تحتضن مدينة تولوز الفرنسية الجنوبية، الدورة الثامنة من مهرجان “سينيبالستين تولوز“، وهو مهرجان “سينما فلسطين”، الذي يقام بين السابع والخامس عشر من الشهر الجاري، وسيعرض 34 فيلماً روائياً ووثائقياً، طويلاً وقصيراً. للتعرّف إلى هذه التظاهرة السينمائية وما حققته في نسخها السبع الفائتة، وملامح الدورة الجديدة، نحاور سمير عرابي، المدير الفني للمهرجان، وأحد المؤسسين له في نص هذا الحوار.
بداية، نرجو أن تقرّب قراءنا من مهرجان؟
تتضمن فعاليات المهرجان لقاءً وحواراً مع المخرجتين القديرتين سماهر القاضي وجوديث أبنصور، والناقد السينمائي طاهر شيخاوي، حول موضوع: “ماذا يمكن للسينما أن تفعل؟” هذا السؤال ليس جديداً ولا يدعو إلى إجابة بسيطة، باعتقادي له أهمية خاصة فيما يتعلق بالواقع والتاريخ الفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، ستستقبل “سينماتك تولوز” المخرج رائد أنضوني للتعليق والحوار حول أفلامه التي سيتم عرضها خلال المهرجان. سيتم كذلك قراءة نصّ أدبي مقتطف من “العرب يرقصون أيضاً” من تأليف سيد قشوع. وأخيراً سيقام طوال فترة المهرجان معرضاً للصور للفنانين عيسى غريب وعارف مصالحة.
من المؤكد أنكم سطرتم أهدافاً تتوخون من خلال هذا المهرجان بلوغها وتحقيقها، فما هي هذه الأهداف؟ وما التحدي الأكبر؟
هدفنا هو التعريف بالسينما الفلسطينية وتقديمها إلى جمهور واسع من محبي السينما دون أن يقتصر ذلك على الجمهور المتضامن مع القضية الفلسطينية. وأعتقد أننا نجحنا في هذه المهمة حيث أذكر أنه في بدايتنا تعرّضت مراراً ومن قبل مختصّين للسؤال: هل توجد سينما فلسطينية؟ خلال السنوات الثماني الماضية، تمكنا من تقديم سينما فلسطينية للجمهور الفرنسي في تولوز وضواحيها عبر أفلام متنوّعة وغنية ومبتكرة. التحدي الكبير والدائم هو توفير الوسائل والموارد لضمان الاستمرارية للمهرجان عبر السنوات القادمة.
ما هي أبرز المشاركات الموعودة في الدورة الثامنة من «سينيبالستين تولوز»؟
يسر فريق “سينما فلسطين” أن يفتتح المهرجان بالفيلم الأخير للمخرج رشيد مشهراوي «استعادة»، والذي يعرض لأول مرة في فرنسا. يشرفنا أيضاً أن نعرض فيلم «كما أريد» للمخرجة سماهر القاضي في الليلة الختامية يوم الخامس عشر من الشهر الجاري. علاوة على ذلك، نعطي مكاناً هاماً للمخرجين الفلسطينيين الشباب في كل دورة، في هذا العام سيشرفنا استقبال المخرج الصاعد ركان مياسي ليرافق فيلمه الوثائقي الأخير «سيأتي الحب غداً».
هل ثمّة معايير خاصة لاختيار الأفلام في المهرجان، وهل ثمّة شروط فيما يخصّ المواضيع؟
الجودة السينمائية هي المعيار الهام والوحيد للجنة اختيار الأفلام. الجودة أولاً وأخيراً. بشكل عام وفي كل دورة، لا نفرض شروطاً خاصّة ولكننا نفضل إفساح المجال للأفلام الحديثة. نركز بشكل خاصّ على اختيار أفلام لم تعرض من قبل في مدينة تولوز وضواحيها لكل من حفلة الافتتاح والليلة الختامية.
منذ الدورة الأولى للمهرجان عام 2014، أتخذتم قراراً بأن تكون الأفلام المشاركة أفلاماً فلسطينية، وليست أفلاماً عن القضية الفلسطينية. ما هو الفارق بينهما؟ ولماذا؟
المهرجان هو مهرجان السينما الفلسطينية فكان لزاماً علينا أن نفسح المجال للأفلام الفلسطينية بكافة أنواعها وبطبيعة الحال تغطي الأفلام الفلسطينية جميع المواضيع بدءاً بالحياة الاجتماعية والظروف المعيشية بما تحمله من تعقيدات وتحديات ووصولاً إلى النضال من أجل التحرّر ومناهضة الاحتلال. بعض الأفلام الفلسطينية تعالج مواضيع خارج فلسطين عبر إبداع فلسطيني يجعل فلسطين موجودة دائماً في أدق التفاصيل. في السينما الفلسطينية، تبقى فلسطين هي المحور الأساسي في جميع الأفلام وجزءاً لا يتجزأ من واقع وخيال الفنان الفلسطيني كتابة وإخراجاً. هذا الخيار يتفق مع هدفنا بإتاحة هذه السينما الفلسطينية لأكبر عدد من محبي السينما في مدينة تولوز وضواحيها.
هل حقّقتم ما أردتم من المهرجان في دوراته السابقة، خاصّة عام تفشي جائحة كورونا؟ وما هو طموحكم في قادم الأيام؟
بدأنا الدورة الأولى من مهرجان السينما الفلسطينية في تولوز في عام ٢٠١٤ كمغامرة ونجحنا في جذب ١٣٢٥ شخصاً، في عام ٢٠٢٠ وصلت الأفلام الفلسطينية إلى جمهور أوسع، ٣٣٢٥ شخصاً ولدينا المزيد والمزيد من الطلبات من دور عرض السينما في العديد من المدن القريبة من تولوز. حقّقنا نجاحاً حقيقي ونحن سعداء جداً للعمل مع مدرسة مختصّة للسمعية البصرية حيث يتم استقبال مخرجين سينمائيين فلسطينيين لتقديم خبرتهم للجيل الصاعد. إضافة إلى ذلك، نحن فخورون بتطوير شراكة مع “سينماتك تولوز” المرموقة حيث فتحت لنا أبوابها منذ عدة سنوات. رغم صعوبة الوضع خلال الوباء العالمي والأزمة الصحية، قمنا بتنفيذ النسخة السابعة عام ٢٠٢١ كمزيج من عروض إلكترونية وعروض أخرى في دور السينما عندما أتاحت الظروف ذلك. في الوقت الراهن، الوضع في تحسن مستمرّ وجميع المكوّنات موجودة لإنجاح الدورة الثامنة.
كيف تمكنتم من ضمان استمرارية المهرجان ومواصلة المسيرة مع الحفاظ على الصبغة الدولية، وهل تحظون اليوم بالدعم اللازم الذي يليق بسمعة «سينيبالستين تولوز»؟
يقوم المهرجان بفضل مجموعة من المتطوّعين الذي يعملون بجد لإعداد برنامج مميّز لكل دورة. لا أحد من العاملين على المهرجان يتقاضى أي أجر. يقتصر المهرجان على مدينة تولوز وعدد من المدن المجاورة لها وهو ذو بعد إقليمي وليس دولي حيث لم يكن هدفنا يوماً ولا نملك الوسائل لإعداد مهرجان دولي. يحصل مهرجان السينما الفلسطينية في أوكسيتاني على دعم بلدية تولوز، المجلس المحلي والمجلس الإقليمي. حصلنا على دعم من مؤسسة القطان لعدة سنوات ولكنه توقف للأسف في عام ٢٠٢١ بسبب الأزمة الصحية. على أية حال، تمويل المهرجان ضعيف جداً ونحن بحاجة لموارد إضافية لمتابعة المسيرة.
هل لديكم قلق من ترقب الجمهور لهذه الدورة؟ ومن قبل من هو جمهور المهرجان؟
نحن متفائلون حيث الحالة الصحية جيدة جداً حالياً والجمهور مترقب لعودة المهرجان. يتألف جمهورنا من محبي السينما من جميع شرائح المجتمع وكافة الفئات العمرية، ممن يود معرفة المزيد عن فلسطين وثقافتها وممن يعرف فلسطين ويتضامن مع قضيتها.
الفيلم الفلسطيني كيف تقيّمه؟ أين تراه؟ أين يذهب الآن؟
لا أعلم. أنا لست متخصّصاً في الأفلام ولا ناقداً سينمائياً. أنا مجرد مبرمج يشاهد الأفلام بحساسية المشاهد. أعتقد أنّ الناقد الحقيقي هو الجمهور. أحصل على الكثير من الروابط لمشاهدة الأفلام وأحضر بانتظام مهرجان “سينما الشرق الأوسط” في جنوب فرنسا حيث تعرض بعض الأفلام الفلسطينية. أتابع الأخبار السينمائية ولا سيما الأفلام الفلسطينية في جميع أنحاء العالم. الفيلم الفلسطيني الجيد يعرض حول العالم والكثير من الأفلام الفلسطينية وصلت إلى جمهور واسع.
برأيكم، كيف تصبح العلاقة تكاملية وتنافسية في الوقت نفسه، بين المهرجانات السينمائية الفلسطينية في الوطن والشتات؟
يسرنا أن نرى ارتفاع عدد المهرجانات المختصّة بالأفلام الفلسطينية في فرنسا وأوروبا والعالم. نحن نتعاون مع المهرجانات الأخرى حيث يجمعنا حب السينما والرغبة في نشر السينما الفلسطينية. بلا شك، كل مهرجان له فلسفته وأهدافه ولكن ذلك لا يدعو للمنافسة ونحن نرحب بكل أشكال التعاون مع أي مهرجان يهتم بالسينما الفلسطينية.