المقالة الأولى ضمن ثلاث مقالات كتبها الروائي البيروفي إثر زيارته للضفة الغربية بعنوان عام هو “تخريبات الاحتلال الإسرائيلي”

بارغس يوسا: القرى المدانة في الضفة الغربية

ماريو بارغس يوسا الحائز على جائزة نوبل للأدب لعام ٢٠١٠

أحمد عبد اللطيف

روائي ومترجم وصحفي مصري

يكفي التحقق في خريطة للأراضي المحتلة لندرك سبب قيام المستوطنات: إنها تحيط بكل المدن الفلسطينية الكبرى وتعوق التواصل بينها والحركة، في نفس الوقت توسّع الوجود الإسرائيلي وتفكك وتمزق ما يمكن أن يصير في المستقبل الدولة الفلسطينية حتى تعوق قيامها. ثمة قصدية واضحة في هذه الاستراتيجية: عبر تكاثر المستوطنات سيبات حل الدولتين غير قابل للتحقق، حتى لو أكد قادة إسرائيل على موافقتهم.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

26/08/2017

تصوير: اسماء الغول

أحمد عبد اللطيف

روائي ومترجم وصحفي مصري

أحمد عبد اللطيف

يقيم بمدريد، صدر له خمس روايات والعديد من الكتب المترجمة من الإسبانبة والكثير من المقالات

في سلسلة من الريبورتاجات المنشورة بجريدة “الباييس” الإسبانية، يتأمل بارغس يوسا، النوبلي الشهير، في الاحتلال الإسرائيلي. في الحلقة الأولى يسلّط الضوء على قرى جنوب الضفة الغربية.

يقول لي يهودا شاؤول:”مشكلة إسرائيل الكبرى واحدة فحسب: مستوطنات الضفة الغربية، بمعنى، احتلال الأراضي الفلسطينية”، ويضيف: “العام القادم سيتم نصف قرن، لكن ثمة حل في الأفق وسأراه على أرض الواقع قبل أن أموت“.

أرد على صديقي الإسرائيلي بأننا يجب أن نتمتع بالتفاؤل الكبير كي نعتقد أنه في يوم قد يكون قريبًا  يمكن لـ 370 ألف مستوطنة مشيدة في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية -وهي “باتوستان” حقيقي يحاصر مليوني وسبعمائة ألف مواطن من المدن الفلسطينية وتعزل الواحدة عن الأخرى-  أن تخرج من هناك ابتغاًء للسلام والتعايش السلمي. لكن يهودا، الذي يعمل دون كلل ليكشف ما يرفض أغلب مواطنيه رؤيته: الوضع التراجيدي الذي يعيشه فلسطينيو الضفة الغربية لنهر الأردن، يقول لي إنني ربما أفقد ارتياباتي بعد الرحلة التي نقوم بها غدًا ناحية القرى الفلسطينية بجبال جنوب الخليل.

منذ ست سنوات، كنت أنا وهو في هذه الجبال التي تقع على حدود الضفة الغربية. وحقيقًة أن قرية سوسية، التي كانت آنذاك تضم 300 نسمة وتبدو مهددة بالانقراض مثل قرى أخرى بالمنطقة، تضم الآن 450، إذ عاد عدد كبير من العائلات التي كانت قد هربت، رغم المصائب التي لا يزالون ضحايا لها؛ عائلات، مثل يهودا، يتمتعون بالتفاؤل رغم كل الفظاعات الواقعة.

غير أن سوسية والقرى المجاورة لها تعاني من التحرش بها منذ سنوات طويلة ولم تتوقف، بل العكس. أرى البيوت المدمّرة حديثًا، وآبار المياه المسدودة بالحجارة والقمامة، والأشجار التي قطعتها يد المحتلين، بل وشاهدت فيديوهات توثق الاعتداءات التي ارتكبها هؤلاء -بالنار والحديد- ضد جيرانهم، كذلك حملات الاعتقالات وسوء المعاملة التي يتلقونها أيضًا من قوات “الدفاع” الإسرائيلية. في بيت ناصر نواجة، أحد بيوت المخيمات القليلة التي لا تزال قائمة، والتي تقوم بدور العمدة، رأيت أوامر التدمير، مثل سيوف ديموقليس، الصادرة بحق البنايات التي لم تُدمرها بعد بلدوزرات المحتل. الصيغة كانت كالتالي: تم اختيار هذه المنطقة لتقوم قوات “الدفاع” الإسرائيلية بعمل مناورات عسكرية ويجب أن تختفي هذه القرى (وليست المستوطنات ولا بؤر المحتلين الاستيطانية التي تزدهر من حولها). الذريعة أحيانًا ما تكون أن البنايات الهشة غير قانونية لأننا لم نحصل على تراخيص بناء. يقول لي ناصر: “إنه أمر جنوني، عندما نطلب ترخيصاً للبناء أو لفتح آبار المياه يرفضون، ثم يهدمون بيوتنا لأننا شيدناها بدون ترخيص!”. في هذه القرية، مثل القرى الأخرى، لا يعيش الفلاحون ولا رعاة الغنم في بيوت، بل في خيام هشة من القماش والعلب أو في كهوف -منتشرة في المنطقة- لم يتوقف الجنود عن حشوها بالحجارة والقمامة. 

وبرغم كل شيء، لا يزال سكّان سوسية وجنبة، القريتان اللتان زرتهما، يعيشون هناك، مقاومين التحرش بهم، وبمساندة بعض الجمعيات الأهلية والمؤسسات الإسرائيلية المتضامنة مثل Breaking the silence (كسر الصمت)، وهي الجمعية التي يتبعها يهودا كعضو، وهي الجمعية التي دعتني لهنا. أعرف في سوسية شابًا لطيفًا جدًا، اسمه ماكس شيندلر، يهودي أمريكي، جاء إلى هنا كمتطوع ليعيش شهورًا في هذا المكان وليعلّم أطفال القرية اللغة الإنجليزية. لماذا يعلّمهم؟ “حتى يروا أن جميع اليهود ليسوا سواء”. وبالفعل، هناك الكثيرون مثله -عدلاء إسرائيل-، يساعدون أهل القرية على الدفاع عن أنفسهم في المحاكم، ويأتون لتطعيم الأطفال، ويعترضون على الاعتداء عليهم، ومن بينهم كُتّاب مثل ديفيد جروسمان وعاموس عوز، يوقعون على بيانات ويعبؤون المطالبات بإيقاف التعسفات والسماح بالعيش في القرى بسلام.  

بيانات من هذا النوع، كانوا هم على رأسها، تمكنت منذ عدة شهور من إنقاذ جنبة، القرية القديمة جدًا، رغم أن الاعتداءات دمرت 15 بيتًا. والآن تترقب قرارًا أخيرًا من المحكمة العليا حول وجودها. فيما أكدوا لي أن بهذه القرية مغارة هائلة، لا تزال سالمة، ترجع للفترة الرومانية. في ذلك الزمن، كانت القرية تطل على ضفة الطريق -وحتى الآن يمكن تتبع أثرها في الصحراء الحجرية القاحلة، في التراب والغابات المشجرة التي تحيط بنا- والتي كانت تقود الحجاج إلى مكة؛ كانت جنبة حينئذ قرية مزدهرة بفضل محلات التغذية والمطاعم. أما الآن فقدمها يبرر تعرضها للمخاطر: فبما أنها مكان أثري، تقرر السلطة الإسرائيلية وجوب إخلائها حتى يتمكن الأركيولوجيون من إنقاذ الكنوز التاريخية من بطن الأرض. والشكوى التي أسمعها هي نفس شكوى سوسية: “وبمجرد أن يهجّرونا بهذه الذريعة، سيصل المستوطنون؛ إذ أن من حقهم أن يتعايشوا مع الآثار دون أدنى مشكلة“.

وكما في سوسية، يحيط بي في زيارة جنبة أطفال حفاة شديدي النحافة، مع ذلك لم يفقدوا فرحتهم. طفلة بعينين شقيتين تضحك بقهقهة عندما تراني عاجزًا عن نطق اسمها صحيحًا بالعربية.

يكفي التحقق في خريطة للأراضي المحتلة لندرك سبب قيام المستوطنات: إنها تحيط بكل المدن الفلسطينية الكبرى وتعوق التواصل بينها والحركة، في نفس الوقت توسّع الوجود الإسرائيلي وتفكك وتمزق ما يمكن أن يصير في المستقبل الدولة الفلسطينية حتى تعوق قيامها. ثمة قصدية واضحة في هذه الاستراتيجية: عبر تكاثر المستوطنات سيبات حل الدولتين غير قابل للتحقق، حتى لو أكد قادة إسرائيل على موافقتهم. لا أفهم، إن لم يكن ذلك حقيقة، فلماذا سمحت ولا تزال تسمح كل الحكومات الإسرائيلية، سواء من الوسط أو اليسار أو اليمين باستثناء وحيد لحكومة آرييل شارون الأخيرة التي سحبت المستوطنات الإسرائيلية في غزة عام 2005، أقول لماذا تسمح بفعل ذلك، بوجود وتكاثر ممنهج لمستوطنات غير قانونية -علمانية، شيوعية وكثير منها لمتدينين متطرفين- لتكون سببًا مستمرًا للنزاع ولتعطي للفلسطينيين شعورًا بالتقلص في مساحة ضيقة في الضفة الغربية.

لا أطمح لقراءة العقل السري للنخبة السياسية الإسرائيلية، لكن يكفي أن أتتبع في الخريطة كيف تمكّن، في العقود الأخيرة، الغزو غير الشرعي و”جدار شارون” الشهير من حصار الأراضي الفلسطينية، حتى يتبين لي أن سياسة ضمنية أو صريحة لم تسعَ أبدًا للحد من هذه الغزوات، بل كانت تحث عليها وتوفر لها الحماية. سياسة ليست فقط سببًا للتصادم المستمر مع الفلسطينيين، بل إنها في الواقع تدفع الكثيرين للاعتقاد بأنه بات مستحيلًا تحقيق إقامة دولتين سياديتين، شيء، مع ذلك، كصلاة ينقصها الإيمان ومحض صخب، لا تزال الأمم المتحدة والحكومات الغربية تحث عليه.

ربما ما من حالة أشد دراماتيكية في مسألة المستوطنات هذه من إقامة خمس مستوطنات في قلب الخليل. 850 مستوطنة إسرائيلية في قلب مدينة فلسطينية تتكون من 200 ألف نسمة! ومن أجل حمايتها، يتناوب الخدمة 650 جندي إسرائيلي في المدينة القديمة، التي كانت شوارعها مغلقة أو “أصيبت بالعقم” (بحسب الصيغة الرسمية) -مغلقة كذلك محلاتها والأبواب الرئيسية لبيوتها وكل متاجرها- بالتالي صار التجول فيها مثل التجول بمدينة شبح، مدينة خالية من الناس والأروح. منذ أحد عشر عامًا، تجولت بهذه الشوارع الميتة؛ الشيء الوحيد الذي تغير هو اختفاء الشتائم العنصرية ضد العرب والتي كانت تزين الجدران. لكن حواجز المجندين موزعة في كل مكان ولا يزال محرمًا على العرب السير بسياراتهم في شوارع المركز، ما يجبرهم على اللف لمسافة طويلة ليعبروا من حي إلى حي. يقول لي الإسرائيليون الذي يرافقونني -وهم أربعة- إن أسوأ ما في الأمر أن لا أحد الآن يتكلم عن الرعب الذي هو الخليل ولا عن الظلم الفظيع الذي يُرتكب ضد 200 ألف جار فلسطيني فقط من أجل حماية 850 مستوطنًا.

المقالة الثانية: الوقاية من الرعب بزرع الهلع في الضفة الغربية
المقالة الثالثة: سلوان.. موت بطيء
 

من صفحة جمعية كسر الصكت على تويتر . يوسا في الضفة الغربية

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع