ضمن إطار تطوير البحث الأكاديمي وسبيل دراسة الواقع الفلسطيني وتأثيره العربي والدولي، انطلقت في الدوحة يوم السبت 28 كانون الثاني/يناير 2023 أعمال “المنتدى السنوي لفلسطين” بدورته الأولى التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، والذي امتد على مدار ثلاثة أيام في الفترة الممتدة من 28 – 30 يناير الحالي، والذي سوف يستعرض 62 ورقة علمية اختيرت ضمن 375 طلباً للمشاركة، بالإضافة إلى عدد من ورش العمل التي تدرس الشأن الفلسطيني، من عدة زوايا أهمها أوراق بحثية تتعلق بفلسطين وتاريخها وقضيتها، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل الاحتلال، ونظام الابرتهايد، والاستعمار الاستيطاني، والصهيونية وحركات التحرر الوطني، وفلسطين في العلاقات العربية والدولية، وفلسطين في القضايا العامة وغيرها من المواضيع التي تدرس الواقع الفلسطيني بأبعاده وتأثيراته المحلية والدولية.
يستعيد المؤتمر الحاضر الفلسطيني، ضمن سياق يمكن من خلاله دراسة أوضاع الفلسطينيين وأسئلتهم، وما يفرضه الاحتلال اليوم، وطرق بحث ودراسة تغييرات المنطقة وواقع الصراع، كما يحاول فهم الأسئلة وسبل الإجابة عن مركزية قضية فلسطين من خلال تعزيزها في النقاش وتبادل وجهات النظر، لذلك يعتمد المؤتمر على ترسيخ ثيمة البحث والنقاش، من خلال عرض الأوراق العلمية والورشات التي سوف يقدمها ويديرها عدد من الباحثين الذين اختاروا مواضيعهم ضمن السياق الفلسطيني، خاصة أن المؤتمر لم يحدد موضوعاً سنوياً لهذا العام، بل اختير الشأن العام الفلسطيني ضمن تحديد تفاصيل جوهرية وتغييرات أساسية في الصراع ومكانة فلسطين على جميع الأصعدة، وهذا ما فتح باب النقاش على نطاق أوسع وغير محدد ضمن أطر بحثية وأكاديمية، وهذا تحديداً ما جعل المؤتمر مساحة مفتوحة لقراءة الواقع الفلسطيني ضمن سياقات مختلفة، تضيف للباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني من كتاب وصحفيين وباحثين.
بدأ المنتدى بجلسة افتتاحية ألقى فيها طارق متري رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، كلمة افتتح بها المنتدى، مؤكداً على أهمية الشراكة بين مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمركز العربي، وأن أهم نقاط التلاقي بينهما هي كونهما مؤسستين مستقلتين فكرياً، تقومان بالأبحاث الفكرية بشكل مستقل عن الأحزاب والفئات، وهذا ما يفسر وجود باحثين في المنتدى من مشارب واختصاصات متنوعة، كما أضاف الباحث والأكاديمي اللبناني على أهمية دراسة الماضي التي يقوم بها المركز العربي ومؤسسة الدراسات الفلسطينية فضلاً عن حفظ الذاكرة والحفاظ على الهوية، وهذا تحديداً ما يساعدنا على فهم الحاضر، بينما يحملنا على فهم الواقع ودراسته للنظر إلى المستقبل بعيون مفتوحة خاصة على التطلعات المشروعة وحسن التقدير لما هو قابل للتحقق، كما افتتح عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي المنتدى بمحاضرة تحدث فيها عن عدة محاور، تتناول المؤتمر وحساسية النشر الأكاديمي والبحثي وتطوره في السنوات الأخيرة وغزارته، وسبل مواكبته، كما سلط الضوء على تغيير الخطاب الغربي الأكاديمي بشأن فلسطين، وعن ازدياد ملحوظ في أعداد الأكاديميين الفلسطينيين المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، والذين يستخدمون أدوات ومناهج البحث العلمية للبحث عن قضايا شعبهم ومحاولة دراستها، وحتى لو لم يكن هناك تأثير مباشر على السياسة لهذا التطور الكبير في البحث الأكاديمي، ولكنه يغير في السياسة الثقافية والرأي العام، كما قال أن الاعتبار في تأسيس المنتدى، يتمثل في وجود فراغ مؤسسي على مستوى الشعب الفلسطيني عامة، وهو ما يطرح الحاجه إلى أطر تجمع الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة، واعتبر أن الهدف هو إطلاق سيرورة عنوانها مد الجسور بين الباحثين الفلسطينيين من أماكن وجودهم كافة، بينهم وبين باحثين ونشطاء عرب وأجانب، وتبع ذلك جلستان، قدم فيها الندوة الأولى “الاستعمار الاستيطاني: حالة فلسطين” وأدارها مروان قبلان وناقش فيها كلاً من نديم روحانا، ومارك مهند عياش، وكارولين لاند، وزينة جلاد، الجوانب المختلفة للاستعمار الاستيطاني بحالة فلسطين، التي تناولت أسئلة المواطنة، وحق الانتماء في الدولة اليهودية، والعلاقة بين الصهيونية والقومية والاستعمار الاستيطاني، والحديث عن السياسية الإسرائيلية في الهينمة ومحو الآخر، أما الندوة الثانية التي حملت عنوان “فلسطين في القانون الدولي” والتي ترأسها محمد علوان، وعرض فيها الحسين شكراني، وسيف يوسف، ومحمد الوادراسي، أوراقاً تتناول الشق الدولي لفلسطين من حيث قضية اللاجئين وحق العودة وتطبيق العدالة الجنائية الدولية في فلسطين، والتعويض عن الأضرار البيئية.
في الجلسة الأخيرة التي ترأسها عبد الوهاب الأفندي، تطرق مايكل ر، فيشباخ وعبدالله موسوس ونوغ نيوي أسانغا فون ومنى عوض الله، إلى القضية الفلسطينية في السياق الدولي من منظور مقارن، وبالتحديد مع الولايات المتحدة وكشمير وأفريقيا، كما استمر المنتدى في جلسات موازية، ترأست سناء حمودي جلسة تناولت جوانب التقنيات الاستعمارية الأمنية، والتي تحدث فيها يوسف منير، وبيترو ستيفانيني، ونور عرفه، وأريج صباغ-خوري، حول شبكة القمع الإسرائيلية العابرة للقوميات، ووحدة تنسيق عمل الحكومة، وبرامج تعزيز الفاعلية المحلية في مكافحة التمرد، والمرونة المناهضة للاستعمار في القدس، كما تم عقد جلسة ضمن برنامج المنتدى حول “أنماط في المقاومة الفلسطينية” التي ترأسها سلام الكوكبي، وقدم فيها طارق راضي وخالد عنبتاوي، وأحمد أسعد، ومصطفى شتا وأيمن يوسف، أفكارهم عن هبة الكرامة وتجربة المسرح الوطني، كما عقد في ختام اليوم الأول جلسة بعنوان “فلسطين في الخطاب الأكاديمي/المعرفي” وأدارها ابراهيم فريحات، وناقش إيلان بابيه وبلال سلايمة وعبدالله أبو لوز وسجى الطرمان، موقع فلسطين في الخطاب الأكاديمي المعرفي، والاتجاهات المستقبلية لهذا الخطاب، وإنجازات حقل الدراسة الفلسطينية وتوجهاته المستقبلية، كما ضم المنتدى في يومه الأول ورشتي عمل، تناولت الأولى موضوع فلسطين في استطلاعات الرأي وترأّسها مهدي مبروك، وتحدّث فيها شبلي تلحمي عن التحوّل في الموقف الأمريكي تجاه فلسطين/ إسرائيل، في حين تحدث محمد المصري عن فلسطين في الرأي العام العربي وفق نتائج استطلاع المؤشر العربي الذي ينفّذه المركز العربي. وفي الورشة الثانية، التي ترأّسها غسان الكحلوت، قدّم محمد أبو نمر ولورد حبش وتامر قرموط، أفكارهم حول الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني وآفاق المصالحة.
ركز اليوم الثاني من المؤتمر على أوراق بحثية في سياق تاريخ فلسطين وأسئلة الهوية الوطنية والحياة الثقافية والاجتماعية للفلسطينيين في سرد تاريخي يشمل ما قبل النكبة وبعدها، كما بحث في الفصل العنصري، واللجوء والمخيمات في لبنان والأردن، وناقش المتحدثون في الجلسات موضوع الذاكرة والشتات وتضامن الشعوب الغربية مع القضية الفلسطينية، كما ترأست آية راندال ندوة في “سوسيولوجيا الهوية الفلسطينية” وتحدث فيها كل من رامي رميلة عن “صمود عابر للمناطق: ردود اللاجئين على أنظمة القمع المتعدّدة في مخيّم برج البراجنة”، و”نور بدر: سوسيولوجيا مكانية وزمانية الهوية المخيماتية: الوحدات – عمّان الجديد نموذجاً”، وأحمد مأمون وزهراء شبانه عن “الاستعمار الاستيطاني وولادة السجناء الجدد: الهجرة من قطاع غزة (2007 – 2022)”. وتقدّم إليزابيث مارتين ورقةً بعنوان “بين الأنقاض والبقايا: التجديد الديني بين المسيحيّين في الضفّة الغربية في فلسطين”، كما ترأس طارق دعنا ندوة تحت عنوان “خطاب التنمية في فلسطين والعنف الاستعماري” التي قدم فيها كلاً من حسن أيوب وعليان صوافطة ورقة مشتركة، تحدثوا فيها عن “التنمية وشرط الاستعمار الاستيطاني: إدامة للسيطرة النيوكولونيالية والفصل العنصري” وتم تقديم “قراءة نقدية لنيوليبرالية السلطة الفلسطينية في ظلّ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني” لأشرف بدر الذي رأى فيها أن اعتبار السلطة نيوليبرالية يتناقض مع دورها الوظيفي، واستعرض عبد الرحمن مراد “بناء خطاب مضاد للهيمنة في شأن التنمية الاقتصادية: تحليل نقدي للسياسة الفلسطينية” أما مارتين باريجي “تأثير العنف البنيوي المتعلّق بالمستوطنات الإسرائيلية في الأمن الغذائي الفلسطيني”.
استمر اليوم بتقديم أوراق علمية لعادل مناع عن “تحوُّلات الهوية من العثمانية إلى الجامعة العربية: أحمد حلمي باشا عبد الباقي نموذجاً”، وجوني منصور عن “المشهد الثقافي الفلسطيني في زمن الانتداب: صحيفتا ‘الكرمل’ و’فلسطين’ نموذجاً”، وعلي أسعد عن “فلسطين والمُشعِر الوطني: إقامة المعارض في القرن العشرين” والتي تترأسها أمل غزال، كما ضمت الجلسة الرابعة ثلاث ندوات متوازية بعنوان “في الاقتصاد الفلسطيني”، يترأّسها أيهب سعد ويتحدّث فيها كلٌّ من رجا الخالدي وإسلام ربيع عن “آفاق التعاوُن والتكامل الاقتصادي الفلسطيني عبر الخطّ الأخضر”، ورابح مرار ورند جبريل عن “سبل النهوض بقطاع الشركات الناشئة في فلسطين وآثاره المحتملة في المالية العامّة”، ويُقدّم عرين هوّاري وسامي محاجنة ورقةً بعنوان “بين شقّين: شعب يمارس وحدته وانشطاره في ديناميات العلاقة التجارية بين الفلسطينيّين من داخل الخطّ الأخضر ومن جنين”، وتحت عنوان”في الديموغرافيا الفلسطينية” استعرض كلاً من يوسف كرباج وحلا نوفل ورقة بحثية بعنوان “ديموغرافية الفلسطينيّين” وقدم محمد دريدي ورقة بعنوان “السكّان الفلسطينيّون في الأراضي الفلسطينية وداخل الخطّ الأخضر: الواقع الديموغرافي والتوقُّعات المستقبلية”، وثائر هستنجس ورقةً بعنوان “حول أزمة التوازن الديموغرافي والأغلبية في القدس” وترأس الجلسات مجدي المالكي، كما ترأس معين الطاهر الجلسات الأخيرة والتي كانت بعنوان “جوانب من الذاكرة الفلسطينية: من النكبة إلى المخيّمات” وتضمنت ثلاث أوراق بحثية، هي: “مشاهد ذاكرة الحرب والفاعلية الشعبية الرامية إلى العدالة: إعادة بحث ممارسات ذاكرة الفلسطينيّين الحقّة في نهر البارد” لآزادي سوبو، و”لحظة النكبة: التغييب الفلسطيني.. مفاتيح لأبواب مسروقة (ثنائية المثقّف والفلّاح)” لرهام عمرو، و”ذاكرة الهزيمة والمتخيّلات الاجتماعية والسياسية الفلسطينية: سيطرة دون هيمنة” لرولا سرحان.
كما ضم اليوم الثاني من المنتدى ورشات عمل تحت عنوان “التضامُن مع فلسطين في السياق الغربي: الواقع، التغيرات، التحدّيات”، يترأسها خليل جهشان، ويتحدّث فيها كل من أسامة أبو ارشيد، وأحمد أبو زنيد، وماليا بوعطية، وماجد أبو سلامة، و “إطلاق موقع ذاكرة فلسطين، القدس القصّة كاملة، موقع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية”، ويتحدّث فيها كل من مُعين الطاهر، وكيت روحانا، وخالد فراج والذي يضم مليون وثيقة تاريخية من حقب مختلفة لفلسطين، ويؤسس لأول أرشيف فلسطيني شامل، وتعتبر المواقع التي تم إطلاقها نتيجة عمل مشترك لسنوات بين مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويستهدف الباحثين والمؤرخين بشكل أساسي، وتهدف المواقع إلى زيادة التفاعل مع القضية الفلسطينية والعمل على أرشفة الذاكرة الفلسطينية.
اختتم المنتدى يومه الأخير بجلسة حوارية شارك فيها المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الباحث عزمي بشارة، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية طارق متري، وخصص اليوم الأخير لمناقشة “مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني” ودعا بشارة الباحثين إلى مباشرة إعداد أوراقهم البحثية حول هذه القضية، التي ستكون أحد محاور المنتدى السنوي لفلسطين الذي سيعقد العام المقبل، وأن الهدف الأساسي من المنتدى هو الإجابة عن الأسئلة مثل سؤال ما هو مكان الشتات الفلسطيني في هذا المشروع؟ وهل المشروع هو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967؟ إضافة إلى قضايا أخرى كثيرة يجب التركيز عليها بعد تحقيق المصالحة الفلسطينية”، وكانت خاتمة المنتدى برسالة أرسلها الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، قرأتها زوجته فدوى البرغوثي، ودعا فيها إلى عقد مؤتمر وطني شامل يمثل فيه الجميع، كما شدد على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء الانتخابات لضخ دماء جديدة في قيادة الشعب الفلسطيني، مؤكداً على وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة القضية الفلسطينية والهوية الفلسطينية الجامعة.
وبذلك يكون انتهى المنتدى الفلسطيني السنوي، بأوراق علمية بحثت في تفاصيل القضية الفلسطينية، وحاولت أن تبحث عن الأسئلة وتجيب عنها في جوانب مختلفة تتضمن الاقتصاد والسياسة والمجتمع وحتى التاريخ، ليكون المنتدى هو الإضافة التي تجمع الباحثين وتستعيد الواقع الفلسطيني وتعيد قراءته من زوايا مختلفة يمكن من خلالها فهم أبعاد القضية الفلسطينية وما تمثله اليوم، وطبيعة حياة الفلسطينيين في الداخل والشتات، ليعبر المنتدى عن مساحة مفتوحة يمكن من خلالها تمكين العمل الأكاديمي والبحثي ليتطور مع الوقت ضمن سياقات أشمل.