علي الخليلي الذي توفي قبل خمس سنوات شاعر فلسطيني كان له دوره في رعاية الحركة الأدبية الفلسطينية في الأرض المحتلة، وتحديداً في مناطق الاحتلال الإسرائيلي الثاني، أي احتلال 1967.
لم يقتصر علي على كتابة الشعر فقد اهتم بدراسة الأدب الشعبي وأصدر العديد من الكتب وأولها كتابه الذي يدرس فيه الأمثال الشعبية الفلسطينية متكئاً على الفلسفة الماركسية. وبالإضافة إلى ما سبق فقد رعى الأصوات الأدبية الشابة كونه حرر صفحة أدبية في جريدة “الفجر” المعروفة في حينه والمتوقفة عن الصدور بعد قيام السلطة الفلسطينية، وقد أعطته الجريدة حيزاً أوسع يتحرك فيه حين مكنته من إصدار ملحق أدبي على شكل مجلة عرف باسم “الفجر الأدبي”.
كان علي، من خلال صفحته أولاً ومجلته ثانياً، يتابع أعمالاً أدبية للشباب، وفي فترة لاحقة أخذ ينشر مقالاً أسبوعياً في جريدة “القدس” الفلسطينية واسعة الانتشار، يتابع فيه ما يصدر من روايات وقصص فلسطينية، وقد جمع ما كتبه من مراجعات في كتاب أصدرته له دار الشروق في عمان، تحت عنوان “قصص على مدار قرن: تداعيات التراجيديا ومكابدات السرد: مقالات ورؤى نقدية”، 2008.
في كتابه هذا يتوقف الكاتب أمام بعض الأعمال الأدبية التي أعادت وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية إصدارها، فقد أصدرت الوزارة بعض أعمال الرواد في الأدب الفلسطيني قبل العام 1948، ومنها قصص نجيب نصار ومحمود سيف الدين الإيراني وجمال الحسيني ونجاتي صدقي ، وكانت جريدة الفجر في بدايات ثمانينات القرن العشرين أعادت إصدار رواية اسحق موسى الحسيني “مذكرات دجاجة” التي صدرت طبعتها الأولى في العام 1943 عن سلسلة “إقرأ” المصرية.
التفت علي إلى هذه الأعمال وكتب عنها كتابة عابرة، ولكنها كتابة لم تخل من آراء يمكن التوقف أمامها ومساءلتها، ومن ضمن الآراء رأيه في تلقي رواية جمال الحسيني الزعيم الفلسطيني الذي كتب روايتين في 1932 وفي 1934، وعنوان الرواية الثانية هو “ثريا”.
ثمن الكاتب رواية “على سكة الححاز” وذهب إلى أنها رواية جريئة تناولت موضوعاً خطيراً في الحياة الفلسطينية هو موضوع بيع الأراضي، وهو موضوع، كما يرى علي، لم يعالجه الروائيون الفلسطينيون في حينه (عالجه بشجاعة وكتب فيه بجرأة نادرة إبراهيم طوقان في شعره).
يحاول علي الخليلي أن يفسر ظاهرة عدم الالتفات إلى رواية “على سكة الحجاز” في الماضي والحاضر، علماً بأنها رواية ريادية وكاتبها كان أيضاً ريادياً في كتابته، ويخلص إلى أن النقاد المعاصرين لجمال الحسيني لم يلتفتوا إليها، ومثلهم النقاد المعاصرون، وينعت النقاد بـ “النقاد الخائفون” (ص31).
يكتب علي:
“خاف النقاد القدامى من رواية “على سكة الحجاز “فلم يقتربوا منها، لا بسبب “ركاكة النص” و إنما بسبب الوضوح السياسي الوطني الخطير في هذا النص بالذات” (ص31).
والسؤال هو: هل ما يراه الكاتب الخليلي صحيح؟
أشير ابتداء إلى أن إعادة وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية في العام 2000 طباعة الرواية هو ما مكن الكاتب من الالتفات إليها، ولحسن حظه أنه كان موظفاً في الوزارة، فتمكن من الحصول على نسخة من الرواية، وهذا ما لم يحالفني الحظ فيه حتى اليوم، ولربما لولا هذه الفرصة لما تمكن علي من قراءة الرواية والكتابة عنها.
إن ما يلفت النظر في كتابة الكاتب هو نعت النقاد المعاصرين بـ “النقاد الخائفون” وهذا ما لا يتفق المرء فيه مع علي. وأشير أيضاً إلى أن الكاتب لم يقرأ الدراسات السابقة التي تناول أصحابها فيها الأعمال الأدبية الصادرة قبل العام 1948.
صحيح أن أكثر دارسي الأدب الفلسطيني لم يدرسوا هذه الرواية (عبد الرحمن ياغي، أحمد أبو مطر، واصف أبو للشباب، فاروق وادي) ولكن هناك دارسون آخرون تناولوها (إبراهيم السعافين، شمعون بلاص)، وعدم تناول الدارسين السابقين لها يعود إلى أسباب منها أن الحركة النقدية في فلسطين قبل 1948 كانت ضعيفة، فالفن الروائي أصلا كان حديث النشأة، ومنها أن نقاد ما بعد 1948 لم يتمكنوا من الحصول على النتاج الأدبي الفلسطيني بسبب الهجرة وبقاء المكتبات والكتب الفلسطينية في فلسطين المحتلة، ومصادرة الدولة العبرية الناشئة لها.
إن قارئ أكثر دراسات الدارسين السابقين يلحظ إشارتهم إلى عدم تمكنهم من الحصول على الروايات (ياغي، أبو مطر، أبو الشباب، وادي) والذين كتبوا عن الروايات أشاروا إلى الجهد المبذول في الحصول عليها (السعافين) أو أن وجودهم في فلسطين 1948 هو ما مكنهم من دراستها (الناقد اليهودي العراقي شمعون بلاص).
تناول إبراهيم السعافين في كتابه “نشأة الرواية والمسرحية في فلسطين قبل العام 1948″، عام 1986، رواية “على سكة الحجاز”. كما تناولها بشكل موسع، مع الرواية الثانية لجمال الحسيني “ثريا” شمعون بلاص في كتابه “رواد ومبدعون” (1993 طبعة أولى/ 2003 طبعة ثانية) وقدم للروايتين عرضاً موسعاً وأشار إلى وقوف مؤلفهما أمام بيع الأراضي، وما قدمه بلاص، فيما أرى، يعد الأفضل. ومما ذهب إليه -وذهب إليه دارسون آخرون- هو أن موضوع بيع الأرض في الروايتين كان مدخلا فقط لمعالجة موضوعات اجتماعية، ولم يكن الموضوع الرئيس فيهما.
ومع أهمية ما كتبه علي الخليلي إلا أنني أعتقد أنه بالغ في نعته النقاد بـ “النقاد الخائفون” فهناك أعمال أدبية أخرى تناول أصحابها موضوع بيع الأرض، ومنها رواية (أو مسرحية) محمد عزة دروز “الملاك والسمسار”، 1934، ومسرحية برهان الدين العبوشي”وطن الشهيد”، 1947، وقد ذكرهما النقاد وأشاروا إليهما، بل ودرسوا الثانية، وعدم دراسة الأولى يعود إلى ضياعها، فحتى صاحبها لم يكن يملك منها نسخة، كما ذكر أكثر من دارس اتصل به يسأله عنها.
ومع ما سبق لا بد من الاعتراف بالعرفان لعلي الخليلي.