في روايته “بلد المنحوس” (2018) يكتب الروائي سهيل كيوان عن الصراع العربي الفلسطيني- الإسرائيلي مندفعاً من أفكار عديدة تطغى على تفكيره وتفكير الفلسطينيين وبعض العرب وغير العرب من المهتمين بالمسألة اليهودية- الفلسطينية.
من الأفكار هذه فكرة الضحية الجلاد. كيف تحول اليهود من ضحية إلى جلاد، ولماذا يجلدون شعبا لم يجلدهم؟
كانت الفكرة نوقشت من كتاب فلسطينيين؛ من غسان كنفاني في “عائد إلى حيفا” عام 1969 ومن محمود درويش في كتاباته العديدة؛ شعراً ونثراً وأبرزها قصيدة “مديح الظل العالي” التي ورد فيها السطر المعروف: “ضحية قتلت ضحيتها وصارت لي هويتها… الخ” وكنت شخصياً كررت المقولة نفسها في نهاية روايتي “تداعيات ضمير المخاطب” عام 1993.
ربما يبدو هذا الجانب في الرواية مألوفاً بشكل عام، ولكن سهيل كيوان في روايته “بلد المنحوس” توسع فيه. ومع ما سبق فقد لا يكون هذا الجانب هو ما يذكر القارئ بالرواية بعد قراءتها.
سؤال الهوية سؤال مهم جداً في الرواية، ويعتمد في قسم من تحديده على “الحمامة” وقد خصص الروائي الفصل الخامس والعشرين ليكتب تحت دال “الحمامة” التي ستضحك الكتابة عنها القارئ.
والحمامة في الرواية هي العضو الذكري الذي شغل البشرية منذ نشأتها، لأنه، على رأي سحر خليفة في “باب الساحة” أصل الوجود، فهو من يحفظ النسل، وهو ما شغل كتاباً كثيرين فخصص له هؤلاء مساحة من كتبهم. من الإيطالي البرتو مورافيا صاحب “أنا وهو” إلى آخرين غيره حضرت الكتابة عن العضو الذكري.
في روايته “أعدائي” (2000) كتب الروائي السوري ممدوح عدوان عن الختان باعتباره معياراً من معايير تحديد الهوية، واستخدم دالاً شعبياً متداولاً للتعبير عن العضو الذكري هو “معوان/ معاوين الزلم” ثمة التباس في تحديد الهوية بناء عليه إذا ما أردنا أن نفرق بين أبناء الديانات، ولكن هنا يتشابه المسلم مع اليهودي، وهذه ورطة.
كنت في روايتي “الوطن عندما يخون” (1996) كتبت مطولاً عن العضو الذكري مستخدماً دالاً قابلاً لغير تفسير، وقد استخدمت دال “الصغير”.لا أريد أن أفسر الدلالات الرمزية في كتاباتي ولكن الروائي سهيل كيوان الذي قرأها مؤخراً التفت إلى الأمر.
كما ذكرت فإن سهيل كيوان في روايته يخصص فصلاً للكتابة عن “الحمامة”، والحمامة هي دال رمزي للعضو الذكري، وهي دال شائع الاستخدام في بلادنا، وقد شاعت نكتة في أثناء فترة مفاوضات السلام في مدريد عام 1991 -أوردتها في نص “ليل الضفة الطويل” عام 1993- عن اختفاء مفاوضة فلسطينية من القاعة، فلما سئل عنها قيل: “إنها ذهبت إلى الحمامات لتبحث عن “حمامة” السلام.
في روايته يكتب سهيل كيوان عن دال الحمامة ويستلهم، فيما كتب، روح الشعب الفلسطيني في عاداته وتقاليده ولغته وهنا أقصد ما يتداوله الناس في أحاديثهم اليومية في أثناء التزهزه والحديث عن العلاقات بين الرجل والمرأة في حالات الود والخصام وما شابه.
يكتب سهيل عن حالات الخصام وما يتبعها من صلح ومودة. تكاد الأمور بين الزوجين تصل إلى مرحلة الطلاق، ثم يتوسط الأقارب لإعادة المياه إلى مجاريها ويتم الصلح، ويعود الزوجان إلى سابق عهدهما ويمارسان الحب، وحين يبلغان السعادة يندمان على ما فاتهما، فالمرأة تكون بشوق وكذلك الرجل ويصلح المصلاح بينهما.
أعترف بأنني لأول مرة أقرأ هذا النعت للعضو الذكري “المصلاح”، علما بأن شعبنا، مثل شعوب العالم كله، ينشغل بأمره -أي العضو الذكري- ويخترع له أسماء عديدة تشيع بين الناس.
في التفريق بين الكتابة والكلام يرى التفكيكيون أن الكتابة كلام ناقص، لأن الكلمة لا تكتمل إلا بالإشارة الملازمة لها أو بطريقة نطقها أو بتحديد الحالة التي يكون عليها المرسل والمتلقي والشيفرات التي تطغى على كلامهما، ولكن ما كتبه سهيل كيوان يتضح للقارئ من خلال السياق الروائي.
في الأدب الفلسطيني في فلسطين 1948 أصوات روائية مالت إلى استلهام روح الشعب ولعل من أبرز هذه الأصوات توفيق زياد في مجموعته القصصية الفولكلورية “حال الدنيا” (1974) وإميل حبيبي في روايته “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” (1974). وأعتقد جازما أن رواية “بلد المنحوس” ستشكل علامة إلى جانب العلامتين السابقتين في هذا المجال.