إيليا سليمان عن “فلسطنة” العالم (ترجمة)

A scene from ‘It Must Be Heaven’

رهام درويش

كاتبة من الأردن

"إذن، من أي بلد أنت؟" يسأل سائق التاكسي النيويوركي كاتبَ ومخرجَ فيلم «إن شئتَ كما في السماء». يجيب سليمان مقدماً شخصية شبه ذاتية يقدمها في جلّ أفلامه: "الناصرة". يرد سائق التاكسي: "الناصرة؟ هل هذه بلد؟" يرد سليمان: "أنا فلسطيني".

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

15/06/2021

تصوير: اسماء الغول

رهام درويش

كاتبة من الأردن

رهام درويش

ومترجمة

كتبها توبايس غراي لفاينانشال تايمز في ١٠ حزيران/يونيو ٢٠٢١.
 

في البداية تحدثت غاربو، والآن دور إيليا سليمان.

“إذن، من أي بلد أنت؟” يسأل سائق التاكسي النيويوركي كاتبَ ومخرجَ فيلم «إن شئتَ كما في السماء». يجيب سليمان مقدماً شخصية شبه ذاتية يقدمها في جلّ أفلامه: “الناصرة”. يرد سائق التاكسي: “الناصرة؟ هل هذه بلد؟” يرد سليمان: “أنا فلسطيني”.

يبدو الصوت واضحاً جلياً، تماماً كالصوت الذي يحييني من باريس خلال مكالمة الفيديو. ولكن، لماذا قرر سليمان أخيراً ولو عبر الشاشة أن يكسر صمتاً استمر لأربعة أفلام صنعها خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية؟ يخبرني: “ظننتُ أن هذا أكثر الأشياء التي يمكنني قولها أهميةً.”

لقد تحدّثتْ كلّ أفلام سليمان التي استهلّها بفيلم «سجلّ اختفاء» عام 1996 عن انعكاسات العيش بلا دولة. ففيها جميعاً أصوات سيارات الشرطة وأجهزة الإنذار، وحواجز عسكرية يتعين على المرء اجتيازها، إضافة إلى ذكريات ماضٍ أفضل يأبى أن يتلاشى. في فيلم «إن شئتَ كما في السماء» الذي صوّرَ الناصرة وباريس ونيويورك، يبدو أن العالم بأسره قد تورّط في هذه المظالم.

يقول سليمان: “لا يتحدث هذا الفيلم عن فلسطين، إنما عن فلسطنة العالم، أو كيف أصبح العالم كله كفلسطين. فهو عن التوترات المتصاعدة في كل مكان، وعن الاقتصاد العالمي الذي يزداد استغلاله تطرفاً.”

ومع ذلك، فإن «إن شئتَ كما في السماء» الذي فاز بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما بمهرجان كان السينمائي أبعد ما يكون عن أن يكون فيلماً مُحبِطاً. يوافقني سليمان على أنه أظرف أفلامه حتى الآن. يعود معظم الفضل في ذلك لأداء السينمائي الستيني الذي وصل إلى أبعد الحدود التعبيرية. فوجهه الذي اعتاد في الماضي على تقديم ملامح خالية من المشاعر أشبه بأقنعة كابوكي المسرحية اليابانية، أصبح الآن مقياساً يُستدّل من خلاله على سخافات الحياة الحديثة.
 

Elia Suleiman’s 1996 film, ‘Chronicle of a Disappearance’ © Alamy

“أدركتُ في هذا الفيلم أنه ليس بوسعي بعد الآن أن أكون شخصية مراقِبة وكأنني غريبٌ عن المشهد”، يقول سليمان. “تقع معظم الأحداث لشخصيتي أنا، فقررتُ أن ذلك سيتطلب مني ردّ فعل ما، حتى ولو بالحدّ الأدنى.”

في أحد المشاهد التي تجري في الناصرة ظرافة انتقادية وصرامة خبيثة. يدخل إيليا سليمان إلى حانة ويجلس مقابل شقيقين يتجرّعان كؤوس الويسكي. يهدد الشقيقان مالك الحانة الفلسطيني بالقتل بعد أن قدّم طبق دجاج مطهو بالنبيذ لشقيقتهما ثم يحدّقان بإيليا سليمان. يسود شيء من الهدوء عندما يعتذر مالك الحانة ويحضر للشقيقان زجاجة ويسكي مجانية.

في مشهد لاحق، يقود إيليا سليمان سيارته على طريق سريع، تمر سيارة بالقرب منه وبداخلها جنديان إسرائيليان مختالان بنفسيهما إذ يتبادلان نظاراتهما الشمسية. يوجه إيليا سليمان إحدى نظراته نحوهما قبل أن ينظر إلى امرأة حبيسة في المقعد الخلفي للسيارة، حيث تجلس معصوبة العينين.

ليست هذه المشاهد القصيرة الشبيهة باللوحات بالشيء غير المعهود في أفلام سليمان، رغم حاجته لسنوات طويلة لينهي كتابتها وسنوات أطول ليحصل على تمويل يكفي لتصويرها. على الرغم من أن أفلامه عادةً ما تُقارن بأعمال بستر كيتن وجاك تاتي، إلا أنه يقرّ بعدم مشاهدة أي من أفلام الرجلين إلا بعد أن أنهى العمل على فيلم سجل اختفاء. بدلاً من ذلك، فإنه يدافع عن شخصيته الخاصة به.
 

A scene from ‘It Must Be Heaven’

“أشعر بالإرباك في الحياة الحقيقية بنفس قدر الإرباك الذي أبدو عليه عبر الشاشة”، يقول سليمان. “أجلسُ وأشاهد ما يجري، ودائماً ما أشعر بأنني أراقب أحداث حياتي وكأنني أتابعها من الخارج. أقوم بعد ذلك بإجراء التعديلات على مراقباتي وأحوّلها إلى لوحة سينمائية بشكل ما. أحياناً وأثناء تواجدي في الجوار، أشعر بأنني أقلد بعضاً من أفلامي.”

نشأ سليمان واحداً من خمسة أشقاء في الناصرة، دون الكثير من الاطلاع على عالم السينما. “لكن كانت الحياة مفعمة بالكثير من الرقّة والكثير من الموسيقى والكثير من الفُكاهة”. يقول سليمان: “أعتقد أن عائلتي هي السبب في حسّ الفكاهة هذا، لأن والديّ كانا ظريفين في حين تمتع أشقائي بخفة ظل شديدة. كنتُ أنا الأصغر ما جعلني أتلقى ذبذباتهم بكل فخر.”

انقطع سليمان عن المدرسة الثانوية في السادسة عشرة من عمره، وسافر إلى نيويورك وهو ابن الحادية والعشرين، حيث عمل في وظائف مؤقتة وبدأ بالتعرف إلى عالم السينما. كان أصدقاؤه من الطلاب يساعدونه في التسلل إلى محاضرات طلاب دراسات الفيلم في جامعة نيويورك. اعتاد هناك على مشاهدة الأفلام ومغادرة القاعة قبل وقت قصير من عودة الأضواء.

كانت أفلام المخرج الياباني ياسوجيرو أوزو أبرز اكتشافاته. “كان فيلم «قصة طوكيو» السبب الذي جعلني أرغب في صناعة الأفلام. دائماً ما أتذكر الزوجين العجوزين اللذين كانا يراقبان عربات القطار التي تمرّ أمامهما بنظرة استغراب. فلقد ذكرتني بجلوس والديّ على الشرفة عندما كنتُ طفلاً صغيراً، بعد وقت قصير من نكبة عام 1948. فكثيراً ما كانا شارديْ الذهن، يحاولان بطريقة أو بأخرى استيعاب ما جرى لهما.”

في فيلمه الثالث «الزمن الباقي»، عام 2009، وصف سليمان مآسي أحداث عام 1948، التي شهدت تهجير أكثر من سبعمئة ألف فلسطيني عربي من منازلهم. اعتمدت معظم أحداث الفيلم على ما ورد في مذكرات والد إيليا سليمان، التي سجلّ من خلالها أحداث تأسيس دولة إسرائيل والدور الذي لعبه في المقاومة الفلسطينية، وهو ما تسبب باعتقاله وتعرضه للتعذيب.

دفع هذا الفيلم بسليمان لصناعة فيلم «إن شئتَ كما في السماء»، الذي تقترب روحه من فيلمه الثاني «يد إلهية» الحائزة على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي عام 2002. يقول أن صناعة فيلم «الزمن الباقي» كانت مؤلمة جداً. “فقررتُ أنني سأضفي ما استطعتُ من ضحكات وهزل على فيلمي التالي.” 

يحتوي الجزء الباريسي من فيلم «إن شئتَ كما في السماء»، والذي يسافر فيه إيليا سليمان للمدينة بحثاً عن تمويل لفيلمه القادم على الكثير من الأمثلة الواضحة على ذلك. في أحد المشاهد، ينظر إيليا سليمان خارج نافذة غرفة نومه ليرى ثلاثة من رجال الشرطة وهم يؤدون حركات أشبه برقص الباليه فيما يركب كل منهم دراجة كهربائية (Segway). في مشهد آخر ترافقه ألحان نسخة نينا سيمون من أغنية “I Put a Spell on You”، نراه يتأمل أفواج الباريسيات المارّات بالقرب من الرصيف مستعرضات سيقانهن الطويلة.

Suleiman in 2002’s ‘Divine Intervention’ © Alamy

يعرف سليمان، الذي انتقل إلى باريس قبل عشرين عاماً ويقيم فيها برفقة زوجته المغنية وكاتبة الأغاني اللبنانية ياسمين حمدان، يعرف المدينة جيداً، لكنه لا يحبها بالضرورة. يقول: “تشعر في البداية بافتنان كبير، ثم ترى إرث المدينة البرجوازي السخيف. يعجبني المكان الذي أعيش فيه، يعجبني الحي وتعجبني شقتي. لكنني لستُ فرانكوفونياً. أنا فقط لا أعرف مكاناً آخر بوسعي الذهاب إليه.”

أما بالنسبة لصناعة فيلم آخر، يقول سليمان أنه بحاجة لتجارب جديدة قبل التفكير في ذلك. “أنا فعلاً بحاجة للخروج إلى العالم. أحتاج للجلوس خارجاً ومراقبة العالم. أحتاج لنزهات المشي التي أقوم بها عادة. أحتاج للشعور بشيء من الطمأنينة دون كمامة. إن السبب وراء تأخري في تقديم أفلام جديدة أنني أرغب في تقديم أفلام فقط عندما أشعر بالدافع والحاجة لذلك، لا لأنني أرغب في الذهاب إلى مهرجان كان.”

الكاتب: رهام درويش

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع