تلتقي مجلة “رمان الثقافية” مع الباحثة الفلسطينية الكاتبة والمصورة الفوتوغرافية، روضة غنايم، التي تعيش في مدينة حيفا المحتلة، وتعمل محاضرة ومدربة في مجالات التاريخ الشفويّ والتاريخ الاجتماعي الحيفاويّ ومذكرات الناس. وترشد جولات تاريخية وتثقيفية في حيفا. أسّست، ضيفتنا، العام الماضي، مبادرة لها حملت عنوان “حي وزقاق”. وهي كاتبة مقالات في الثقافة لعدّة صحف ومجلات فلسطينية وعربية. صدر لها مؤخراً، عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في الدوحة، ضمن سلسلة “ذاكرة فلسطين”، كتاب بعنوان “حيفا في الذاكرة الشفويّة، أحياء وبيوت وناس”، وهو محور حديثنا معها.
نستهل هذا الحوار بسؤالك: كيف حضرت فكرة كتابك “حيفا في الذاكرة الشفويّة: أحياء وبيوت وناس”؟ وماذا عن الأسباب والدوافع التي حفّزتكِ لإنجازه؟ وما هي الرؤية التي تم الاشتغال عليها؟
فكرة الكتاب، كانت دائماً حاضرة، أي كتابة تاريخ المدينة الفلسطينية من الأسفل إلى الأعلى، وهي زاوية مختلفة تأتي من السرديّة الذاتية التي تروي التاريخ الشخصي والإنساني للفرد وتاريخ العائلة ومنها نتوسّع ونمتدّ للرواية الأكبر. المحفّز هو شغف البحث والمعرفة والكشف عن “الحقيقة”، مع أني أعي تماماً أنّ لا وجود لحقيقة مطلقة في التاريخ. فالتاريخ يكتب من وجهات نظر مختلفة وقد تكون الكتابة في بعض الأحيان غير بريئة وغير موضوعية. قد تكون مُغرضة أحياناً أخرى لمصالح الكاتب الذي يريد أن يخفي حقائق ويظهر حقائق أخرى مغايرة وإبراز بطولاته كمنتصر، على سبيل المثال قد يخفي مجازر ارتكبت وقت الحرب ولا يريد الكشف عنها، فربما يخفي هذه الحقيقة في الكتابة أو يذكرها ويقلّل من شأنها. بالمقابل ربما يبالغ بوصف بطولاته كمنتصر في الحرب.
عند دراستي للأدبيّات التاريخية والسياسة التي كتبها إسرائيليون وفلسطينيون قادتني ووجهتني للنبش في الذاكرة. والذاكرة تُعتبر سلاح قوي بحال استخدامها السليم. هذه المراجع كما ذكرت مرّات تكشف عن أحداث وحقائق وجرائم وبذات الوقت تخفي أو تنكر حدوثها، وهذا يعود لصالح الرواية إذا كانت الإسرائيلية أو الفلسطينية فهذا عمّق الشعور لديّ وفكرة البحث والكتابة إلى الوصول ووصل الحلقة الناقصة في تلك الأدبيات، وهي روايات الناس.
أدركت أهمية تسجيل هذه الروايات من شهود عيان على أحداث النكبة لأنهم يصبحون أكثر ندرة مع مرور الأعوام، للأسف خلال كتابة الكتاب توفيت سبعة نساء من اللواتي قوبلنّ في الكتاب. في حيفا ليس فقط الإنسان يموت وإنما الحجر أيضاً. فمعالم المدينة من أحياء وبيوت ومباني في عملية هدم مستمرة إذا أخذنا على سبيل المثال حي العتيقة- محطة الكرمل وحي وادي الصليب. نشاهد الدمار الكبير الذي حلّ على هذه الأحياء، فالنكبة لم تنتهِ عام 1948 بل هي مستمرة إلى يومنا بأشكالها المتعدّدة. الرؤية، هي ضرورة وأهمية إنشاء سجلات من هذا النوع لأحياء عربيّة أخرى في حيفا وفي بقية المدن والقرى الفلسطينية، لأنّ مع مرور الزمن الروايات تدفن مع ناسها.
