بشار الحروب: في “أرض الملح” منطقة عبور الفلسطيني الدائمة

رهام سماعنة

كاتبة من فلسطين

وعلى الرغم من أن أعمالي الفنية، قد تكون مرتبطة في مكان وذاكرة محددة، إلا أنه أعمالي لا هوية مكانية ثابتة لها. فهذا العمل لم ينتج خصيصا لمكان لأنه جزء من تجربتي الشخصية فقط، بل هو تجربة الكل.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

04/12/2022

تصوير: اسماء الغول

رهام سماعنة

كاتبة من فلسطين

رهام سماعنة

خريجة دراسات عليا في الأدب والتواصل بين الثقافات. عملت مع العديد من المؤسسات المجتمعية على اختلاف حقولها، وتتركّز اهتماماتها الحالية على البحث في الحقل الفني.

المشهد الجاف، الذي تعكسه تضاريس منطقة صحراء شرق القدس، ومنطقة البحر الميت، في جزء منها، لا يعكس حقيقة الماضي، وديناميكيته، لكنه يخفيها بين طيات الكثبان والتلال، والصحراء، وما لا يظهر للعيان، هو أكثر عمقاً واختزالاً للحقيقة بجمالها، وقسوتها، وهذا ما قد نسميه فعل التراكم، الغير مرئي، والذي يؤثر على الكل، بغض النظر عن الظاهر على السطح. هذا العمق المغيب، في المشهد، والحاضر في الذاكرة بتراكماته، يتناوله الفنان الفلسطيني بشار الحروب في معرضه “أرض الملح” الذي افتتح في عمان، في 15 أكتوبر 2022، والذي، شمل على عدة أعمال فنية معظمها، لوحات فنية، بالإضافة الى فيديو يتحدث عن الطبيعة الجيولوجية، للمنطقة ويعكس الكثبان والتلال الرملية، والأشكال الممتدة على مرأى البصر.

أبدأ من عنوان المعرض، حيث جاء بعنوان “أرض الملح” ماذا تعني بأرض الملح؟ وما علاقة الملح بالأرض؟

عنوان المعرض “أرض الملح” له علاقة بالمنطقة التي نعيشها فيها، وقساوتها المرتبطة بالنسبة لي بقساوة الملح، وصعوبة أكله، وكذلك هو حال المنطقة وصعوبتها ووقائعها اللاذعة، التي انعكست على المكان بمجمله، بالتالي هذه المنطقة لها خصوصية، النابعة من الصعوبة، وليست مجرد أرض للهروب، ولا يوجد إنسان يهتم في البقاء في هذه المنطقة إذا ما كان ابن الملح، ومعتاد على هذه القساوة، المحملة بالتناقضات.

من أين أتت فكرة معرض “أرض الملح”؟

في الحقيقية الفكرة، ليست حدث عابر، بل هي فعل تراكمي، رافقني طوال حياتي، لأنني ابن هذه المنطقة ودائم العبور منها واليها. وأعي جيداً مدى ثراء المنطقة بالأحداث المفصلية في تاريخ العالم، وشاهد على تغيب الجيولوجيا وأثرها، الذي لا يعني أنه لم تكن هناك، أحداث مهمة في تاريخ المنطقة، ولا يعني توقف هذا التكوين، وتغير فعل التراكم الذي بدأ منذ الأزل، أن هناك، تبدل في حقيقة ووقع ثقل أحداث المكان، بسبب تغيب الإشارات التي تعكسها الجيولوجيا. لذا جاء هذا المعرض كإثارة لماضي المنطقة، وضرورة الحرص على حفظها في الذاكرة.

هل ترمز الألوان، الظاهرة في لوحاتك الفنية، الأصفر، الأزرق، الأحمر، الرمادي، إلى مغزى محدد؟

أنتجت معرض، أرض الملح بالألوان الزاهية الفرحة، في محاولة إلى ربطها، بسحر المكان وما فيه من حياة وتفاصيل واستثارة للاحساس، من خلال ما تنبض به هذه اللوحات من ألوان، وقد عملت على تغطية الحياة من خلال اللون، في هذا المشروع. ولا دلالات محددة للالوان التي استخدمتها سوى الرغبة في بعث الحياة في أرض الملح، بالإضافة الى محاولتي ربط الاختزال في التوصيف، في حالة صوفية ملونة بدل الأبيض الذي يعتمده الصوفيون، حيث استخدمت، عالم كرنفال لوني للروحانية، والذي من خلاله أحاول استحضار تاريخ الحضارات والمدن والشعوب التي عاشت في هذه المنطقة.

ماذا تعني لك صحراء شرق القدس، ولماذا هذه التكثيف في استحضارها؟

منطقة البحر الميت، وصحراء شرق القدس، بالنسبة لي منطقة عبور رئيسية، وأرض مليئة في الخيرات لكن حسب الرواية الدينية، السخط الذي حدث في المكان أثر ومحى معالم المنطقة، حيث انقلبت هذه الأرض بالممالك التي كانت عليها. وعند زيارة هذه المنطقة نلاحظ ان لا شوهد تدل عليها سوى بعض البقايا.
 

هل هناك علاقة بين رواية “مدن الملح” لعبد الرحمن منيف، ومعرض “أرض الملح”؟ 

من الطبيعي أن يتبادر للمتلقي، أو الناقد فكرة ارتباط عنوان معرض “أرض الملح” و رواية “مدن الملح”، وناهيك عن قساوة الملح المشترك بين العنوانين، فإن هناك ارتباط بشكل أو بأخر بينهما، حتى لو لم اكن اقصده، وخاصة أنني قد قرأت ثلاثية منيف منذ سنوات طويلة، وتأثرت بها كغيري من أبناء المنطقة، لأنها تحدثت عن الظلم والقهر والقسوة التي وقعت على ابناء المنطقة، وذات القسوة وقعت على الأرض ولو بشكل آخر، لذا اجد انه من الطبيعي أن تنسل من خلال اللاوعي، الأفكار المتقاطعة التي تجمعنا، والتي تبلورت من خلال المعرض.

هل معرض “أرض الملح” يتقاطع مع افكار معارض اخرى حول العالم، أم أرض الملح حكر على المنطقة العربية؟ 

هناك تقاطعات ، في كل شي بعالم الإبداع، فهو ليس منفصل ولا يوجد خلق جديد، بل ثمة تداخل سواء بوعي أو بغير وعي، جميعنا نتأثر وتتقاطع في كثير من الأشياء، وكل منا يتناول الأشياء من زاويته، وما أطرحه ليس حكراً علي بل هي مادة بحثية متاحة للجميع. لكن لكل منا خصوصيته، والعمل الفني، هو المحك الذي يثبت من أضاف ومن لم يضيف. كما أنه لا يوجد فراده ولا انسلاخ عن الواقع، حتى لو كنت مُعارض، لما يحدث، أو حتى اختلفت معه، بشكل تلقائي اتقاطع بأعمالي مع ما يجري حولي، سواء بإدراك أو من خلال اللاوعي، فأنا جزء من هذا الكل، الذي يتشكل منه المكان بمكوناته.

هل هناك قطيعة بين ما سبق من مشاريعك الفنية و”أرض الملح”؟

أحاول تقديم أشياء جديدة، ولا أحب تكرار نفسي في المشاريع الفنية لكن ذلك لا يعني القطيعه عنها، بل هناك خط واحد متواصل، في مشاريعي، ثمة مساحة وموضوع، تراكمي، أساسه، علاقتي الذاتية، وهويتي الشخصية، التي تشكلت من خلال الذاكرة، والتاريخ وعلاقتهم مع الأرض، وهذا ما يظهر في أعمالي الفنية منذ 10 سنوات، لغاية اليوم. لا أنسلخ عن مشاريعي الفنية عند انتهائها بل اواصل طريقي ومساري من نهاية المشروع الفني.

لماذا تغيب الحضور الجسدي في معرض “أرض الملح”؟

ثمة أعمال ارتكزت على الحضور الجسدي، لكن فيما مضى، لكن بعد ذلك اختفى الحضور الجسدي، وحل مكانه الرموز المختزلة. وذلك مرتبط بفكرة المشروع الفني، بالنسبة لي.

هل ل معرض “أرض الملح” علاقة بما يتطلبه سوق الفن الآني؟

لا أتماشى مع حاجة السوق، بل أقوم بعمل ما أحب، وهناك علاقة شخصية مع كل عمل اقوم فيه، بعيدا عن السلعية، والصناعة. كما أنني لست فنان نمطي، أقوم بقلب التكنيكات التي أستخدمها، لأن حالتي مع الإبداع حالة متجددة، وليست جامدة، وبالنسبة لي الأسلوبية تعتبر مقتل وإعلان موت، ومن يتابع عملي يلحظ الجرأة والمخاطرة.

تظهر التضاريس في اللوحات من خلال موجات صاخبة بالحياة والألوان، هل لذلك علاقة بالمخيلة التي تحاول استحضار الجمال؟

أقدم التضاريس من زاوية قد تثير مخيلة، ذاكرة، اللاجئ، المغترب، أو أي شخص، وقد يرى فيها تجربة جمالية بحتة، ومفتوحة، بحيث يستطيع المتلقي أياً كان، أن يقوم بإسقاطاته على العمل الفني. وخاصة أن أعمالي محملة بـ تأويلات متعددة، كل يراها من منطقه أو كما يريد، ولا أحاول أن أقود المتلقي أو أسقط عليه ذاتي. 

هل للمعرض هوية محددة؟ 

هوية المعرض، هي وحدة موضوعه وهو كامل المعالم، ويوجد اضافة تقدم عملي هذا، بعيداً عن كونه فلسطيني، بحيث من الممكن أن يكون هذا المشروع الفني، في أي مكان، ولكن فلسطينيتي أضافت وخلقت معنى لهذا المشروع، بحيث أصبح له سياق، وموضوع، تضاف إلى جمالية المشروع الفني، الذي يختزل التفاصيل.

كما أن المعرض فيه نوع من التأمل الطويل الذي له علاقة في المكان والهوية، وله علاقة بالأوقات الفجر الصباح والمساء، كما أن مفهومي للمكان لا تحكمني فيه الحدود السياسية، لأنها لا زمن لها بالنسبة لي، وحتى القصص والميثولوجيا التي تدور حول المنطقة، تشمل منطقة أوسع من فلسطين، ولا أفكر في الجغرافيا السياسية، لا أؤطر عملي بفلسطينيتي، لا أحتكر أي شيء ولا أخص الألم بي وحدي أو بمنطقتي فالآلام منتشرة حول العالم، وليست حكراً على أحد.

لماذا في عمان، وهل سوف تنقله لمكان آخر؟

المعرض في عمان لأنني، أنتجته في عمان، وكانت إقامتي الفنية هناك، وكان ذلك جميل ومهم بالنسبه لي، لأن تجربتي الفنية قائمة على التنقل، وإنتاج أعمال في كل مكان، ويوجد أعمال فنية أنتجتها في أماكن أخرى في العالم. والسبب الثاني هو عمق الارتباط بين فلسطين والأردن، وكون الأردن منطقة عبور، وإقامة للفلسطيني، فلا شك أن كل هذا ساهم في تحفيزي على إنتاجه هناك.

وعلى الرغم من أن أعمالي الفنية، قد تكون مرتبطة في مكان وذاكرة محددة، إلا أنه أعمالي لا هوية مكانية ثابتة لها. فهذا العمل لم ينتج خصيصا لمكان لأنه جزء من تجربتي الشخصية فقط، بل هو تجربة الكل.

من هو جمهورك؟ هل تعتقد أنّ ثمّة ضرورة لتحديد الجمهور؟

لا يوجد جمهور محدد لي، لان علاقتي مع عملي الفني وليس مع الجمهور، لا افكر فيه أثناء عملي، لكن في لحظة انتهائي من مشروعي الفني، يصبح ملك للجمهور بغض النظر عن شريحته. الكثير يدّعون نخبوية أعمالي، وأنا لا أراها كذلك، وبذات الوقت أنا لا أقول عن عملي شعبوي، أنا أعمل على إنتاج عمل فني، وأحاول تقديم شيء جديد، هذا الجديد إذا استطاع المتلقي الوصول إليه من عدمه، هذا يخصه وحده.

هل رافقتك طقوس ما أثناء انتاجك للمعرض؟ وهل كان هناك عناصر ملموسة أو حسية استحضرتها أثناء عملية الإنتاج؟

ليس لدي أي طقوس لإنتاج أعمالي ومشاريعي الفنية، سواء “أرض الملح” أو غيره، بل أنا أمارسها في لحظات تركيزي العالية، لأنها عملي، أنا إنسان طبيعي أمارس الفن في حالة وعي كامل، منذ بداية العمل الى نهايته فأنا بحاجة للبحث والإدراك، لأن أعمالي الفنية، له علاقة ببحثي ومعرفتي لذا يجب أن أكون في حالة وعي كامل لإنتاج أي عمل. كما أن الإبداع ليس بحاجة إلى طقوس للبدء لأن عملية الإنتاج نفسها هي طقس متكامل، يتداخل فيه بالنسبة لتجربتي، الوعي واللاوعي في كل عمل أنتجه فلكل منهما دوره الذي لا أستطيع الانسلاخ عنه.

ماذا تعني لك الأرض، “أرض الملح”؟ ولماذا الأرض، هي الخيط الممتد في معظم مشاريعك الفنية؟

لأن الأرض هي المركز، وجميع التفاصيل والأحداث في حياتنا تدور فيها، ومنها وعليها وبها؛ لذا فهي الحقيقة الأحب إلى قلبي والحاضرة في معظم أعمالي، لأنها هي الثبات والقاعدة. وقد تكون أعظم بالنسبة لي كفلسطيني يعيش في منطقة صراع مركزه الأرض، بين السكان الأصليين، والمستعمر. وهنا تكمن أهمية الأرض الحاضنة، بقسوتها، وملوحتها، والتي تدور من أجلها حروب طاحنة.

أرض الملح ذاكرة أم منفى؟

أرض الملح منطقة عبور الفلسطيني الدائمة، بالنسبة للمنفي أو اللاجئ، الأرض هي الفردوس، وأنا رسمتها بسحرها من خلال مخيلته، التي تشكلت من خلال الوصف والسرد الذي راكمه الأجداد، عبر السنين. لكن المخيلة رسمت بشكل مختزل بعيدة عن التفاصيل غارقة بالألوان مثل الحلم، لها علاقة بأرض الحلم أكثر من رمزيات لا يوجد رموز لدي، أرض سحرية أكثر.
 

الكاتب: رهام سماعنة

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع