجتمع الأميركي، وفي مقدمتها الاختلاف في اللغة والعادات والتقاليد

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

25/09/2020

تصوير: اسماء الغول

وديع العرابيد

باحث من فلسطين

وديع العرابيد

من قطاع غزة، ناشط حقوقي وباحث في النزاعات والسياسة والقانون. يدرس الماجيستير في معهد الدوحة للدراسات العليا في كلية إدارة النزاع والعمل الإنساني.

مقدمة

يتعرض الفلسطينيون منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى محاولات لمحو الهوية الفلسطينية وعمليات ممنهجة من التفكيك وإعادة التشكيل، أقدم عليها النظام الاستعماري الغربي بصور وطرائق مختلفة، شكلت الصهيونية آخرها.(1) بدأت هذه المحاولات على صورة حرب، “تطورت بنوايا مبيتة إلى نوع من الإبادة الجماعية قضت على الكيانية الفلسطينية في شكلها الذي سبق الحرب”، فتشتت المجتمع الفلسطيني إلى جماعات عدة، تعيش كل منها على هامش مجتمع آخر “تتعلق به ويقصيها بدوره عن مركزه”.(2) وعلى الرغم من هذه المحاولات، بقي للفلسطينيين وزنا ديمغرافيا سواء داخل إسرائيل نفسها أو على أرض فلسطين المحتلة أو في جميع أنحاء العالم على مستويات عدة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وهو ما يوضحه كتاب الفلسطينيون في العالم: دراسة ديموغرافية، للمؤلفين يوسف كرباج وحلا نوفل، والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2020، والذي يتكون من 296 صفحة، وزعت على اثني عشر فصلا. 

 تحمل الدراسة منهجية هجينة قائمة على التحليل الكمي والكيفي والجمع ما بين الديموغرافيا والتاريخ والسياسة والاقتصاد، ولا تحمل فقط جانبا مونوغرافياً، بل تمتد لتبحر في خصوصية ودور كل مجتمع بذاته،  والسفر عبر ممرات الماضي وصولا إلى الحاضر والمستقبل للفلسطينيين حول العالم وأعدادهم، فضلا عن الإسقاطات للإحصائيات المتوافرة لاستشراف عدد الفلسطينيين ووزنهم الديمغرافي بحلول العام 2050 (ص 20). في هذه الدراسة المميزة لا تتعلق المسألة فقط بأعداد الفلسطينيين، إنما تتعدى ذلك لمناقشة مؤثرات النمو والانخفاض في ضوء عدة عوامل كالهجرة ومعدل الخصوبة والوفيات وغيرها من العوامل المرتبطة بكل مجتمع على حدة نتيجة للأوضاع السياسية داخل بلد الاستضافة نفسه، فضلا عن تناول الأثر الحاسم لتطور أعدادهم في ضوء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومدى ارتباطه بالمستقبل السياسي للشعب الفلسطيني. ونظرا لما تحمله هذه الدراسة من طموحات، ولما تحققه من أهداف وغايات، تحاول هذه المراجعة أن تبحث في أبرز القضايا التي وردت في تفاصيلها، مع توضيح وتفكيك البنى الناظمة لها قدر الإمكان. 

