الباختي حركة صوفية هندية، نشأت جنوب الهند. ولكنها تجذّرت وتوسّعت شماله ووسطه عقب فتح المسلمين للهند. هزّ الفاتحون المسلمون المجتمع الهندي، سواء بحكمهم الذي لا يشبه البلاد، أو يدينهم المختلف. في غضون عقود، اختلط الإسلام بالهندوسية تماماً، في بعض أشعار الباختي، وكان الشاعر كبير، والقديس نانك مؤسس المذهب السيخي، مسلمين وهندوس، في آن معاً.
أحد أكثر مظاهر الإسلام إثارةً في القارة الهندية، كانت المساواة. على العكس من مجتمع الطبقات المتأصّل هناك، تميّز الإسلام بمساواة صارمة. والإمبراطوريات الإسلامية أفسحت للأفراد الفرصة لبلوغ مناصب اجتماعية وسياسية عُليا بناءً على مواهبهم، على النقيض من الإقطاع الأوروبي الطبقي بامتياز، والهندي الديني. رغب معظم شعراء الباختي بالتخلص من نظام الطبقات، وبالاحتفاء بالإخوة بين المسلمين والهندوس.
شعراء الباختي، عموماً، أميون أو شبه-أميين. علاقتهم مباشرة، إذن، مع الناس، والأشياء، والآلهة/الله. استخدموا اللغات المحلية، وغنّوا، واختلفوا مع الفلاسفة والبراهمة والفقهاء. وقد تُرجمت بعض أعمال كبير ونانك إلى العربية، ولكن بقية الحركة وتفرعاتها وأهميتها ما زالت غائبة.
القديسة جانابي (1259-1350)، Sant Janābāi، أو جاني، كما تدعو نفسها في أشعارها، قدّمت أحد أكثر أشكال التصوف تطرفاً، ومضت في وحدة الوجود وحضور الله في الطبيعة والكون إلى أقصاهما: جعلت الله حاضراً في كل شيء، كما يريد المتصوفة في كل زمان ومكان. ولكن، في حالة جاني، غدا حضوره حرفياً: في الغسيل، وفي الحب، وفي الشارع، وفي العائلة. أصبح الرب (تحديداً فيتوبا، أحد تجليات فيشنو) خليلاً، وصديقاً، وفرداً في مجتمعها الصغير الريفي.
وصلت الحركة الصوفية إلى ذرى لا مثيل لها في حركة الباختي، وأصبحت شعبية تماماً، واصطدمت مع التقاليد الهندوسية والإسلامية، صداماً ما زال قائماً، بأشكال مختلفة.
أنا آكل الرب
أنا آكل الرب
أشرب الرب
أنام
بجانب الرب
أنا أشتري الرب
أعدّ الرب
أتاجر
مع الرب
الرب هنا
الرب هناك
ليس الخلاء
خالياً من الرب
تقول جاني:
الرب بداخلنا
الرب خارجنا
بل وأكثر
هناك رب فائض
رؤية الفراغ
أرى الفراغ
فوق الفراغ
على قمته
فراغٌ آخر
الفراغ الأول
أحمر
اسمه
الفراغ السفلي
الفراغ الأعلى
أبيض
الفراغ الأوسط
رمادي
ولكن الفراغ الأعظم
أزرق
لا يحتوي
إلا ذاته
جاني شُدِهتْ
مذهولةً
عندما سمعت
رنين الجرس الصامت
عزيزي الرب
عزيزي الربّ
اعمل معروفاً واقتل حماتي
سأشعر بالوحدة عندما ترحل
ولكنك ستكون رباً طيباً بالتأكيد
وستقتل حماي
سأشعر بالسعادة عندما يرحل
ولكنك ستكون رباً طيباً بالتأكيد
وستقتل أخت زوجي
سأصبح حرةً عندما ترحل
سأحمل وعاء التسوّل
وأهيم في الطرقات
دعهم يسقطون موتى تقول جاني
عندها سنبقى وحدنا
فقط أنت وأنا
مقشّة التنظيف
جاني تكنس بالمقشة
الرب يجمع القمامة
يحملها في سلةٍ على رأسه
يلقيها في مكب بعيد
واقعٌ تماماً تجت رحمة الباختي
لينفّذ أتفه المهام
تقول جيني لفيتوبا
كيف يمكنني أن أرد جمائلك؟
محبّة الرب
بين نباتات الريحان البريّة
تفك جاني خصلات شعرها:
الرب يدلّك رأسها برقّة
بزيوت في راحة يده.
“لا أحد يكترث بجاني إلّاي!”
يفكّر وهو يصبّ الماء.
تقول جاني لكل الناس:
“خليلي غسلني.”