يقسم المؤلف جمال شحيد كتابه الجديد “محطات كبرى في الثقافة الإغريقية واللاتينية: مقتطفات نصية” (دار المشرق، 2023) إلى فصول قائمة على أساس النوع، ليشمل في كل منها كلا المرحلتين الإغريقية واللاتينية. وجاءت فصول الكتاب على الشكل التالي: ١- من عيون الشعر. ٢- المسرح. ٣- روايات يونانية ولاتينية. ٤- المؤرخون الإغريق والرومان. ٥- الفلسفة تتكلم اليونانية. ٦- نبذة في البلاغة.
سنركز في هذه المادة على التعريف بأبرز الأعمال الأدبية التي يشملها الكتاب، ومنها ضمناً: الملاحم، الأعمال الشعرية، الأعمال المسرحية، والأعمال الروائية، والتي تشمل الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب، متجاوزين، بما تسمح به المساحة، الفصول الهامة المتعلقة: “المؤرخون الإغريق والرومان”، “الفلسفة تتكلم اليونانية”، و”نبذة في البلاغة”.
الأدب الشعري
تحت عنوان “من عيون الشعر” يتوقف المؤلف في الفصل الأول عند ملحمتي هوميروس “الإلياذة “و”الأوديسة”. ويتفق المؤلف مع الباحث أحمد عثمان على اعتبار أن هوميروس حول الأغاني الملحمية الصغيرة والملائمة لحفلات الإنشاد والسمر إلى قصيدة كبيرة. كما أنه يختار من ترجمات أحمد عثمان ترجمة النشيد الأول من البيت 1: “غن لي يا ربة الشعر عن غضبة أخيليوس بن بيبلوس المدمر”. ويختار المؤلف ليعرض على القارئ من الإلياذة: المستهل، الخصومة بين آخيل وأغاممنون، شيوخ طروادة يتملون جمال هيلانة، وداع هيكتور لزوجته أندروماخي، مبارزة بين آخيل وهيكتور، وينبه المؤلف أن الأوديسة ورغم أنها رواية أوليس، إلا أنها في الآن عينه رواية آلهة الأولمب الذي قرروا عودة أوليس إلى إيثاكا، كما أنهم تدخلوا في حرب طروادة، مع هذا المعسكر أو ذاك، وتتدخل الآلهة في جميع أحداث الأوديسة. ويختار المؤلف من نصوصها: السيكلوب، نشيد السلام في إيثاكا.
لينتقل بنا الكتاب إلى هيزيوذوس (نهاية القرن الثامن ق.م)، ويستعرض كتابه “نشأة الآلهة” لأنه كتاب يؤسس للأساطير الاغريقية ويتكلم على تعاقب الآلهة، ويستهله الشاعر باستحضار ربات الإلهام، اللواتي يفرحن قلب زيوس، ويقمن في جبل الأولمب، ويلهمن الملوك والشعراء. ويتوقف هيزيوذوس عند مراحل تكون العالم: مرحلة العماء أو الشواش، مرحلة تكون الأرض، الديجور، والحب. ومن هذه المراحل نشأت المعبودات الأولى: الليل والنهار النوم والموت. ويركز الكتاب على الصراعات التي نشأت بين الآلهة المؤسسين. أما في كتاب “الأعمال والأيام” يتكلم هزيوذوس على عصره وعلى أعمال الناس اليومية وعلى فصول السنة، ويؤكد ضرورة العمل ليتمكن الإنسان من العيش. ويروي بعض القصص الشائعة، ومنها قصة باندورا التي بدأ برواية قصتها في “نشأة الآلهة”.
ويفرد المؤلف قسماً من مختاراته الشعرية، للشاعرة سافو (حوالي 630-580 ق.م)، التي أسست في بيتها نادياً سمته “دار خدمة الموساي” الذي كان يؤهل الفتيات الموسرات للحب والزواج، ويعنى بالتربية الجمالية، وكرست بعض القصائد لأخيها الذي كان ناشطاً سياسياً قاوم الطغاة واضطر إلى العيش في المنفى. ولها أيضاً قصائد خصصتها لابنتها كلايس. ولكن شعرها بعامة موجه إلى تلميذاتها.
إن أكثر ما يميز القراءة التي يقدمها المؤلف عن الشاعر بندراوس (حوالي 518-440 ق.م) هو رؤيته الشعرية ونظريته الجمالية في الشعر، فقصائده لا تقتصر على تمجيد الأبطال في الألعاب الرياضية الأولمبية التي كان يحرص على حضورها سنوياً،بل هي أيضاً قصائد لتمجيد الآلهة، وفيها يحرص على إبراز حكمة الآلهة واستقامتها، فالشعر عنده وسيلة للخلود، وقد رأى أن الإلهام الشعري يأتي من لدن الآلهة، وخصوصاً من إله الموسيقى والشعر أبولون.
يتوقف المؤلف من عيون الشعر في الأدب اللاتيني عند الأديب تيتوس لوكريتيوس (98-55 ق.م) وكتابه في “طبيعة الأشياء”، الذي يجسد نوعاً من الأدب الفلسفي. ذلك أن فكر لوكريتيوس تأثر بفلسفة أبيقور واعتبر أن كلماتها مصنوعة من الذهب الخالص لأنها تحرر الإنسان من الأساطير والأوهام والخوف من الأخرويات وعالم ما بعد الموت: “مهما كانت جميع الأساطير جميلة ومتقنة الصنع إلا أنها بعيدة كل البعد عن التفسير الصحيح”، ويدافع لوكريتيوس بأن الإنسان هو سيد قدره.
يقدم المؤلف الأديب كاتولوس (84 – 54 ق.م) بوصفه ينتمي إلى جيل من الشعراء الشباب، الذي تأثر بالشعر الاسكندري، جيل ينادي بالفن للفن، جيل اهتم بالشكل الفني المتقن والرشيق، جيل تمرد على القدامى وأوزانهم الجلية، جيل مال إلى الإيقاع الشعري والبساطة في التعبير. وقد بدأ كاتولوس بكتابة الغزليات والإبيغرامات أي القصائد اللاذعة، وتراوح قصائده بين الانعتاقية الماجنة والإخلاص، بين الحياة المتهتكة والتشبث بقيم التراث الأخلاقية، وبين النزق الجاد والنقد الذاتي. من قصائده “أريان وثيسيوس”، “زواج بيليوس وثيتيس”. أما أمير الشعراء اللاتين في مدينة مانتوا، أي فيرجيليوس (70-19 ق.م)، فقد ثبت موقعه في ديوانه الأول “الرعويات”، لينتقل إلى كتابه تضاهي هيزيودوس ولوكريتيوس، حين فكر في كتابة ملحمة تكون للرومان بمثابة الإلياذة. فكانت الإنياذة التي تبدأ بحكاية الحصان الخشبي ونهاية طروادة، وتصف تدمير قصر برياموس ونهاية ملك طروادة.
ومن أعمال الشاعر هوراتيوس (65 – 8 ق.م)، نتوقف عند الديوان هو “الإيامبات” وعالج فيه مسائل سياسية مهمة: الحروب الأهلية التي تدمر البلاد، كره التصنع الاجتماعي، حب الريف والحياة الريقية. أما الديوان الثاني فهو “الهجائيات” وفيه وصف للحياة الرومانية اليومية، المرافعات في المحاكم، المحامون السفلة، التكالب على المصالح والمال. أما الكتاب الأهم لهوراتيوس فهو “الرسائل” ويصرح فيه أنه سيهجر أشعار اللهو، وسيعكف على ما هو حقيقي ولائق، أي الفلسفة التي تحث على الفضيلة. ويخص الشاعر “هوراتيوس” الرسالة التاسعة عشر من رسائله لفن الشعر.
أما أوفيديوس (43 ق.م – 18 م) فيبقى الأهم بين كتب أوفيديوس التسعة هو كتاب “التناسخات”، ويجمع فيه عدداً كبيراً من التناسخات التي وردت في الأساطير والمسرحيات والسرديات اليونانية واللاتينية. وقد أعاد الشاعر كتابتها بحيث تتجلى رؤيته للكون من خلالها:
الأدب المسرحي
ينتقل بنا الفصل الثاني من الكتاب إلى الفن المسرحي، الذي نشأ في منتصف القرن السادس ق.م وأنشئت المسابقات التراجيدية العام 501 ق.م، التي كان من أهم مؤلفيها إسخيلوس (525-456 ق.م)، مع نصوصه: “الفرس” (472 ق.م.)، “سبعة ضد طيبة” (467 ق.م.)، “پرومثيوس مصفدا” (465 ق.م.)، “الضارعات” (463 ق.م.)، “أگاممنون”، “حاملات الشراب” (458 ق.م.)، “ربات الغضب” (458 ق.م.). لكن المسرحية الأهم بين أعمال إسخيليوس هي “بروميثيوس مقيداً”، في هذه المسرحية نلمس الصراع بين عدالتين: عدالة زيوس الجائرة الذي كان يبغي إبادة الجنس البشري بعد أن خلقه هزيلاً ومستضعفاً، وعدالة بروميثيوس محب البشر. يكتب المؤلف. ويسرد الكتاب الحكايات المركزية في مسرحيات سوفوكليس (495-406 ق.م): بنات تراخيس، آياكس، أنتيغوني، أوديب ملكاً، إلكترا، فيلوكتيتيس، أوديب في كولونا. ويتوقف عند مسرحية “أنتيغوني”، ليبحث في صورة المرأة فيها.
أما يوربيديس (480-406 ق.م)، فكتب: ميديا، الهرقليات، هيبوليتوس حامل التاج، أندروماخي، هيكابي، الضارعات، إيون، جنون هرقل، الطرواديات، إييفجينيا في تاوريس، إلكترا، ميلانة، الفينيقيات، أوريستيس، إيفيجينيا في أوليس، عابدات باخوس، ومسرحية هجائية واحدة هي: الصقلاب. وتميز يوربيديس بأنه وضع عناوين نسائية لعدد من مسرحياته، وحلل شخصيات نسائية كبرى، ما دفع بعضهم إلى القول إنه كان نصيراً للمرأة، ودفع بعضهم الآخر إلى القول إنه كان يكرهها. والحق أن يوربيديس كان متأملاً وشكاكاً ومحللاً في المسألة الدينية وفي قضية المرأة. وإلى جانب النساء الشريرات “كليمنسترا، ميديا، هيرميوني”، هناك مجموعة نسائية مشرفة وفاضلة ووفية “ألكيستيس، إيفيجينا، أندروماخي، أنتيغوني”.
ينتقل بنا الكتاب تالياً إلى الكوميديا عند أريستوفانيس (445 – 385 ق.م): المشتركون في الوليمة أو الأخارنيون، الفرسان، السحب، الزنابير، السلام، الطيور، ليسيستراتا، النساء في أعياد الثيسموفوريا، الضفادع، برلمان النساء، بلوتوس أو الثروة. وباستثناء المسرحية الأخيرة والمسرحيات التي سخر فيها من يوربيديس، تدافع مسرحيات “أريستوفانيس” عن صغار الكسبة والفلاحين الذين يقمعون ضحية رجال الأعمال والحكام الفاسدين، ولم يهاجم الديمقراطية الأثينية وإنما هاجم الطبقات السياسية. ففي “الفرسان” يسخر من الفاسدين الذين استولوا على مؤسسات الدولة، وينتقد عدد من الشخصيات السياسية والرقابة التي يتعرض لها الكتاب والمفكرين. وفي مسرحية “الزنابير” يسخر من التنظيم القضائي السائد في أثينا. وفي مسرحية السلام يندد بالحرب التي نشبت بين أثينا وإسبارطة ويتغنى بحسنات السلام. أما في مسرحية “الطيور” ينتقد أريستوفانيس التهويمات السياسية والدينية. ويتصدى أريستوفانيس في “ليسيستراتا”، ومعناها المنفكة من الجيش، لتسلط الرجال على النساء اللواتي يستولين على السلطة، وثمة مواقف عديدة تنوه بقلب الأدوار هذا في مجتمع يؤكد أن الحرب شأن الذكور وأن البيت شأن النساء. ولقد وفق أريستوفانيس في هذه المسرحية بين الصراعات داخل الدولة وبين الحياة اليومية الحميمية ونادى بالحرب الجنسية، وأعطى النساء دوراً سياسياً أساسياً ونادى بثورة يطلقنها. أما في مسرحية “الضفادع”، فيضيق الإله ذيونيوس ذرعاً بفقر الشعر الأثيني بعد وفلة المسرحيين الثلاثة الكبار، فقرر زيارة الجحيم للبحث عن يوربيديس وإعادته إلى عالم الأحياء. وفي مسرحية “برلمان النساء” يتناول “أريستوفانيس” مسألة النساء في المدينة، حيث تقرر الأثينيات ذات صباح، التجمع في الساحة العامة الأغورا، ليأخذن مكان الرجال ويتخذن التدابير المناسبة لإنقاذ المدينة، إذ لاحظن أن إدارة الرجال لها فاشلة. أما آخر مسرحية بقيت من مسرحيات أريستوفانيس هي “بلوتوس”، ويتناول فيها مسألة تفاوت الثروة، وبلوتوس هو إله الثروة في الأساطير الإغريقية، وهو إله أعمى، بأمر من زوس المتوجس من إحسانه للناس.
أما المؤلف المسرحي الثاني الذي تطالعنا نصوصه في قسم الكوميديا فهو بلاوتوس تيتوس ماكشيوس (254-184 ق.م)، والمعروف عنه أنه كان يسخر من الآلهة الاغريقية والرومانية، عن طريق شخوص مسرحيين شعبيين يحطون من قدرهم. وتميل مسرحيات بلاوتوس إلى التهريج والمقالب التي يؤدي فيها التلاعب بالكلمات والطباق والجناس دوراً لافتاً، بالإضافة إلى حركات الجسم المبتذلة. ويحتل العبيد الأذكياء فيها مكانة كبرى ويجذبون اهتمام الجمهور، على الرغم من لجوئهم إلى الكذب والمبالغة. وتوقف بلاوتوس كثيراً على العلاقة بين الآباء والبنين. قكسر قدسيتهاوبطريركيتها الشائعة في المجتمع الروماني، وضحى بها في سبيل الإضحاك. ففي مسرحية “الحمير” يتساهل الأب جيمانيتوس في معاملته مع ابنه أرجيريبوس كي يجد لأبيه عشيقة كانت تابعة لإحدى القوادات. فيتناول بلاوتوس مراراً قصة العجوز العاشق التي نجدها في الحمير والأختان التوأمان باكخيس وكاسينا وعلبة المجوهرات وستيخوس. فنرى عجوزاً يعشق خادمة زوجته في كاسينا ويريد أن يزوجها لعبده الفلاح ويعده بلإعتاقه إن تخلى له عنها ليلة الدخلة. ونجد في مسرحيات بلاوتوس شخصيات نسائية عديدة، وتوقف بلاوتوس عند الصور الشعبية لهؤلاء النساء بدون أن يحلل شخصياتهن بعمق. فالعذراء رصينة ومتواضعة وحكيمة، أما القوادة فمتهورة ومنحلة وماكرة.
أما من أعمال سينيكا لوسيوس أنييوس (1 ق.م – 65 م)، فيهتم المؤلف بالوقوف عند مسرحياته التراجيدية العشرة الباقية، وهي: أغاممنون، هرقل مجنوناً، هرقل فوق جبل أويتا، ميديا، فيدرا، الفينيقيات، ثييستيس، الطرواديات، أوديب، أوكتافيا. وتتناول مسرحية “هرقل فوق جبل أويتا” عدداً من المقولات الرواقية التي تندد بالقدر المكتوب وبالجنون البشري. فقد أعجب الرواقيون بشخصية هرقل الذي خلص البشر من بعض الويلات، فتنتقم الآلهة منه بالجنون، فيقتل زوجته وأولاده ثم يثوب إلى رشده. أما “ميديا” سينيكا، فهي شخصية تعلن في داخل النص المسرحي بعبارة “سأصبح ميديا”. وفي نهاية المسرحية تعلن “الآن أنا ميديا” أي أنها أصبحت الشخصية القادرة على ارتكاب أفظع الجرائم: قتلها لأولادها. أما “الطرواديات” فهي مسرحية تتكلم على مقولة القدر الذي يكتنف مصير الطرواديات الساباي. وجميع مسرحيات سينيكا، ما عدا العاشرة منها، مستوحاة من الميثيولوجيا الاغريقية. وقد ذكر دانتي سينيكا في الجزء الأول من ملحمته “الجحيم”. قائلاً: “جميعهم كانوا معجبين به ويجلونه. وسينيكا هو القائل: “نحتاج إلى الحياة بكاملها كي نتعلم كيف نعيش”. وهو القائل: “كما الحكاية، كذلك هي الحياة: ما يهم ليس كم هي طويلة، ولكن كم هي جيدة”.
الأدب القصصي والروائي
وتحت عنوان “روايات يونانية ولاتينية” يتوقف الكتاب في الفصل الثالث منه عند نشأة الرواية اليونانية في القرون الممتدة بين القرن الثاني قبل الميلاد حتى الرابع بعد الميلاد. وتروي هذه المسرودات بعامة قصص حب ومغامرات، وهي:
قصة “خيرياس وكاليرهوي، لخاريتون الأفروديسي” وتروي قصة حب وقعت أثناء احتفالات أفردويت في مدينة سيراككزا. بالرغم من معارضة العائلتين. وتتخلل الرواية أحداث خيالية تضرب في عمق التاريخ وتنلقنا إلى بلاد الفردس في عهد الملك أرتحششتا. وقصة “لوسيبي وكلينوفون، لأخيل تاسيوس”، وفي هذه الرواية تتغير صورة إله الحب أيروس أو كوبيدون الذي رسمه الأقدمون كطفل وادع يفرد جناحيه ويرمي بسهامه قلوب العشاق، إلى صورة ثور جامح يقطع البحر من لبنان إلى اليونان حاملاً على ظهره أخت قدموس ليجعلها إحدى محظياته.
أما حبكة رواية “الأثيوبيات أو قصة ثياجينوس وخاريكليا، لهيليوذوروس الحمصي” فهي قائمة على أحجية لا ينكشف حلها إلا في نهاية الكتاب. وتدور الرواية حول أميرة أثيوبية تخلت عنها أمها بعد ولادتها فعاشت في مدينة ديلفي في اليونان وأصبحت كاهنة للألهة أرتميس. وفي أثناء حضورها الألعاب الأولمبية في أثينا، تعرفت على الشاب ثياجينوس وتعاشقا. أما رواية “دانفيس وكلوي، للونغوس”، فهي رواية رعوية تقع أحداثها في جزيرة ليسبوس، وتدور أحداث الرواية بين راع اسمه ذافنيس، اختطفه القراصنة ونجا من أسرهم، وراعية هي كلوي اختطفها بعض القرويين ليوم واحد. وفيها سعى لونغوس إلى تمجيد الطبيعة وبساطتها وإلى إحياء الطبيعة عن طريق الفن.
أما عن “لوقيانوس السميساطي، 120-180 م”، فيعتبره المؤلف جمال شحيد مؤسس الخيال العلمي في الغرب، ففي كتابه “القصة الحقيقة” يتصور رحلة خيالية إلى القمر. وفي كتابه “رسائل إلى زجل” ننتقل إلى كوكب زحل الذي فتن به لوقيانوس، وفي “مينيب أو مساءلة الموتى” يلتقي مينيب بالعراف الأعمى تيريزياس في الجحيم، وفي “خارون أو المتفكر” يكتشف أحد نوتية الجحيم عالم البشر فيصاب بالهلع، لأنه عالم يعج بالأنانية ولا يعير بالا بالموت الوشيك. وفي “مسامرات الأموات” يحتل فيها خارون مستقبل الأموات في الجحيم مكان الصدارة. وفي هذه الكتب الأربعة ينقلنا لوقيانوس إلى عالم الهاوية، ويبدو لنا الهاديس كما تصوره الأقدمون عالماً هادئاً ينزل إليه جميع الموتى.
أما رواية “الساتيريكون، لبترونيوس”، والكلمة تعني القصص المتداخلة، فقد كتبت في عهد الإمبراطور نيرون. وتقدم صورة عن ذلك العصر من حيث: الأخلاق العامة، ثروات العبيد المعتقين، الأنواع الأدبية الشائعة. وتتوغل الرواية في وصف الجانب المستور من حياة الناس، ولاسيما ما يجري وراء الأبواب المغلقة. وهو كتاب ساخر يتناول الحياة الجنسية في أوساط الطبقة الميسورة الحديثة النعمة. ويصف لنا الكتاب الوليمة: المقبلات، اللحوم، النبيذ الكورنثي. ويتوقف عند الأحاديث التي تدور بين المدعوين، وخصوصاً أحاديث مصاصي الدماء والأرواح الشريرة والعاهرات. وقد قدمها المخرجان “فريدريكو فيلليني” العام 1969 إلى السينما، و”جان لويجي بوليدورو” العام 1969 أيضاً في نسختين سينمائيتين حملتا عنوان الرواية.
أما العمل الروائي الذي يعتبر انطلاقة في التأسيس للفن الروائي، فهو “الجحش الذهبي أو الإمساخات، لوكسيوس أبوليوس”، ويضم 11 فصلاً، يحكي بشكل أساسي قصة إنسان يهتم بالسحر، ويحب أن يتحول إلى طير، ولكنه يتحول إلى حمار. و بالإضافة إلى الحدث الرئيسي، تحتوي الرواية بين طياتها، قصص تطول وتقصر، ليست على علاقة وطيدة بالنص الأصلي، وعددها 17 قصة، بعضها شهدها البطل بنفسه، والبعض الآخر سمعها. وتتوالى المغامرات التي ينجو منها الحمار، وتتداخل القصص التي تتحدث عن اللصوص ولوكيوس الذي بيع عدة مرات. وتحصل له مغامرة جنسية عامرة مع إحدى النساء المتهتكات. وتنتهي محنة الحمار لوكيوس بأن حل الربيع ونبت الورد وأزهر. وتدخلت الآلهة المصرية إيزيس ليحول من جديد إلى كائن بشري قائلة له: “عليك فقط أن تتذكر، ولتحفظ كلماتي هذه سراً مكنوناً في فؤادك، إنك منذ الآن وإلى آخر يوم في حياتك مكرس لخدمتي. من الصواب أن تنذر حياتك كلها للربة التي تعيدك إنساناً. وفي حمايتي سوف تسعد وتشتهر”. وبهذه الكلمات ينتهي الكتاب، وهنا أراد لوكيوس أبوليوس أن يربط بين بلاده في الشمال الأفريقي وبين الحضارة المصرية المجاورة. أما تحول لوكيوس إلى جمار بحسب الامساخ الإغريقي والروماني فألغته الحضارة الشرقية وأعادت الإنسان الممسوخ بشراً سوياً.