تتمتع الشاعرة البولندية آنا سوير (1909-1984) بروحٍ عُلوية مرحة. شعرها “مينيمال”، والصور والاستعارات من العالم الأرضي، عموماً. نسويّتها صريحة، وأحياناً مباشرة أكثر مما يجب. ولكنها ليست غاضبة، ثوريتها وتمردها ورفضها لا تنزلق إلى العدم أو القسوة. وقد عاشت حياتها بالطول والعرض، محتفيةً بالحياة، وبالمحبة، وبالخفة، وبالغفران.
تُرجم لها بعض القصائد إلى العربية، القصائد الشهيرة الساحرة، عن الأمومة والشيخوخة البهيجة وخفة الحياة وسيولة كل المعاني. أترجم هنا قصائدها عن وفاة أمها. وهي قصائد تنضح بكل تلك المواصفات التي جعلتها تخلط التمرد بالمحبة. قد يفكر المرء في مقارنة هذه القصائد مع الغضب في قصائد كامالا داس عن وفاة أبيها؛ ولكن يبدو لي، في العمق، هناك تشابهٌ غريب: البساطة والصدق، والحنين والمحبة، على الرغم من كل شيء.
ماما تموت
عندما كانت ماما في سكرة الموت
لم يكن عندي وقتٌ للبكاء
كان عليّ أن أساعدها
في موتها.
عندما انتهى الأمر
كنت جثّةً أنا نفسي.
الجثث لا تبكي.
أتت لتقول وداعاً
بعد موتها بيومٍ
أتت ماما
لتقول لي وداعاً.
في الليل سمعتُ
خطواتها تقترب من سريري
خطوةً
خطوة. توقفتْ
بجانب رأسي.
قلتُ: “ماما،
لا تظهري، ماما،
سينفجر قلبي
رعباً”.
لم أقل
أكثر من ذلك
على سبيل الوداع.
في العالم الآخر
في العالم الآخر
سيكون لديّ الكثير من الوقت.
سأقدر على ذرف ألف دمعةٍ
مقابل كل دمعةٍ ذرفتها لي.
سأقدر على تقبيل الأرض
تحت قدميها. وأضرب رأسي على الأرض.
-“سامحيني”.
وستسامحني.
موتها فيّ
فقط بعد موت ماما،
عرفتُ مدهوشةً
أننا لسنا
شخصاً واحداً.
وبالضبط عندها،
أكثر من أي وقتٍ مضى،
أصبحنا
شخصاً واحداً.
موتها الحيّ
عاش شهوراً طويلةً
في جسدي الحيّ.
كانت فيّ ليل نهار،
شعرتُ بها
داخلي، كطفل.
موتها سيكون فيّ
إلى النهاية.