دولة فلسطين:  أكبر عدد من الفلسطينيين على الرغم من الكارثة

في هذا الفصل الأول يقدم لنا المؤلفان صورة بانورامية لقياس الحجم الديمغرافي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث بقي حجمهم الديموغرافي الذي قدر بحوالي 5 ملايين نسمة أواخر العام 2017 هو الأكبر بين المجتمعات الفلسطينية، أي نحو 38 في المئة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم الذي يُقدر بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ب 13 مليون نسمة (ص 27). صحيح أن أعداد الفلسطينيين في فلسطين لا يمثل أغلبية الفلسطينيين حول العالم، لكن يجادل الكاتبان بأنهم قد يتحولون إلى ذلك، في ضوء ديناميتهم الديمغرافية، وفي حال تحقق حقهم في العودة (ص 27). تعد إجابة التساؤلات حول المستقبل الديمغرافي للفلسطينيين في أماكن تواجدهم في فلسطين بمن فيهم فلسطينيو الداخل، وارتباط هذه المسألة بالحل السياسي مستقبلا، صعبة ومعقدة وتتراوح الإجابة عنها لخصوصية كل مجتمع، وبخاصة إذا ما قارنا هذا العدد والزيادة أو الانزلاق الديمغرافي بمقابله بالنسبة لليهود في نفس المنطقة. فبالإضافة إلى توقعهم زيادة العدد الديمغرافي للفلسطينيين على الرغم من معدل انخفاض الخصوبة، يشير المؤلفان إلى أنه من الضروري قياس التحديات الديموغرافية التي ستشكل عبئًا ثقيلاً على التطورات السياسية؛ فمن المتوقع زيادة السكان اليهود كما الفلسطينيين. يواجه الفلسطينيون توسعًا عدوانيًا عسكريًا إسرائيليًا، إلى جانب “ديموغرافيا صراع “. تتضمن هذه التطورات المتناقضة للديموغرافيتين الفلسطينية واليهودية أخطارًا سياسية. وعلى عكس الفلسطينيين، يتمتع الإسرائيليون الذين يحتلون الضفة الغربية والقدس الشرقية بالميزة التي تمثلها الدينامية الديموغرافية المتفوقة جدًا: تتزايد خصوبتهم، ولا تزال هجرتهم الوافدة قوية على الرغم من انعدام الأمن، ووفياتهم منخفضة جدًا على الرغم من الخسائر التي ألحقتها الانتفاضة بهم (ص 33). ووفقا لمعطيات الدراسة سيقفز عدد سكان فلسطين من 4700000 إلى 9500000 نسمة بحلول منتصف القرن الحالي، وإلى ضعف هذا الرقم الأخير بعد قرن، بتأثير الخصوبة التي تتجه إلى الانخفاض (ونسبة الوفيات التي تتجه أيضًا إلى الانخفاض). وما لم يحصل نزوح جماعي أو ترحيل ستؤدي الهجرة الدولية دورًا متواضعًا في النمو الديموغرافي. وسيكون عدد اليهود في إسرائيل كبيرًا أيضًا في عام 2050. لكن الأمر سيكون كذلك من دون حساب فلسطينيي أراضي 1948 الذين سيصل عددهم إلى 2400000 نسمة، حيث إن توزيع السكان في فلسطين التاريخية سيكون 56 في المئة من الفلسطينيين، في مقابل 44 في المئة من اليهود.

الفلسطينيون في إسرائيل

في الفصل الثاني بعنوان: الفلسطينيون في إسرائيل، يشتبك المؤلفان مع تاريخ فلسطينيي الداخل منذ حرب 1948، مفندين إسقاطات ذلك التاريخ على هويتهم التي تحولت بعد النكبة من هوية عربية اسرائيلية إلى هوية فلسطينية (ص 59). يسلط المؤلفان في هذا القسم إلى حقيقة مهمة تتعلق بالفلسطينيين في إسرائيل أو “فلسطينيو الداخل” سموها بالمعجزة المزدوجة -وهي الحفاظ على وجودهم في أراضيهم والنمو على الرغم من المعوقات التي يواجهونها- حيث قفز عددهم في إسرائيل من 156 ألف نسمة حين النكبة، إلى 1427000 نسمة في أواخر عام 2016، مشكلين بذلك ثاني أكبر مجتمع فلسطيني في العالم خارج دولة فلسطين بعد الأردن (ص 62). وهذه معجزة بحق، فالصراع الديمغرافي بين الفلسطينيين واليهود سيكون له آثاره بدون أي شك على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. يستشرف المؤلفان المستقبل الديمغرافي للفلسطينيين في إسرائيل وفقا لما تسمح أحدث الإسقاطات التي قام بها المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، أو تلك التي قاموا بها، وتتقاطعان إلى حدٍ بعيد، بإدراك أن أولئك الفلسطينيين في إسرائيل الذين قُدّموا كطابور خامس وتهديد وجودي لإسرائيل، سيتزايدون بمعدلات معتدلة خلال الأعوام الـ 35 المقبلة. فبحلول عام 2048 الذي سيصادف مرور مئة عام على النكبة، سيصل عدد الفلسطينيين في إسرائيل إلى 2.5 مليون نسمة بحسب الإسقاطات الإسرائيلية، وإلى 2.4 مليون نسمة بحسب إسقاطات المؤلفين، أي بنسبة أقل قليلً من 20 في المئة من مجموع السكان (ص 77).

الأردن: العدد الأكبر من الفلسطينيين في الشتات

يرتحل المؤلفان بعد توضيح الوزن الديمغرافي لفلسطينيي الداخل إلى الفصل الثالث. وقبل الدخول في جدلية أعداد الفلسطينيون في الأردن الحقيقية، لا بد من ذكر ما يرمي إليه المؤلفان من وجود تناقض وتباين في تداول أعدادهم، إذ تشي الأرقام المتداولة بخصوص أعدادهم فيها بنوع من الحيرة سواء بالنسبة للفلسطينيين أو الأردن نفسها أو إسرائيل والمنظمات الدولية مثل الأونروا. على سبيل المثال، وفقا للتعداد العام للسكان والمساكن في الأردن لم يبلغ عدد الفلسطينيين سوى 634 ألف نسمة، أي ما يعادل 6.6 في المئة من مجموع السكان.(3) في المقابل وتبعًا لوجهة النظر المنحازة أيديولوجيًا-سياسيًا في الكثير من الأحيان، تبلغ نسبتهم ما يراوح بين 60 و80 في المئة بحسب بعض الصحف الإسرائيلية الحريصة على تقديم الأردن بوصفه وطنًا بديلاً للفلسطينيين، مع النيّة غير المعلنة أن يمثّل الأردن بديلاً للفلسطينيين في الضفة الغربية (ص 85). وعلى الرغم من عدم دقة البيانات والأرقام، تكشف الدراسة شيئا مهما وهي أن الفلسطينيين يمثّلون عنصرًا أساسيًا في البلاد، لكنه العنصر الذي لا توجد لديه الرغبة في السيطرة على كل شيء. وهذه مفيدة للعلاقات الجيدة بينهم من خلال نزع فتيل الأوهام التي تنتشر في الكثير من الأحيان (ص 111). تشير النتائج أنّ مجموع سكان البلاد سيشهد نموًّا ملحوظًا بنسبة 53 في المئة في غضون 35 عامًا، وسيبقى العنصر الرئيس ممثلً في الأردني الأصل، مع 42 في المئة من مجموع السكان في عام 2050، وهو ما يبدو طبيعيًا تمامًا. أما على صعيد الأجانب، فسيشكل الفلسطينيون وغيرهم وفق الإسقاطات نسبة كبيرة، مع ما يقرب من ثلث مجموع السكان. سيمثل الفلسطينيون (الأصل) وغيرهم من الفلسطينيين من جنسيات أجنبية 35 في المئة، أي أقل من الأردنيين (الأصل). وأخيرًا، من حيث مكون السكان من الجنسية الأردنية، سيحتل الأردنيون الأغلبية مع 60 في المئة (ص 103). 

الفلسطينيون في سورية: من الاستقرار إلى التهجير الثاني

في الفصل الرابع يوجه المؤلفان البوصلة نحو الفلسطينيين في سورية. قبل اندلاع الحرب في سورية في عام 2011، كان الفلسطينيون المقيمون فيها يمثلون نسبة مهمة من فلسطينيي الشتات نحو 10.7 في المئة من مجمل عدد السكان. وقدّر بعض الباحثين عددهم بنحو 600 ألف نسمة في عام 2011 أي ما يعادل 2.6 في المئة من إجمالي سكان سورية يعيشون ثلثيهم في دمشق وحلب مع الإشارة الى مخيم اليرموك كأكبر تجمع فلسطيني في سوريا (ص124،115). كانت أوضاع الفلسطينيين أفضل بكثير لما هو عليه في لبنان، مع الأخذ في عين الاعتبار الفئات الأربع للاجئين الفلسطينيين في سورية الذين تراوحت أوضاعهم حسب القوانين التي تنطبق عليهم (ص 118).  لكن سرعان ما انقلب وضعهم رأسا على عقب بعد عام 2001. الذي ولّد إحدى أكثر حركات التهجير والتشرّد اتساعًا في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية؛ فتأثر الفلسطينيون مباشرة بهذا الصراع، على الرغم من أنهم لم يكونوا طرفًا فيه. أصبح اللاجئون الفلسطينيون معرّضين، كغيرهم من المواطنين السوريين، للهجرة القسرية مرة أخرى بعد عقود من الاستقرار في المخيمات التابعة للأونروا (ص 116). ووفقا لإسقاطات كينسيلا، فمن المتوقع أن يصل عدد الفلسطينيين في سورية إلى 600 ألف حاليًا، و1200000 في عام 2050. توضح هذه الدراسة، على خلاف التوقعات، أنّ عددهم انخفض كثيرًا بسبب انخفاض الخصوبة من جهة، ومن جهة أخرى نزوحهم إلى بلدان متعددة من المحتمل جدًا ألا يعودوا منها، فتكون هجرتهم نهائية. ونشير هنا إلى أن انخفاض خصوبتهم يتساوق مع انخفاض معدل خصوبة المرأة السورية العام (ص131).

الفلسطينيون في لبنان: من حق العودة إلى حق الهجرة

مهما كان وضع الفلسطينيين في سورية، فهو أسوأ في لبنان، ويوضح المؤلفان ذلك في هذا الفصل الخامس. تعكس الديموغرافيا الفلسطينية في لبنان الحوادث والصراعات التي شهدها هذا البلد منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، فضلاً عن القيود القانونية وسياسات التضييق المأساوية التي يتعرض لها الفلسطينيون والتهميش والغياب الواضح لتعريف من هو اللاجئ الفلسطيني، وغياب حل لهم حتى يومنا هذا (ص 135). وعلى الرغم من صعوبة تقدير عدد الفلسطينيين في لبنان، يعود أحدث تقدير رسمي لعدد الفلسطينيين المقيمين في لبنان إلى دراسة أوضاع الأسر المعيشية في عام 1997، حيث قُدّر عددهم ب 196 ألفًا – الذين لم يكتسبوا الجنسية اللبنانية – يمثلون 4.9 في المئة من تقدير عدد السكان المقيمين في لبنان 4005000 نسمة. هذا العدد أقل من مثيله المُقدر في السبعينيات من القرن الماضي، حين بلغ نحو أكثر قليلً من 200 ألف فلسطيني. مقيم في لبنان، منهم 130 ألفًا يعيشون في المخيمات. وبعد مضي ثلاثة عشر عامًا، قدّر الاستقصاء الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والذي أُجري في عام 2010، عدد الفلسطينيين المقيمين بين 260 ألفًا و280 ألفًا، وتوصل الاستقصاء المشابه له الذي أُنجز في عام 2016 إلى التقدير نفسه، معللا السبب في الهجرة المتواصلة للفلسطينيين من لبنان نتيجة الحرمان الاجتماعي والاقتصادي الحاد، والحواجز القانونية التي تحول دون تمتعهم بمجموعة واسعة من حقوق الإنسان. وفي حين تعتبر بعض المصادر أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قد لا يتجاوز حاليًا 250 ألف نسمة أظهر تعداد للاجئين الفلسطينيين على مدى عام 2017 في 12 مخيمًا و156 تجمعًا، أن عددهم يصل إلى 174422 نسمة (ص 137-138).  وفقا لبعض المعطيات، يمكن تقدير نسبة الفلسطينيين ب 5.5 في المئة من مجمل السكان المقيمين حاليًا على الأراضي اللبنانية 6136243 نسمة مع الفلسطينيين والنازحين السوريين، أي أقل بمقدار الضعف من نسبتهم إبان نزوحهم إليه في عام 1948، في مقابل 33 في المئة من النازحين السوريين (ص 141). 

الفلسطينيون في مصر: من الاندماج إلى النسيان

لمصر حكاية أخرى شكلت ملامح الفصل السادس من الكتاب. تشير الاحصائيات وفقا للكتاب بأن عدد الفلسطينيين قدر في مصر ب 100 ألف في عام 2014، إلا أن بعض المصادر يعتبر أن العدد الحالي لا يتعدى 30 ألف شخص، موزعين على كل أنحاء مصر الذين قدروا بحوالي 92 مليون نسمة عام 2016 (ص 161). في عهد جمال عبد الناصر كان يتمتع الفلسطينيين بحقوق متساوية مع المصريين، لكن سرعان ما تم تجريدهم من هذه الامتيازات في عهد أنور السادات وتوتر العلاقات ونتيجة الخلافات بين القيادتين الفلسطينية والمصرية بعد اتفاقات كامب ديفيد، صدر قانونان في عام 1978 جرّدا الفلسطينيين من الحقوق التي كانوا يتمتعون بها، وأصبحت الحكومة المصرية تعاملهم معاملة الأجانب سواء على صعيد العمل حيث يحتاجون إلى تصريح للعمل وكان هذا صعبا بالنسبة للفلسطينيين، او على صعيد التعليم وغيره (164-168). وأصبح الفلسطينيون أجانب باستثناء ذوي الامتيازات كالفلسطينيين العاملين لدى منظمة التحرير الفلسطينية. كما جُرِّد الفلسطينيون من حقوقهم في الإقامة في مصر، باستثناء مَن كان متزوجًا من مواطنة مصرية، أو ملتحقًا بمدرسة أو جامعة ودافعًا رسومها، أو متعاقدًا مع القطاع الخاص، أو مَن كانت لديه مصلحةٌ تجارية أو استثماراتٌ داخل البلد. تلا ذلك تأثيرات على الأوضاع الاجتماعية للفلسطينيين، أهمها لجوء الفلسطيني للزواج من مصرية لإضفاء الشرعية على إقامته، على الرغم من أن زواج الفلسطيني بالمصرية لا يمنحه سوى الإقامة (ص167). حسب المعطيات المتاحة، يُتوقع تدني عدد الفلسطينيين في مصر إلى حد منخفض جدًا على مدى الأجيال المقبلة القليلة. وتختلف هذه النتيجة، المتمثلة في الانخفاض الملحوظ لعدد السكان الفلسطينيين في مصر والناتج أيضًا من الهجرة المرتفعة إلى منطقة الخليج وكندا، كثيرًا عن تلك التي توصل إليها مكتب الإحصاء الأميركي، حيث قدر عدد الفلسطينيين ب 60 ألفًا في عام 2015 على الرغم من الانخفاض المتوقع في معدلات نموهم، وكان يفترض أن يصل عددهم إلى 83 ألفًا في عام 2050  (ص167).

الفلسطينيون في العراق التي كانت أرض استضافة متواضعة للفلسطينيين

في الفصل السابع يورد المؤلفان إلى أنه في بدايات عام 1949، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين 4 آلاف شخص وفق بعثة الأمم المتحدة. وكان يبلغ عدد سكان العراق 4.3 ملايين نسمة في عام 1948 (ص171). على الرغم من عدم دقة المعطيات، وفي بلد مزّقته الحرب والحروب الأهلية، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين انخفض إلى 10 آلاف في عام 2010، وهو ربما أقل من ذلك كثيرًا اليوم (ص 172). دفع الفلسطينيون في عهد النظام الجديد منذ عام 2003 الثمن وتمت معاملتهم بطريقة جائرة، مع النيّة المُعلنة لطردهم. كما دفع الفلسطينيون بعد الاحتلال ثمن المعاملة التفضيلية من صدام حسين (ص 174). ولما كانت الأغلبية الساحقة منهم تنتمي إلى الطائفة السُنّية، لم يتم استيعابهم من السلطة الجديدة التي تميزت بنزعتها الشيعية المهيمنة. انخفض عدد الفلسطينيين في العراق تحت عتبة ديموغرافية متدنية جدًا إلى درجة بات انقراضهم على المدى الطويل أو القصير محتّمًا. ومن المؤكد أن إمكانات نموّهم الديموغرافي تداعت على نحو ملحوظ؛ تدنٍّ مستمر للزواجات والولادات. لكن الهجرة إلى خارج العراق هي التي ستشكل الضربة القاضية (ص 175). ويقابل عدم ترحاب البلدان العربية التي أغلقت الأبواب أمامهم، فتح الدول الغربية أبوابها، حيث لم تكن هناك مشكلة في استقبال بعض الآلاف من المهاجرين هنا وهناك. وبناء عليه، سيكون انقراض المجتمع الفلسطيني في العراق، احتمالا قويًا بحلول عام 2050، ما يميزه من مجتمعات الشتات الفلسطيني الأخرى في جميع أنحاء العالم (ص 175).

الفلسطينيون في الخليج: نخبة مثقفة ومختارة

يوجه المؤلفان في هذا الفصل الثامن بوصلتهم نحو الخليج العربي. فوفقا لهما شهد الوجود الفلسطيني في منطقة الخليج العربي، الذي يعود تاريخه إلى ما يقرب من مئة عام، الكثير من التطورات السياسية والاقتصادية. واتّسم مثل هذا الوجود، على الرغم من اعتدال وزنه في ديموغرافيا الشتات، ولا يزال، بأهمية فائقة في مجتمعات البلدان المضيفة (ص 179).  يؤكد المؤلفان في هذا الفصل على عدم دقة وتناقض أعداد الفلسطينيين في دول الخليج، الذين قدرهم البعض نحو المليون، بينما قدروا لأغراض الدراسة وتبعا لنموهم حتى العام 2050 بنحو 443925 نسمة (ص181). شكل الفلسطينيون في دول الخليج نخبة دينامية مثقفة ومختارة، خصوصًا على الصعيد التربوي والمهارات المهنية. ومع ذلك، تعكس بعض الشهادات والقصص الشفوية الكثير من إشكالات اندماجهم في المجتمعات الخليجية. يحتل السكان الفلسطينيون في منطقة الخليج العربي أهمية خاصة بالنسبة إلى دول الشتات الفلسطيني، لا يتعلق الأمر بأهميتهم العددية؛ إذ أن وزنهم الديموغرافي ليس كبيرًا، مقارنة بالبلدان الأخرى من الشتات، خصوصًا أنهم ينتشرون في ست دول. لكن قد يكون ضروريًا الإشارة إلى دورهم الاقتصادي المهم، وبدرجات معيّنة تأثيرهم السياسي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. مهم الالتفات هنا إلى أن المجتمعات الفلسطينية في الخليج العربي بحاجة إلى مزيد من الدراسة والاستقصاء خصوصا في ظل عدم توافر أعداد دقيقة حولهم وحول أدوارهم وتأثيرهم سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي في هذه المنطقة.

الفلسطينيون في أوروبا الغربية (فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا)

يوضح الفصل التاسع من الكتاب أعداد وتأثير الفلسطينيون الثقافي والسياسي والاقتصادي في أوروبا الغربية تحديدا (فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا). في أوائل التسعينيات، قدّرت ساندرين  منصور ميرين، ضمن مروحة واسعة جدًا، عدد الفلسطينيين في فرنسا الذين كانوا لاجئين ومجنسين، بين 500 و3000 نسمة. في المقابلات القليلة التي أجراها المؤلفين مع محاوريهم الفلسطينيين أو غيرهم، تبيّن وفقا لهم أن الفلسطينيين في فرنسا يراوحون بين 2000 شخص إلى 3000 على أكثر تقدير. بل إن هناك من يذهب إلى تقديرهم بنحو 7000 شخص كحد أقصى وفقًا لعدد الطلاب المقيمين في فرنسا فترات قصيرة أو متوسطة؛ والأرقام منخفضة بشكل مدهش، مقارنة بالدول الغربية الأخرى مثل ألمانيا أو المملكة المتحدة، أو حتى السويد. وإضافة إلى ذلك، فإن هذا المجتمع لا يتميز بقوة اقتصادية؛ فمعظم الفلسطينيين في فرنسا من المثقفين، أو من الطلاب الذين يعيشون هناك، إمًا موقتًا أو بنيّة الإقامة على نحو دائم.

في بريطانيا، يتميز الفلسطينيون في وجودهم على المستوى الثقافي والاجتماعي، وليس في عددهم، حيث أنشأوا المؤسسات ولديهم مشاركة متزايدة في الحياة العامة والسياسية، فضلاً عن بروز عدد لا يستهان به من الفلسطينيين البريطانيين في أوساط عدة، من بينها الأوساط الأكاديمية والقانونية والطبية والإعلامية (ص 293). وتشير تقديرات عباس شبلاق للفلسطينيين في البلدان الأوروبية بما فيها بريطانيا إلى أن عدد الفلسطينيين في هذه الأخيرة ارتفع من 20 ألفًا في عام 2001 إلى 25 ألفًا في عام 2012  (ص 204). أما التقديرات الحالية المتداولة، فتراوح بين 25 و35 ألفًا، بينما ذكر موقع مركز العودة الفلسطيني أن العدد نحو 50 ألفًا. وسبق تداول هذا الرقم الأخير حوالي عام 2005، ما يرجح وصول عدد الفلسطينيين في بريطانيا إلى نحو 60 ألفًا حاليًا، مع تضمين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى بريطانيا في مراحل مبكرة وفيما بعد حصلوا على الجنسية البريطانية، وأخذ نموهم الديموغرافي الطبيعي في الحسبان (ص 205). أما بالنسبة لألمانيا، ففيها العدد الأكبر من الفلسطينيين على الرغم من عدم دقة وتناقض بعض الأرقام، غير أن المؤكد هو أن العدد تجاوز عشرات الآلاف منذ بعض الوقت (ص 207). 

الفلسطينيون في بلدان شمال أوروبا

في الفصل العاشر ينتقل المؤلفان إلى دراسة الفلسطينيين في دول شمال أوروبا الخمس: السويد، والدانمارك، والنرويج، وأيسلندا، وفنلندا. ومع أن المجتمعات الفلسطينية في هذه البلدان ليست كبيرة، فإنها تكتسب أهمية سياسية ورمزية (225-239). فعلى سبيل المثال كانت السويد من بين عدد قليل من دول أوروبا الغربية التي اعترفت بدولة فلسطين، وبرز اندماج عدد من الفلسطينيين في الدانمارك، خصوصًا في المجال السياسي. بينما يتناقض، بوضوح، الاهتمام الذي تعيره النرويج للقضية الفلسطينية في الشرق الأوسط مع مصير الفلسطينيين الذين تمكنوا من اللجوء إليها. وتعتبر أيسلندا أول دولة أوروبية اعترفت بدولة فلسطين في 15 كانون الأول/ديسمبر 2011 وأقامت علاقات دبلوماسية معها، حيث قامت بدور فاعل على الأرض الفلسطينية (ص 225). الشتات الفلسطيني ليس كبيرًا جدًا في الدول الخمس من شمال أوروبا. نحو 10 آلاف في السويد، والعدد نفسه أو أكثر بقليل في الدانمارك 15 ألفًا، وأقل قليلاً من 4 آلاف في النرويج، وبضع عشرات في أيسلندا، وأقل من 4 آلاف في فنلندا. وبهذا قد يصل المجموع إلى 30 ألف فلسطيني أو أكثر قليلاً كحد أعلى. ومما لا شك فيه، أنه يتوقع زيادة عدد هؤلاء الفلسطينيين في المستقبل القريب، وربما تضاعفه بحلول عام 2050 نتيجة النمو الطبيعي والهجرة الوافدة.

الفلسطينيون في الولايات المتحدة الأميركية: بين الاندماج والشعور بالانتماء

في الفصل الحادي عشر، يوضح المؤلفان كيف واجه أبناء الجيل الأول من الجالية الفلسطينية صعوبات ومعوّقات كبيرة أمام عملية اندماجهم داخل المجتمع الأميركي، وفي مقدمتها الاختلاف في اللغة والعادات والتقاليد. إلا أن هذه العقبة أخذت في الانحسار بالنسبة إلى الجيل الثاني الذي كان أكثر قبولاً للانخراط في بوتقة المجتمع الأميركي بعاداته وتقاليده وقيمه، فاتسع نطاق اندماجهم، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي (ص 294). وعلى الرغم من عدم توافر معطيات دقيقة عن الفلسطينيين في الولايات المتحدة، يستشف من التقديرات المتوافرة أن عددهم تزايد من حوالي 200 ألف نسمة في عام 1988 إلى 236 ألفًا في عام 2005، ويُقدّر حاليًا ب 310 آلاف نسمة. وفي انتظار نتائج تعداد السكان الفلسطينيين المرتقب تنفيذه، وفي ضوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في الولايات المتحدة، يمكن توقع تطور عدد الفلسطينيين، حيث يصل إلى 344 ألف نسمة حوالي عام 2025، وإلى 441 ألفًا بحلول عام 2050 (ص 251). 

الفلسطينيون في تشيلي: أهمية رمزية وسياسية

في الفصل الثاني عشر يعتمد المؤلفان العدد 350 ألف نسمة، لتقدير عدد الفلسطينيين في تشيلي، وهو تقدير قامت به المنظمات الفلسطينية في تشيلي من دون تعديل الفارق الزمني بين هذه التقديرات منذ بداية هذا العقد حتى عام 2017  (ص265). يركز المؤلفان هنا على الأهمية الرمزية والسياسية لهذا المجتمع نظرا للعدد الكبير للمنظمات الفلسطينية في تشيلي ميزة، وانتماء الفلسطينيين إلى الطبقات الأكثر تعليمًا في المجتمع. ويشكل الحفاظ على منزلتهم الاجتماعية المرتفعة وتركزهم الجغرافي في أماكن محددة جدًا في البلد وفي المدن، ميزة أخرى من شأنها أن تجعل من الممكن، عن طريق تقنيات مناسبة ليست معقدة، التعرف إلى هؤلاء السكان، من دون المخاطرة بازدواجية العد والحذف. في الوقت الذي قد يُستفاد من التجارب السابقة للتعرف إلى الشتات في جميع أنحاء العالم، فإن تعداد الفلسطينيين في تشيلي قد يعود بالفائدة على دراسة المجتمعات الفلسطينية الأخرى في جميع أنحاء العالم.

خاتمة ونقاش

يمكن القول هنا بأن الحفاظ على وجود أعداد الفلسطينيين ونموهم والتفوق العددي سواء في فلسطين أو في الخارج يعد مقاومة بحد ذاتها للمشروع الاستعماري الاستيطاني الذي يستهدف الشعب الفلسطيني لتصفيته والنيل من وجوده.(4) في فلسطين التاريخية، بين المؤلفان التنافس والصراع الديمغرافي الحاصل بين اليهود والفلسطينيين، فضلا عن كشفهم لمدى الارتباط بين الديموغرافيا والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ وغيرها من التخصصات الأخرى التي مع تفاعلها يمكن أن تشكل تأثيرا كبيرا في استشراف المستقبل. لا يمكن ذكر كل شاردة وواردة في هذه الدراسة، فهي تحمل في طياتها مجموعة كبيرة من التفاصيل والمعلومات عن المجتمعات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجه. على الرغم من ملاحظة انخفاض معدل الخصوبة في العديد من المجتمعات، وربما معظمها، إلا أن الدراسة تُفصِح عما يمكن وصفه بالمعجزة، التي تتمثل في زيادة عدد الفلسطينيين إلى الضعف خلال العام 2050، وهو ما يعني استمرار التنافس الديمغرافي الذي يشكل خطرا على إسرائيل نفسها وسيكون له دور بالغ في توجيه الصراع في السنوات المقبلة. أخيرا، شكلت هذه الدراسة خارطة طريق لمجموعة كبيرة من الأبحاث والدراسات المستقبلية المهتمة بدراسة المجتمعات الفلسطينية، وهناك حاجة معها إلى تطوير الدراسات فيما يتعلق بمجتمعات الشتات سواء تلك التي تضمنتها الدراسة أو غيرها من المجتمعات التي تعذر ادراجها لاستحالة ذلك من الناحية العملية وفقا لما أشار إليه المؤلفان. 

المراجع:

١- إسماعيل ناشف، صور الموت الفلسطيني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، (بيروت: حزيران/يونيو 2015)، ص8-9.
٢- المرجع نفسه.
٣- يشمل هذا الرقم الفلسطينيين الذين يحملون جواز السفر الفلسطيني (البطاقة الخضراء) والسكان الفلسطينيين المقيمين في الأردن من قطاع غزة، ولا يتضمن الفلسطينيين الذين يقيمون في الأردن ويحملون الجنسية الأردنية (النازحون واللاجئون وحملة البطاقة الصفراء). انظر الكتاب نفسه، ص 85.
٤- غازي حسين، الاستيطان اليهودي في فلسطين: من الاستعمار إلى الامبريالية، اتحاد الكتاب العرب، (دمشق، 2003)، ص 7-10.

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع