عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة”، صدرت دراسة للباحث الفلسطينيّ منار مخّول بعنوان “سيسموغرافيا الهويات: الانعكاسات الأدبية لتطور الهوية الفلسطينية في إسرائيل 1948-2010″، وهي دراسة أطروحة أعدّها الباحث في جامعة كيمبردج تحت إشراف بروفيسور ياسر سليمان (صادرة بالعربيّة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2019، ترجمة إبراهم نصّار ومراجعة إياد برغوثي)، وتتمحوَر في لُبّها حول محاولة فهم عملّيتي التغيّر والتحوّل اللذين مرّ بهما الخطاب الوطنيّ الفلسطينيّ على مدى ستة عقود وذلك من خلال قراءة في الأعمال الروائية الصادرة ضمن هذا الإطار الزمنيّ. تأتي أهميّة الدراسة في المقام الأول من جرأتها في تناول فهم القوى التي لعبَت دورًا في تطوير وتطوّر خطاب الفلسطينيين تاريخيًا وانتقاله من الخطاب التحرريّ الاستقلاليّ إلى الخطاب المدنيّ في سياق المواطنة الإسرائيليّة والدعوة إلى تحقيق المساواة المدنيّة مع اليهود الإسرائيليين.
في نقطة التماسّ الحساسة هذه، تدخل الدراسة لتسدّ ثغرة كبيرة في طرح مفهوم العلاقة البنيويّة الشائكة بين إسرائيل والمواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون ضمن حدودها، وهي علاقة تكشفُ عن طبقة مركّبة لمفهوم الهويّة الفلسطينية وتحوّلاتها الداخلية وبالتالي تشكيلها وتشكّلها داخل التناقض الذي تعيشه هذه الهويّة وتركيبة خطابها الوطنيّ الذي يختلف في حساسيّته عن خطاب بقية تجمّعات الشعب الفلسطينيّ المختلفة خارج إسرائيل المتمسّكة بفكرة الكفاح المسلّح كشرط لتحقيق التحرر الوطنيّ والوصول إلى الاستقلال (الضفة وغزة المتواجدتين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيليّ، الدول العربية المجاورة، وبقية أنحاء العالَم) والتي في سطحها وعمقها أساسًا، تتشكّل من طبقات متحوّلة سياسيًا واجتماعيًا ونفسيًا ويلعب التحوّل دورًا كبيرًا في تشكّل هويّاته المتعددة بطبيعتها، والمؤكّد وجود طبيعة وخاصيات لهذه الهوية الفلسطينيّة للأقليّة العربية في إسرائيل.
يحدّد مخّول خريطة البحث السوسيولوجيّ من وجهة النظر الإسرائيليّة للأقليّة الفلسطينيّة في إسرائيل ويبيّن القصور الكامن في هذه النظرة التي تركّز على البنية والنظام الإسرائيليين من وجهة نظر “خارجيّة” لا تعكس أيّ منظور داخليّ يحلل ويشرّح الخطاب الوطني والسياسيّ الفلسطينيّ الداخليّ. وفي نظرة شاملة لأدبيّات البحث السوسيولوجيّ السياسيّ الإسرائيليّ يحدد مخّول مرحلتين لعبتا دورًا في هيكلة الدراسة الإسرائيلية لرؤيتهم للأقلية العربية: المرحلة المبكرة التي امتدّت حتى سبعينات القرن العشرين، والتركيز على نظرية التحديث واندماج/لااندماج الفلسطينيين في إسرائيل، وتحديد “خلل” و”تخلّف” لدى هذه الأقليّة مطلوب تصحيحه من خلال عملية تحديثهم واندماجهم في المؤسسة الإسرائيلية، وهو ما أحدث أثرًا عميقًا في تشكيل الهوية الفلسطينية للأقلية العربيّة في البلاد، هدف إلى محو تاريخ الصراع بين الأقلية الفلسطينية واليهود الإسرائيليين.
أما المرحلة اللاحقة في الخط البحثيّ السوسيولوجيّ الإسرائيليّ منذ سبعينيات القرن العشرين، فتركّز على تحليل علاقات القوة والهيمنة وممارسات الإقصاء المؤسساتيّة الإسرائيلية من منظور الأكثريّة مقابل الأقليّة وغياب المساواة في الحقوق بين المواطنين من حيث الطبقة والوضع الاجتماعيّ والسلطة السياسيّة، فظهرت دراسات ركّزت على مفاهيم التجزئة والتبعية والاحتواء والديموقراطية الأثنية وفكرة مواطنة الجمهورية لليهود، والمواطنة الليبرالية للفلسطينيين. وفي جميع النماذج التي يعرض لها مخّول، يرى أنّ المشترك لها هو وصف البنية المادية – المؤسساتية لإسرائيل “التي تسيطر فيها الأغلبية اليهودية على: الحق في توزيع الموارد الطبيعية” الأرض والماء وما إلى ذلك، وتخصيص الميزانيات، وتحديد معالم التنمية الاقتصاديّة، وإدارة نظام التعليم، وتطبيق القانون، وتعريف الصالح العام والمصلحة الوطنية. والسمة المشتركة الثانية هي بنية التحليل الأيديولوجيّ، إذ تعتبر إسرائيل نفسها، أيديولوجيا، دولة مكونة من الشعب اليهودي ومن أجله، لذا تعكس مؤسساتها حصريًا المصالح الروحية لليهود وثقافتهم، فروح إسرائيل يهودية، وبنيت عبر التهويد المادي والثقافي للحيز.
كي يغطّي الباحث مخّول الهوّة السّحيقة الذي خلّفته هذه الدراسات في تشكيل طبقات الهوية الفلسطينية، يلحج منطقة الأدب باعتبارها منطقة خصبة تفتحُ باب الهوية وتشكّلاتها الداخلية على مصراعيها وتعيد إنتاج وتعريف وفهم التحولات الكامنة في مفهوم هذه الهوية وتناوله لـ 75 رواية فلسطينية نُشرت في إسرائيل في الفترة بين 1948-2010 متجاوزًا التحيّز الناموسيّ.
ثلاث حقب تاريخيّة تقسّم هذه الدراسة وتحدد فيها محاورها الرئيسيّة، إذ يحدد الباحث الإطار الزمنيّ للحقبة الأولى في حياة الفلسطينيين 1948-1967، فترة الحكم العسكري وتأسيس إسرائيل وتمزّق النسيج الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ للأٌقلية الفلسطينية في البلاد، لتمثّل الروايات الصادرة في تلك الحقبة عن التأثيرات المؤثرة في بنية الهوية الفلسطينية بفعل التحديث. وقد تناول الباحث 11 رواية بالتحليل في هذه الفترة لكلّ من الأدباء: توفيق معمّر، محمود عبد القادر كناعنة، توفيق فياض، عطا الله منصور، محمود عباسي، فهد أبو خضرة، عبد العزيز مصالحة، سليم خوري. ومن الأعمال التي يوليها الباحث اهتماما رواية “وبقيت سميرة” لعطا الله منصور (1962) والتي تعكس التحول في الهوية الفلسطينية تحت الحكم العسكري وتركز على الجوانب الاجتماعيّة في هذه الفترة والبلبلة التي ولّدها هذا اللقاء بين الاسرائيلي المحتل والفلسطينيّ تحت الاحتلال، في ظلّ فكرة تحديث الفلسطينيين الشامل وتفنيدها نظرًا للاختلافات الثقافية بين المجتمع اليهودي والمجتمع الفلسطينيّ، إلى جانب محاولات تفكيك الوطنيّة الفلسطينية.
يتطرّق مخّول في هذا الفصل إلى مصطلح “معماريّة المحو” للفلسطينيين في إسرائيل، وهو محو قائم قبل تأسيس إسرائيل، ويرتبط عميقًا بـ “التناقض بين أيديولوجيا المحو الصهيونية والوجود الفلسطيني الفعلي، (حيث) أصبح المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل حاضرين غائبين”. من هنا، ونتيجة لهذا المحو، لم يبق للفلسطينيين بديل سوى الانتماء بـ “مساواة وهميّة” مقابل مواطنتهم الإسرائيليّة، كما تظهر روايات التحديث، مع غياب التماهي الرمزيّ أو الايديولوجيّ.
من هنا، يرى مخول أنّ عملية نزع المضمون الوطني للخطاب الفلسطيني مع إسرائيل سارت “على طريق تبني الفكر التحديثي، في مسارين أساسيين: المسار الأول، دعوة الفلسطينيين إلى التحديث بهدف تحسين فرص التعايش السلمي مع اليهود الإسرائيليين. أما المسار الثاني التعبير عن اغتراب الفلسطينيين في إسرائيل، فهم “أغراب” لأنهم غير ملائمين أيديولوجيا وإثنيًا/عرقيا للحداثة الصهيونية. لهذا يضطر الفلسطينيون إلى الدعوة إلى التعايش بين شعبين غير متلائمين، الأمر الذي يتطلب في جوهره محو أي واقع سياسي أو أي هوية قد تشوش على مثل هذا الخطاب. تعبيرًا عن التحولات التي طالت الهوية الفلسطينيّة، عبّر علم الاجتماع الإسرائيلي عنها، بمصطلح الأسرلة، وبتعريفات مختلفة للأقلية العربيّة: إسرائيلي، وعربي إسرائيلي، وعربي، وأخيرا فلسطيني، مع غياب العمق الجوهريّ لبنية التعريف الهوياتي لهذه الهويّة.
أما الحقبة الثانية فيرى الباحث أنها تمتد حتى العام 1987 أي فترة اندلاع الانتفاضة الأولى، والتي شهدت تحولات سياسية واجتماعية عميقة في المجتمع الفلسطيني لحقبة ما بعد التحديث. وربّما التشديد الأهمّ هنا على إعادة تعريف أو إنتاج العلاقة الفلسطينية –الفلسطينيّة وإبراز التوجه الخاصّ للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الأمر الذي أدّى إلى “إقصائهم” من النضال الوطني الفلسطينيّ. ويتطرّق الباحث إلى روايات كتبها معين حاطوم، فاطمة ذياب، إميل حبيبي، فرحات فرحات ومجيد حسيسي، سلمان ناطور، سميح القاسم، ناجي ظاهر، يوسف ناصر، كمال جبران، عزمي حبيب الله، عدنان فاعور، أنطون شماس، سليم خوري، ومصباح حلبي. وقد أولى مخول اهتماما لروايات النقيض الفلسطينيّة مركّزا على روايتين “الجثة المجهولة” لكمال سلامة و”حب عابر القارات” لعبد الرحمن حجازي، وتمثّلان جانبًا من التخبّط والبلبلة والحياة بين برزخين: فضاء الفردانيّة وفضاء الهمّ الوطنيّ الجمعيّ.
في بعد آخر مركزيّ في هذه الأطروحة هو مفهوم روايات النقيض والمحو في الروايات الفلسطينيّة، وقد تناول فيها الباحث العنف والعنف المعرفيّ والثقافيّ وارتباطها بالأنوميا أو اغتراب الفرد عن مجتمعه، متناولا روايات على نحو “الجثة المجهولة” و”حب عابر القارات” و”ضريح الحسناء” ليوسف ناصر ويضعها في سياق العنف المعرفيّ والثقافيّ وردة الفعل على فعل المحو، من خلال الأحداث العنيفة ومحو النقيض في الرواية الفلسطينية حيث:
المحو الفلسطيني للإسرائيليين يشبه المحو الإسرائيليّ للفلسطينيين. ويأتي استخدام “النقيض” في التسمية فقط لتحديد ظاهرة المحو الأدبي الفلسطيني للإسرائيليين، وللإشارة إلى أنه يمثل ردة فعل إزاء المحو الإسرائيليّ للفلسطينيين. ويدل محو النقيض على حقيقة أن الحبكات في معظمها، في هذه المجموعة من الروايات، تجري أحداثها في فضاء يهودي إسرائيلي، لكن في ظل غياب شبه كامل للشخصيات اليهودية أو ألية تفاعلات جدية مع الثقافة اليهودية الإسرائيليّة.
التخلّص من الافتتان ومن سحر إسرائيل، هو أيضًا نقطة أخرى يسلّط الباحث عليها الضّوء من خلال الكشف عن أبعاد السرد في مجموعة روايات هذه الحقبة حيث الانعتاق من وهم الافتتان بخصوص يوتوبيا حياة الرخاء والتعايش بين الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، كما قدمتها روايات التحديث.
الهويّة المتموضعة في برزخ بينيّ، لا فلسطينيّ ولا إسرائيليّ، هي أيضُا طبقة مضافة لطبقات الهويّة الفلسطينيّة المتشعّبة، حيث الإقامة في واقع مزدوج ومتناقض أدّى إلى تعقيد الوجود الفلسطينيّ في إسرائيل وعكس شعورًا بضياع الفرصة في تحقيق السلام والتعايش في إسرائيل والشرق الأوسط، وقد قدّم مثال “الصورة الأخيرة في الألبوم” لسميح القاسم التي تكشف من خلال عمق الكوميديا السوداء عن رسالة الصّمود في وجه الاندماج الكلّي في إسرائيل ومؤسساتها، وتعبّر عن الحياة المتناقضة فيها. كما أنّ رواية “روح في البوتقة” لسليم خوري، تقدّم فكرة ضياع الفرصة من خلال إلقاء اللوم على إسرائيل تضييع فرصة اندماجها في الشرق الأوسط.
ولا شكّ أن تطرّق الباحث إلى روايتين محوريّتين في الأدب الفلسطينيّ وهما “المتشائل” و”المجموعة 778″ من حيث العلاقة بين الهوية الفلسطينيّ والمكان والزمن، من أهم النقاط التي يطرحها مخّول في سياق العناصر المشتركة بين العملين على المستوى الثيماتيّ والهوياتيّ، وخطاب المقاومة. لكنّ مخّول يعرض لفكرة اللامحو (unerasure) في المتشائل بوصفة إلغاءً للمحو وذلك من خلال التوثيق المباشر للمكان الفلسطيني وذاكرته وتاريخه. لكن مخول يوجز أيضًا رؤية حبيبي للفروقات بين عاملي المكان والزمان عند حبيبي في رواية “المتشائل” مقابل رواية إخطيّة قائلا:
“في حين يدعو حبيبي في “المتشائل” إلى اتباع النهج السياسي المحجم أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بحاجة إلى التمسك بخازوقهم والانتظار كي تتحسن الأمور، فإنه في رواية “إخطية”، على النقيض من ذلك؛ فهو يدرك الإسقاطات المترتبة على مرور الزمن. والرسالة التي يريد أن يوصلها هنا هي أن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل لا يمكنهم أن يكونوا محجمين لأن لذلك تأثيرًا مباشرًا في التي أصبحت فعلا هوية مجزأة”.
أما الحقبة الثالثة فهي فترة ما بعد 1987 سنوات الانتفاضة الأولى وعملية السلام اللاحقة، فشلها، واندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وهي الفترة التي شكّلت تحولا جذريًا وجوهريًا في الهوية الفلسطينيّة، علاقة المواطنين الفلسطينيين مع الدّولة ونظامها، ورؤيتهم للقضية الفلسطينيّة وحلّها، إلى جانب استثنائهم من عملية السلام وإعادة النظر في مكانتهم الاجتماعية في إسرائيل، وتشمل أعمالا لكلّ من مجيد منيب يونس، معين حاطوم، أدمون شحادة، محمد وتد، آسيا شبلي، نبيل عودة، رياض بيدس، إميل حبيبي، مصباح حلبي، زكي درويش، راضي شحادة، نعيم عرايدي، رافع يحيى، صبحي خميس، رجاء بكرية، فاطمة ذياب، حنا ابراهيم، سهل كيوان، سلمان ناطور، علاء حليحل، سيّد قشّوع، عدنيّة شبلي، جريس طنوس، طه محمد علي، عزمي بشارة، عودة بشارات، أيمن سكسك. وقد أطلق الباحث على هذا الفصل عنوان “الفلسطينيون يجمعهم الاغتراب” وقسّم الاغتراب إلى ستّة أبعاد: روايات الحنين الفلكلوريّة، الذاكرة وفلكلرة النكبة، روايات الانتفاضة، روايات الحيرة، الاغتراب الفلسطيني في إسرائيل، والاغتراب المتبادل. ولعلّ السمة الرئيسيّة الجامعة لهذه الحقبة الزمنيّة هو الأثر الذي تركته الانتفاضة على الروح الجمعيّة الفلسطينيّة وعمق التماثل العاطفيّ الذي أحدثته في نفوس المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل على مستوى المشاركة السياسيّة. وهذا يُعبّر عنه من خلال الوعي السياسيّة المشترك للهوية الجمعيّة على عكس الشروخ والصدوع والتناقضات التي أحدثتها الحقبتان السابقتان. فكانت روايات الحنين والانتفاضة من جهة، والتي حاولت من خلال توحيد ماضي الفلسطينيين وحاضرهم كجزء من حلّ مشكلة الاغتراب، مقابل روايات الحيرة التي لم تقدّم حلولا للاغتراب بقدر إشارتها إليه.
تتميّز هذه الدراسة بكَونها واحدة من الدراسات القليلة الأكثر شموليّة من حيث المادّة الروائيّة المتناوَلة ومن حيث قدرتها على تقصي مفهوم الهويّة الفلسطينيّة، معضلاتها، تحولاتها، وتركيباتها متعددة الطبقات في إسرائيل. أثارَ مخّول نقاطًا متعددة لها علاقة بالقصور البحثيّ في مسار العلوم الاجتماعيّة في بحث الأبعاد العميقة للهوية الفلسطينيّة في إسرائيل وغياب المؤشر الداخليّ الذي قد يطرح بشكلٍ حقيقيّ تشعّبات هذه الهويّة وتطوراتها. وربّما تأتي الأسئلة التي يطرحها الباحث على هامش البحث، لا تقلّ جوهريةً عن طرحه العامّ ومحاولته الجادّة في إيجاد المناقض، والمشترك، والحديّ في الروايات المنتمية إلى هذه الحقب. فهل التناقض بين فكرة “أدب المقاومة” (في إشارة إلى الشعر الفلسطينيّ) الذي تمثّله الحقبة الأولى، وما توصّل إليه الباحث، ينبع من تقديس الشعر الفلسطيني أم من هوة التباين بين الشعر والنثر في تلك الفترة؟ وهو ما يحتاج إلى دراسة أعمق وأوسع. هذا إلى جانب وعيه بتقديم مجموعات الروايات بناء على قواسم مشتركة جامعة وهو ما لا يعني تحليلا أسلوبيًا وافيًا يفكّك العمل السرديّ إلى عناصره الأولى ويدخل في تأصيل الثيمات وتوضيحها من خلال مناقشة الأساليب السرديّة، فهذا سيحيد بالعمل البحثيّ عن هدفه الأول: تقصّي بنية التحوّلات في الهوية الفلسطينيّة وخطابها في إسرائيل منذ عام 1948 وحتى عام 2010 والكشف عن العوامل والقوى الداخلية والخارجية التي لعبت دورًا في خلخلة وحزحزة هذه الهويّة، تهجيرها، أقلمتها، وإعادة موضعتها في حيّز أسئلة إعادة تعريف علاقة هذه الأقلية مع الخطاب الهوياتيّ السياسيّ والاجتماعيّ. وقد نجح الباحث، في نظري، في رصد حركة الهويّات المتعددة لهذه الهويّة وذبذبتها، وإن كانت هنالك حاجة لتطوير هذه الرؤية من خلال توسيع العمل الميكروسكوبيّ على نصوص بعينها قادرة لوحدها على التعبير عن مفهوم الخلل ومحاولات تصحيحه أو تعميقه وإعادة إنتاج الآخر في قلب هذه الهوية، وعلى الأخصّ تلك المكتوبة بأيدي فلسطينيّة بلسان عبريّ وما تحمله من كَشف ماهويّ للصدوع النفسيّة الداخليّة، والخارجيّة، أو تلك المكتوبة بأيديّ فلسطينيّة نسائيّة اليوم، بصفتها “الفئة” الأقلّ حضورًا في صوتها وتمثيلها.