عماد رشدان يروي حكايا الصمت

خليل أبو سلمى

مؤسس المدرسة الدمشقية

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

23/02/2017

تصوير: اسماء الغول

خليل أبو سلمى

مؤسس المدرسة الدمشقية

خليل أبو سلمى

البديلة في مخيم اليرموك بدمشق

قد تكذب كل الحكايا التي نحكيها أو تُحكَى عنا، ولكن إحدى الحكايات التي لا يمكن إلا أن تكون صورة عنا، هي حكاية اللون والشكل والكتلة والفراغ… مهما كانت اللوحة صادمة أحياناً وحالمة أحياناً أخرى، أو مبهمة عصية لا تنقاد بسلاسة، إلا أنها تصيب موضعاً قريباً من الوجع وتنكأ جرحاً لم يندمل أساساً، إنها ببساطة تحاول أن توثق حالة وجدانية أو ثقافية أو فكرية حملها الفنان على عاتقه وعبر بها إلى ما وراء البحار إلى الشمال، أعني شمال الأرض، إلى أوروبا، ليقول شيئاً واحداً: هذا نحن.

أمام هذا الكم التعبيري الهائل تساءلت: ماذا علي أن أكتب؟! ومن أين أبدأ؟! فكل الحكايات التي أرادت أعمالُ عماد حكايتها هي حكاية واحدة، قد تختلف بداية كل حكاية، ولكنها في النتيجة حكايا الصمت، وهناك في رهبة الصمت يكون القلب مفعماً بألمه ولا يكون للحكايات غير طعم واحد، أقله المرارة، وليس أقصاه الموت… 

يغامر عماد ربما بتنوع المناخات في أعماله، ويترك العنان لخياله المنفلت عملياً حتى من قبضته هو، وكأنه يريد أن يطارد أفكاره المشتتة بغير هدى ليقبض عليها، ليطلقها فناً، تماماً كما هي معاناته الجمعية في أغرب تجربة من بين ما سمعنا به أو قرأناه، لأكثر من ثمانية ملايين لاجئ سوري  أحياناً ما زالوا يبحثون عن فراغ يملؤونه بعد أن فرغت أماكنهم في ذلك المكان الذي ملأهم وملؤوه، هنا ربما ملؤوا المكان لكنه لم يستطع أن يملأهم.

يبتعد عماد في أعماله عن الاستعراضات الفارغة، هو لا يريد حكايات البطولات التي تبناها معظم اللاجئين وأحبها الأوربيون أو أنها كانت مثيرة لهم، أو هذا ما يبدو ولكن ليس على المدى البعيد.

كأنه يريد أن يقول كل شيء دفعة واحدة وربما هذا هو سر التنوع في أعماله، ولا أرى ضيراً في ذلك إذ أن الفن بما هو لغة للتواصل والحكاية في أرقى أشكالها التعبيرية دون الحاجة إلى اللغة التي غالباً ما تسيء إلى الحكاية.

في رسالته للأوربيين يريد أن يقول: اقتربوا منا أكثر إذا كنتم تريدون معرفتنا، ولعلنا نلاحظ إعادة إنتاجٍ لمنمنمات إسلامية تروي حكايتنا كأمة أو شعب، لا يريد عماد تلك الرواية الملحمية البطولية المثيرة (المزيّفة غالباً) والتي تبناها أغلب اللاجئين إلى أوروبا، ولا يريد تلك الرواية النمطية الظالمة التي لا ترانا إلا في عباءة داعشي لم يعرف الله، هذه قيمنا الأصيلة (أولها الرحمة، وآخرها التضحية)، لم نلجأ إلى هذه القيم هرباً من تهمة، إنها الأصل فينا، والدليل على ذلك هي المنمنمات التاريخية الإسلامية التي اتكأ عماد عليها بشكل كبير كمرجعية بصرية لحكاياته، يريد أن يقول إن انتماءنا إلى الإسلام هو انتماء إلى حضارة، وانتماؤنا إلى المسيحية أوثق من انتماء الغرب إليها وهذه النخلة التي هزتها مريم العذراء في لوحته ما زالت هناك في الناصرة التي ينتمي عماد إليها، الناصرة التي مشى فيها أبوه وأمه تماماً على الطرقات التي ما زالت تحمل رائحة السيد المسيح الناصري وتعاليمه ووصاياه وآثار قدميه. من الآخر: المسيحية مكون من مكونات هويتنا وهذا مسيحنا نحن، وهذه مريمنا وهذا إبراهيمنا وإسماعيلنا…

الخط العربي في لوحاته ليس جمالية خاصة من جماليات لوحته، وبتعبير أدق ليست جمالية مقصودة، على الرغم مما يحمله من دلالات تعبيرية وبصرية، إنما يقصد من وراء توظيفه إلى تأكيد هويته باللجوء إلى إمكانيات هذا الخط  الذي تجاوز وظيفته الدلالية إلى وظائف جمالية لم تقف عند حد، ووصلت حتى العشق الصوفي بالرغم من أنه أحياناً، بل غالباً، يستخدمه بصيغة مباشرة لا تأويل فيها. 

أكثر من عالم في أعماله لدرجة تظن معها أنه يتخبط بحثاً عن هويته الفنية، ولكنه ظنٌّ ينفيه أن عماد استطاع أن يرسم شخصيته الفنية منذ كان في سوريا، فهو أستاذ الفن الذي اشتغل بتعليمه تماماً كما اشتغل بمكابدته، ولكنه بما أعرفه عنه ظل قادراً على الاستجابة بصدق لما عصف بحياته وحياتنا جميعاً، وربما هذا هو سر التنوع في أعماله، والحقيقة أن ما نراه في أعماله ليس تنوعاً بالمعنى الحرفي، بل هو أقرب إلى كونه صورة مبعثرة العناصر عن هذه الرحلة التي ما زال كل السوريين يبحثون فيها عن وجوههم الحقيقية بعد أن اقتُلِعوا بهذه البشاعة من هوائهم الذي لم يجدوا هواءً بطعمه.

الملفت في أعماله النحتية هو نجاحه في تغيير طبيعة الخزف التزيينية فيغدو بين يديه معدناً طيِّعاً كريماً، وهو الذي كان يتحرَّج من الاقتراب منه، ولكنها متعة الفن الذي يقوم أساساً على المجازفة والاكتشاف والكشف والتخلص من الأفكار المسبقة عن المادة التي لا شأن لها بما نظنه عنها، كل الأمر مرتبط بالفنان ذاته وبقدرته على انتهاكها وتغيير طبيعتها لتصبح شيئاً آخر غير مألوف.

لقد صمت عماد رشدان أكثر من سبع سنوات عجاف حتى كاد أن يتوقف قلبه، وها هي حكايا صمته.

افتتاح معرض الفنان عماد رشدان غدا الجمعة في الخامسة مساء، في غاليري :Galleri Vitt Brus، مكتبة مدينة Södergatan 26 Uddevalla

ويستمر المعرض حتى الأول من أبريل.

من الأعمال في المعرض:

الكاتب: خليل أبو سلمى

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع