بعد اختتام مؤسسة “فيلم لاب: فلسطين” لفعاليات مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” الدولي في دورته التاسعة، يوم الإثنين السابع من الشهر الحالي، والذي انطلق في الأول منه، والإعلان عن الفائزين بالنسخة السادسة من جوائز مسابقة “طائر الشمس الفلسطيني”، تواصلت مجلة “رمان الثقافية” مع عدد من صُنّاع الأفلام الفلسطينيين المتنافسة مشاريعهم السينمائية، التي تراوحت ما بين روائية ووثائقية وتسجيلية وتجريبية، على جائزة “طائر الشمس الفلسطيني” للأفلام القصيرة، لتسألهم: بداية ماذا عنى لهم/نّ المشاركة في هذه الدورة من المهرجان، ومن بعد ما هي نظرتهم/نّ إلى مدى أهمية دعم مهرجانات سينمائية ومؤسسات فلسطينية للسينما الفلسطينية الجديدة؟ فكان أن تحدثنا مع كلٍ من المخرجين/ات الشباب/ات؛ ربيع عيد صانع فيلم «في العودة إلى هبّة أيّار»، وآلاء الداية صانعة فيلم «بحث»، وعبده الأسدي صانع فيلم «جواز أحمر»، وأنس زواهري صانع فيلم «صيف… مدينة وكاميرا»، فكان هذا التحقيق..
عيد: مهرجان فلسطيني بمعايير دولية
البداية كانت مع الصحافي والمخرج السينمائي، ربيع عيد، الذي يعيش في مدينة حيفا المحتلة، والذي قال: بالنسبة للمشاركة في مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” عنت لي الكثير، لأنها المشاركة الأولى في مهرجان سينمائي بفيلمي الأول «في العودة إلى هبّة أيّار»، في فلسطين، في بلدي وهو أمر أفتخر وأعتز به، وهو مشجع أن أكون ضمن الأعمال التي تم اختيارها، وهذا يساعدني على الانطلاقة في عالم السينما والوثائقيات، وأسعدني أنّ الأسبوع الأخير شمل عدة فعاليات التي تعرفت من خلالها على الكثير من التجارب والأشخاص من صُناع الأفلام، وكان ذلك بمثابة فرصة كبيرة لدعم تطوّر مساري في هذا المجال.
والمميّز بمهرجان “أيام فلسطين السينمائية” أنه يدعم أصوات جديدة ومخرجين في بدايات طريقهم، وأنا مازلت اعتبر نفسي في البداية، لذلك الندوات والورشات المبرمجة والأمسيات وجمع الناس مع بعضها خلال أسبوع متكامل في عدة أماكن مختلفة يساعد في تنمية المشهد السينمائي والوثائقي في فلسطين، والهام كذلك أنه يجمع السينمائيين من داخل وخارج فلسطين، لذا أعتبر الأيام من خلال التنظيم المهني والرائع من قبل طاقم المهرجان، لا تقل أهمية عن مهرجانات سينمائية عالمية، فمعايير هذا المهرجان طريقة إدارته والبرمجة هي بالفعل ذات المعايير الدولية، وطبعاً نفتخر في فلسطين أنه رغم كل تضييقات الاحتلال الإسرائيلي وتضييقات الحركة، فإنّ هذا المهرجان يستقطب أشخاص ذو كفاءات وقدرات عالية، ويجمع من حوله الشعب الفلسطيني من مختلف الأماكن إن كان من داخل البلاد أو خارجها، وأيضاً هو نقطة تواصل مع العالم العربي.
في الختام؛ كل أملي أنّ يستمر المهرجان ويبقى بحالة تطوّر وأن يصبح أكبر وأكبر في السنوات القادمة، وبعد هذه التجربة أصبحت أعتبره بيت وحاضنة لي، ومستعد في المستقبل للمساعدة والمساهمة بما أستطيع ليكون بأفضل حال دوماً. أخيراً، على الصعيد الشخصي فيما يتعلق بفيلمي الذي شارك في المهرجان، كانت الفرصة هامة لأن أستمع إلى ردود الفعل وآراء مختلفة من الناس الذين شاهدوه ونقدهم، وهو ما أعطاني أفق للمستقبل ويفتح لي طريق لأنظر بمشروع فيلمي هذا، ومشروعي السينمائي مستقبلاً من زوايا نظر مختلفة، وهذا كان بالنسبة لي مهم جداً.
الداية: جمع شمل كل السينمائيين الفلسطينيين
من حيفا ننتقل إلى مدينة القدس المحتلة، للحديث مع المخرجة السينمائية الشابة آلاء الداية، التي قالت لـ “رمان الثقافية”: بالعادة كنت آتي للمهرجان لكي أشاهد الأفلام، لكن هذه السنة حين شاركت بفيلمي الوثائقي الأول «بحث» عنت لي هذه المشاركة كثيراً، خاصة أنه مهرجان وطني أعطاني فرصة للتواصل السينمائي مع أهل الاختصاص، وسماع أراء جمهور أوسع من دائرتي المحيطة بي، كذلك أتاح لي المهرجان إعادة التواصل مع عاملين بالحقل السينمائي من الزملاء الذين تفرقوا لظروف مختلفة بالحياة، بالإضافة إلى التعرف عن قرب على مخرجين وسينمائيين مختلفين من فلسطين التاريخية وخارجها، وهو ما أعطاني الإلهام والدافع للاستمرار للعمل على مشاريعي القادمة، كذلك كانت الأيام فرصة للتخطيط لإقامة حلقات عروض ونقاش دورية لتبادل الخبرة الأكاديمية والعلمية بمجال السينما.
وفي ظل ظهور تيار الأفلام الإسرائيلية التي تتكلم بصوت الفلسطيني وتُقدّم للعالم على أنها أفلام تدافع عن الفلسطيني وحقوقه، أسأل نفسي، لماذا يعطي الإسرائيلي لنفسه حق التكلّم باسمنا؟! من هنا أرى أهمية أن نتكلم نحن الفلسطينيين عن أنفسنا وبلغتنا. ومن أجمل ما عايشت في هذه الأيام أنها جمعت شمل كل الفلسطينيين؛ فأرى فيه مخرجين وفنانين من كل مدن فلسطين التاريخية، وهذا أكثر ما يجعلني أشعر بالفرح لأنه يخلق نوع من التواصل الاجتماعي والبصري بالسينما، ولأنه مهم أن نتكلم نحن بصوتنا. أتمنى أن يستمر هذا المهرجان، وتتلقى مهرجانات ومؤسسات سينمائية دعم اجتماعي ودعم مادي يتيح لها الاستمرار بالعمل، واحتضان أفلام فلسطينية تعبر عن السينما الفلسطينية الجديدة.
الأسدي: دعوة لإنشاء وحدة دراسات سينمائية
الكاتب والمخرج عبده الأسدي، من أبناء فلسطينيي سوريا، والذي يقيم حالياً في هولندا، أجابنا: إنّ مشاركة فيلمي «جواز أحمر» في الدورة التاسعة من مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” في رام الله، بالنسبة لي حلم تحقّق بعرض الفيلم في البداية في بلدي فلسطين وليس مروراً بها أو انتهاءّ عليها، فهو فيلم فلسطيني بامتياز، سمه ما شئت وصنفه كما ترغب، لكنه فيلم يشدّد على التمسك بالهوية الفلسطينية لأبناء الجيل الثاني واكتشاف الهوية الفلسطينية لأبناء الجيل الثالث، وهذه المشاركة في الأيام تعني من وجهة نظري، احتراماً لسردية اللاجئ الفلسطيني الباحث عن حلم العودة إلى وطنه. هذا الفيلم الذي شارك مهرجان يقام في مدينة رام الله، وترشح لجائزة الأفلام القصيرة، يعني بالنسبة لي أننا شعب واحد وأصحاب قضية واحدة ومصير مشترك.
بكل صراحة أنا ممتن من كل قلبي للمهرجان وللعزيز حنا عطا الله مدير المهرجان، وللجنة الاختيار، الذين أتاحوا لي فرصة ذهبية للمشاركة بالدورة التاسعة للأيام، لأنها مشاركة تعطي مدلولات مدهشة بمعنى أنّ فلسطين الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي هي حاضنة للصوت الفلسطيني أينما كان؛ حاضنة للسردية الفلسطينية، منها ننطلق، عبرها نمضي في رحلة النضال ضد مشروع إسرائيلي إحلالي استعماري يسعى لتغييبنا سياسياً وحضارياً ومادياً. مرة ثانية أؤكّد المشاركة من فلسطين أولاً تعني التأكيد على وحدة الفلسطينيين الحضارية في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك عن مدى أهمية دعم مهرجانات سينمائية ومؤسسات فلسطينية للسينما الفلسطينية الجديدة؟ فأرى أنه أمر يستدعي الوقوف عنده مطولاً؛ وقوف يتطلّب ضرورة وضع استراتيجيات عمل تستند على ما حقّقته السينما الفلسطينية راهناً، بهدف اكتشاف مواطن الضعف سواء في الإنتاج أو التسويق والعمل على دعمها. مهم جداً أن نعي أنّ تقديم الدعم ليس أوله المادي على أهميته بكل تأكيد، فهذا الجانب لا يمكن التقليل منه، لكني أرى أنه من المهم جداً إنشاء وحدة دراسات سينمائية، ليس بهدف نقد الأفلام السينمائية وإنما الهدف هو أخذ هذه الوحدة على عاتقها تقديم استراتيجيات عمل سواء من حيث التمويل أو الترويج عربياً وعالمياً. يجب أن نوصل سردية فلسطين إلى العالم بعد الفشل الذريع للمشروع الوطني الفلسطيني على الصعيد السياسي.
لابد من وجهة نظري، أن تكون مهمة السينما الفلسطينية كبيرة جداً، لأنه أي تغيير في مزاج الشارع العالمي يبدأ من الصورة وليس من الكلمة راهناً، لأننا بصراحة في هذا الوقت نعيش عصر الصورة المعولمة بكل تفاصيلها، ولهذا السبب أؤكّد دون دعم ممنهج لن نتمكن من الوصول إلى العالمية؛ وأقصد بالعالمية أن يكون صوت فلسطين حاضراً بقوة وسطوة الصورة المرئية أي الفيلم. مرة ثانية وأخيرة، أشدّد الدعم المادي مهم، لكن دعم مادي دون تفكير استراتيجي ودون إنشاء وحدة دراسات سينمائية الغاية منها وضع خطط واستراتيجيات عمل، وطرح أسئلة مشروعة مثل: ما هو واقع السينما الفلسطينية؟ ما الذي تحتاجه؟ وكيف يمكن أن نحقّق هذا الشيء؟ هذا شيء مهم لنفكر به ونضع توصيات. وكل ما أتمناه أن نفكر بما ذهبت إليه هنا، وهذا مهمة كل المنظمات وكل من يعنيهم العمل السينمائي الفلسطيني.
زهراوي: إعطاء مساحة كبيرة بكل حرية
فيما يقول المخرج السينمائي الفلسطيني- السوري، أنس زواهري، من مقر إقامته في مدينة دمشق، إنه بالرغم من كوني فلسطيني الجنسية وأعيش في سوريا، لم أتوقع قبول فيلم «صيف… مدينة وكاميرا» في “أيام فلسطين السينمائية”، خصوصاً أنّ الفيلم لا يتكلم عن أي قضية تتعلق بفلسطين، فهذا بحد ذاته شيء مثير للاهتمام بالنسبة لي، وبالنسبة لغيري شيء رائع، ألا وهو أن تقوم هذه المهرجانات والمؤسسات الفلسطينية بدعم مخرجين فلسطينيين من جميع أنحاء العالم مهما كان توجههم الفني مع اختلاف شكله ومضمونه. أما أنا وكأي فلسطيني في الشتات، يحمل ذات الحلم طويل الأمد وهو زيارة فلسطين، لكن ومع صعوبة تحقيق هذا الحلم، فإنّ مشاركة فيلم لي في فلسطين، وفي أقوى مهرجاناتها، فهو جزء صغير من تحقيق هذا الحلم، وكأني فعلاً زرت فلسطين ولو بشكل افتراضي.
يمكنني القول إنه ومع ندرة الأماكن الرسمية المعتادة (الحكومية) الداعمة للفنون، وازدياد الحاجة لها وخاصة السينما، للتعبير عن الاحتياجات والقضايا والهموم التي تثقل كاهل الشباب العربي، كان لابد من وجود مؤسسات ومهرجانات بديلة تدعم لتحقيق هذه الحاجة، خصوصاً أنّ الفن السينمائي فن مكلف مادياً، وبحاجة إلى دعم كبير، ومن أبرز المؤسسات والمهرجانات الداعمة هي “أيام فلسطين السينمائية” ومؤسسة “فيلم لاب: فلسطين”، الداعمة للشباب الفلسطيني حول العالم في تحقيق مرادهم من الناحية المادية والفنية، وتحقيق الرؤية الخاصة لهم دون تدخل بالشكل الفني أو الفكري، وهذا هو ما يميّز هذه المهرجانات والمؤسسات البديلة عن غيرها، ليس فقط الدعم المادي بل إعطاء مساحة كبيرة لصنّاع الأفلام في اتخاذ قراراتهم بتنفيذ مشروعاتهم شكلاً ومضموناً بكل حرية.