10 أفلام عظيمة من ”الموجة الجديدة“ الفرنسية (ترجمة)

Vivre sa vie, 1962

عماد الأحمد

شاعر ومترجم سوري

كانت السينما تمثل الحياة والتنفس بل كانت أشبه بطائفة أو دين. ظهرت نقلة السينما الأكثر شهرة في Vivre sa vie في بداية الفيلم، عندما كانت نانا تجلس دامعة ومفتونة في عرض التحفة السينمائية الصامتة The Passion of Joan of Arc لكارل دراير. هذا هو الأسلوب الذي أثّرت فيه الأفلام على باكورة الموجة الفرنسية الجديدة، وشغفها بالاقتباس من أشكال فنية أخرى​​ -سواء بكتابتها أو الإشارة إليها في الفيلم- والتي لا تزال منتشرة بشدة بعد أكثر من نصف قرن.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

31/01/2018

تصوير: اسماء الغول

عماد الأحمد

شاعر ومترجم سوري

عماد الأحمد

مقيم في مالطا

كتبها صمويل ويغلي لموقع BFI، وهذه ترجمتنا لها…

في الفصل الثاني عشر من الفيلم الرابع لجان لوك غودار، Vivre sa vie – 1962، تمر العاهرة نانا (التي لعبت دورها الممثلة التي أصبحت فيما بعد زوجته، آنا كارينا) وقوادها بالسيارة بجانب دار سينما حيث تجمّع الجمهور هناك لمشاهدة فيلم Jules et Jim، فيلم الآرت هاوس الذي أثار ضجة كبيرة والذي أنجزه صديق غودار ومنافسه في فترة ما، فرانسوا تروفو، الفيلم الذي أطلق في يناير من ذلك العام.

ظهر كل من جودار وكارينا خلال الأشهر التي مرت بين إطلاق هذين الفيلمين، في فيلم Cléo from 5 to 7، الفيلم الذي بشر بولادة مخرجة رائعة أخرى هي أنيِس ڤاردا. كانت ڤاردا قد تزوجت في العام نفسه من جاك ديمي، الذي صدر فيلمه الأول الفريد من نوعه Lola عام 1961. وكما كان فيلم Lola مكرساً للاحتفاء بذكرى المخرج ماكس أوفولس، كان فيلم Vivre sa vie مكرساً لأفلام الدرجة الثانية (مثل أول فيلم لغودار Breathless الذي أنجزه في الستينيات، والذي كان أنتجته شركة Monogram Pictures لإنتاج أفلام الدرجة الثانية )، وكان مدير التصوير في كل من فيلمي Lola وفيلم Vivre sa vie راؤول كوتار ، وألّف الموسيقى لكل منهما ميشيل ليجراند…

وهكذا استمرت هذه الأعمال والعلاقة المشتركة بينهم. مثلت هذه السنوات أعواماً من التخمر الاستثنائي في السينما الفرنسية، حيث انطلق صانعوا الأفلام لأول مرة بحرية ليصبحوا بسرعة مخرجين لأفلام ثالثة ورابعة، مستلهمين الوحي السينمائي واليقين أن الأفلام يمكن أن تكون، بل ينبغي أن تكون، شخصية مثل الرسالة التي يتم تسليمها مباشرة إلى أيدي الجمهور. 

كانت السينما تمثل الحياة والتنفس بل كانت أشبه بطائفة أو دين. ظهرت نقلة السينما الأكثر شهرة في Vivre sa vie في بداية الفيلم، عندما كانت نانا تجلس دامعة ومفتونة في عرض التحفة السينمائية الصامتة The Passion of Joan of Arc لكارل دراير. هذا هو الأسلوب الذي أثّرت فيه الأفلام على باكورة الموجة الفرنسية الجديدة، وشغفها بالاقتباس من أشكال فنية أخرى​​ -سواء بكتابتها أو الإشارة إليها في الفيلم- والتي لا تزال منتشرة بشدة بعد أكثر من نصف قرن.

كانت هناك بشائر ونذر لهذه الموجة في عام 1955 (فيلم La Pointe-courte لڤاردا، 1956، وفيلم Bob le flambeur لجان بيير ملفيل، 1958، وفيلم Le Beau Serge لكلود شابرول)، ولكن الموجة الفرنسية الجديدة أصبحت طوفاناً في عام 1959، مع تروفو، غودار، إريك رومير وجاك ريڤيت الذين اقتفوا أثر شابرول في إنتاج الأفلام اعتماداً على خلفيتهم النقدية في مجلة Cahiers du Cinéma. تبعت أفلام Les Quatre Cents Coups لتروفو و Hiroshima mon amour لآلان رينيه، والفيلم الثاني لشابرول Les Cousins، مباشرة فيلم Breathless لغودار في مارس 1960، مما أعلن عن نوع من الطفرة الذهبية السينمائية حيث كان السينمائيون في فرنسا (وقريباً في جميع أنحاء العالم) يحملون كاميراتهم، ويرمون كتيب التعليمات حول إنجاز الأفلام، وينطلقون في الشوارع لتصوير العالم المتحرر من الأثقال المحافظة أو الشخصيات المنتحلة الفارغة من البعد الشخصي في مؤسسة صناعة السينما.

وصلت كمية الأفلام التي كان يتم إنتاجها في فرنسا لوحدها إلى أقصى درجة وصلت إليها السينما في التاريخ، كما سنرى عندما نستعرض الأفلام العشرة التي تعد من أرقى أفلام هذه الحقبة (فيلم واحد لكل مخرج من المخرجين الأساسيين). 

Hiroshima mon amour – 1959
المخرج: آلان رينيه 
 

كان هناك صلات – اجتماعية وأسلوبية – فيما بينهم، ولكن الموجة الفرنسية الجديدة اندلعت من مجموعتين متميزتين. فمن ناحية، كان هناك النقاد – الذين تحولوا إلى مخرجين مرتبطين بمجلة Cahiers du Cinéma (غودار، تروفو، شابرول، اريك رومير وجاك ريڤيت). ومن ناحية أخرى، كان هناك ما يسمى بمخرجي ليفت بانك The Left Bank (آلان رينيه، كريس ماركر، أنيِس ڤاردا)، لا تقل حداثة عنهم ولكنهم أقل من الآخرين ولعاً بصنع الأفلام لأنفسهم وحسب. 

جاء رينيه وماركر من عالم الأفلام الوثائقية، وبدأ فيلم رينيه الروائي الأول، Hiroshima mon amour، عندما كلف بإنجاز فيلم وثائقي حول القنبلة الذرية. كان ماركر في مجموعة العمل كمتعاقد ولكنه انسحب، وهكذا تحول رينيه – الذي كان حريصاً على عدم تكرار الأثر نفسه لفيلمه Night and Fog، الفيلم الوثائقي الذي أنجزه عام 1955 في معسكرات الاعتقال – للتعاون مع مارغريت دوراس لكتابة سيناريو فيلم روائي. كتبت دوراس، التي تشتهر بالأفلام الروائية التجريبية والرواية الفرنسية الجديدة، قصة عاشقين – امرأة فرنسية (إيمانويل ريفا) ورجل ياباني (إيجي أوكادا) – الذي تضطرب علاقته مع هيروشيما الحالية بذكريات شخصية وتاريخية على حد سواء.

كانت الذاكرة، والمدى الذي يتدخل فيه الماضي ليعيش في الزمن الحاضر، موضوعاً رئيسياً في الكثير من أعمال رينيه. أنجز رينيه مع الحوار المشوق الذي كتبته دوراس والموسيقى الطليعية التي ألّفها كل من جيوفاني فوسكو وجورج ديليرو، واحداً من أشجع أفلامه عام 1959، ولكن الفيلم الذي حقق قفزات هائلة إلى الأمام مع تصويره الدقيق لأفكار الأشخاص البالغين وعواطفهم، فتح الباب بالفعل، وخطت السينما الحديثة خطوة إلى الأمام.

Breathless – 1960
المخرج: جان لوك غودار
 

بعد مرور 10 أشهر على فيلم السير ة الذاتية Les Quatre Cents Coups لتروفو وتسعة على فيلم بعد Hiroshima mon amour، كان الفيلم الأول لغودار يمثل غرزة أخرى في نسيج الفيلم. كان التأثير المذهل للحداثة الرائعة هذه المرة، بكلمات الناقد كينت جونز، موسيقى الجاز الارتجالية الحرة لمواجهة موسيقى رينيه المكتوبة مسبقاً. 

تنطوي القصة على مجرم شاب، ميشيل (جان بول بلموندو)، الذي يسرق سيارة، يقتل شرطي، ثم يختفي في باريس مع صديقته الأمريكية (جان سيبيرغ) ينتظر القدر للقائها. هذا هو الأسلوب الذي لا يكترث لشيء والذي يقول غودار أنه يمثل المفتاح الحقيقي. صوّر الفيلم بكاميرات محمولة على كتف راؤول كوتار (المصور السينمائي الدائم مع غودار في جميع مراحل الفترة الأولى من حياته المهنية)، يقدم فيلم Breathless هجوماً شاملاً على القواعد المتبعة في صناعة الأفلام: القطع عندما تقول القواعد أنه لا ينبغي استخدام القطع. التصوير في الشوارع وفي الإضاءة الطبيعية؛ جمل موسيقية مشتتة تدرج فجأة، واغتنام كل فرصة لتذكير المشاهد بأن ما يشاهده عبارة عن فيلم وخيال. هذه الأفلام عبارة عن صورة مشبعة بالمعارف السينمائية والإشارة إلى الأفلام، ولكنها في الوقت نفسه تلك الأفلام التي حاولت رفع الوسيط الفني وهزه بقوة حتى يتلاشى كل ما نصدق بأنه يمثل الحقيقة. 

Les Bonnes Femmes – 1960
المخرج: كلود شابرول
 

كان كلود شابرول، مع غودار، المخرجين الأكثر غزارة من كبار مخرجي الموجة الجديدة. كان أول فيلم له في Le Beau Serge عام 1958 والذي يمثل أحد بواكير الأعمال في هذه الحركة، وبحلول نهاية الستينيات أنجز أكثر من 16 فيلم روائي آخر وعدة أفلام قصيرة. كان أكثر ارتباطاً بالأجناس التقليدية من بعض معاصريه، وتشكل أفلامه في الستينيات إلى حد كبير اليوم سلسلة أفلام التجسس المنسية إلى جانب سلسلة من أفلام الإثارة والرعب التي جعلته على مستوى المقارنة دائماً مع هيتشكوك (التي شارك كل من شابرول ورومير في كتابة دراسة رائدة عنها في الخمسينيات).

لم يكن فيلمه الرابع في عام 1960، Les Bonnes Femmes فيلم إثارة ورعب ولا فيلم تجسس – على الرغم من وجود انعطاف غير متوقع في الأحداث. يعد الفيلم تصويراً للكوميديا السوداء لأربع نساء باريسيات عازبات (من ضمنهن ستيفاني أودران و برناديت لافونت) اللائي يعملن في متجر للأجهزة الكهربائية. تسعى كل منهن لتحسين وضعها، سواء على الصعيد المهني أو العاطفي. يوثق شابرول لقاءاتهن المتنوعة مع مجموعة من الرجال المتواضعين في الفيلم بعين ذكية مليئة بالسخرية القاتمة من الرغبات والسلوكيات الإنسانية. رفض المتفرجون في ذلك الوقت تشاؤم الفيلم، ولم يأخذ الفيلم حقه بالانتشار كما ينبغي حتى اليوم- وهذا أفضل لمن لم يشاهد الفيلم ويرغب في تجربة الصدمة الكاملة لأحد أفضل أفلام شابرول. نوع صادم تماماً من المتعة.

Shoot the Piano Player – 1960
المخرج: فرانسوا تروفو
 

لم يكن الفيلم الثاني لتروفو، الذي أطلقه بين فيلميه اللذين احتفي بهما على أنهما تحفتين سينمائيتين تنتميان للموجة الفرنسية الجديدة، Les Quatre Cents Coups و Jules et Jim، يقل عن هذين الفيلمين أبداً. كان العرض الأول للفيلم في مهرجان لندن السينمائي في أكتوبر 1960، وهي مسألة لا تغير شيئاً من طبيعة الأمر- حيث كان الفيلم أقرب إلى طبيعة أفلام غودار Breathless أو Bande à part – 1964. اقتبس الفيلم من رواية كاتب روايات الجريمة البوليسية ديفيد جوديس، وقام تشارلز أزنافور بدور البطولة ولعب دور عازف بيانو كلاسيكي فاشل يتسكع مع أفراد العصابات بعد أن يحصل على عمل ليعزف الموسيقى الحزينة على البيانو في حانة باريسية محلية. 

