صفّف شعره ببطءٍ شديد أمام المرآة، لم يكن راضيًا. مرَّر يده على شعره مجدًدا، ثمَّ انتقل إلى ربطة عنقه التي تشبه الفراشة، عدّلها وشدَّ قميصه بعنف إلى الأسفل. اهتزت ربطة العنق فعاد إلى تعديلها ثمَّ هبط بكلتا يديه على أزرار القميص لكي يتأكد من أنّها مرتبة بشكلٍ جيد. حركته هذه حرّكت القميص قليلًا فشدّه مجددًا بعنف مما اضطره أن يعيد تعديل ربطة العنق مرّةً أُخرى هي على الأغلب السابعة منذ أن ابتُليَت هذه المرآة بمحيّاه ليرتّب شعره الذي عاد بالمناسبة لتمسيده لأنّ كيانه اهتزَّ قليلًا.
استلَّ حقيبته في نهاية المطاف بعد وصوله إلى وضع مُرضٍ لكن غير مثالي. خرج من الحمام وتوجه إلى مكتبه وجلس إلى كرسيه. أعاد ترتيب حاجياته المرتبة أصلًا وأخرج من حقيبته اثنا عشر قلمًا جافًّا كل ثلاثة منها بلون واحد؛ أزرق، أسود، أحمر، أخضر. كان عليها أن تكون اثنا عشر قلمًا لأنه أصغر عددٍ من مضاعفات العدد أربعة الذي يقسم على ثلاثة. ولم يقبل يومًا أن يكتفي بأربعة أقلام فقط. من الجيد أنَّ ألوان أقلام الحبر الجاف الأكثر شيوعًا هي هذه الألوان الأربعة فقط، وإلا لتضاعفت عدد الأقلام على طاولته.
بدأ بترتيب الأقلام بجانب بعضها واستعمل مسطرةً للتأكد من أنَّ الأقلام جميعها على سويّةٍ واحدة قبل أن تُسمع صرخةٌ من الطرف الثاني من الغرفة: “توقف!” صعد المخرج المسرحي إلى خشبة المسرح وأكمل صراخه: “توقف! ما الذي تفعله؟” ردَّ الممثلُ مرتبكًا: “ما الخطب؟ أليس هذا ما تبحثون عنه؟” زمجر المخرج منفسًا غضبه وقال: “كيف بحق ربّك تعتبر ما تفعله جنونًا؟” ازدرد الممثل ريقه ورد: “لكنَّ إعلان تجربة الأداء يقول إنكم تبحثون عن شخص ليلعب دور شخصٍ لديه حالة نفسية وها أنا قمت بأداء رجلٍ لديه رهاب وسواس قهري أليس هذا…” التفت المخرج إلى مساعدته الواقفة تحت الخشبة وقال ووجه يتموّج من الغضب: “لا لا لا لا” تنهدت المساعدة فيما بدأت تخرج شيئًا من جعبتها وهمّت بصعود الخشبة.
أما المخرج فقد بدأت نبرة صوته بالارتفاع وأصبح صوته أرفع وأكثر إزعاجًا كلما زاد في قول: “حالة نفسية، نعم. أريد جنونًا، جنونًا، جنووووونًا. ماذا تريدني أن أفعل بترتيبك المنمّق هذااااااا؟” ثمَّ هبطت نبرة صوته إلى أن صارت زمجرة: ” هوو هوو، همم همم.” وأضاف بصوتٍ عريض ورخيم: “أين الجنون في هذا؟ أريد الجنون.” حاول الممثل أن يُدافع عن أدائه ليفهمه أنَّ الحالات النفسية والعصبية ليست التهريج الذي يقوم به المخرج لكن المخرج قاطعه بنبرة حادّة كالصفير صارخًا: “جنوووووووون!” توقف فجأة عن النعيق لحظة هَوَت المساعدة بملفها على رأسه محدثة صوت ارتطام كان له صدًى في قاعة المسرح، وناولته بعد أن التفت إليها حبة دواءٍ مهدئ وكأس ماء.
“خذ هذه إنّها الأخيرة لقد أنهيتها جميعًا اليوم.” التفتت إلى الممثل وقالت له: “يبدو أنك لم تعجبه للدور. تفضل وشكرًا لك، واطلب من التالي الدخول سيكون تجربة الأداء الأخيرة لهذا النهار.”