يغني بوب مارلي: لا تقلقي من أي شيء، لأن كل شيء سيكون على ما يرام. إلا أن عقلي يذكرني طيلة الوقت أن كل شيء زائل.
أجلس على شرفة تطل على واد أخضر، وأفكر بالأشجار. هل تقلقها أفكار عن عاصفة هوجاء في الشتاء أو حريق محتمل في الصيف؟ أم أنها تعيش في اللحظة بلا جهد، من دون الحاجة إلى تعاليم بوذا أو الفلسفة الرواقية.
هل تحسب سنين عمرها، فتلتفت بقلق الى ورقة تغيّر لونها أو جذع آخذ بالتشقق؟
أطفئ الموسيقى وأنصت الى أوركسترا العصافير والزيز بينما هواء خفيف يعزف على أوراق الاشجار لحناً لم أسمعه منذ وقت طويل.
الذباب والناموس يخرّبان المشهد، وصوت عقلي يقاطعني بفكرة حزينة من حينٍ إلى آخر، بينما أتأمل امتداد اللون الأخضر في الوادي.
ألمح أكواز الصنوبر وأفكر أنها بلا شك لا تمضي الوقت بإطلاق الأحكام على نفسها، ولا تؤرقها أفكار النهار ليلاً. لا بدّ أنها، وهي معلّقة في الهواء، تستمتع الآن بشعاع الشمس ولا تأبه بالماضي أو المستقبل.
أجلس على شرفة معلقة في الهواء وأفكر بالماضي والحاضر والمستقبل في آنٍ معاً.
أصوات كلاب بعيدة تقتحم المشهد. العصافير تزقزق من دون ملل، ولا تشكو من تعبٍ. ديكٌ بعيدٌ يصيح من وقتٍ الى آخر. كلٌّ ينفّذ دوره من دون تذمّرٍ. أتأمل الشمس تضفي على العالم ألوانه فأفكر أنها تستحقّ العبادة.
الذبابة تتجول على طرف فنجان القهوة مرتين. تقف ثوانيَ ثم تطير. أفكر أن بعض أفكارنا كالذباب. علينا فقط أن نراقبها مهما أطالت جولتها، حتى نراها تحلّق بعيداً. كثيراً ما نقع في فخها، فنلاحقها من حائط الى حائط، بينما علينا فقط أن نتأملها تمرّ عبر شرفتنا وتمضي.
يغني بوب مارلي في رأسي: “لا تقلقي من أي شيء، لأن كل شيء سيكون على ما يرام”. الكلاب هدأت. أجلس على الشرفة، بينما هواءٌ خفيفٌ يعبر والعصافير تغنّي والسماء تصفو والأشجار تتنفّس. أجلس بعيداً عن جفاف المدينة وضوضاء اللاطبيعة. أنصت الى صوت الكمال في الكون، بينما تتقلّص همومي مؤقتاً إلى ناموسةٍ تسعى بدأبٍ للوصول إلى دمي.
عقلي لا يهدأ لكنه يكفّ عن تعذيبي مؤقتاً. لوهلةٍ، أصدّق بوب مارلي فيما يقول.