تتبعتِ في كتابك هذا، التغيّرات العديدة -بعيدة المدى- التي مرّت بها مدينة حيفا خلال الفترة الممتدّة من القرن التاسع عشر إلى عام 1948. حدّثينا عن أبرز هذه التغيّرات؛ ومدى أثرها وانعكاسها على واقع المدينة وحياة الناس قبل عام النكبة؟
أهم وأبرز التطوّرات التي مرّت بها مدينة حيفا في نهاية العهد العثماني، أي في نهاية القرن التاسع عشر. أولاً، إنشاء مشروع سكّة الحديد الحجازية التي ربطت حيفا مع الحجاز ومدن بلاد الشام والأردن، ولاحقاً مدّ البريطانيون خطّ سكّة حديد من مدينة طولكرم إلى حيفا، وهكذا ارتبطت حيفا بسكّة القطار إلى مصر والقدس. ثانياً، تأسيس وبناء الميناء الذي أنجز في عام 1933، وكان يُعَدّ الميناء الأهمّ على البحر المتوسط. فأصبح الميناء همزة وصل مع العالم، إذ اُعتبر بوابة فلسطين البحرية إلى دول العالم. والعامل الثالث، مدّ خط النفط من كركوك في العراق إلى مدينة حيفا.
الثلاثة عوامل هذه، ساهمت في ازدهار المدينة من الناحية التجارية والصناعية. وهذا الوصل جذب إليها آلاف الأيادي العاملة والموظفين للعمل والإقامة في المدينة. بكل تأكيد هذا الإزدهار إنعكس على تطوّر حياة الناس من الناحية الاقتصادية والمعمارية والاجتماعية. إذ أحدث نهضة سياسية وثقافية غنية في المسارح والمقاهي ودور السينما وإصدار الصحف والمجلات. إلى جانب المدارس التبشيرية الأجنبية التي كانت موجودة قبل، هذه المدارس أحضرت معها لغات متعدّدة وكان لها تأثيرها على توسيع رقعتهم الثقافية، من خلال اكتشافهم على حضاراتٍ ولغاتٍ أوروبية مختلفة، مثل الفرنسية، والإيطالية، والإنكليزية وغيرها. وهذا التأثير نسمعه من الرواة في الكتاب. هذه التطوّرات حوّلت حيفا إلى مدينة عالمية (Cosmopolitan)؛ إذ سكنها أطياف من مجتمعات مختلفة. وهذه التعدّدية ما زالت تعمّ المدينة.
ما هي أبرز المعوّقات والمصاعب التي واجهتك فترة إنجاز الكتاب؟
لم تكن معوّقعات ومصاعب بهذا المفهوم، بل كانت هناك تحدّيات. الكتابة بحدّ ذاتها عملية شاقّة، لكنها في نفس الوقت ممتعة. المشقّة كانت في عملية إجراء المقابلات التي كانت تمتدّ مرّات لثلاث ساعات، ثم تفريغ شريط المقابلة، وسماع المقابلة مراراً وتكراراً حتى التمكّن من فهم المقابلة، وربط الأحداث ودقة الكتابة والتحقّق من الروايّة. قلائل جداً من الذين قوبلوا كان لديهم تردّد أو خوف من فكرة مجرّد الكلام. طبعاً دائماً كنت متفهمة لهذا، ولم أضغط على أي شخص عند الحديث، كنت أتركهم يشعرون بجهوزية الحديث. ليس من السهل أن يبوح الشخص بتجارب شخصية سواء كانت مؤلمة أم لا لشخص لا يعرفه. لكن بعد فترة قصيرة كانت الناس تألفني وتشعر بطمأنينة بالحديث معي، وهذا كان عاملاً رائعاً أعتز به وأقدره.
كيف كان شعورك ككاتبة ومصورة فوتوغرافية وأنتِ توثّقين بالكلمة والصورة مآسي الاقتلاع واللجوء القاسية، التي عاشها جيل الأجداد والآباء من أبناء مدينة حيفا؟
في السنوات الأولى من بداية العمل كان الشعور ممزوجاً بين “العطف” والتعاطف”، بين الغضب والحزن، وعلى مدار الوقت كانت تراودني أفكار وتساؤلات عديدة حول ما جرى، وكان ينتابني الحنين إلى الماضي الذي كان، وهذا كان يأتي بي لتخيّل حياة الماضي في حيفا من أبواب المدينة التي كانت تُسمى “بوابة عكا”، والأخرى “بوابة يافا”، والأسواق التي كانت عامرة بناسها على سبيل المثال سوق “الشوام”، كنت أتخيّل أصوات الناس في السوق من البائعين والمشترين. عندما كنت أمر من أمام سينما مهجورة، كنت أتذكر ما حدّثني عنه الرواة عن الأفلام التي حضروها في دور السينما تلك، وعن المقاهي وكراسيها الشامية.
كانت تستوقفني كثيراً شرفات البيوت، وأتخيّل أصحابها الذين جلسوا عليها، وتحدّثوا وهم يرتشفون القهوة، وأتساءل أين أصحابها الأصليين اليوم؟ هل هم أحياء أم أموات؟ ومن يسكنها اليوم؟ وكيف تركت البيوت وحيدة؟ من ناحية أخرى أشعر بقساوة الحرب التي مرّت عليهم وقساوة الاحتلال الذي يقتلع ويُهجّر الناس من أجل إحضار ناس غرباء لتسكن تلك البيوت. وشعور المفارقة الذي نعيشه بعد ولادة الدولة العبرية. لا عدالة في الموضوع.
عملتِ كثيراً على توثيق وتأريخ وتصوير أحياء وحارات وأزقة وبيوت مدينة حيفا، ماذا تخبرينا عن تجربتك البحثية والكتابية في التاريخ الشفويّ والذاكرة؟ وما هو سر هذا الشغف في التقاط تفاصيل الأماكن؟
كانت التجربة غنية ومفيدة فهي مشوار في البحث عن الهوية، وعن فلسطين العربية النابضة في قلوب الناس. في كل تفصيل صغير تكمن حكاية وقصة وهي مهمّة، مرّات عديدة نمرُّ من جانبها ولا نراها أو نهتم إليها! من هنا جاء هذا الاهتمام. على سبيل المثال الوطن الذي نعيش فيه نحبه لتفاصيله الصغيرة، والبيت كذلك نضع فيه تفاصيل تشبهنا ونحبها وتشعرنا بالفرح والطمأنينة، التفاصيل هي طبيعية مثل الهواء والبحر والشجر والنباتات والورود والحيوانات وهلم جرا.. ومنها المادية كالحجر والشباك والمشهد الذي نعتاد رؤيته في كل يوم وهكذا.. والتاريخ عندما نكتب تفاصيله الصغيرة نأنسه.
كان اشتغالك على تأريخ مدينة حيفا من زاوية مختلفة، عبر رصد وتسجيل سرديّات ناسها، والنبش في ما تختزنه ذاكرة أهلها؛ وهو ما يدعونا لسؤالك عن مدى ارتباطك وتعلقك بالمكان، حيفا تحديداً؟
أرتبط مع المكان، ولكن لا أتعلّق به، الارتباط شي جميل يمنحك شعور الطمأنينة والفرح ربما يكون زمنياً، مع إيماني بالتغيير للانكشاف على أماكن أخرى. أما التعلّق بالمكان فهو لا يمنحك رؤية غيره. الشعور بالانتماء هو وجداني وليس بالضرورة مكاني. أرتبط مع طبيعة المدينة حيث أسكن في أعالي جبال الكرمل، فأنا قريبة من طبيعتها وأحراشها وعلى مدّ النظر أرى البحر فهذه المناظر الجميلة تلهمني، وفي كل صباح أرى عبرها الجديد. ما يميّز مدينة حيفا أنها جبلية ويلفها البحر من جميع الاتجاهات، إذا وقفت في مكان ما في المدينة ستشاهد البحر، فهي المدينة الوحيدة في فلسطين التي تجمع هذه الصفة. بشكل عام أنا أرتبط وأحب كل رقعة أرض في فلسطين، لا أحب فكرة الحدود بين البلاد التي فرضتها الدول على سكانها.
برأيك لماذا تأخر توثيق الحكايات للمجتمعات الفلسطينية المُهجّرة؟ ولماذا لم تكن في بال الباحثين والأكاديميين منذ زمن طويل؟
كان لحرب عام 1948 والنكبة أثر كبير في نفوس الناس، وهذا أثّر على تأخرهم وتمكّنهم من توثيق وكتابة تاريخهم الفلسطيني. أولاً، الناس كانت بحالة صدمة مما حدث لها من تهجير وتشتيت ودمار. أخذ لها وقت للملمة ذاتها. ثانياً، غياب السجلات والوثائق ذات العلاقة بالأحداث التاريخية التي مرّ بها هذا الشعب وما تعرّض له من تهجير واقتلاع. حيث دُمّرت الممتلكات الخاصة والعامة ونهبت المكتبات. وعامل آخر مهم؛ الخجل الذي رافقه الصمت لسنوات طويلة. فالاقتلاع الجسدي الفلسطيني كان أيضاً اقتلاع إرثهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وهذا صحيح فالجانب الإسرائيلي كتب فور انتهاء حرب عام 1948 روايته الإسرائيلية كمنتصر في الحرب إذ اعتمد في كتابة روايته على الأرشيفات والسجلات العسكريّة، دون أن يكون في المقابل من الطرف الفلسطيني محاولات جادة ومنظمة في كتابة رواية وتاريخ الضحية حتى سنوات التسعينيات. لذلك للتاريخ الشفويّ مكانة رفيعة وأهمية كبرى بالنسبة للفلسطينيين.
تعملين منذ فترة على مشروع يحمل عنوان: “حي وزقاق”، والذي يشمل محاضرات وورشات عمل في موضوعي مذكرات الناس والتاريخ الشفويّ. ما تفاصيل هذا المشروع وأهميته في سياق تثبيت الرواية الفلسطينية ومواجهة رواية الآخر/ المحتلّ، من وجهة نظرك؟
على مدار سنوات قدّمت عشرات المحاضرات وورشات العمل في موضوعات الهوية والانتماء، وحقوق الإنسان. أنسنة المكان والرواية الشفويّة. في عام 2021 أردت تأطير هذه المحاضرات في مشروع بادرت لإقامته، وهو مشروع يروي حكاية مدينة حيفا وروايات أهلها عبر سرديّات شفويّة ( ميكرو ستوريا) أصلية، أي استحضار الذاكرة والرواية الفلسطينية الشفويّة ومساهمتها في تعزيز التجربة، وإيصال الصوت الإنساني الذي تم إسكاته أو لم يسمع، فالمشروع بالأساس يعتمد على مضامين الكتاب “حيفا في الذاكرة الشفويّة: أحياء وبيوت وناس”. فتعتمد التجربة على تفاعل ومشاعر وسيرورة الإنسان ووصلها مع التاريخ الشامل (الماكرو ستوريا).
يرمي المشروع إلى أهمية سرد رواية “المهزومين” من الأسفل إلى الأعلى، وتدعيمها بمصادر أولية من أدبيات تاريخية وسياسية ووثائق وسير ذاتية. والهدف الكشف عن حياة أهل حيفا قبل النكبة، وكيف كانت عامرة، وعن استمرارية الحياة ما بعد النكبة. فمع الألم الذي حلّ على المدينة يبقى الأمل موجوداً في حياة الناس. والهدف أيضاً، إيصال رواية فلسطينية أصلية لمواجهة الرواية الإسرائيلية الرائجة حول النكبة والتهجير.
يسعى المشروع إلى التعرّف على إنتاج التاريخ الشفويّ- المحكي الفلسطيني وكيفية التعامل معه، وعن دمجه مع التاريخ المكتوب ليصبح متاحاً للجميع. لتعليم آليات معرفية في جمع الروايات الشفويّة وتفعيل المشاركين في إجراء المقابلات.
رأينا أنك استعنت بصور جوّية في سردك لتاريخ الأحياء. ما أهمية هذه الصور؟
استعنت بصور جوّية، وخرائط من مختلف الحقب لفهم التغيّيرات والتطوّرات التي مرّت على الأحياء الخمسة في حيفا منذ عام 1918 إلى اليوم. ثمّة أهمية بالغة لهذه الصور والخرائط، إذ تُعَلمنا تطوّر المكان عبر الزمن. هذه الصور هي نصوص بصرية مرئية تعرض وضع الحارات الخمس في فترات زمنيّة مختلفة عرضاً موضوعياً. واستخدام الصور الجوّية لتوثيق تاريخ الحارات هو أحد التجديدات في هذا الكتاب.
حظيتْ فلسطين بآلاف الصور التي التُقطت منذ القرن التاسع عشر. مع نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، بدأ التصوير الجوّي لأماكن في فلسطين، وتكرّر تصويرها على نحو منهجي منذ أربعينيات القرن الماضي، حتى صار بالإمكان تشكيل سلسلة من الصور تظهر فيها منطقة معيّنة في فترات زمنية مختلفة؛ ما يمكّن أن تكوّن هذه السلسلة مرجعاً تاريخياً موثوقاً به، يبيّن التغيّرات الملموسة التي وقعت في هذه المنطقة بمرور الزمن.
التصوير الجوّي يختلف اختلافاً شديداً عن الخريطة؛ فالخريطة تقتصر على التفاصيل التي قرّر راسمها أنها تفاصيل ذات أهمية. أما التصوير الجوّي، فيبيّن جميع التفاصيل التي التقطتها عدسة الكاميرا، وعبره نشاهد الواقع فيه بأمّ أعيننا.. منذ عام 1917، صوّر البلاد مصوّرون جوّيون ألمان، وبريطانيون، وأستراليون. وبإمكاننا أن نشاهد القرى العربية التي دمّرتها إسرائيل إبان حرب 1948 من خلال الصور الجوّية تلك؛ فهي شاهد حقيقي وموثوق به.
سؤالنا الأخير؛ أنت باحثة وكاتبة وفنانة بصريّة. كيف تعيشين هذا التعدّد والزخم المعرفي في ذاتك على المُستوى الفني بين الصورة الوثائقية والأخرى الروائية؟
هو دمج متناسق. الصورة بإمكانها أن تكون نصّاً أدبياً، والمقطوعة الأدبية بإمكانها أن تكون صورةً أو مشهداً مرئياً. وفي كتابي هذا، دمجت بين النصوص المكتوبة والصور التي جمعتها من ألبومات الذين قوبلوا، وصور صورتها لشخوصهم وبيوتهم وحاراتهم.المعرفة البصرية والتاريخ البصري، أهميتهما أنه عبرهما نتعرّف إلى جوانب أخرى من تاريخ المدينة.
تُعدّ الصور مصدراً بصرياً مُكمّلاً للنصّ المكتوب، شهادة كانت أم قصة شخصية؛ فالصورة ليست مجرد شخوص وأماكن يظهرون فيها، وإنما هي أيضاً رسائل أو مُذكرات، وأحياناً قد تكون رسائل مهمّة، بل مصيرية، كُتبت على خلفية الصورة. الصور البصرية تعكس حياة الناس النابضة في المدينة، وهي وثيقة مهمّة لتاريخ عرب حيفا. يرتكّز الكتاب أيضاً، على نصوص الرواة التي تُدرج في المذكّرات أو اليوميّات. تجمع هذه الروايات السير الذاتية للناس وسيرة حيفا وفلسطين؛ إذ تندمج الأحداث الشخصية بالأحداث العامة اندماجاً كيانياً.