ينغمس تروفو في عشقه للسينما الأمريكية متحرراً من الشكل التقليدي لأفلام السيرة الذاتية الذي اعتاد العمل من خلاله، منطلقاً بأقصى طاقته باتجاه أفلام الجريمة والدراما الهوليوودية، وأفلام الدرجة الثانية والكوميديا الصامتة، مستخدماً مجموعة من الحيل الغامضة للموجة الفرنسية الجديدة التي لا تزال فعالة حتى يومنا هذا. الفيلم عبارة عن فيلم كوميدي، وفيلم إثارة، وفيلم عن الأفلام والسينما- ولكنه بالرغم من كل تلك الحيل، يبقى فيلماً رائعاً بفضل الشعور الغامر الذي يمنحنا إياه الأداء الحزين للغاية لأزنافور ولأن تروفو قد أشبعه بالكثير من العاطفة والحساسية في كل لقطة. 

Lola – 1961
المخرج: جاك ديمي
 

كان جاك ديمي تابعاً لمجموعة ليفت بانك Left Bank (تزوج من فاردا منذ عام 1962 حتى وفاته في عام 1990)، ولكن عشقه اللامتناهي للسينما جعل منه واحداً من المتعاطفين بشدة مع مجموعة Cahiers المهووسين بالأفلام أيضاً. عندما كان في الثلاثين من عمره، كان فيلمه الأول يقتبس صراحة من فيلم ماكس أوفولس Lola Montès – 1955 وربما إلى أبعد من ذلك إلى فيلم The Blue Angel – 1930 لجوزيف فون ستيرنبرج – الأفلام التي  تصور حكايات جميلة للنساء العالقات في شبكات السيطرة والرغبة الذكورية. أما قصة ديمي التي تضم راقصة ملهى (أنوك إيمي) والرجال الذين يدورون في فلكها تتميز بشيء جديد يجعلها حداثية في جوهرها وتنتمي بوضوح للموجة الجديدة: نزعة طبيعية عادية أقرب لمستوى الشارع تبحث عن السحر السينمائي في الأماكن والمواقف الرتيبة المضجرة.

يجعل هذا الفيلم الذي يتميز بخلفيات بيضاء للمشاهد، حيث الصورة المعرضة بعدسات سينماسكوب على يدي مدير التصوير العظيم راؤول كوتار ، المدينة الساحلية الأطلسية، نانت، تبدو حقيقية للغاية وأشبه بحلم اليقظة في الوقت نفسه. كان ديمي أكثر مخرج حالم بين مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة، وقد مهد ذلك الأسلوب الرومانسي بل دفع للدعوة للمزيد من القصص الخيالية من المدن الساحلية الفرنسية حيث بلغت موسيقى ميشيل ليجراند أفضل حالاتها وأرقاها في هذا الفيلم. 

Adieu Philippine – 1962
المخرج: جاك روزييه
 

توقف الكثير من مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة أو تعثرت طموحاتهم بعد أن اندفعوا لإنجاز أفلامهم الأولى. بدأ كل من رومير وريڤيت في وقت مبكر، ولكنهما تعرضا للكثير من التأجيلات إما في الإنتاج أو إطلاق أفلامهما الأولى. كان أداء جاك روزييه بطيئاً أيضاً: واجه فيلمه الأول، الذي بدأ في عام 1960، صعوبات إنتاجية أخرت عرضه في دور السينما حتى عام 1962- ربما أدت لخسارته فرصة إسماع صوته للعالم بعد أن طغى الاعتراف والإشادة بأفلام بعض زملائه الذين كانوا قد أنجزوا في تلك الفترة فليمهم الثالث أو الرابع. 

لا يزال فيلم Adieu Philippine يحظى بالكثير من الاهتمام حتى اليوم، ويعد إلى حد ما الفيلم الأقل شهرة ولا تزال مشاهدته الأكثر صعوبة بين جميع الأفلام في هذه القائمة. وهذا أمر مخجل بالفعل، لأن هذه القصة لعلاقة شاب يعمل فنياً في التلفزيون ومغامراته مع فتاتين يذهبون جميعاً في عطلة إلى كورسيكا، تمثل الحركة في أرق معانيها وأكثرها عفوية. يعد هذا الفيلم الذي يتحدث عن الشباب والفوضوية والبهجة والمتعة واحداً من أفلام العصر الذي يعطيك شعوراً وكأن شخصاً ما أمسك الكاميرا، واحتشد الناس والأماكن والتقوا ليسقطوا معاً في فيلم. ومن المحزن للغاية أن روزييه لم يتبعه بفيلم آخر لما يقرب من عقد من الزمن، عندما واصل اهتمامه بالشباب وأجواء العطلات في أفلام أقل شهرة مثل Du côté d’Orouët – 1971 و Les Naufragés de l’Île de la Tortue – 1976، والتي لا تزال بحاجة إلى المزيد من الاهتمام والدراسة. 

Cléo from 5 to 7 – 1962
المخرجة: أنيِس ڤاردا
 

يمتد فيلم Cléo from 5 to 7 الذي يقارب زمنه الزمن الحقيقي للفيلم، إلى تسعين دقيقة مفعمة بالهدوء بين إجراء مغنية لاختبار السرطان واللحظة التي تتلقى فيها النتائج. ننضم إلى كليو (كورين مارشاند) بعد الاختبار مباشرة، عندما تزور مشعوذة تقرأ أوراق اللعب متأملة أن تخبرها بطالعها، ثم نتبعها إلى لقاءاتها مع الأصدقاء والمحبين، وإلى البروفة وإلى المحلات التجارية، قبل أن تقوم بنزهة مشؤومة في الحديقة. 

عادت فاردا إلى السينما، بعد سبع سنوات من فيلمها الأول في الموجة الفرنسية الجديدة La Pointe-courte، بهذا الفيلم الدرامي الرائع في الزمن الحقيقي، والذي تحاشت فيه الميلودراما الأساسية والعاطفية للفيلم لصالح صورة حساسة للعقل والروح المضطرمين بالاضطرابات. يعد هذا الفيلم التجريبي على نحو لطيف من ناحية الشكل، والمتجذر بقوة في الوقت نفسه في إحساسه بالزمان والمكان (الضفة الشرقية من باريس، من 5 حتى الساعة 6:30)، واحداً من تلك الأفلام العديدة من أفلام الموجة الفرنسية في أوائل الستينيات التي تقترب من أشكال الأفلام الموسيقية. 

ومع وصول الموسيقى المرافقة لكليو في الفيلم إلى أغنية ” Sans toi”، يتحول فيلم فاردا ذو النزعة الطبيعية أساساً في كل لحظة فيه إلى روتين متكامل ومترابط على نحو رائع عندما تغني الأغنية بمرافقة البيانو. يمكن في أفلام الموجة الفرنسية الجديدة تجربة عناصر من أجناس مختلفة من الأفلام مثل الفيلم الموسيقي أو أفلام العصابات ثم طيها ووضعها في صندوق الملابس. 

Le Mépris – 1963
المخرج: جان لوك غودار
 

قلنا بالفعل أننا سنتحدث عن فيلم واحد لكل مخرج في هذه القائمة، ولكن يمكننا خرق القواعد لأجل خاطر غودار. بين فيلم غودار الأول في عام 1960 وفيلم les événements من مايو 1968 (بعد أن ابتعد عن السرد السينمائي تماماً)، قدم الرجل 15 فيلماً – مليئة بالحيوية، وإعادة الصياغة كما يحلو له للسرد السينمائي، وإعادة صياغة وإعادة تشكيل الوسيط البصري المبتذل وضخ الأفكار الجديدة فيه، والمرئيات البصرية الشعبية والأناركية الصاعدة. كان كل ما يمكن للعاملين في حقل السينما لمدة سبع سنوات هو أن يحاولوا متابعة إبداعاته. 

بعد إنجازه لستة أفلام، أخرج غودار ما يبدو الفيلم الأكثر تقليدية في تاريخه في ذلك الوقت: مع نجمة كبيرة (بريجيت باردو)، تقنيات لونية مبهرة، تصوير بعدسات سينما سكوب (مرة أخرى على يدي راؤول كوتار)، وقصة متسلسلة نسبياً. اقتبس الفيلم عن رواية ألبرتو مورافيا، التي تدور حول كاتب سيناريو تضطرب حياته الزوجية المفككة فجأة خلال تصوير فيلم في إيطاليا لإنتاج ملحمة الأوديسة لهوميروس. ربما كان الفليم “تقليدياً” نسبياً، ولكنه بالتأكيد فيلمه الأكثر مباشرة من الناحية العاطفية، بنيت أحداثه الرئيسية من فيلم روبرتو روسيليني الذي يصور دراما الانهيار المدوي للعلاقة الزوجية Journey to Italy – 1954 حيث يتتبع بدقة خراب العلاقات بين العشاق. لا تزال الميزات المليئة بالحماس والحركة في فيلم Breathless بعيدة عن متناول غودار، ولكن فيلم Le Mépris يكشف عن التشاؤم المتصاعد حول الحب والسينما. يعد الفيلم فيلماً ثقيلاً صادماً للغاية، ولكنه فرجة سينمائية حقيقية لمن يبحث عن السينما في أرقى تجلياتها. 

Claire’s Knee – 1970
المخرج: إريك رومير
 

كان اريك رومير من بين هؤلاء النقاد في Cahiers الذين التقطوا الكاميرا ليصنعوا الأفلام في نهاية الخمسينيات، ولكن فيلمه الأول، Le Signe du lion (صور عام 1959)، لم يعرض في الصالات حتى عام 1962. نجح الفيلم نجاحاً باهراً، وبدأ رومير سلسلته “Six Moral Tales” مع فيلمين قصيرين أن ينجز أخيراً فيلمه الروائي الثاني، La Collectionneuse، في عام 1967.

كان فيلم My Night with Maud – 1969 وفيلم Claire’s Knee هما اللذان أطلقا سمعة رومير ليشتهر أكثر من زملائه السابقين. قدمت أول سلسلة من سلاسل رومير العظيمة، “Six Moral Tales” المواقف التي يتم فيها اختبار بطل إخلاص البطل الذكر وصدقه أو خيانته في شؤون القلب. الحكاية قبل الأخيرة،Claire’s Knee ، عبارة عن فيلم خادع بسيط ولكنه غامض للغاية ومثير للقلق حول طبيعة الرغبة وتركيز الرغبة الجنسية على شيء ما (وخصوصاً لدى أولئك الذكور المغرورين المهوسين بسيقان جاراتهم). بعد الفيلم فيلما يركز على النزعة الطبيعية ويركز أيضاً على الأغراض والاهتمامات الفكرية في الوقت نفسه على نحو فريد من نوعه، أشبه بمشاهدة نسخة من رواية (العلاقات الخطرة-Les Liaisons dangereuses) أو حكاية رمزية أخلاقية من القرون الوسطى نقلت إلى موسم العطلات الصيفية على ضفاف بحيرة Lac d’Annecy.

Céline and Julie Go Boating – 1974
المخرج: جاك ريڤيت
 

ربما كان جاك ريڤيت في عصر عشاق السينما على الإنترنت صاحب الأسهم الأعلى من بين جميع مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة (تغذي هذه الأسهم طائفة عشاق فيلمه الغريب والفريد من نوعه Out 1 الذي يمتد إلى 13 ساعة). لم تكن الأمور على هذا النحو في ذلك الزمن، لم يحظ أي فيلم من أفلام ريڤيت بتأثير واسع الانتشار أو بالشهرة التي حاز عليها أقرانه. وعلى الرغم من أنه بدأ تصوير أول فيلم له، Paris nous appartient، في عام 1957، لم يكن جاهزاً للعرض حتى عام 1961، في الفترة التي حصل فيها زلزال على نحو ما، أو التي يمكن اعتبارها فترة ما بعد الزلزال. وعندما أنجز ريڤيت بحلول عام 1974 فيلمه الروائي الرابع، ربما كان الناس يتساءلون إذا ما كانت الموجة الفرنسية الجديدة لا تزال على قيد الحياة. تراجع غودار إلى تجارب الفيديو الماركسية، وأخذ تروفو وشابرول يظهرون كتقليديين أكثر فأكثر، وأنهى رومير سلسلة أفلامه Moral Tales وأصبح بحاجة إلى اتجاه جديد.

لكل شيء نهاية، لذلك أدخل ريڤيت مع فيلمه Céline and Julie Go Boating الموجة الفرنسية الجديدة في حفرة الأرنب. استناداً على “أليس في بلاد العجائب – Alice in Wonderland”، يغزل قصة حول صديقتين (دومينيك لابورييه وجولييت برتو) تكتشفان أن تناول حلويات مغلية غامضة ينقلهم إلى منزل غريب حيث تمثلان ميلودراما جامدة بأزياء خاصة تعود إلى فترة ما. يتحدث الفيلم عن تعويذات تجعل السحر جزءاً من الحياة اليومية، والفيلم عن السرد حيث تبدو “القصة” وكأنها مستوحاة من أجواء الأيام الصيفية عندما نلتقي سيلين لأول مرة في حديقة باريس. ربما تكون الموجة الفرنسية الجديدة قد انحسرت، ولكن ريڤيت كان لا يزال ينوي متابعة الطريق.

الكاتب: عماد الأحمد

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع