في الوقت الذي دعا فيه البرلمان الأوروبي لمقاطعة معرض “إكسبو 2020 دبي”، والذي تزامن مع تأكيد “اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل”، أكبر تحالف في المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات وقيادة حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) من قبل، أنّ “أي مشاركة فلسطينية/عربية، رسمية أو شعبية، في معرض “إكسبو 2020 دبي”، الذي يحتفي بحرارة بجناح إسرائيلي تشرف عليه وزارة الخارجية الإسرائيلية لأول مرة في أرض عربية، يعد تواطؤاً وتشجيعاً على التطبيع الرسمي بين بعض الأنظمة العربية الاستبدادية والعدوّ الإسرائيلي”. في هذا الوقت يصبح من الضروري توجّه مجلة “رمان الثقافية” لعدد من الفنانين الفلسطينيين من كافة الميادين لسؤالهم عن موقفهم الشخصي من مشاركة السلطة الفلسطينية -التي أعلنت في وقت سابق بأنها لن تشارك بسبب مشاركة إسرائيل في هذا المعرض التطبيعي- كما سألناهم عن دور الفنان الفلسطيني في مواجهة تيّار التطبيع الثقافي الفلسطيني والعربي الذي يسعى لتقديم الكيان الإسرائيلي كدولة حضارية؟ وأخيرًا كان سؤالنا: ما هي دعوتكم للسلطة الفلسطينية ولكل من شارك من فنانين فلسطينيين في هذا المعرض الذي يستمر حتى آذار/ مارس 2022، بمشاركة أكثر من 190 دولة، والذي يعدّ أول معرض دولي تشارك به إسرائيل على أرض عربية؟ فكان هذا الاستطلاع…
الفنان التشكيلي نبيل عناني: التطبيع الثقافي أخطر أنواع التطبيع مع إسرائيل
بعد موجة التطبيع مع بعض الدول العربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) ازدادت الضغوط على التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني خاصةً مع الفلسطينيين. في العام المنصرم (2020) تمت دعوتي لأكون ضمن اللجنة الفنية مع فنانين آخرين والتي تضم أيضاً اختصاصيين في الهندسة والديكور والعلاقات العامة وحضرت عدة اجتماعات من أجل وضع مخططات لتحسين جمالية تصميم المبنى من الخارج، وطلبنا يومها استعراض المباني الأخرى للدول المشاركة في “إكسبو 2020 دبي”، واتضح لي أنّ إسرائيل إحدى الدول المشاركة في المعرض فانسحبت من اللجنة فوراً لأنني أؤمن بأنّ التطبيع الثقافي هو أخطر أنواع التطبيع مع الإسرائيليين لأنه يصيب القضية الفلسطينية في الصميم؛ حيث من المفروض أن تكون الثقافة والفنون حصراً هما ضمير الأمة والمعبر عن قضايانا ومعاناة الناس من الاحتلال العنصري، وجرى عدة محاولات لإعادتي إلى اللجنة ولكنني رفضت، بعدها أعلنت السلطة الفلسطينية انسحابها رسمياً من المعرض بعد التطبيع الإماراتي مع العدو الصهيوني ولا أدري ما الذي تغيّر لتعود السلطة للمشاركة؟ بالتأكيد نتيجة ضغوط من دول عربية وإسرائيل.
الحركة التشكيلية الفلسطينية لها موقف واضح ومعروف بعدم المشاركة في أي نشاط يكون الإسرائيليون طرفاً فيه. قبل أسبوعين تم الاتصال بي للمشاركة في معرض في متحف واشنطن، وعلى الفور سألت هل هناك مشاركة إسرائيلية فأجابوا بـ “نعم” فكان أن اعتذرت فوراً، ثم أعادوا الاتصال مرة أخرى وقالوا إنّ جناح إسرائيل منفصل ولكن تحت نفس العنوان، وكنوع من التشجيع أخبروني أنّ أعمالاً مقتناة للفنان الراحل سمير سلامة (توفي في آب/ أغسطس 2018) ستكون مشاركة بالمعرض، ولكنني أكدت على رفضي المشاركة ولو كان سمير حيّاً لرفض المشاركة أيضاً.
هذه الهجمة التطبيعية يراد منها تذويب وتطويع مجتمعنا الفلسطيني للقبول بالحلول التي تفرضها إسرائيل وإنهاء قضية فلسطين بالتعاون مع المطبعين العرب.
الخطاط والفنان أحمد داري: إكسبو 2020 دبي ليس إلا منتجاً مستورداً
منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً أعيش في فرنسا وأتنقل في عديد من الدول الأوروبية، لذا لم أتفاجأ بقرار البرلمان الأوروبي الذي دعا لمقاطعة “إكسبو 2020 دبي”، لأنّ هذه الدعوة تأتي على خلفية قضايا حقوق الإنسان وعلى سجل حقوق الإنسان في دولة الإمارات. طوال وجودي في أوروبا كنت أتساءل دوماً عن الدور الإنساني والحضاري المغيب لدول الخليج في دعم المشروع الثقافي العربي وحضوره على خارطة الدول والشعوب في العالم، وكم تمنيت حضور أعمال مسرحية خليجية في باريس مثلاً، والتي تعج بفعاليات من مختلف ثقافات العالم، أو أنّ أعمالاً أدبية لنخب خليجية مترجمة للغات أجنبية، أو أفلاماً خليجية تحصد جوائز في مهرجانات مثل مهرجان كان السينمائي وغير ذلك، لتكون الأعمال الفنية السينمائية والمسرحية والتشكيلية الخليجية حاضرة بالمشهد العالمي، ولكن للأسف لا حضور ولا استثمار في الثقافة أو الفن أو أي بصمة لهذه الدول في منجزات الشعوب، إنه فقر التجربة الذي جعل دولة كالإمارات تؤسس مهرجانات دولية للسينما مع أنها خارج المشهد السينمائي العالمي لعدم وجود سينما إماراتية أصلاً، قس على ذلك في جوائز الرواية والمسرح وبقية الفنون.
إن رؤية هذه الدول للثقافة والفن ليس إلا سلعة مستوردة لسد عجزها وفشلها في بناء تجربتها الخاصة، من هنا لا اعتبر فعاليات الخليج في هذا المجال مرجعية لتصنيف الإنتاجات الفنية والثقافية في المنطقة العربية خصوصاً والعالم عموماً. لا أعتقد أنّ المال والإفراط في الصرف على المهرجانات والفعاليات يعطي مصداقية أو يصنع تجربة لشعوب الخليج، بالطبع هناك بعض الاستثناءات ومع احترامنا لبعض النخب والأسماء في تلك الدول إلا أنّ المشهد عموماً مؤسف، والمؤسف أيضاً تهافت العديد من النخب في العالم العربي للاصطفاف خلف المشاريع والفعاليات الخليجية لكسب المال والظهور. أقارن اليوم التجربة الفلسطينية على سبيل المثال التي قدمت شاعراً كمحمود درويش وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من سبع وعشرين لغة، أو السينما الفلسطينية التي حصدت جوائز دولية ونحن نعيش جيلها الرابع، وكذلك المسرح الفلسطيني والحركة التشكيلية و و و. إنها التجربة التراجيدية للفلسطيني التي قدمت لعشرات الكتاب والشعراء والفنانين، لم تمتلك فلسطين آبار بترول أو مشاريع اقتصادية عملاقة كي تصنع تجربتها. التجربة ترتبط بالوعي المجتمعي والمؤسساتي للاستثمار بالإنسان وحضارته ومخزونه الثقافي للتأثير بالحضارة الإنسانية وترك بصمة تميزه. “إكسبو 2020 دبي” ليس إلا منتجاً مستورداً لسد العجز والتخفيف من عقد النقص التي يعاني منها مسؤولي الإمارات. لم تغرني يوماً الدعوات التي تلقيتها للمشاركة في فعاليات فنية وثقافية في تلك الدول القاصرة ثقافياً وإنسانياً.
فنّان الغرافيتي حافظ عمر: السلطة الفلسطينية عودتنا على أخذ مواقف شعاراتية فقط
أعتقد أنه من العبث التساؤل عن موقف السلطة الفلسطينية من التطبيع اليوم، هذا الشجب والاستهجان والاستنكار هو المفاجئ بالنسبة لي لأنّ السلطة عودتنا على مثل هكذا مواقف شعاراتية فقط لامتصاص الغضب في الشارع العام. وهذه ليست أول مرة تصدر قرارات عن السلطة الفلسطينية أو عن منظمة التحرير ولا يتم تنفيذها مثل قرارات المجلس المركزي عن وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، أو قرارات التوجّه إلى محكمة الجنايات الدولية وغيرها من قائمة طويلة من القرارات التي تصب في صالح الشعب الفلسطيني، ولو أنها قرارات استعراضية لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تغيّر شيء من الواقع على الأرض، ومع ذلك السلطة لم تكن على قدر تنفيذ هذه القرارات التي أطلقتها في مناسبات عدة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى السلطة الفلسطينية ليس لديها مشكلة في تطبيع الدول العربية مع إسرائيل من الأساس، والمبادرة العربية التي تبنتها السلطة كخط سياسي أصلاً تقايض التطبيع مقابل تنفيذ قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية المتمثلة بإقامة أراضي فلسطينية في أراضي الـ 67 وإخلاء الأراضي المحتلة.
أما بخصوص الفنانين الفلسطينيين المستقلين الذين قبلوا بالمشاركة في معرض “إكسبو 2020 دبي” فنحن نعلم أنّ أي سلطة وكل سلطة سياسية في العالم لها مثقفيها الذين يدافعون عن نهجها وخطها السياسي، وغالباً ما يكون هؤلاء انتهازيين ليس لديهم مواقف مبدئية، وتكون مواقفهم دائماً مستندة إلى تحقيق مصالحهم الشخصية باسم الثقافة والفن لذلك نراهم دائماً في بلاط الحكام وأبداً. وهؤلاء أيضاً لا يرجى نفعاً منهم ولا يرجى اتخاذ موقف وطني يقدمونه، والأولى ليس أن نطالبهم بأن يتخذوا مواقف وطنية وإنما عقابهم بشكل حضاري يتناسب مع هذا الفعل والجريمة بحق شعبنا ومعاناته، والعقاب الأمثل هو مقاطعتهم وعدم تداول أعمالهم والتعاطي مع ما يقدمونه من أعمال كعقاب لهم لخروجهم عن الصف الوطني، فكما أشرتم أنتم بسؤالكم نحن نتحدث عن مؤسسة أو عن جسم/ شبكة تمثّل قطاع واسع جداً من مؤسسات المجتمع الوطني الفلسطيني التي عندما وضعت معايير للمقاطعة وأشارت إلى أنّ التطبيع هو أحد الممارسات التي تهدد شعبنا وتعطي شرعية للاحتلال ولجرائمه ضدنا، وبالتالي هذا موقف وطني متفق عليه وأي خروج عنه يعد إضراراً بمصالح الشعب الفلسطيني الذي يستحق مرتكبه العقوبة المجتمعية.
الفنان التشكيلي ميسرة بارود: مشاركتنا صادمة للشارع الفلسطيني وطعنة في الخاصرة
أولاً ومما لا شك فيه أنّ القرارات التي اتخذتها الدول بشأن مقاطعة “إكسبو 2020 دبي” ستبقى حبراً على ورق لأنّ الدول والشركات اليوم تحركها المصالح الاقتصادية وليس الشعارات السياسية خاصة في ظل التراجع الاقتصادي والآثار التي خلفتها جائحة كورونا على العالم. ولكن نحن كفلسطينيين وسلطة فلسطينية يجب أن تختلف حساباتنا في ظل تطبيع دولة الإمارات مع الكيان الصهيوني فمشاركتنا تعتبر طعنة في الخاصرة وتعامي عن الواقع، وموافقة علنية على التطبيع مع الكيان وضرب للجهود المبذولة في فضح الممارسات الإسرائيلية الإجرامية بحقنا عرض الحائط.
ومما لا شك فيه أن هذه المشاركة صادمة للشارع الفلسطيني وتضرب مصداقية السلطة الفلسطينية والفلسطينيين بين شعوب العالم العربي والشعوب المتضامنة معنا والتي تقف ضد التطبيع. وعليه فقد شرعنت المشاركة الفلسطينية في “إكسبو 2020 دبي” بجوار دولة الاحتلال هذا التطبيع الذي يعتبر إعلان سافر بنجاح اتفاقية “أبراهام” وأسقطت كل الحقوق التي نسعى لنيلها. وأنا كفنان مستقل أدعو جميع الفنانين والمثقفين لمناشدة السلطة الانسحاب والتراجع عن هذه المشاركة التي طغت سلبياتها على إيجابياتها، وعدم الانجرار وراء المصالح المادية والدعم المالي.
كما أدعو جميع الفنانين في المجتمع المدني الفلسطيني والعربي للمقاطعة والحث على عدم التعاطي مع دعوات المشاركة الفنية والثقافية التي تندرج ضمن برنامج الفعاليات الترفيهية والفنية المرافقة للمعرض، وأدعوهم للاستماع لصوت ضمائرهم وصوت الشعوب الحرة، صوت الحق.
الفنان التشكيلي ماهر ناجي: مشاركة السلطة هي ضوء أخضر للتعاطي مع مسار التطبيع العربي
لقد تفاجأنا بل صدمنا من قيام السلطة الفلسطينية بالمشاركة في “إكسبو 2020 دبي” بعد موقفها الذي عبّرت فيه عن مقاطعتها لهذا المعرض، وبالنظر إلى موقف وتأكيد اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وكذلك موقف حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وكذلك جموع المثقفين والفنانين والشخصيات الاعتبارية الفلسطينية والعربية، لذلك نرى أنّ هذه المشاركة الرسمية من قبل السلطة الفلسطينية أمراً غير مبرّر بل هي ضوء أخضر للتعاطي مع مسار التطبيع العربي مع الكيان المحتل، كما وأنه من المهم أن يبقى الفنان سواء عبر التجمعات أو بشكل فردي مقاطعاً لكل النشاطات التي يكون الكيان الغاصب حاضراً فيها.
إننا ندعو السلطة الفلسطينية وكذلك الفنانين والمبدعين الفلسطينيين بالانسحاب ومقاطعة “إكسبو 2020 دبي”، لأنّ المشاركة في ظل مشاركة الكيان الغاصب هي موافقة بل تشجيع ضمني على ما يجري من قبل كيان العدو من قتل واحتلال وهدم واعتقال وحصار يطال شعبنا الفلسطيني.
الممثل والمخرج السينمائي محمد بكري: التطبيع هو استسلام لنصرة المحتل
بداية أقول إنني كإنسان وكفنان فلسطيني لا أستطيع أن أتفهم معنى التطبيع مع الاحتلال من قِبل العرب عامة والفلسطينيين خاصة، ولا يمكن إنهاء الاحتلال طالما هناك مستوطنات وأرض تنتهك من قبل المستوطنين والحواجز العسكرية يوماً بعد يوم منذ أكثر من خمسين عام.
شخصياً لم أعرف أصلاً عن وجود هذا المعرض ولكني ألوم كل من شارك من فلسطينيين أو عرب في “إكسبو 2020 دبي” الذي يطبع مع دولة الاحتلال، طبعاً هذا موقفي الشخصي ولا أمثل أي حزب أو جماعة أو سلطة ولا أعلم شيئاً عن الفنانين الفلسطينيين أو العرب المشاركين، ولكني أقول لهم: “عيب”، فالتطبيع مع الاحتلال هو قبوله، هو استسلام لنصرة المحتل، وغير مقبول من ناحيتي لا على الصعيد الفردي ولا الجماعي ولا المؤسساتي أو السلطوي. وأدعو شخصياً كل من شارك مراجعة حساباته والانسحاب من المعرض علناً، وإعلان الاعتذار عن المشاركة، فكيف لإنسان أو فنان عربي أو فلسطيني بالقبول والتسليم برواية المحتل الذي أولاً يلغي روايتنا ويحاربها كما يحدث لي مع فيلم «جنين جنين» منذ عشرين عاماً. ثانياً والاحتلال يستمر في الاستيلاء على أراضينا المحتلة عام ١٩٦٧ في الضفة والقطاع والجولان المحتل.
المنتج والمخرج السينمائي وسام موسى: ابتكار آليات تهدف إلى مقاطعة المحتل
أعلن كوني مخرج أفلام تسجيلية مستقل عن رفضي التام لأي مشاركة تحت أي مسمى هدفها التطبيع مع الكيان الصهيوني سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسواء كانت من خلال الحكومات العربية التي تخدم المصالح الإسرائيلية من خلال التطبيع أو الأفراد، وعلينا مقاطعة أي عمل ثقافي أو رياضي أو تكنولوجي… إلخ من شأنه التطبيع ليتم تحجيم الكيان الصهيوني، وفى الوقت نفسه يجب العمل بكل جد من أجل إنجاز أعمال ثقافية بمختلف أنواعها لكبح جماح الامتداد الصهيوني تحت مسميات عديدة تهدف إلى التطبيع.
كلٌ منا من موقعه يمكنه المقاومة وتوعية الجمهور العربي والأوروبي حول التطبيع وابتكار آليات وطرق جديدة تهدف إلى المقاطعة في ظل إصرار بعض الحكومات على دعم وتوفير سبل المساعدة على التطبيع من خلال الأعمال الرسمية والغير رسمية، ومن خلال المعارض أو الفعاليات كمعرض “إكسبو 2020 دبي” في دولة الإمارات التي بدأت تتفاخر من خلال الدعم الرسمي لمسار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي.