السعفة الذهبية الكويريّة: أفلام عالمية عن الشهوة والقمع والنضال الجنساني

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

ينتهي الفيلم مع موت شون الذي كان قبل موته قد وقع وثيقة منح بها جمعية ActUp للحصول على رماد جثمانه ونثره في مظاهرات الجمعية، وتطبيقاً لرغبات شون، ألقى أصدقاؤه رماد رفاته على كعكات مأدبة شركة التأمين.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

05/05/2023

تصوير: اسماء الغول

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

علاء رشيدي

Queer Palm D’or، السعفة الذهبية كويرياً، يعني أن مهرجان كان السينمائي، خصص تظاهرة سنوية لأفلام كويرية (LGBT)، ويقدم لأحدها في كل عام جائزة السعفة الذهبية، بهدف فتح المساحة للأفلام “المغايرة” والكويرية، والتي تكون منشغلة في التعبير عن موضوعات الجنسانية، الغيرية والمثلية، عابريمتحولي الجنس والجندر، وموضوعات الجسد والمجتمع والثقافة التي تترافق معها. في العام، 2010 اقترح الفكرة الصحفي فرانس مادوريرا وبمساعدة المخرجين أوليفيه دوكاستل وجاك مارتينو، حققا النسخة الأولى من التظاهرة. والآن وبعد 13 سنة، أصبحت التظاهرة مستقلة ومنتظرة. ولم تقتصر على فتح أفق الفن الكويري، بل أصبح لخيارات التظاهرة قيمة فنية، أمكن متابعتها بين الفيلم والآخر. ومن هنا اخترنا 6 أفلام تتنوع على جغرافية العالم: فرنسا، جنوب أفريقيا، الولايات المتحدة، وبريطانيا. لكن الأهم هو تنوع الموضوعات التي تختارها هذه الأعمال السينمائية، والتجديد في الأسلوب السردي والفني  والسينمائي للتعبير عنها.

“Kaboon”، الولايات المتحدة: الاكتشاف الجنسي في المراهقة بين الهلوسة والمخاطرة

في العام الأول شارك 11 فيلم، كان أبرزها “العشاق المتخيلون” لإكزافيه دولان، ولكن الفيلم الذي حصل على الجائزة هو Kaboon (٢٠١٠) للمخرج غريك آراكي، والكلمة تعني صوت الانفجار القوي. ما لم يكن متوقعاً أن يكون الفيلم الكويري الأول الذي يحوز على السعفة الذهبية على هذا المقدار من الكوميديا، ومن الفانتازية. فيلم خيال علمي يرافق حكاية مجموعة من الطلاب الثانويين في بحثهم عن ظواهر غامضة تحيط بهم. إن الأحداث تبين أحياناً مقدار الضياع أو التوهان أو الرغبة في التجريب لدى هؤلاء الشبان والشابات من أجل نزع الغموض عن أجسادهم/ن ورغباتهم/ن. سميث يرغب دراسة السينما، وهو يستسلم بكثافة لرؤى فانتازية، وأحلام غرائبية، دون أن يشاركها مع أحد، لكن عثوره على رسالة تقول له: “أنت المختار”، وهنا تتحول الحكاية التي يعيشها سميث من فكرة بحث عن الذات والجنسانية، إلى ملاحقة أفراد عصابة غامضة يرتدون أقنعة حيوانية ويتهجمون على الطلاب، فيدخل سميث في متاهة اكتشاف مخططاتهم وانقاذ اصدقائه من المجموعة. إن الفيلم وإن كان يستعمل الأحلام والغرائبية لينقل لنا العوالم الجوانية، والخيالية، والفانتازمات الجنسية لطلاب/ات المرحلة الجامعية تلك، إلا أن الحكاية تتحول عند منتصف الفيلم إلى حكاية عصابة مقنعة تحبك الخطر حول سميث الذي يحاول أن يستعيض أمام وحدته، دوراً بطولياً مشوقاً في حياته.

“Skoonheid”، جنوب افريقيا: العار والكبت في تحويل الشهوة للجميل إلى جريمة اغتصاب

هذه الكلمة الافريقية، ترجمت باعتبارها Beauty، بالإنكليزية، إلا أن المختصين يوضحون أن معناها (النظافة أو السكون أو الطهارة) وهو ما سيظهر كهاجس عند معادي المثلية والعنصريين في جنوب افريقيا. الفيلم الجنوب افريقي “جمال” (٢٠١١) لأوليفيه هرمانوس، يحمل ما هو مميز على مستوى السيناريو وهو على عكاس سابقه يبدأ بحكاية عادية وروتينية، لتنتهي بنهاية تحمل عبرة عن الأذى الذي يلحق بالناس والمجتمع بسبب قمع الممارسات الجنسية المغايرة. فرانسوا، رجل أبيض في أواخر الأربعينيات من عمره ويعيش في بلومفونتين في جنوب إفريقيا. وهو متزوج وله ابنتان كبيرتان، ويدير شركته الخاصة في مجال الأخشاب ويعيش حياة مريحة، كما أنه عنصري وكاره للمثليين بشكل علني، لكنه في الوقت نفسه ينجذب جنسيًا إلى رجال آخرين وله بانتظام لقاءات جنسية سرية مع رجال آخرين من ذوي البشرة البيضاء. لكنه ينجذب إلى الابن الشاب الوسيم لأصدقاء العائلة القدامى، كريستيان الذي يدرس القانون في جامعة كيب تاون. لقد أثره جمال كريستيان الحيوي والجذاب، ويكتشف بالنظر إليه مقدار المتعة والرغبة في التواصل معه، يراقبه عند شاطئ البحر ويشتري له جهاز استماع موسيقي لكنه يخجل أن يهديه إياه، وتبلغ انهاك فرانسوا مداه حين يدخل إلى ناد تعر ويسكر ويتصل بكريستان ليساعده للعودة إلى غرفة الفندق في كيب تاون العاصمة، لكن الكبت، والمنع والخوف من ردة فعل الأصدقاء، يدفع تحويل شهوته إلى الاغتصاب، بممارسة قاسية وعنيفة، تصور في الفيلم على طول 10 دقائق تمتزج فيه الدماء بالمني والدموع، لتكشف أمام المتلقي حكاية نموذجية لكيفية تحول الجاذبية الجنسية إلى جريمة وحشية، بسبب قوانين المنع والخوف من العار الاجتماعي. إنها حكاية رغبة تكبت وتقلق فتتحول إلى جريمة. 

“لورانس على أي حال”، كندا: العلاقة والحب مع كائن متحول باستمرار

فيلم العام 2012، لورانس على أي حال (٢٠١٢) لإكزافيه دولان، هو الأكثر جماليةً على المستوى السينمائي، من الجوانب السينوغرافية والمشهدية والتصوير، والموسيقى المرافقة للفيلم من مقطوعات متنوعة من الموسيقى الكلاسيكية إلى الهيب هوب والتكنو. يضاف إلى ذلك، أداء استثنائي، للممثل ميلفيل بوباد، والممثلة سوزان كليمة. إن الحكاية بسيطة عن التحول في حياة عاشقين أو حبيبين حين يقرر أحدهما ويرغب بعمق في تجريب احتمالات مغايرة في هويته، أو ميوله أو علاقته مع ذاته والمجتمع من حوله. هكذا، يبدأ التحول عند لورانس من أستاذ جامعي في الأدب، وكاتب روائي واعد، يحقق النجاحات المبشرة بمستقبل متميز، ولكنه يكشف في يوم عيد ميلاده ال 35 لحبيبته، فْريد، عن رغبته الدفينة بتجريب سلوكيات، وتصرفات وأزياء النساء. مما يذكر بحكاية فيلم “الفتاة الدنماركية” (٢٠١٥)، لتوم هوبر، وهو يقوم على كتاب السيرة الذاتية للفنانة الدنماركية ليلي ألبي وغريتا ويغنر. والفيلم يروي بطريقة تخييلية حياة الفنانة التي قررت تحقيق رغبتها ومواجهة العبور الجنسي. في فيلم “لورانس على أي حال” لا نرى مقاربة توثيقية، فالتخييل هو الذي يمنح الفيلم ميزته، بل قوته في السيناريو وفي الإخراج، وإذا أضفنا أداء الممثلين الرئيسيين فإن هذا ما يميز الفيلم، لأن كل ما يجري لاحقاً من أحداث يرتبط بمصير الثنائي، فالشريك يتمنى مساعدة شريكه ليحقق أعمق أفكاره، لكن في الوقت نفسه، فإن الحب يجعل من الحيادية أمرأ صعباً مع مرور الوقت. 

ما تقرره فْريد، يجب أن تكون هناك من أجل لورانس. تستأنف علاقتهما الرومانسية وتصبح فريد من أكبر مؤيدي لورانس، ومعلمته ومساعدته في المكياج والأزياء والسلوك، ليظهر أمام طلابه وفي أروقة المدرسة ومع الكادر الإداري، ثم تفقد المدرسة قدرتها على تحمل مغامرته أمام الأهالي، فيفقد لورانس عمله، والأمل المهنية يقع في حالة من الاكتئاب. تترك فريد لورانس في النهاية وتبتعد. وهنا ينتقل الفيلم خمس سنوات حيث فريد متزوجة وتعيش مع عائلة متكاملة ، لكن نشر الكتاب الشعري للورانس، وقدرتها على التقاط بعد رسائل الشوق المشفرة بين النصوص يعيد الحنين إلى زخمه. ويعيشان مشاهد مدفوعة بالعاطفية واللقاء والمغامرة والهروب إلى جزيرة، لكن الصراعات ما تلبث أن تعاود مكانها، فكل منهما ينتظر من الآخر عكس إرادته. المميز في أحداث الفيلم هي المشاهد القادرة في التعبير عن مشاعر الشخصيات بلغة بصرية مكثفة، وأبرز ما في السيناريو ألا تحول نهائي من جندر إلى آخر أو من جنس إلى آخر، فلورانس في حالة من الاكتشاف، التجريب الذي لا يصل إلى اكتمال جذري، يقول لشريكته: “أخبرتك أريد فقط أن أجرب، إنها رغبة الاختبار، بل بالأدق عدم القدرة على منع نفسي من التجريب”. لكنه الآن، أصبح روائياً مكرساً أدبه للدفاع عن حقوق المغايرة للأجيال التالية.

“غريب البحيرة”، فرنسا: الشهوة الجنسية القاتلة تانتوس وإيروس

فيلم “غريب البحيرة” (٢٠١٣) لآلان جيرودي ينتمي إلى نوع الجريمة البسيكولوجية، حيث الشهوة الجنسية تلعب دوراً ثنائياً بين الحياة والموت، مما يذكر بالترابط بين إله الموت تانتوس وإله الجنس إيروس في الميثولوجيا الإغريقية. يلعب المكان دوراً أساسياً في الفيلم، فتجري الأحداث حول بحيرة معزولة تحيط بها غابة، أصبحت ملجأ للرجال في البحث عن علاقات جنسية مثلية، ومن بينهم الشاب العشريني، فرانك، المحموم برغبة التواصل الجنسي المثلي، والذي يراقب موضوع رغبته الجنسية الرجل الغامض، ميشيل، بلهفة مراهقة. ترتكب جريمة قتل بين أفراد المجموعة المثلية التي تلتقي عند البحيرة، في الآن عينه الذي يتعرف فرانك، إلى ميشيل ويبدآن رحلة مغامرات ومتعة جنسية، لكن جاذبيتها ستكون مهلكة لأحدهما لأن الآخر قاتل متسلسل منحرف. ورغم ذلك، فإنه وحتى الدقيقة الأخيرة من الفيلم، وبينما فرانك يختبئ في الغابة ليحل الليل، يناديه ميشيل: “اشتقت لك، أحتاج أن أمضي الليل ونمارس الجنس”، وبعدها يغيب ميشيل ليبدأ فرانك حالة الحنين، الشاب الفتى منجذب جنسياً إلى قاتله، فالمتعة الجنسية والموت أو الخطيئة مترابطة في أفلام الجنس والنفس.

“الفخر”، بريطانيا: محاولات التعاضد بين النضال الجنساني والنضال الطبقي

يتفرد هذا الفيلم مع الفيلم التالي، بالجانب النضالي في حكايته، هذا النوع من الأفلام يحمل معه قصة نضال أفراد أو جماعة لتحصيل حقوقهم/ن المهمشة. لكن ما يميز “فخر” (٢٠١٤) لماتيو واركوس، هو أنه فكر بطريقة مبتكرة، ليس في الدفاع عن حقوق فئة المثلية أو العابرين/ات، بل بطبقة العمال، الذين شرعوا بالإضرابات في إنكلترا تحت عهد مارغريت تاتشر، التي عرفت بريطانيا في عهدها أقسى درجات الرأسمالية توحشاً. تجري الأحداث في سبيعينيات انكلترا، حيث تقرر جماعة من المثليين والكوريين لتكوين جماعة ضغط لمساعدة العمال والقرويين في أقصى الريف الانكليزي، حيث إضرابهم وعائلاتهم لا يلقى الإنصات المطلوب في العاصمة؟ هذا التضامن بين الفئات المهمشة، يلتزم به الناشط مارك أشتون حين يعلم أن الشرطة خففت عنفها ضد المثليين بسبب انشغالها بحركة ومطالب عمال المناجم، فيؤسس حركة LGSM وتعني (المثليون والمثليات في الدفاع عن حقوق عمال المناجم)، والذي عرفت في سنوات إضراب 1984-1985، وشهدت أول تعاون بين هذه الأنواع من المناضلين، أي النضال الجنساني والنضال العمالي. وتنحصر الحكاية في العلاقات المعقدة بين القبول والرفض بين الازدراء والانفتاح بين عمال المناجم والمثليون/ات وبين مركز المدينة واٌقاصي الريف، وبين التعليم التقدمي والتقليدي. إن الكاميرا والأجواء في البلدة النائية الرمادية، تذكرنا بسينما (كين لوتش) والتزام أفلامه بالقضايا السياسية والاجتماعية، وتعاضد المهمشين.

“125 نبضة بالدقيقة”، فرنسا: النضال المبتكر يخلق النوع السينمائي المبتكر

“125 نبضة بالدقيقة” (٢٠١٧) لروبن كامبيو، فيلم مميز يمكن الوقوف عنده باهتمام على عدة مستويات: الموضوعة المميزة، الأسلوب الإخراجي، والنوع السينمائي الذي يحمل الجديد، فالفيلم في أسلوب تصويره وإخراجه يصل إلى مزايا نوع سينمائي مبتكر، يجمع بين حدود التسجيلية والسيناريو المكتوب، ويمكن مقاربته مع فيلم “فعل القتل” (٢٠١٢) لجوشوا أوبنهايمر، حيث ينتج السيناريو المكتوب والكاميرا التسجيلية نتائج مبهرة يعيشها المشاهد مع الشخصيات التي تعيش سباقاً بضربات القلب في دقيقة، أو الشروع بالموت. يتابع الفيلم مجموعة نضالية Act up. لقد عرفت بداية التسعينيات انتشار مرض الإيدز، الذي سيحضر في أكثر من فيلم، بوصفه ظاهرة أثرت على حقوق المغايرين/ات والكويرين/ات. يطلعنا الفيلم على تأسيس وبدايات مجموعة ACT UP Paris، التي تميزت بأسلوب النقاش بين أعضائها، وحملاتها الفعالة ضد مختبرات الأدوية الطبية المتأخرة في تقديم معلوماتها، والأهم استهدافها الشباب اليافعين في الثانويات، ذلك أن أكثر من 3 أفراد في الفيلم، حصلوا على الإيدز من ممارستهم الجنسية الأولى، والتي يروي شون أنها كانت على انجذاب مع معلم المدرسة، وأنه حصل على مرض الموت من الممارسة الأولى. يخوض الفيلم بإدهاش في العلاقات الجنسية للشخصيات، حيث نتابع مع كاميرا تسجيلية لحظات خالصة الحميمية بين شون وعشيقه ناثان، ليس فقط بمعنى حميمية التواصل الجنسي، بل أيضاً لحظة الاستمناء في سرير المستشفى في اللحظات الأخيرة قبل الموت، في غرفة المستشفى. يقول شون: أنا خائف. يترك ناثان النافذة ويقترب من شون المستلقي على السرير: لا تخاف، لا تقلق. تنزلق يد ناثان على جذع شون وصولاً إلى العضو، حيث يقدم له الاستمناء كلحظة راحة أخيرة قبل الموت المحتوم، ويقبله بعاطفية.

ينتهي الفيلم مع موت شون الذي كان قبل موته قد وقع وثيقة منح بها جمعية ActUp للحصول على رماد جثمانه ونثره في مظاهرات الجمعية، وتطبيقاً لرغبات شون، ألقى أصدقاؤه رماد رفاته على كعكات مأدبة شركة التأمين.

على مستوى العالم والسينما العربية، يصعب العثور على تظاهرة مماثلة إلا في مهرجان “كوز” للأفلام الكويرية الذي أطلقته في العام 2015 “أصوات، المركز النسوي للحريات النسوية والجندرية” في حيفا.

الكاتب: علاء رشيدي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع